إعلان قضائي    إعلان قضائي    لجنة أراضي وعقارات القوات المسلحة تسلم الهيئة العامة للأراضي سبع مناطق بأمانة العاصمة    بحضور نائب رئيس هيئة الأركان وقيادات عسكرية.. وزير الخارجية يلتقي طاقم سفينة "اترنيتي" الذين تم انقاذهم من الغرق في البحر الأحمر    جامعة صنعاء... موقف ثابت في نصرة فلسطين    لا مكان للخونة في يمن الإيمان والحكمة    الراحل عبده درويش.. قلم الثقافة يترجل    مرض الفشل الكلوي (15)    اتحاد إب يظفر بنقطة ثمينة من أمام أهلي تعز في بطولة بيسان    الرئيس المشاط يعزّي مدير أمن الأمانة اللواء معمر هراش في وفاة والده    من بائعة لحوح في صنعاء إلى أم لطبيب قلب في لندن    مكتب الصناعة بشبوة يغلق ثلاث شركات كبرى ويؤكد لا أحد فوق القانون "وثيقة"    أبين.. مقتل شاب بانفجار عبوة ناسفة في لودر    عدن وتريم.. مدينتان بروح واحدة ومعاناة واحدة    أبو عبيدة: مستعدون للتعامل مع الصليب الأحمر لإدخال الطعام للأسرى    بتوجيهات الرئيس الزُبيدي .. انتقالي العاصمة عدن يُڪرِّم أوائل طلبة الثانوية العامة في العاصمة    عدن.. البنك المركزي يوقف ويسحب تراخيص منشآت وشركات صرافة    الشخصية الرياضية والإجتماعية "علوي بامزاحم" .. رئيسا للعروبة    المعتقل السابق مانع سليمان يكشف عن تعذيب وانتهاكات جسيمة تعرض لها في سجون مأرب    2228 مستوطناً متطرفاً يقتحمون المسجد الأقصى    اجتماع يقر تسعيرة جديدة للخدمات الطبية ويوجه بتخفيض أسعار الأدوية    أبين.. انتشال عشرات الجثث لمهاجرين أفارقة قضوا غرقًا في البحر    اجتماع للجنتي الدفاع والأمن والخدمات مع ممثلي الجانب الحكومي    بدلا من التحقيق في الفساد الذي كشفته الوثائق .. إحالة موظفة في هيئة المواصفات بصنعاء إلى التحقيق    إصابة ميسي تربك حسابات إنتر ميامي    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    الاتحاد الرياضي للشركات يناقش خطته وبرنامجه للفترة القادمة    وفاة مواطن بصاعقة رعدية في مديرية بني قيس بحجة    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    مونديال السباحة.. الجوادي يُتوّج بالذهبية الثانية    تدشين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في محافظة الحديدة    مجلس القضاء الأعلى يشيد بدعم الرئيس الزُبيدي والنائب المحرمي للسلطة القضائية    انتشال جثة طفل من خزان مياه في العاصمة صنعاء    قيادة اللجان المجتمعية بالمحافظة ومدير عام دارسعد يعقدون لقاء موسع موسع لرؤساء المراكز والأحياء بالمديرية    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    العسكرية الثانية بالمكلا تؤكد دعمها للحقوق المشروعة وتتوعد المخربين    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    عدن .. جمعية الصرافين تُحدد سقفين لصرف الريال السعودي وتُحذر من عقوبات صارمة    توقعات باستمرار هطول امطار متفاوة على مناطق واسعة من اليمن    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    مجموعة هائل سعيد: نعمل على إعادة تسعير منتجاتنا وندعو الحكومة للالتزام بتوفير العملة الصعبة    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    طعم وبلعناه وسلامتكم.. الخديعة الكبرى.. حقيقة نزول الصرف    الشيخ الجفري: قيادتنا الحكيمة تحقق نجاحات اقتصادية ملموسة    عمره 119 عاما.. عبد الحميد يدخل عالم «الدم والذهب»    يافع تثور ضد "جشع التجار".. احتجاجات غاضبة على انفلات الأسعار رغم تعافي العملة    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    السعودي بندر باصريح مديرًا فنيًا لتضامن حضرموت في دوري أبطال الخليج    صحيفة امريكية: البنتاغون في حالة اضطراب    قادةٌ خذلوا الجنوبَ (1)    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    تدشين فعاليات المولد النبوي بمديريات المربع الشمالي في الحديدة    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    من أين لك هذا المال؟!    ما أقبحَ هذا الصمت…    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عبد الواسع الاصبحي يتذكر
مذكرات
نشر في الجمهورية يوم 16 - 01 - 2008


الحلقا22
الجزء الثاني
«الجمهورية» تعيد نشر هذه المذكرات لرجل ساهم بقسط وافر في خدمة الوطن واستذكر ملامح وشواهد من التاريخ المعاصر لليمن والظروف المحيطة بتلك المرحلة وهي مذكرات أحق أن يقرأها هذا الجيل الذي لا يعلم حجم تلك التضحيات وطبيعة الظروف فضلاً عن اتسامها بالأسلوب الأدبي الشيق في رواية الأحداث والأسماء
لقد كتب الأستاذ المرحوم- محمد عبدالواسع الأصبحي، عن الآخرين في مذكراته أكثر مما كتب عن نفسه، فأبرز رجالاً كان حظهم من البروز أقل مما هم به جديرون، ونوه برجالٍ لا يكادُ أكثر الناس يعرفون عنهم شيئاً.. ومن العدل أن نقرر بأن لكل من يكتبون «المذكراتِ» أو «السيرة الذاتية» الحق في أن يتحدثوا بضمير المتكلم، وإلا لما سميت هذه المؤلفات بالمذكرات ولا بالسير الذاتية، ولكن الميزان في هذا المجال دقيق وحساسٌ، فإذا اختل التوازن هنا، ثقلت كفة «الأنا» أو «الذات» ثقلاً تصبح معه عبئاً باهظاً على التاريخ وعلى القارئ.. وبمقابل ذلك تخف كفة «الهو» أو «الغير» خفة مجحفة بحق التاريخ وبحق القارئ في المعرفة الصحيحة.
ولقد أمسك الأستاذ محمد بالميزان، إمساك الصادق الأمين، الذي تهمهُ أولاً وقبل كل شيء الحقيقة الصادقة، والمصلحة الوطنية، وحق القارئ في الاطلاع على حقائق التاريخ المجردة من عبث الأغراض وتسلط الأهواء، وهذه درجة رفيعة لا يصل إليها إلا القليلون من الخائضين في هذا الميدان من ميادين الكتابة التي تتطلب قدراً عظيماً من النزاهة والإحساس بالآخرين.. وسيجد القارئ الكريم، ما يكفي من الأمثلة التي تبرهن على هذه السوية الرفيعة التي وصل إليها كاتب هذه المذكرات.
كما أن القارئ سيقف أمام بعض الحقائق الإقليمية التي تشمل البحر الأحمر وخاصة في شطره الجنوبي وما جرى على ساحله الشرقي في اليمن وساحله الغربي الذي تقع عليه بعض دول ومناطق شرق أفريقية وما كان يدور في شرق أفريقية من الصراع الاستعماري الذي أدى إلى نشوء دول واختفاء أخرى وهو لا تزال رحاه تدور أمام أعيننا إلى هذا اليوم.. ولن يسع القارئ إلا أن يشعر بالإعجاب إلى حد الدهشة، لما أبرزه الأستاذ محمد عبدالواسع الأصبحي، من أخبار اليمنيين في تغريبتهم الحديثة التي بلغوا بها أصقاع الأرض، وما قابلوه من أهوال تتضعضع أمامها الجبال، ولكنهم قابلوا كل ذلك بصبر عظيم، وجلدٍ لا يذل ولا يهون، وبقدرة على التكيف مع عالم غريب ينكرهم وينكرونه، وينفيهم فيقتحمونه، مما ينبئ عن معدن صلب عريق لهذا الشعب الذي أنجب هؤلاء الرجال، ويبشره بمستقبل زاهر مجيد رغم كل ما يحيط به من مكر الأعداء وقسوة الظروف.. ولو كان لي أن أوجه نداء لهتفت.. نداء.. نداء..: أيها اليمنيون اقرأوا مذكرات المناضل الحر الأستاذ «الخال» محمد عبدالواسع حميد الأصبحي المعافري الحميري اليمني، من هذه المنطلقات، وستجدون فيها طاقة خلاقة قوية، تدفع بالمسيرة إلى الأمام بثقة ماضية وجباه عالية. دمشق 21-5- 1996م مطهر الإرياني
أحاديث في التاريخ والأدب والحياة
هذا الكتاب
الحوافز والمنهج
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.
ياأخلائي وياأحبائي ويا رفاقي..
أنتم يامن ستصافح أعينكم صفحات هذا الكتاب ،ويا من ستهمس شفاهكم بكلماته، ويامن ستتحاور أفكاركم مع أفكاره أنتم يامن ستكونون معجبين أو منزعجين،موافقين أو معترضين،مصدّقين أو مكذّبين..
أنتم يا من ستقرؤونه في حياتي أو تطالعونه بعد مماتي..
إليكم جميعاً أقول: إن كلماتي في هذا الكتاب ليس وراءها إلا أحد أمرين:خبر صادق أو عاطفة إنسانية صادقة..
هذان الأمران هما منطلق الكتاب،وأرجو أن يكونا مآله ومستقره.
قارئي العزيز
في هذا الكتاب أو بالأحرى في هذا الجزء الثاني من كتابي «محمد عبدالواسع حميد الأصبحي يتذكر» ستطالع تسعة فصول مختلفة في عناوينها،متفقة في كونها تدور في فلك ثورة 1948م أخباراً ورجالاً ومواقف،وتحمل شؤوناً وشجوناً كثيرة أعتقد أنها مما يهمُّ كل يمنيّ، لأنها من المخاض الصعب الذي أنجب ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة،وجعل الجمهورية حقيقة واقعة ،وأسس لوحدة اليمن التي هي حلمٌ يمني وعربي.
ولقد كانت الحوافز لكتابة هذا الكتاب كثيرة،أهمها:
1 أن عدداً كبيراً من صفحات الكتاب الأول، قد سقط في أثناء الإعداد للطبع،بين صنعاء وعمان ودمشق..الأمر الذي كان يشعرني بأن نقصاً قد وقع ولابد من تداركه.
2 الوفاء لعدد من رفاق النضال الأحرار الذين عملوا بصمت بعيداً عن دائرة الضوء،فلم يكونوا في الواجهة،بل كانوا في الصفوف الخلفية يبذلون أموالهم ودماءهم وأعمارهم لشعلة الحرية ولحلم الخروج من ظلمات الاستبداد.
3 تسجيل بعض النظرات والأخبار التي أعتقد بضرورتها لتفهّم الكثير مما كان يجري على الصعيد السياسي،فهي بمثابة إشارات صغيرة إلى أمور كبيرة.
4 ما استجدّ من أمور وجب التعليق عليها هنا وهناك،لاسيما تلك النشزات التي تنم على ضيق النفوس، وتوحي بأن وراء الأكمة ما وراءها من اعتلاجات تدب في الخفاء، وتنتظر أن يتاح لها تائح من الزمن لتقلب ظهر المجن لأكبر المنجزات الوطنية...ووالله والله إني لأتخوف تخوّف زرقاء اليمامة، وليحضرني قول الشاعر القديم:
وكوني كآسي شجة يستغيثها
وما تحتها ساس من العظم أصفر
5 الرغبة في البوح،وهذه رغبة عزيزة على كل إنسان، كما يبدو لي .ويؤجج هذه الرغبة أمران:
أ انغماس حياة الإنسان في شأن كبير جامع،إلى درجة يصير معها ذلك الشأن وتلك الحياة شيئاً واحداً..حتى لايكاد يرى الإنسان نفسه إلا من خلال ذلك الشأن..وهذا ما آنسه من نفسي في حياتي التي أمضيت معظمها في صفوف المكافحين من أبناء الشعب..المكافحين من أجل الحياة ومن أجل الحرية.
ب الشيخوخة حيث يحيل قصور الفعل إلى نمو القول،وحيث يأمل الشيخ في أن يبث مالديه في نفوس الأجيال التالية لعلها تنهض،بما لم يعد هو قادراً على النهوض به.
هذا ولا أشعر بالحرج إزاء قولي هذا،فسنن الحياة صارمة ولا أحد يستطيع أن يعيش حياته وحياة الآخرين ولكن يستطيع الإنسان أن يجعل أفكاره حيّة في نفوس الآخرين ،وهذا حسبه.
üüü
أما منهجي في هذا الجزء من الكتاب ،فهو لايخرج عن منهجي في جزئه الأول..إنه أحاديث في التاريخ والسياسة والأدب والشعر..أحاديث أرجو لها أن تصل إلى الشريحة الأكبر من القراء لاسيما القراء العاديون..أما القراء المتخصصون فأولئك يدرسون ويبحثون في المصادر والمراجع والوثائق.
إن منهجي يتطابق مع عنوان الكتاب «محمد عبدالواسع حميد الأصبحي يتذكر» فالذاكرة هي المورد الأول لما تطالعه عزيزي القارئ..إنها معلومات ومحفوظات استقرت في ذاكرتي وفي وجداني أسطرها على الورق بأسلوب المتحدّث الذي يبوح لجلسائه،فإذا أمسكتم بهذا الكتاب وقلبتم صفحاته، فاعلموا ياأخوتي ويا أبنائي وياأحفادي أن الخال محمد عبدالواسع يجالسكم.
في ختام هذه المقدمة، وأنا أخطُّ هذه الكلمات بعد الفراغ من تأليف الكتاب أدرك أني تركت التوثيق والعرض الموضوعي أو المغرض للمؤرخ الرسمي ،وتركت التحليل التاريخي بموضوعيته أو لا موضوعيته أيضاً للمؤرخ المنهجي،بينما اكتفيت بالنظرات التاريخية هنا وهناك..وعنيت بالجوانب الثانوية والمهملة من مجريات الأحداث وطبائع الناس الذين يصنعونها،كاشفاً عنها بالحوادث الطريفة والإشارات الخفيفة..أجل أدرك ذلك، وأدرك أيضاً أن ربّ كلمة صغيرة أو خبر نافل أو نكتة عابرة تكشف لنا ما لا يستطيع التوثيق والتحليل أن يكشفاه في خضم الأحداث وتداعياتها.
والسلام عليكم.
محمد عبدالواسع حميد الأصبحي
الفصل الأول
براء ة الثوّار ودهاء السّاسة
أحرار ثورة 1948م والحكومات العربية:
أيها الأصحاب أيها الأخلاّء أيها الرفاق.
إذا تحدّثنا عن علاقة أحرار اليمن في ثورة 1948م مع الحكومات والأنظمة العربية التي كانت قائمة آنذاك، فلابد من الاعتراف بأن هذه العلاقات لم تكن قائمة على أسس سياسية عملية،ولم تكن مبنية على نظرة موضوعية تقدّر المصالح والأدوار التي يسعى إليها ويضطلع بها كل نظام من الأنظمة العربية التي كانت تحيط باليمن وثورتها في ذلك التاريخ.
فعلى الرغم من أن أحرار اليمن كانوا مواكبين لمجريات الحياة الثقافية والسياسية في البلدان العربية المحيطة، ويتجلى هذا في أمرين:
الأول:الاطلاع على بعض الصحف العربية،والإصغاء إلى بعض الإذاعات العربية،وقراءة بعض الكتب التنويرية الاجتماعية والدينية والسياسية ،لاسيما القادمة من مصر.
الثاني: التفاعل مع الأحداث العربية والمساهمة في الكتابة حولها شعراً ونثراً،ولعل أبرز مثالين على ذلك ما خطته أقلام أدباء اليمن وشعرائها حول القضية الفلسطينية منذ ظهورها على مسرح الفعل السياسي في الثلاثينيات والأربعينيات ،والمثال الثاني ما خطته فيما بعد أقلامهم تفاعلاً وتجاوباً مع ثورة الضباط الأحرار بمصر ثورة يوليو 1952م.
فها هو واحد من أحرار اليمن والمناضلين الكبار هو القاضي عبدالرحمن الإرياني يدق ناقوس الخطر ليوقظ العرب على مصير فلسطين مندّداً بتقاعسهم وتخاذلهم عن نصرة الشعب الفلسطيني وذلك في قصيدة له كتبها عام 1357ه/ 1938م..هذا القاضي عبدالرحمن الإرياني الذي عرفناه مناضلاً وسياسياً ولم نعرفه شاعراً يقول:
لبّوا فلسطين الأسي
فة كي يغادرها الجنيبُ
وطنٌ يفديّ بالنفو
س وبالنفيس ولا عجيبُ
مهد العروبة لم يكن
فيه لغيركم نصيبُ
صونوا تراث الفاتح
ين فقد أحاط به الجليبُ
واحموا قداسته بعز
مكمُ فلا يجدي النحيبُ
ضحّوا بأنفسكم على
وطنٍ أجّلته القلوبُ
واستيقظوا من نومكم
فإلى متى هذا الرسوبُ
أو لم يعدكم ربكم
نصراً وموعده قريبُ
فإلى متى تتقاعدو
ن ونىّ وقد حان الوثوبُ
أعطيتم القوم الدنّية
فساترقكم الغريبُ
هل فيكم حرٌّ له
سوق إذا دعت الحروبُ
يسعى وليس بآسف
أيصاب فيها أم يصيبُ
يبني لأمته العلى
وندا مناديهم يجيبُ
يأسو مآسي قومه
ويزيح عنهم ما يريبُ
هذا أنموذج من الشعر أتيت به شاهداً على تفاعل الأحرار مع القضية الفلسطينية في وقت مبكرٍ، وأتيت به لأذكّر بالقاضي عبدالرحمن الإرياني كشاعر.. والذي يقول في مطلع قصيدة أخرى طويلة:
فليسطين يادار العروبة والفدا
ويامهبط الأملاك والوحي والهدى
لكِ الله قد ناديت كل مؤمَّل
لنصرك لكن لم يجبك سوى الصدى
هكذا أيها الأحباب.. وماذا أقول؟
أقول على الرغم من مواكبة الأحرار الثقافية والسياسية لما كان يدور في الوطن العربي، إلا أن هذه المواكبة كانت نظرية ووجدانية وعاطفية، وها هو الشاعر الشهيد أبو الأحرار الأستاذ محمد محمود الزبيري، يضع يده على نقطة الضعف هذه في المقدمة التي وضعها لقصيدة «تحية الخروج من العزلة» والتي مطلعها
هبّ يرخي للسّافيات عنانه
ويجلّي للنيّرات مكانَهْ
يقول في المقدمة:
«كانت تسود عقلية الطليعة المفكّرة من أحرار اليمن مثالية مطلقة في كل شيء لاسيما فيما يتعلّق بالنظرة إلى البلاد العربية، ذلك لأن صلة هؤلاء المفكرين بالخارج كانت صلة نظرية بحتة، رغم أن فريقاً قليلاً منهم عرفوا الخارج في بعثات دراسية، ونعني بالصلة النظرية أنهم كانوا يدرسون الواقع من خلال المبادىء والمثل التي يطلعون عليها في الصحف والكتب ويؤمنون بها.
وكانت النتيجة أنهم ظلوا ينظرون إلى كل شيء خارج اليمن على أنه مثل أعلى حتى «فاروق»، وحتى «عبدالعزيز آل سعود».
وكنتيجة طبيعية لهذه المثالية فقد ظلت حركة الأحرار سنين طويلة تعتمد في الدرجة الأولى على البلاد العربية عموماً، وتنتظر منها عوناً فعالاً يحرر اليمن من الأوضاع العتيقة المتعفنة، وقد دفع معظم الأحرار رؤوسهم ثمناً لهذا الوهم الفاحش».
ويقول في تلك المقدمة أيضاً:
«وكانت المذكرات البريئة الساذجة الصادقة المخلصة التي يبعثها أحرار اليمن إلى حكام الجامعة العربية لا تلبث إلا قليلاً حتى يقدمها بعض ملوك الجامعة العربية إلى الإمام يحيى مشفوعة بتوصيات رجعية تنصح الإمام بالصمود في وجه المطالب الوطنية والاستخفاف بها والضرب بيد من حديد ضد الحركة التحررية».
أجل.. هكذا مثالية وسذاجة وأنا أضيف فأقول: مراهقة سياسية.
كيف نستنجد ببرقيات ورسائل بالملك عبدالعزيز بن سعود الذي كان هو وأسرته ضد الثورة في اليمن وضد أي حركة تحرر في جنوب الجزيرة العربية؟
هذه مراهقة سياسية.
كيف نستنجد بالملك فاروق بمصر أو بالملك عبدالعزيز من سعود الذي كان هو وأسرته ضد الثورة في اليمن وضد أي حركة تحرر في جنوب الجزيرة العربية؟
هذه مراهقة سياسية.
كيف نستنجد بالملك فاروق بمصر أو بالملك فيصل الثاني أو الوصي على العرش في العراق عبدالإله..؟
هذه مراهقة سياسية
الاخوان المسلمون حين ربطوا - مع الأسف - بعض الأحرار في صنعاء وإب وعدن وتعز ببيت الوزير لاعتقادهم بأن عبدالله الوزير وعلي الوزير وآل الوزير أصدقاء لآل سعود!!
هذه مراهقة سياسية أيضاً لأنهم لم يفهموا آنذاك أن آل سعود مهما كان أو أية أسرة كانت سترفض أية فكرة ثورية دستورية تقوم بجانب الملكية.
وقد بلغني من صديق رحمة الله عليه، لا أودّ أن أذكر اسمه، عملاً بقول شيخ المعرة:
لاتظلموا الموتى وإن طال المدى
إني أخاف عليكم أن تلتقوا
أنه أبرق برقية إلى الملك عبدالعزيز آل سعود: «تذكّر ياصاحب الجلالة أن الثورة الفرنسية تأثرت أوروبا بها وستتأثر الجزيرة العربية بالثورة اليمنية.. فانتبهوا..».
هكذا كان..
ماتقدّم يعطينا فكرة عن علاقة أحرار 1948م بالأنظمة العربية الحاكمة آنذاك.. ولكنه لايعطينا فكرة عن العلاقة بالشعب العربي.. إذ أن طبيعة هذه العلاقة كانت مختلفة فالشعب العربي في كل قطر من الأقطار العربية آنذاك كان يعاني وكان يتململ وكان يحلم بالثورة.. وليس غريباً أن يكون في الصف الأول من قيادات ثورة 1948م رجال عرب أبطال جاءوا من أقطار عربية مختلفة وانخرطوا في تنظيم أحرار اليمن، وأخلصوا كل الاخلاص، وقدّموا أعمارهم وأرواحهم في سبيل ثورة اليمن.. من هؤلاء:
الفضيل الورتلاني الجزائري:
المناضل ورجل الدين المتنِّور والعالم الفذّ والخطيب المفوّه وصاحب الحجة الدامغة، الجزائري الأصل.
كان أحد المناضلين في ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، وحين دهم الفرنسيون بيته فرّ إلى فرنسا وبقي هناك يغذي الثوار الجزائريين بالسلاح.. وحين قامت الحرب العالمية الثانية، ودخلت فرنسا تحت الحكم العسكري فرّ إلى سويسرا ومنها إلى إيطاليا بمغامرة لها قصّة طويلة التقى خلالها أحد القادة العسكريين الإيطاليين، حيث استطاع أن يصل إلى مصر على باخرة، تسلل منها إلى السويس، وانضوى في حركة الأخوان المسلمين والتقى مرشدها الإمام حسن البّنا..
في مصر التقى الورتلاني الأستاذ أحمد محمد نعمان والشاعر الشهيد محمد محمود الزبيري، فنصح بنقل رحى الثورة إلى عدن، وبينما انتقل زعماء الأحرار إلى عدن كان الورتلاني قد أقنع المتموِّل المصري محمد سالم سالم صاحب شركة أتوبيس الشرقية بالقاهرة بإنشاء شركة، عندها تسلل الورتلاني إلى عدن كوكيل لهذه الشركة، ثم دخل شمال اليمن فألقى خطبة رائعة في تعز، حضرها ولي العهد أحمد فسرّ خلالها الورتلاني بعلمه الغزير ورؤيته التنويرية سورة «العصر» فأعجب به ولي العهد.. ثم وصل صنعاء فخطب في جامعها الكبير على نحو مافعل في تعز وفسّر سورة «تّبت يد أبي لهب وتبّ» فأعجب به الإمام يحيى، ثم تمتّنت علاقته مع الإمام فحاول نصحه وتنويره، وأقنعه بالمساهمة في الشركة التي هو وكيلها، كما استقطب بعض التجار الذين اقتنعوا بشخصيته والشركة التي هو وكيلها.. وصار يموّل الأحرار من أرباح هذه الشركة.. ثم انخرط انحراطاً كاملاً في ثورة 1948م بعدما وصل إلى طريق مسدود على طريق إصلاح الإمام.. وكان له دور كبير في قرار تصفية الإمام يحيى حيث قال للأحرار: إن هذا الإمام ميؤوس منه فهو كالعقرب تقدّم له العسل فيأكله ويحوله إلى سمّ.
وحين قامت الثورة كان الفضيل الورتلاني من ضمن الوفد الذي سافر إلى السعودية محاولاً إقناع آل سعود بثورة اليمن.. وحين خابت مساعي الوفد، وسقطت صنعاء، عاد إلى عدن ومنها فرّ، فلم تستقبله أية دولة عربية وظل في باخرة بعرض البحر مدة ثلاثة أشهر، الباخرة مصرية اسمها «الطائف» إلى أن أتيح له النزول في لبنان بموافقة رياض الصلح رئيس وزراء لبنان آنذاك، رحمه الله.
عاد إلى مصر بعد الثورة ولكنه رجع إلى لبنان، ثم مات في استنبول عام 1960 غريباً شهيداً، رحمه الله.
سئل الفضيل الورتلاني مرةً، لماذا اخترت اليمن دون غيرها ولم تختر الجزائر، وأنت محكوم بالإعدام؟ فقال تلك الكلمة التي نشرت في «أخبار اليوم»، قال: «من هنا من جنوب الجزيرة العربية سوف نحرر الجزائر» أي أنه سيمشي حتى يصل إلى شمال الجزيرة السعودية والأردن وغيرهما حتى يصل إلى الجزائر.. هكذا كان رأيه، ولهذا عافه العرب كل العرب، وتركوه في عرض البحر.
سُئل ذات يوم القاضي المرحوم عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري الأسبق، وكنت بجانبه:
هل كان أحمد الشامي مدسوساً عليكم في صفوف الأحرار؟
فأجاب: «نعم كان مدسوساً، ولكن الفضيل الورتلاني أقنعه فانضمَّ إلينا بإخلاص، فعذب وشرّد، وكان أحد سجناء سجن حجة».
هذا الإنسان كان مناضلاً مخلصاً، وقدّم لليمن ولثورته عام 1948م أقصى مايستطيع، وأثبت عملياً أن ساحة النضال العربي واحدة لافرق لديه بين الجزائر ومصر واليمن.
جمالجميل العراقي:
وهو مناضل بطل، قدم إلى اليمن من ضمن البعثة العسكرية العراقية، وبقي في اليمن لأسباب سياسية تتعلّق بموقفه من النظام في العراق آنذاك، ولرغبته ،في أن يضع كل إمكاناته في سبيل تطوّر اليمن وتقدّمه.. وكان أحد أعمدة ثورة 1948م، فقد طوّر الجيش اليمني وكوّن فرقتي «المخابرات والإشارة» اللتين تولّتا حفظ الأمن في صنعاء أثناء قيام الثورة، وتولّى هو شخصياً السيطرة على القصور الملكية وكان شجاعاً وحكيماً.
بعد إخفاق الثورة سجن جمال جميل في سجن حجة، ثم نقل إلى صنعاء حيث استشهد في ساحتها في تموز 1948م على مرأى ومسمع من تلاميذه الذين جيء بهم ليحضروا إعدامه.
ولكن العقيد جمال جميل فوت فرصة ترهيب الجيش وفرقه العسكرية على الطاغية، حين واجه الموت بشجاعة، وخطب في تلاميذه خطبة نارية حثهم فيها على الاستمرار على طريق الإصلاح والثورة.
وقد رثاه الشاعر إبراهيم الحضراني من سجن حجّة بقصيدة طويلة مطلعها:
حتام يا وطني أراك تضامُ
وعلى أديمك تعبد الأصنامُ
وإلى م يرتفع الطغام ويعتلي
عرش التبابع معشر أقزامُ
وإلى م يأتي بالرزيئة والأسى
عام ويذهب بالفجيعة عامُ
أجمال ذكرك إذ يعود يعود لي
بين الجوانح زفرة وضرامُ
ومنها قوله الذي يخاطب فيه الأمير إسماعيل بن يحيى الذي ضربه بعصى فأدمى أنفه وهو موثق اليدين والرجلين في ساحة التحرير:
خرجوا يقودون الرئيس كأنه
ملكٌ وهم حول الرئيس سوامُ
وسطا على الضرغام كلبٌ أجربٌ
إذ صار تحت إسارة الضرغامُ
هلا برزت إليه إسماعيل إذ
لا الكفُّ موثقةُ ولا الأقدامُ
رحم الله هذا الثائر العربي، ورحم رفاقه الأبطال الذين أثبتوا عملياً أن الدم العربي واحد وأن الثورة العربية واحدة.
كلمات خالدة:
«وقفت ومافي الموت شك لواقف»
المتنبي
هذه كلمات قالها بعض شهداء 1948م وهم يواجهون السياف بشجاعة وبسالة فكانت حروفها مسطرة بأحرف من نور في سجل الخلود:
الشهيد محيي الدين العنسي:
أحد أبرز شهداء ثورة 1948م كان من ضمن البعثة العسكرية اليمنية المتخرجة في العراق، استمر يقاتل بعد إخفاق الثورة حتى اليوم الثاني وحيداً.
غلط السجّان فنادى أخاه أحمد بن قاسم إلى ساحة الإعدام، وكان الأخوان في زنزانة واحدة.. وماكاد أحمد يلبي نداء السجّان حتى هبّ محيي الدين يصحح غلط السجان ويقول له: إن المقصود هو محيي الدين وليس أحمد، وأنا محيي الدين، وبينما كان السجان يتأكد من الأمر، وهو فعلاً باسم محيي الدين كان الأخوان البطلان يتجاذبان الشهادة في موقف من أروع مواقف البطولة والتضحية والفداء.
وحين خرج محيي الدين إلى ساحة الإعدام كان يردد هذين البيتين من الشعر، متمثلاً بهما وهما من شعر إبراهيم الحضراني:
كم تعذبت في سبيل بلادي
وتعرضت للمنون مرارا
وأنا اليوم في سبيل بلادي
أبذل الروح طائعاً مختارا
الشهيد زيد الموشكي:
كان آخر ما قاله وهو في طريقه إلى ساحة الإعدام: «لئن أبقى الله بيت حميد الدين فلن يعبد بعد.
الشهيد أحمد المطاع:
لما نودي به إلى ساحة الإعدام وكان مكتفاً مكبلاً، وجد الأميرين مطهر بن يحيى ومحمد بن أحمد يحيى في انتظاره فبصق في وجهيهما وقال: «لا تزال هذه الشجرة الخبيثة تلاحقني حتى هذه اللحظات المقدّسة».
الشهيد عبدالوهاب نعمان:
كان آخر ما فاهت به شفتاه قول الله تعالى: «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضيّة فادخلي في عبادي وادخلي جنتي».
الشهيد حسن صالح شايف:
لما أراد السياف أن يعصب عينيه برباط حتى لا يرى السيف انتهره ببسالة وعنفوان، وقال له: «ابعد الرباط إنما الموت في هذه الساحة للرجال».
الشهيد صالح المسمري:
لما رأى رؤوس رفاقه تتدحرج في ساحة الإعدام بعث إلى الإمام أحمد برقية من سجن حجة، قال له فيها: «ما هكذا يا سعد تورد الإبل». فردّ عليه الإمام ببيت من شعر:
«ليس بيني وبين قيس عتاب
غير طعن الكلى وضرب الرقاب»
فأجابه متحدياً: «إن كنت شهماً فعجل، فوالله إن باطن الأرض خير من ظهرها «وسيرى الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».
الشهيد العلامة حسين الكبسي:
كان آخر ما قاله:
«ولست أبالي حين أُقْتَل مسلماً
على أي جنب كان في الله مصرعي»
الشيخ محسن علي هارون «شيخ بني حارث»:
حين دعي إلى ساحة الإعدام شّد أحد الحراس الحبل على ساعديه بقوة، فقال له الشيخ ساخراً: «لا قدك تحت الميزاب لا تقل يح» وأضاف: «خوفي عليكم يا أولادي لأنكم ما تزالون شباباً ستلاقون الأمرين من حكم الطغاة أما أنا فقد أحسن الله خاتمتي بالشهادة بعد أن انتقمت من أكبر جرثومة عرفها التاريخ».
الشهيد علي عبدالله الوزير:
كان يتلو سورة الكهف، فلما ضربت عنقه سكت لسانه.
الشهيدان: محمد بن حسن بن قائد أبو راس:
عبدالله بن حسن بن قائد أبو راس:
حين دنا السياف من أحدهما ليضرب عنقه التفت إلى أخيه، فبادله الابتسامات الأخيرة، وقال له: إلى اللقاء في الجنة يا أخي».
عزيز يعني
كان هو الوحيد الذي يملك حذاءً في السجن، كان الأحرار يتداولونه للخروج إلى دورة المياه التي هي أشبه ما تكون بمستنقع.. حين دعي إلى ساحة الإعدام أوصى رفاقه بالصبر والثبات، كما أوصى لهم بحذائه.. وفي عاصفة من الضحك والبكاء عانقهم وتوجّه إلى قدره المشرّف في شجاعة وثبات، وخاطب حرس السجن وهو يشدون يديه إلى قفاه يستوصيهم برفاقه خيراً.
محمد قائد الحسيني «من أبطال بني حشيش المعدودين»:
حين عثر عليه، وسيق إلى صنعاء، ليمكث فيها ثلاثة أيام قبل إعدامه كان يردد الزامل ذاته الذي كان يردده مع زملائه وهم في طريقهم إلى «حزيز» لقتل يحيى، والزامل هو:
سيد تكبر الله أكبر
لا بد ما نهجم جباه
نضرب على كبده بمعبر
ونلحق الذائب وراه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.