"ثورة شعبية ضد الحوثيين"...قيادية مؤتمرية تدعو اليمنيين لهبة رجل واحد    رباعية هالاند تحسم لقب هداف الدوري.. وتسكت المنتقدين    فاجعةٌ تهزّ زنجبار: قتيلٌ مجهول يُثيرُ الرعبَ في قلوبِ الأهالي(صورة)    حقيقة وفاة محافظ لحج التركي    استهداف السامعي محاولة لتعطيل الاداء الرقابي على السلطة التنفيذية    " تصريحات الزبيدي خاطئة ومضرة وتخدم الحوثي!"..صحفي يحذر من تمسك الزبيدي بفك الارتباط    لماذا رفض محافظ حضرموت تزويد عدن بالنفط الخام وماذا اشترط على رئيس الوزراء؟!    الليغا: اشبيلية يزيد متاعب غرناطة والميريا يفاجىء فاليكانو    جريمة مروعة تهز شبام: مسلحون قبليون يردون بائع قات قتيلاً!    وفاة مريض بسبب نقص الاكسجين في لحج ...اليك الحقيقة    "جروح اليمن لا تُداوى إلا بالقوة"...سياسي يمني يدعو لاستخدام القوة لتحقيق السلام المنشود    ليفربول يعود إلى سكة الانتصارات ويهزم توتنهام    رصاصاتٌ تُهدد حياة ضابط شرطة في تعز.. نداءٌ لإنقاذ المدينة من براثن الفوضى    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ورشة في عدن بعنوان "مكافحة غسل الأموال واجب قانوني ومسئولية وطنية"    أين تذهب أموال إيجارات جامعة عدن التي تدفعها إلى الحزب الاشتراكي اليمني    السلطة المحلية بمارب توجه بتحسين الأوضاع العامة بالمحافظة    الرئيس الزُبيدي ينعي المناضل محسن أبوبكر بن فريد    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    الوكيل الحسني يطلع على سير اعمال مشروع إعادة تاهيل الشارع العام مدخل مدينة الضالع    لماذا اختفت مأرب تحت سحابة غبار؟ حكاية موجة غبارية قاسية تُهدد حياة السكان    افتتاح دورة مدربي الجودو بعدن تحت إشراف الخبير الدولي ياسين الايوبي    خصوم المشروع الجنوبي !!!    الحبيب الجفري ناعيا الشيخ بن فريد.. أكثر شيوخ القبائل والساسة نزاهة في بلادنا    قيادي حوثي يعاود السطو على أراضي مواطنين بالقوة في محافظة إب    مجلس القضاء الأعلى يقر إنشاء نيابتين نوعيتين في محافظتي تعز وحضرموت مميز    الإصلاح بحضرموت يستقبل العزاء في وفاة أمين مكتبه بوادي حضرموت    تنفيذي الإصلاح بالمهرة يعقد اجتماعه الدوري ويطالب مؤسسات الدولة للقيام بدورها    بعد رحلة شاقة امتدت لأكثر من 11 ساعة..مركز الملك سلمان للإغاثة يتمكن من توزيع مساعدات إيوائية طارئة للمتضررين من السيول في مديرية المسيلة بمحافظة المهرة    الاحتلال يرتكب مجازر جديدة بغزة وارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و683    بخط النبي محمد وبصمة يده .. وثيقة تثير ضجة بعد العثور عليها في كنيسة سيناء (صور)    غدُ العرب في موتِ أمسهم: الاحتفاء بميلاد العواصم (أربيل/ عدن/ رام الله)    أمريكا تغدر بالامارات بعدم الرد أو الشجب على هجمات الحوثي    صحيفة بريطانية: نقاط الحوثي والقاعدة العسكرية تتقابل على طريق شبوة البيضاء    ماذا يحدث داخل حرم جامعة صنعاء .. قرار صادم لرئيس الجامعة يثير سخط واسع !    الحكومة تجدد دعمها لجهود ومساعي تحقيق السلام المبني على المرجعيات    نجوم كرة القدم والإعلام في مباراة تضامنية غداً بالكويت    اشتباكات بين مليشيا الحوثي خلال نبش مقبرة أثرية بحثًا عن الكنوز وسط اليمن    أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني في صنعاء وعدن    ماذا يحدث في صفوف المليشيات؟؟ مصرع 200 حوثي أغلبهم ضباط    ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعون زيارة وألف حكاية ورواية الحلق3
اليمن وأهل اليمن
نشر في الجمهورية يوم 22 - 06 - 2008


الحركة الوهابية
وبينما يرى البعض من المؤرخين ان محمد علي باشا والي مصر ومؤسس نهضتها الحديثة ، جهز حملته العسكرية الاولى للحجاز بتوجيه من السلطان العثماني للقضاء على الحركة الوهابية ، يجمع البعض الآخر من المؤرخين ، على ان تأمين العمق الاستراتيجي الجنوبي الشرقي كان هاجسه وهدفه ، عندما بدأ عملاء شركة الهند الشرقية في الجزيرة العربية يهددون طريق التجارة العالمية بين الشرق والغرب ، ويفرضون الاتاوات على القوافل التجارية ! لكن الحملة العسكرية المصرية ما أن اتمت انجاز مهمتها في الحجاز ، حتى ولت وجهها شطر اليمن ، وتمكنت من انتزاع مناطق شاسعة من “تهامة” كان قد استولي عليها عام 1818 ، ونجح محمد علي في اعادتها الي اليمن ابان حكم الامام المتوكل على الله أحمد بن علي .
وحتى لا نتوغل اكثر في احداث التاريخ ، نتوقف قليلاً ًبالضرورة للتعرف علي أسباب عودة جيش محمد علي الى اليمن للمرة الثانية لمواجهة الانجليز الذين ورثوا النفوذ البرتغالي في المنطقة ، إذ كان الانجليز قد وجهوا مدافعهم البحرية وقصفوا ميناء المخا ، ثم أجبروا امام اليمن على منحهم مركزاً عسكرياً، حيث تمكنت الحملة العسكرية المصرية من تحرير جميع مناطق تهامه عام 1832 ، وحتى وصلت الي مرتفعات تعز ..
والقصة بعد ذلك باتت معروفة بكل تفاصيلها ، حول دور محمد علي في استنفار القبائل اليمنية وقوات الامام لإثارة القلاقل السياسية والمناوشات العسكرية ضد الانجليز في عدن، وشل منافستها للموانئ اليمنية والمصرية على الصعيد التجاري وتحصيل الايرادات والرسوم على البواخر التجارية ، واستمر هذا حال العلاقات السياسية والعسكرية والتجارية بين مصر واليمن ، حتى نجحت المؤامرة الكبري على محمد علي التي انتهت فصولها عبر معاهدة لندن عام 1840 ، وبمقتضاها نجحت بريطانيا والدول الكبرى وقتئذ في إلزامه بالانسحاب من اليمن والجزيرة العربية ، والى حد تفكيك الترسانة البحرية وكل مصانع السلاح في مصر، بل وحتي مصنع الطرابيش !
تلك ومضات سريعة من تاريخ العلاقات اليمنية المصرية ، و”ميكانيزم” التفاعل “الديناميكي” بين البلدين في السراء والضراء ، ولعله يفسرما وراء أفول نجم مصر الساطع في محيطها العربي ، بداية من اجهاض مشروع محمد علي الذي كان يرنو الى قيام دولة عربية قومية ومستقلة عن الخلافة العثمانية المريضة في استانبول، مروراً بإجهاض الثورة العرابية اثر الاحتلال البريطاني لمصر ، في الوقت الذي أصبحت فيه اليمن مشاعاً لأطماع الانجليز نهاية باجهاض المد القومي التحرري لثورة يوليو في الخامس من يونيو عام 1967 ، وانسحاب القوات المصرية بعد أن أدت دورها الجسور باليمن وباتت قادرة بقواتها الذاتية في الدفاع عن الثورة والجمهورية !
نابليون فى مصر
نحسب ان الباحثة اليمنية الدكتورة الهام مانع في دراستها حول الاوضاع التي شهدتها اليمن عهدئذ بوجه خاص ، والجزيرة العربية بشكل عام ، قد احاطت بهذه التطورات في دقة وأمانة .. تقول :
العلاقات اليمنية البريطانية كانت اشكالية منذ البداية ، وهي قد ظلت كذلك لسبيين ، لأن بريطانيا استعمرت جنوب اليمن وفصلته عن الشمال ، مما ادى مع الوقت الى انشاء كيان مستقل جديد على الحافة الجنوبية للجزيرة العربية ، السبب الثاني ويتمثل في التدخل البريطاني في شئون الشمال اليمني.
بعدها تطورت المصالح البريطانية في جنوب اليمن بعد غزو نابليون لمصر عام 1798 ، ولخوف البريطانيين من تقدم الجيوش الفرنسية نحو الجزيرة العربية ومنها الى الهند، لذلك قاموا بإرسال قواتهم الى جزيرة بريم في باب المندب لحماية المدخل الجنوبي للبحر الاحمر ، لكنهم اضطروا للانسحاب لأن القوات الفرنسية ظلت بعيدة عن المنطقة وبسبب نقص المياه في الجزيرة كذلك .
على ان البريطانيين عادوا مرة ثانية الى المنطقة اثر غزو محمد علي لسوريا ، وتهديده لسيادتها على الهند في حالة غزوه للجزيرة العربية كلها بما في ذلك ميناء عدن الاستراتيجي ، والحيلولة بالتالي دون تموين اساطيلها الحربية والتجارية ، ولذلك لجأت بريطانيا الى التفاوض مع سلطان لحج لشراء او استئجار الميناء دون جدوى ، فكان لجوئهم الى استخدام القوة للسيطرة على الميناء عام 1839 .
فلما استتبت سيطرة الانجليز على عدن وتحصينها جيداً لمواجهة التهديدات العسكرية، شرعوا الي السيطرة على مناطق الداخل في جنوب اليمن عبر السلاطين ومشايخ القبائل الذين اجبروا على توقيع معاهدات الاذعان والخضوع ، والزامهم بعدم الاتصال مع القوى الخارجية مقابل الحماية والمعونات المالية الهزيلة ، ولم يكن اقناع الاتراك بتلك التطورات صعباً ، إذ لم تكن لديهم ثمة اهتمام بميناء عدن ، بينما يعزو البعض من المؤرخين خضوع الاتراك للانجليز والى حد تقديم عدن هدية لهم ، انما مرجعه لدور بريطانيا في عزل محمد علي حاكم مصر واخراج قواته من الجزيرة العربية ، وهكذا ما بين شهري يناير ومايو عام 1914 قامت لجنة”انكلو-تركيا” مشتركة بمهمة تحديد النفوذ بين الجانبين في اليمن ووقعت معاهدة بهذا الشأن في نفس العام .
ولم يقدم الاتفاق اقليم حضر موت فحسب للبريطانيين ، لكنه افضى كذلك الى فصل شمال اليمن عن جنوبه ، ومن عجب الا تتجاوز سيطرة الانجليز عشرة كيلو مترات فقط خارج عدن ، اما النفوذ التركي فقد ظل قائماً في بعض المناطق التي استوعبت حامياتهم العسكرية ، لكنهم كانوا مرغمين على الانسحاب بعدئذ امام نفوذ وقوة بأس الامام يحيى الذي رفض الاعتراف بالمعاهد المشبوهة ، واصر على الوحدة بين شمال وجنوب اليمن ، وحتى يتحقق ذلك الهدف شن حملة عسكرية ضد القوات البريطانية بمساعدة مشايخ الداخل في المحميات الجنوبية ، الا انهم اجبروا على الانسحاب من المناطق التي استعادوها بعد ان استخدم الانجليز ضدهم اسلوب القصف الجوي !
وتتابع الدكتورة الهام مانع دراستها التاريخية للتطورات التي شهدتها الجزيرة العربية مشيرة الى تصاعد حالة تردي العلاقات البريطانية اليمنية ، عندما تعمد الانجليز تعقيد الموقف السياسي في المنطقة رداً على مطالبة الامام يحيى بتحرير الجنوب اليمني ، حيث اندفعت القوات البريطانية لاحتلال الموانئ اليمنية في الحديدة والمخا والسالف ، والسيطرة على بعض مدن الشمال اليمني ، لكن الامام يحيى رفض بعناد مطالب الانجليز ، فما كان الا ان منحوا بعض من أراضي اليمن للامام الادريسي حاكم عسير الذي كان خصما لدوداً للامام يحيى..وتلك قصة أخرى !
عبد الناصر فى مقر الاخوان المسلمين
اذكر عام 1977 عندما كنت في زيارة القاضي عبد الرحمن الايرياني بدمشق اثر عزله او اعتزاله رئاسة المجلس الجمهوري في صنعاء ، حيث روى لي كعادته في سياق تنويري بتاريخ النضال اليمني وفهم ابعاد الشخصية اليمنية ، ان الرئيس جمال عبد الناصر افضى له في ساعة صفاء بشرارة وعيه بمأساة الشعب اليمني عندما قدر له ان يقضي اجازة من الخدمة العسكرية بالقاهرة ابان حرب فلسطين عام 1948 ، حيث اصطحبه صديقه وزميله عبد المنعم عبد الرؤوف الضابط بالقوات المسلحة ، لحضور ندوة جماعة الاخوان المسلمين التي كانت تعقد مساء كل ثلاثاء بمقر الجماعة في حي الحلمية ، وهناك استمع الى شرح مآساوي اهتز له كيانه حول الاوضاع في اليمن قدمه القطب الاخواني البارز الفضيل الورتلاني ، وكان قد عاد لتوه من اليمن وعاصر نكبته اثر فشل ثورة الاحرار عام 1948، وكيف ان جمال عبد الناصر تولدت لديه منذ تلك الليلة الرغبة العارمة – على حد قوله – في متابعة الاوضاع السياسية في اليمن ، وهو حين بحث وقتئذ في المكتبات عن مؤلفات حديثة في هذا الشأن ، لم يجد سوى كتابين ، الأول “ملوك العرب” للكاتب والاديب الكبير أمين الريحاني ، والثاني عن الحضارة اليمنية للدكتور أحمد فخري .
والحقيقة ان كتاب “ملوك العرب” للكاتب والأديب الكبير أمين الريحاني ، سد نقصاً معرفياً لدى النخبة المصرية بحال وأحوال اليمن ، فهو كان بانوراما رائعة في أدب الرحلات، حيث طوف خلاله بمشاهداته الذكية التي احاطت بالاوضاع السياسية في عدد من الاقطار العربية التي قام بزيارتها عام 1920 ، وبينها المملكة المتوكلية اليمنية ، لكأنه كان يقرأ الغيب ويستشرف المستقبل ، حين قدر ان دوام أحوال اليمن المزرية من المحال ، وان التغيير الجذري بات خيار الشعب اليمني المحتوم ، غير ان نبوءته تأخرت زهاء 28 عاماً وكادت تتحقق بالفعل عام 1948 باندلاع الثورة بزعامة حركة الاحرار التي ضمت صفوة المستنيرين من العلماء والمثقفين والضباط ومشايخ القبائل لكنها اجهضت لأسباب متباينة كما هو معروف.
اذكر من كتاب “ملوك العرب” ما رواه أمين الريحاني عن الامام يحيى ابن حميد الدين قوله : قبح الله ملكاً يدخل عليه من هو أعلم منه” حيث ان الامام كان يعتقد ان الامامة باتت حقاً إلاهياً له ، من هنا أغلق جميع المدارس واكتفى بكتاتيب متواضعة لحفظ القرآن ، حتى يظل العالم الاوحد وسط شعب من الجهلاء ، ولترشيد الانفاق امر الموظفين بعدم وضع الرسائل في ظرف او مغلف خاص ، بل تلف الرسالة كما تلف السيجارة ، وإذا كان هناك رداً على الرسالة او تعليق على محتواها تتم كتابته على ظهرها ، ومن يخالف هذه التعليمات يفصل من وظيفته ، وقد استمرت هذه العادة حتى أوائل سنوات ثورة 26 سبتمبر 1962.
كان الامام يحيى جم النشاط ، يباشر عمله بعد صلاة الفجر حتى المغيب ، يحب الأبهة والاناقة ، لا يصرف ريالاً واحداً لأي سبب الا تحت توقيعه “عبد الله وفقه الله” ، وكان يعاقب على اقتناء الراديو وهواية الرسم والتصوير ، ولذلك لم تلتقط له صورة واحدة في حياته ، غير رسم بريشة علي الجناتي ورسم اخر بريشة عبد الكريم الغسالي ، وهو الأقرب الى الاصل ، غير رسم الاديب أمين الريحاني في كتابه “ملوك العرب” الذي قيمه في اعجاب أوصيره قائلاً :
بتنا في أمر هذا الامام حائرين ، أبدوي هو إذا غضب ، وسياسي إذا رغب ، وشاعر فيما يجب ، أعالم مجتهد ، وحاكم مستبد ، اغليظ الكلمة ورقيق الشعور يجتمعان في شخص واحد” ثم ان الريحاني له عبارة شهيرة يحدد فيها المذهب الديني للامام يحيى “عجبت كيف اجتمعت في شخصيته الزيدي والشافعي ، لأنه كان يتخفى على اعتناقه للمذهب السني ويبدي زيديته للعامة ، ورسمياً لتغلب المذهب واتباعه على الساحة” !
ويقول الريحاني: ان الامام يحيى ابتكر طريقة مهيمنة لضمان ولاء القبائل وخضوعها لطاعته ، إذ كان يحتفظ لديه في معسكر خاص بزهاء ثلاثة آلاف رهينة من أولاد مشايخ القبائل ، فإن تمرد أحدهم على سلطانه كان ابنه او ابنائه عرضه للاعدام فوراً ، ولم يكتف بذلك وانما مارس الطب بفروعه المختلفة ، واستطاع بالخداع وترويج معاونيه لكراماته في اقناع شعبه بأنه الطبيب الأكبر” .
وقد خرجت بانطباع اثر قراءة كتاب ملوك العرب بأن أئمة بيت حميد الدين جاءوا بمعجزة عندما نجحوا في ايقاف حركة التطور والتاريخ ، خاصة وان اليمن تراجع في عهدهم القهقرى قروناً سحيقة على غير سائر الاقطار العربية ، بل ان بعض المثقفين اعتبر روايات الريحاني عن اليمن اشبه بالاساطير التي نطالعها في روايات ألف ليلة وليلة للتسلية وازجاء أوقات الفراغ !
على انه في ثلاثينات القرن العشرين وصلت الى اليمن اول بعثة تعليمية مصرية ، ورغم الصعوبات الجمة التي واجهتها ، الا انها نجحت الى حد كبير في مهمتها التعليمية والتنوير بالتقدم العلمي خارج اليمن ، ولا شك ان توالي البعثات المصرية الى اليمن لم ينقطع، وكذلك استقبال الازهر وغيره من المعاهد والجامعات والمدارس للدارسين من ابناء اليمن ، وهذا الجانب وغيره من جوانب التفاعل بين الشعبين ظلت تصب دوماً في مجرى العلاقات المشتركة ، وحتى كان الدور المصري على الصعيد السياسي والعسكري والحضاري في دعم الثورة اليمنية ، وامتزاج دماء المصريين واليمنية وأرواح شهدائهم ، وهو ما أدى الى تعميد وتحصين العلاقات وحمايتها من الاختراقات المعادية وتصويب مسيرتها تباعاً !
الفضيل الورتلاني
بعد ذلك يأتي السؤال عن الفضيل الورتلاني ودوره في اليمن ؟
الموسوعة التي أعدها المستشار عبد الله العقيل الامين المساعد لرابطة العالم الاسلامي حول تراجم عدد من ابرز الرموز الاسلامية ذات الباع العريض في الدعوة والجهاد في سبيل الله ، تروي عن الفضل الورتلاني الكثير من المعلومات .. تقول :
هو إبراهيم مصطفى الجزائري المسمى الفضيل الورتلاني ولد في 6/2/1906 في بلدة (بني ورتلان) في الشرق الجزائري وينتمي الى اسرة عريقة ، فجده الشيخ الحسين الورتلاني من العلماء المعروفين ، وقد حفظ الفضيل الورتلاني القرآن الكريم وهو صغير كما درس علوم اللغة العربية والدين على علماء بلده ، ثم استكمل دراسته في مدينة “قسطنطينة” على يد العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تأسست سنة 1931م ، وقد ابتعث الورتلاني الى فرنسا كمندوب للجمعية حيث اقام في باريس من سنة 1936 الى سنة 1938م يبث الروح الاسلامية العظيمة في العمال والطلبة الجزائريين بفرنسا، حيث أنشأ عدة نواد لتعليم اللغة العربية ومبادئ الدين الاسلامي ومحاربة الرذيلة في اوساط المسلمين المقيمين بفرنسا، واستطاع خلال عامين فقط ان يفتح الكثير من النوادي الثقافية في باريس وضواحيها والمدن الفرنسية الاخرى حيث كانت النوادي تحتوي على قاعة للصلاة ومدرسة لتعليم الدين الاسلامي وتدريس اللغة العربية .
وعن اتصالات وجولات الورتلاني تقول الموسوعة :
كانت له اتصالات واسعة بالمسلمين المقيمين في فرنسا من الجزائريين وغيرهم من العرب الدارسين هناك أمثال الشيخ محمد عبد الله دارز والشيخ عبد الرحمن تاج والاستاذ محمد المبارك والاستاذ عمر بهاء الدين الاميري ، وقد اثار هذا النشاط الاسلامي السلطات الفرنسية والمنظمات العنصرية الارهابية فأخذت تضيق على المسلمين الناشطين وفي مقدمتهم الاستاذ الفضيل الورتلاني الذي قررت منظمة “اليد الحمراء” الارهابية اغتياله ، فما كان منه الا ان غادر فرنسا الى ايطاليا بمساعدة الامير شكيب ارسلان الذي وفر له جواز سفر حيث توجه إلى مصر سنة 1939م وهناك وجد المناخ المناسب للنشاط الاسلامي ، فقد سبقه لزيارتها شيخه ابن باديس قبل ربع قرن والتقى علماءها أمثال الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية انذاك والشيخ ابي الفضل الجيزاوي الذي صار فيما بعد شيخا للازهر ، وكان الامام الشهيد حسن البنا شديد الاعجاب بالشيخ عبد الحميد بن باديس وجهاده الاسلامي حتى انه حين اسس مجلة فكرية اسماها ب”الشهاب” تيمناً بمجلة الشهاب الجزائرية ، وقد سهلت هذه الصلة الروحية بين الحركتين الاسلاميتين الاخوان المسلمين بمصر وجمعية العلماء الجزائرية بالجزائر الطريق لاتصال الفضيل الورتلاني بالاخوان المسلمين والانضمام اليها واصبح عضواً بارزاً فيها ، وقد القى الفضيل الورتلاني (حديث الثلاثاء) بالمركز العام للاخوان المسلمين نيابة عن المرشد العام للاخوان المسلمين حسن البنا حين كان خارج القاهرة.
أما عن نشاطه وجهاده فقد شارك الفضيل الورتلاني وهو بمصر في تأسيس عدة جمعيات خيرية وسياسية كاللجنة العليا للدفاع عن الجزائر وجمعية الجالية الجزائرية سنة 1943م التي كان أمينها العام وتضم في عضويتها الشيخ محمد الخضر حسين وحفيد الامير عبد القادر الجزائري والامير عبد الكريم الخطابي المغربي .
وكان للفضيل الورتلاني دوره البارز في تنظيم ثورة الاحرار في اليمن سنة 1948م مما يعرفه القاضي والداني وبخاصة رجالات اليمن .
ثم يقول المستشار عبد الله عقيل عن البورتلاني : “ولست أدري من أي الجوانب أبدأ الحديث عن هذا الشخص العظيم ، والسياسي المحنك والبطل الشجاع والمغامر الجسور والمجاهد الصابر ، الذي حار الناس في مواهبه المتعددة وعجزوا عن مجاراته في انطلاقه لتحقيق الاهداف التي يؤمن بها والمباديء التي يدين لها ، وهي تحرير الشعوب الاسلامية بكاملها ، من ربقة الاستعمار الاجنبي ايا كان لونه وجنسه ، واحلال الاسلام كنظام شامل للحياة كلها عقيدة وعبادة وخلقاً وشريعة ومنهج حياة.
ومن هنا كان بطلنا الشجاع الفضيل الورتلاني صاحب السبق في ميادين الجهاد ، والعمل لتحرير العباد من عبادة العباد الي عبادة الله الواحد القهار .
ولئن كان الورتلاني من ابناء الجزائر فإن تحركه وجهاده لم يكن للجزائر وحدها ، بل للمسلمين عامة ، لأن غايته الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله .
وإذا كان الفضيل الورتلاني قد نجا في الوقت المناسب من انتقام الامام احمد جزاء علاقته او دعمه لحركة الاحرار وثورة عام 1948م ، ولا كان بوسعه لذلك انقاذ زعاماتها من جز رقابهم ، او التعذيب او الموت كمداً ومرضاً في سجن حجه ، فلا شك ان التنويه واجب بالادوار المعروفة والمجهولة التي قام بها كذلك البطل العراقي جمال جميل وقرينه مصطفى الشكعه في تأجيح الثورة ضد حكم اسرة حميد الدين لليمن !
والمعروف ان الورتلاني كان قد أسس شركة تجارية مقرها سوق الملح في صنعاء ، لتغطية نشاطات النضال الوطني ، وكان علي رأسها المناضل علي محمد السنيدار ومجموعة من التجار المستنيرين وغيرهم من الأحرار ، حيث كانوا يعقدون الاجتماعات التي تستهدف التخطيط للقيام بالثورة ، وقيام حكم دستوري ديمقراطي برئاسة الامام المرتقب عبد الله بن الوزير ، حتى انضم اليهم تباعاً عدد من العسكريين الذين شكلوا خلية ثورية برئاسة المناضل العراقي الكبير جمال جميل .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.