في ظل التسارع الصادم للظواهر المترتبة على الانتشار العولمي يواجه المجتمع سلسلة واسعة من التحديات والمخاطر التي تهدد بتفتيت نسيجه الداخلي وتحويله إلى بؤر مشلولة الفاعلية يسودها الصراع غير المبرر،ولما كانت الأسرة تشكل حجر الزاوية في البنية المجتمعية فقد كانت الهدف الأول لمحاولات الاختراق عبر مختلف الوسائل الفاعلة وفي مقدمتها الإعلام المصاب بالسعار الجنسي والإرهاق الاقتصادي،ونتيجة لذلك فقد عاشت محافظة اللواء الأخضر فيما قبل الثلاثة الأعوام المنصرمة مرحلة حرب ضروس ضد غزو الزواج السياحي الذي دمر حياة عدد من الفتيات وحققت تلك الحرب نتائج جيدة،وفي محاولة للحيلولة دون تكرار المأساة فقد أطلق تحالف القيادات النسائية بمحافظة إب صافرة الإنذار المجتمعي ليعلن عن اختراق الزواج العرفي لمجتمع المحافظة الخضراء..وقد جاء ذلك الإنذار عبر الحلقة النقاشية الأولى التي نظمها التحالف بفندق جاردن إب.... «الجمهورية» التقت عدداً من المشاركين في الحلقة النقاشية الذين أوجزوا مضمون آرائهم حول هذا الموضوع الشديد الخطورة.. ماهية الزواج السياحي الشيخ محمد سيف العديني إمام وخطيب جامع الروضة بمدينة إب تحدث عن مفهوم الزواج العرفي بقوله: الزواج العرفي هو ارتباط بين شاب وفتاة بطلبه الزواج منها وإجابتها له بقولها: زوجتك نفسي،ثم يكتبان ورقة بينهما أو عند محام،وهذا النوع من الزواج منتشر في بلدان كثيرة وهو باطل في الشرع حيث،وسمي زواجاً عرفياً لأنه لم يوثق لدى الجهات المختصة،ولذلك يجب أن ننتبه إلى قضية توثيق العقود حيث أصبح الناس يتساهلون في توثيق عقود الزواج عدا في حالات سفرهم. النار من مستصغر الشرر الأستاذة سميرة ناجي الباهلي الرئيس السابق لاتحاد نساء اليمن بمحافظة إب ومديرة مركز الأسرة المنتجة بالمحافظة: أعتقد أن العلم بالشيء أفضل من الجهل به،ففي فترة سابقة كنا قد بدأنا بالتوعية بقانون الأحوال الشخصية في جامعة إب واكتشفنا أن %99 من الشباب الجامعي لا يعرف معنى قانون الأحوال الشخصية رغم أهميته،ومرة أخرى يأتي هذا القانون كمرتكز لعلاج ظاهرة الزواج العرفي،وبرأيي فإن ثقافة الفضيحة والعار هي التي تمنع وصول ظاهرة الزواج العرفي من الوصول إلى دائرة الاهتمام والمناقشة،والتهاون بها سيقود إلى استفحالها لأن النار تأتي من مستصغر الشرر... لذلك فما زاد عن ثلاث حالات فيعد ظاهرة،ومن الواجب تناولها على مختلف المستويات بعقلانية دون شطط يضر بتعليم الفتيات وبالرغم من أن التناول الإعلامي في فترة سابقة قد أعطى حجماً كبيراً للزواج السياحي إلا أن نتائجه كانت جيدة ولكل قضية ثمن... وعلينا أن ندفعه لحماية بناتنا وشبابنا ومجتمعنا خصوصاً أن ظاهرة الزواج العرفي ذات نتائج وخيمة تطال الجميع ومنها: تدمير مستقبل الفتاة وسمعتها فقد تصبح ضحية سكين الشرف أو ينتهي بها الأمر في عيادة الترقيع وفي أفضل الأحوال يتم عقد زواجها رسمياً في واقع مهين لأسرتها،وهذه الظاهرة تسهم في إعادة ثقافة وأد البنات الجاهلية،كما إن الزواج العرفي يقود إلى خلق حالة من القلق النفسي للفتاة لعدم استقرار أمرها وضياع حقوقها الزوجية وبقائها رهينة النظرة المجتمعية المزدرية،وفي حال دخولها السجن فإنها ستجد منه الطريق إلى وحل الرذيلة عقب خروجها أو كنتيجة عكسية غير مقصودة تؤدي هذه الظاهرة إلى سيادة ثقافة الشك في صفوف الشباب وبالتالي تسود العنوسة في صفوف الفتيات المتعلمات والجامعيات لعزوف الشباب عن الزواج بهن،أما الأولاد الذين قد يأتون نتيجة هذا الزواج فمصيرهم الضياع والحرمان والبؤس، وتترتب على ذلك انتشار الجريمة التي تتقدمها قتل الفتاة أو الفتى المرتبط بها ومن ثم انتشار الثأر،وتفكك الأسرة وانتشار الإجهاض ومن ثم إلى نزع الثقة في المجتمع. ليس محصوراً بمجتمع التعليم المحامي فهد فضل الحسني أشار إلى غياب الإحصاءات الدقيقة للموضوع بقوله: في ظل عدم وجود مراكز متخصصة يصبح الحديث عن مؤشرات إحصائية لحالات الزواج العرفي ضرباً من الخيال لكن المعلومات المتوافرة تؤكد تعددها، وأنا شهدت بنفسي إحدى تلك الحالات وقد كانت بين مغترب يمني في الولايات المتحدة الأمريكية يتعرف على فتاة بالهاتف وكانت تعمل في مراكز اتصالات،فأتى إلى المحافظة وأخذها في جولة سياحية قصيرة لكنها لم تمكنه من نفسها فأقنعها بالزواج العرفي فكتب عقد الزواج بنفسه وشهد على ذلك سائقه الشخصي،ثم بعد أن حملت الفتاة تنكر لها ووصلت القضية إلى القضاء،ومن خلال هذه الحالة يتبين أن العلاقات السرية ليست كما يتوهم البعض أنها محصورة في مجتمع المدارس،بل إنها تقام أينما توافرت الظروف والأسباب،وعموماً فهذا الزواج غير صحيح وفق قانون الأحوال الشخصية. جريمة الآباء محمد ناصر البخيتي وكيل محافظة إب: من المعلوم أن حماية المرأة أو الفتاة مسؤولية عدة جهات،فالأسرة تتحمل المسؤولية بالدرجة الأولى،ثم تأتي مسؤولية المدرسة في المرتبة الثانية،وفي المرتبة الثالثة تأتي مسؤولية خطباء المساجد الذين يتمتعون بتأثير كبير على الناس،هذا من جهة،ومن جهة أخرى، فتعد فترة المراهقة من أدق مراحل حياة الجنسين وتتطلب رقابة قوية من الأسرة والجهات المعنية كالمدرسة والعمل لأن المرأة ضعيفة والشباب ضعفاء لعدم وصولهم إلى مرحلة النضوج،ولذلك فنحن نعول كثيراً على مديرات المدارس باعتبارهن ناضجات ويفهمن هذه الأمور جيداً،وعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم في حماية الفتيات المراهقات اللاتي قد يقعن ضحايا للكلام المعسول والمظاهر الخادعة. وفي رأيي فإن الآباء مشتركون في الجريمة التي تنتهي بالزواج العرفي السري،حيث يتطلعون على الدوام إلى تزويج بناتهم من ذوي الثروة الطائلة فيهتمون بالحصول على المال فقط ولايهتمون مطلقاً بما ستلاقيه بناتهم من عذابات وهؤلاء يسيرون في الطريق المعاكس لقول الرسول الكريم: «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه»،وإذا كانت ولاية المرأة عائدة لوالدها فإن ذلك لايعني امتلاكه الحرية في إجبارها على الزواج بمن لاترتضيه،وهنا يجب التأكيد على أن المعالجة لن تتم بما قد يتهور بعض الآباء في فعله كحرمان الفتيات من التعليم لأن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ولكن علينا تحصينهن بالتوعية المستمرة والاقتراب من همومهن وتطلعاتهن. انتشار مفزع كاملة ياسين عضو تحالف القيادات النسائية بمحافظة إب تقول: ليس صحيحاً مايقال عن سلامة مجتمعنا فمن خلال ماقمنا به من زيارات ميدانية وبحوث علمية توصلنا إلى نتائج تقشعر منها الأبدان ويقف من هولها شعر الرأس فقد انتشرت ظاهرة العلاقات الجنسية السرية بشكل مفزع،وهذه الظاهرة نتجت عن جملة من الأسباب ومن أهمها؛ الإعلام الذي يروج للعلاقات الغرامية بين الشباب والشابات وقصص الزواج العرفي،ضعف الوازع الديني لدى الشباب،ضعف الترابط الأسري،كلفة الزواج الباهظة التي لايقوى الكثير من الشباب على توفيرها فيلجأ إلى إشباع حاجاته بطرق أخرى،ولذلك فالحديث عن كون المجتمع بخير يعد ضرباً من الاستهتار،فماذا يعني أن تؤخذ الفتاة ذات الأربعة عشر عاماً إلى مدينة أخرى؟ وماذا تعني تلك الفتيات القابعات في السجون؟ أعتقد أن مايجعل البعض مطمئناً إلى أننا بخير هو الغياب شبه الكامل لوسائل الإعلام عن مناقشة مثل هذه الموضوعات،وعدم وجود مراكز لأبحاث المجتمع،بالإضافة إلى أم الدواهي في الأسرة الجاهلة التي تتعامل بوحشية مع الحالة التي تظهر لديها عن طريق قتل الفتاة بالسم،وكثيرات قضين بهذه الطريقة غسلاً للعار، وهذا يعني عودة ظاهرة وأد البنات التي أنهاها الدين الإسلامي.. ومن هذا المنطلق،فنحن نضع هذه الظاهرة أمام الجميع ليتحمل كل فرد مسؤوليته فهذه أمانة سيسأل كل شخص عما فعله بها. الفتاة ضحية أسرتها حبيبة الخمري: هناك إهمال ملحوظ من بعض الأسر لفتياتها على مختلف الأصعدة فالتقيد بمواعيد الخروج والعودة منعدم والبحث عن أسباب تأخر الفتاة خارج المنزل غائب وليس أمراً مهماً بنظر كثير من الأسر، ومن هنا تتسلل المشاكل وبذلك تصبح الفتاة ضحية أسرتها. يقظة الجميع ماجدة الشويطر مديرة إدارة تعليم الفتاة بمحافظة إب: الحمد لله أن مايسمى بالزواج العرفي مازال محصوراً بعدد قليل من الحالات، وهذا الوضع يقتضي صحوة موحدة من الجميع لنتكاتف ونقضي عليه قبل أن يستفحل وسننجح كما نجحنا في القضاء على الزواج السياحي. الظاهرة العولمية الدكتورة نادية العطاب كلية التربية بجامعة إب: أرجو ألا نستهين بظاهرة الزواج العرفي خصوصاً مع تعدد الصور والأشكال لتلك العلاقات، وهو مالم يدر بخلدنا أنه سيحدث في مجتمعنا ولكن هذه الظاهرة بدأت تتغلغل في المجتمع كواحدة من النتائج المترتبة على اكتساح العولمة والقنوات الفضائية السيئة، ولذلك فالتوعية والمراقبة الأسرية العقلانية تأتي في مقدمة الحلول المطلوبة، بالإضافة إلى تفعيل دور الاختصاصيات الاجتماعيات في المدارس، خصوصاً أن كل سلوك غريب يظهر بسرعة لدى الفتيات، وأعتقد أن حديث البعض عن تعدد الزواج ينحو باتجاه الوهم فلا يمكن لتعدد الزوجات أن يحل المشكلة كونها تختص بالشباب أكثر من غيرهم فلماذا لايتم تيسير مهمة زواجهم؟ التدين الزائف محمد النزيلي، فتح النار على أصحاب التدين الزائف فقال: بصراحة هناك خلل في المجتمع حيث نجد المئات من أبناء مجتمعنا يحرصون على تأدية مناسك الحج والعمرة بصورة سنوية وفي أدنى الأحوال يكون الفرد قد أداها مرة سابقة على الأقل، فلماذا لايكون الأمر مقتصراً على تأدية تلك الشعائر لمرة واحدة ويتم التبرع من قبل هؤلاء بماكانوا سينفقونه في السفر إلى مكة المكرمة لتيسير زواج الشباب هنا، بل إننا نعجب من بعض هؤلاء المواظبين على الحج حيث لم يهتموا حتى بتيسير زواج أبنائهم!! وبالرغم من ذلك فهم يفتخرون بأدائهم المتكرر للحج، فلابد من تصحيح الفهم الديني في سبيل إصلاح المجتمع قبل الندم. التواصل المرن والفعال تيسير الحداد: أعتقد أن المشكلة ليست هينة وأنا أطالب المدارس باعتماد المعاملة ذات المرونة العالية مع الطالبات والتواصل مع أولياء أمورهن وعدم الاقتصار على الإنذار الشهري في حال الغياب، وأناشد وسائل الإعلام اليمنية القيام بدورها في توعية المجتمع والتصدي لكل هذه المخاطر التي تتهدد النسيج المجتمعي