القبيلة نظام اجتماعي اشبه بالأسرة في اطار الوطن الكبير ، والشيخ همزة الوصل بين القبيلة والدولة (الغادر) وقبيلته انضم للملكيين لعدم تعيين السلاّل له في منصب كبير ولم يغدق عليه بالمال ادرك محمد عبد الله هذا الواقع المزري الذي ورثته الثورة التي جاءت لتغييره واستغلاله في تجنيد القبائل للدفاع عن الثورة ، لكنه شخصيا قبل بهذا الوضع وتعامل معه على ساحة القتال ، فكان ينصح رجال القبائل التي تحارب تحت قيادته بضرورة التعامل “الاسلامي” مع القبائل “المفسدة” أي المعادية للثورة والجمهورية ، فلا ينهبون ممتلكاتهم ويقتلون اسراهم ويسبون نساءهم بل ردهم الى ازواجهم في حالة عدم ثبوت جبنهم وفرارهم من المعركة. حرس خاص من 180 قبيلى .وكان يضرب بنفسه المثل .. ويرفض ان يشاركهم الاستيلاء على الغنائم التي كان شيخ القبيلة يستولي علىها في العادة ويحرمهم من اقتسامها فيما بينهم ! ولانه كان قدوة في الشجاعة مقداما في القتال ، ولانه كان دوما طليعه رجال القبائل الجمهوريين ، وكان واحدا منهم ، يأكل معهم ، ويمارس عاداتهم ، ويشاركهم مضغ القات وغناء الزامل ، من هنا كان محمد عبد الله يتحرك ويحارب وينام وحوله 180 حارساً خاصاً من رجال قبيلة حاشد في البداية ثم من قبيلة الحدا حتى النهاية ، اذ كان بمثابة زعيم القبيلة بعد ان نجح في رأب الصدع بين زعيمي قبيلة الحدا ! وهما الشيخ على ناجي القوسي والشيخ ناصر البخيتي ، بل وكان يتقدم افراد القبيلة في ساحات المعارك بعد ان يطلق من فمه زغروطه تشير ببدء الهجوم ! قال لي محمد عبد الله انه اكتسب من عمله العسكري بفلسطين تحت قيادة الضابط عبد المنعم عبد الرؤوف الكثير من السجايا الاجتماعية والخبرة السياسية في التعامل مع الناس وكسبهم ، وهو حين تقرر نقله الى اليمن كان ملازما باللواء مشاه 118 ، كانت اول مهمة كلف بها من قبل القيادة العامة للقوات المصرية الىمنية ، تأمين الطريق من صعده الى صنعاء، وصادف ان التقى في الطريق مع الشيخ غالب الاحمر ، وكان قد غاب عن اليمن اثر اندلاع ثورة 1948 ولجأ الى نجران في السعودية ، وعندما قامت ثورة الىمن عاد ، واحببته من الوهلة الأولى ، اذ كان صادقا وشجاعا ومؤمنا بالثورة والجمهورية ، وهو اول قبيلي ارتبطت به قبل الشيخ عبد الله الاحمر شيخ مشايخ قبيلة حاشد وذراعة الايمن مجاهد ابو شوارب ، ومن هنا بدأ تعاونهم مع القوات المصرية في تأمين منطقة حرف سفيان وجبل العيال ، ثم تعاملت بعد ذلك مع الجناح الذي ثبت ولاءه للثورة في قبيلة بكيل التي كانت تنقسم الى جناحين .. ذو محمد وذو حسين ! وكانت قبيلة بني حشيش بزعامة الشيخ قاسم منصر وتسكن سلسلة الجبال الشاهقة المطلة على صنعاء ، قد وصلتها بطاريات مدفعية من وراء الحدود ، وراحت تقصف العاصمة وثكنات القوات المصرية ، وهنا تجلت خبرات محمد عبد الله بشئون وشجون الىمن وضربها في مقتل ، حيث اشار بسد منافذ القبيلة وحصارها من كل جانب ، فلم يعد بوسعها بيع موردها الرئيس الوحيد من العنب والزبيب في سوق الملح ولا استبدال المحصول باحتياجاتها من الطعام ، وتوقف القصف بعد ان اوشكت بني حشيش على الخراب الاقتصادي عبر اتفاق بين محمد عبد الله بصفته احد شيوخ قبيلة الحدا وبين قاسم منصر !
المشير عامر يلتقي الغادر في منطقة صعده المتاخمة لحدود السعودية وقعت كتيبة مصرية في حصار القوات الملكية زهاء اسبوع حتى نفذ الماء واشرفت على الهلاك ، بينما نجحت كذلك في قطع طريق الامدادات ، وهكذا باتت عملية فك الحصار والنجاة بالغة الصعوبة ، ووصل محمد عبد الله يتقدم رجال قبيلة الحدا ، حيث انضمت لهم قوات من قبائل صعدة بزعامة الشيخين حمود مجلي وفايز الصربي ، ودارت المعركة الشرسة بين الجانبين، دون ان تسفر لا عن غالب ولا مغلوب ، وفجأة توقف اطلاق النار ، وبدأت القوات الملكية في الانسحاب وانهار الحصار ، وتساءلت القوات المحاصرة كيف حدث ما حدث فجأة ! والحكاية ان محمد عبد الله تسلق وفي صحبته مقاتل يمني جبل “براش” الذي يتوسط ساحة المعركة حتى وصلا الى ذروته ورفعا معا العلمين الىمني والمصري ، وادرك الملكيون ان قوات الثورة قد ركبت الجن الذي يسكن قمة جبل براش حسبما تروي الاساطير ، فلم يعد لديها الرغبة في استمرارها في القتال بعد هذا الفأل الشؤم ! ولأن صعدة كانت على حد تقدير القوات الملكية منفذها الى داخل الىمن وصولا الى صنعاء ايذانا باعلان فشل ثورة سبتمبر على غرار ثورة 1948 واستباحة القبائل لها ، من هنا كان اغراء القبائل وتكرار محاولة الاستيلاء اولا على صعدة ، فكانت عملية جبل الحناجر في اعقاب عملية جبل براش ، حيث وصل محمد عبد الله ووراءه المقاتلون من قبائل عديدة بعد ان ذاعت شهرته بينهم كفارس مقدام ، وعبر التعاون مع العقيد فؤاد عزيز غالى وقواته الذي أصبح “قائد الجيش الثاني ابان حرب أكتوبر 1973” ، سقطت التباب الثلاث لجبل الحناجر تباعا ، بينما سقط احد الضباط جريحا وهو الملازم مدحت الذي نقل للعلاج في مصر ونقل بعد ذلك للعمل في المخابرات العامة . ولعلى اذيع سرا لاول مرة حول على ناجي الغادر شيخ قبيلة خولان ، فهو قد دخل صنعاء بصفته جمهوري فور اندلاع الثورة وغادرها غاضبا بعد ثلاثة ايام لان الرئيس عبد الله السلال لم يعينه في منصب كبير ولم يغدق علىه “الزلط” أي المال الذي كان يتوقعه رغم انه كان في عداد المناوئين لحكم بيت حميد الدين ، وهكذا سب السلال وغادر صنعاء بالسيارات مع رجاله وانضم للملكيين . وقال لي محمد عبد الله انه ذهب عدة مرات للقاء الغادر في خولان باعتباره شيخ قبيلة مثله وليس بصفة ضابط مصري ، فكان ينعم بالامان وفقا للتقاليد القبلية ، ويوما كان يخزن القات مع الغادر حين بادره قائلا : اشتهي قتلك يا محمد واستبدال رأسك بأكياس “الزلط” من الامام البدر ، وضحك محمد عبد الله وقال له مازحا .. والله ما تقدر تقتل نعجة ! من هنا كان غضب محمد عبد الله وسخطه ، حين علم ان العميد محمود قاسم مسئول شئون القبائل قد خدع المشير عبد الحكيم عامر واقنعه بالذهاب للقاء الغادر بدون حرس ولا سلاح شخصي ، ومنحه المشير نصف مليون ريال فرنسي توطئة لزيارته القاهرة ولقاء جمال عبد الناصر ، ولم يمر اسبوع الا وكان الغادر ورجاله يغيرون على الكتيبة “31” بقيادة المقدم صلاح المحرزي ، وحين التقاه محمد عبد الله في مؤتمر حرض وعاتبه على عدم وفائه بوعده بالانضمام الى صف الثورة والجمهورية قال الغادر دون استحياء انه نال اكثر مما يحلم به من “الزلط” لمجرد حضوره المؤتمر ضمن وفد الملكيين ! كان اللواء احمد فتحي عبد الغني قائد اللواء الرابع اول ضابط كبير يؤمن بموهبة محمد عبد الله ومؤهلاته للعمل في شئون القبائل ، وكان قد توجه بنفسه لقيادة القوات المصرية الىمنية المشتركة في عمليتين عسكريتين للاستيلاء على جبل اللوز بمنطقة الحدا ، بينما كان محمد عبد الله انذاك مع قواته والمقدم صلاح ياقوت في جبل المحور ومعه شيخ القبيلة عثمان العلابي. في هذه المرحلة الزمنية من معارك الدفاع عن الثورة توجه الفريق القاضي بنفسه بناء على اوامر المشير عبد الحكيم عامر لتفقد الموقف ففي اعقاب عملية جبل اللوز وبصحبته ثلاثين ضابطاً من الرتب الكبيرة ممن يحملون الشارات الحمراء ، وهناك ابلغه احمد فتحي عبد الغني وصلاح ياقوت ان محمد عبد الله هو الذي تحمل عبئ العملية العسكرية بالكامل ، وانه كان يرفض حماية القوات العربية له ويرى امنه الشخصي وسط رجال القبائل ، ومن هنا كان طريقه سالكا الى تشكيل ادارة شئون القبائل مع العميد قاسم ! وجهاً لوجه مع بروس كندى والشاهد ان ادارة شئون القبائل لعبت دورا بالغ الاهمية في تصويب اخطاء التعامل مع القبائل واختصار امد الحرب والتخفيف من خسائرها ، حيث وقع الاختيار على عدد من الضباط المثقفين المتمرسين بالعمل السياسي ، وكانت مهمة كل ضابط التفرغ لدراسة احدى القبائل الكبيرة ، من حيث عاداتها وتقالىدها واسالىبها القتالية ، وتوثيق العلاقة مع شيخها . فكانوا بمثابة مستشارين للقيادة العسكرية في التخطيط للمعارك ، وفي وضع خطة النفس الطويل التي استهدفت تركيز القوات في مناطق استراتيجية والتحرك منها للمواجهة العسكرية ثم الارتداد الىها ، مما اسهم في اختصار خطوط الامدادات وكلفة حراستها المادية والبشرية ! سألت محمد عبد الله عن المظاهر القتالية المميزة لقبيلة الحدا .. وقال : يهيأ لي من واقع التجربة انها خلقت للحرب ، فهي تتميز بالطاعة العمياء والجلد والاصرار دوما على احراز النصر، وان تبدأ المعركة وتنهيها في نفس اليوم دون انتظار للغد ، وهو قد فسر لي أسباب سواد ملابس “الحدا” .. وقال لانهم اولاد ليل ولديهم استعداد فطري للقتال الليلي حتى خارج زمام القبيلة الامر الذي اتاح للحدا ان تلعب دور القتال الهجومي دائما والنجدة في المواقف الصعبة ! يوما نما الى سمع ناصر البخيتي احد شيوخ “الحدا” وشايه خبيثه في حق محمد عبد الله فأحل دمه ، وعندما سمع بذلك توجه على الفور الى لقاء الشيخ البخيتي في منزله وقال “أنا في وجهك” ، ثم طلب الطعام وعادت العلاقة بينهما الى سابق مجاريها . وكان محمد عبد الله تربطه صلات الابن بأبيه الفريق حسن العمري نائب رئيس الجمهورية ، ويوما جاء محمد عبد الله لزيارتي في روز الىوسف وافضي لي بخبر مدهش ، اذ كان الفريق حسن العمري قد خطبه لإحدى بناته عبر المشير عبد الحكيم عامر .. وسألني:ماذا افعل ؟ .. وسألته : هل رأيتها ؟ .. قال أنت اعرف بتقالىد العائلات العريقة في الىمن التي لا تجيز الرؤية قبل الزواج .. ثم استدرك قائلا : اخشى ان افقد صداقة وابوه الفريق العمري اذا اغضبت ابنته يوما ! بعدها بنحو اسبوعين قال لي ان الفريق العمري ادرك الموقف بفطرته وشفافيته ، واعفائي من هذه الخطبة .. وانه على وشك خطبة استاذه في الفلسفة والادارة التعلىمية الجامعية هي الدكتورة امينة احمد حسين ، في الوقت الذي استدعاه المشير عبد الحكيم عامر الى مكتبه وزف الىه قرار ترقيته من رتبة ملازم الى رتبة “صاع” رائد تقدير لعطائه ودوره العسكري السياسي المتميز في الىمن ، وكانت هذه الترقية الاستثنائية حدثا غير مسبوق في القوات المسلحة المصرية ! ليس فيما رويته ثمة مبالغة او تهويل ، فالىمنيون الذين عرفوا محمد عبد الله وقاتلوا الى جانبه او تحت قيادته يحفظون سيرته العطرة ويشيدون ببطولاته كما عنتر بن شداد والزناتي خليفة وسيف بن ذي يزن ، ودائما ينطقون اسمه محمد عبد الله “الحدا” او محمد عبد الله “المصري” باعتباره نموذج المصري الذي يراهنون على حكمته في فض المنازعات وحل اعقد المشكلات بديلا عن الاحتكام للسلاح ، واشهد انه كان الدينمو المحرك للمصالحة الوطنية في مؤتمرات خمرا وحجه وعمران وحرض ، وهنا اذكر بالمناسبة ان بروس كوندي المستشار العسكري الىهودي للامام البدر كان من حضور مؤتمر حرض وقد سمى نفسه عبد الرحمن كنده وهو في كامل زيه ومظهره ولهجته الىمنية ، فلما التقى محمد عبد الله وجها لوجه روى على الملأ مدى شهرته في اوساط المعسكر الملكي ، وكم ذاقوا الامرين من نجاحه في كسبهم الى الصف الجمهوري بالسياسة والدهاء ، وشهد له بقدراته الفذة في قيادة القبائل الى القتال ، وقال له : لقد تفوقت على لورانس البريطاني في خدمة بلدك، ورد عليه قائلا : ايوه بس لورانس كان عدوا للعرب وجاسوس زيك ! أفرول الرئيس وحين خرج محمد عبدالله من المعاش كانت امامه اكثر من عرض للعمل بالتجارة او الاشتغال بوظائف مدنية رفيعة ، لكنه فضل ان يعطي اولاده حقهم من الرعاية والاهتمام وقضاء الاوقات السعيدة في مداعبة احفاده ، وبين حين واخر يتردد على المستشفيات وعيادات الاطباء حيث اجرى عدة عمليات جراحية وقال لي عندما التقينا بعد طول غياب : الحمد لله عشنا وشوفنا كثيراً وأدينا واجبنا بشرف وامانة وعن رضا وقناعة .. وعلىنا ان نتعايش مع المرض في صبر دون ان ينال من معنوياتنا وسعادتنا وذكرياتنا الجميلة والصحبة الحلوة،و..يبقي من اسطورة لورانس المصري عدة ذكريات مثيرة ! وكان الرئيس ابراهيم الحمدي قد وصل الى مطار القاهرة للقاء الرئيس انور السادات واعلان مصر اعترافها بالنظام الجديد بعد الحركة التصحيحية التي تزعمها يوم 13 يونيو 1974 التي اعادت لثورة سبتمبر روحها وزخمها ، وكان محمد عبد الله في استقباله ، وصحبه الى احد قصور الضيافة الخاصة برئاسة الجمهورية ، فلما خلع الحمدي “الافارول” العسكري الذي كان يرتديه حتى يخلد للراحة ، التقطه محمد عبد الله وحمله الى بيته ، وهناك تولت زوجته غسله وكيه ثم أعاده الى الحمدي قبل لقاء السادات بنصف ساعة . واذا كان الحمدي قد منح الجنسية الىمنية لصديقه محمد عبد الله تقديرا واعترافا بمؤازرته النضالىة لثورة سبتمبر ونظامها الجمهوري ، فقد وجه الىه الرئيس على عبد الله صالح الدعوة لزيارة الىمن مصطحبا معه زوجته وإحدى بناته ، حيث احيط بمظاهر الحب والتكريم ، والطريف ان رجال القبائل الذين قاتلوا تحت قيادته او عرفوه او سمعوا عنه ، ظلوا يترددون على زيارته تباعا في الفندق الذي كان يقيم به في صنعاء ويتبادلون حراسته كما كانوا في السابق. ورغم تواضع محمد عبد الله الجم عندما يضطر الى رواية ملحمته النضالىة في الىمن، الا انه يعيب الذين يسعون الى سبراغوارها ، جهلهم بالاهمية السياسية غير المسبوقة في تاريخ وتقالىد المعارك والحروب الداخلية في الىمن ، حول دوره المقدر ليس في قيادة القبائل الىمنية وهو المصري فحسب ، وانما في نجاحه كذلك في اقناع هذه القبائل بالانتقال من مقر اقامتها للحرب في مناطق بعيدة عنها اياما امتدت احيانا لأسابيع ! ثم نتساءل لماذا لا تهتم الىمن ومصر بتجسيد اسطورة محمد عبد الله في فيلم سينمائي يؤرخ التلاحم القومي بين الشعبين الذي حسم مصير الثورة والجمهورية في الىمن ؟ الشيخ الاحمر والاشكالية القبلية ظلت “حاشد” اكبر واقوى القبائل الىمنية بزعامة الشيخ عبد الله الاحمر على ولائها للثورة والنظام الجمهوري دون ان تفسد قط ، بمعنى انها لم تنحاز الى الملكية أي النظام الامامي ، على عكس القبائل التي كانت ولاءتها متأرجحة بين المعسكرين عبر ما يدفع اكثر من غيره مالا وسلاحا .. لعوامل الفقر من ناحية ، ولسياسة “فرق تسد” التي اعتمدها ائمة بيت حميد الدين من جهة أخرى ، عبر زع العداوات واباحة الاغارات المسلحة بين القبائل فيما كان معروف عهدئذ بحرب الخطاط ، من هنا ظلت المصدر الاساسي لتكسبها والصرف على معايشها اكثر من أي مهنة او مصدر آخر للدخل ، ومن هنا ايضا بات الولاء للقبيلة يجب او يفوق الولاء للوطن ! ولأن هذه المعادلة ظلت تعبر عن نفسها قرونا متصلة في ظل العزلة التي فرضها الائمة على الىمن ، بل وامتدت العزلة حتى بين القبائل ايضا ، كان من الطبيعي ان تتحول كل قبيلة الى ما يشبه دويلة صغيرة لها قانونها وتقالىدها الخاصة ، وان يمسك شيخ القبيلة بمفاصل السلطة والنفوذ ، وان تتعلق به مصالح القبيلة ومعاشها وولاؤها ! وربما كان من موروثات التخلف ان تفوق قوة القبائل قوة الدولة ، بل وفاعلىة الاحزاب التي نشأت بعد الثورة ، ونمت وترعرعت في ظل الديمقراطية والتعددية السياسية التي واكبت نهوض الوحدة الىمنية ، وبينما كان الشعار السائد مطلع تسعينات القرن الماضي”قبيلي يبحث عن حزب” تأكد تحوله تدريجا او انقلابا الى النقيض عبر صيغة جديدة للشعار “حزب يبحث عن قبيلة ، ونجد ان معظم الخلافات او الصراعات السياسية مجرد جهة لخلافات أوصراعات قبلية سواء بين الاحزاب وسواء على صعيد الانشقاقات التنظيمية في الحزب الواحد ، وذلك ان القبيلة اثبتت دوما انها الاطار الاجتماعي والسياسي الاكثر تأثيرا ، بل ان هذه الظاهرة لم يسلم منها الىمن الديمقراطي السابق رغم ماركسيته وعلمانيته على نحو ما اسفرت عنه التباينات القبلية داخل الحزب الاشتراكي حد الصراع المسلح بين الرفاق يوم 13يناير عام 1986 راح ضحيته 13 الف يمني ! والمشكلة ان الظاهرة القبلية تقوى ولا تضعف مع تباطؤ الدولة ارتباطتها في تلبية الاحتياجات الشعبية الضرورية خاصة في ظل الاوضاع الاقتصادية الصعبة ، في الوقت الذي لا تزال القبيلة تتمرتس من وراء الدين في مواجهة رياح الحداثة والتغيير ! صحيح ان نور العلم بدل الكثير من ظلمات المجاهل القبلية عبر المئات من المدارس والمعاهد وانتشار وسائل الاعلام والتنوير ، وانخراط ابناء القبائل في سلك التعليم الجامعي ، وبعضهم الان ضباط ورجال اعمال ومثقفين وادباء ووزراء ، ولن تجد يمنياً في الغالب الا ويعتز ويفخر بالانتماء لقبيلة ما .. ولذلك ساد التعبير اليمني “كلنا أولاد قبائل” ! وهكذا في وقت الضرورة والانتخابات النيايبة والمحلية مثال – يصطف الجميع خلف مرشح القبيلة ، ويتم التحالف بين حزب واخر على قاعدة من التعصب القبلي ، فالقبيلة هي اصل الحزبية ، وتغيير الولاءات والمفاهيم السياسية لا يتم بقرار سيادي ولا بالقفز على مراحل التطور الاجتماعي ، وانما عبر تنامي قوة الدولة وقيامها بمسئولياتها في التنمية وتلبية حاجات الشعب ، وفي اعتماد مبادئ العدل والمساواة والشفافية معيارا للحكم ومنهجا للتطور، وربما نستشهد في هذا المجال . بتكرار ظاهرة اختطاف بعض القبائل للسواح والاجانب العاملين بشركات البترول بوجه خاص ، ثم الافراج عنهم مقابل قضاء مصلحة ما .. مثل شق طريق او بناء مدرسة ، وربما مقابل الافراج عن بعض ابناء القبيلة المتهمين في قضايا سياسية او جنائية ، مما يستدعي مواجهة هذه الظاهرة وغيرها من الظواهر القبلية السلبية عبر الدراسة العلمية الموضوعية ، ووضع الخطط البعيدة المدى لاستئصالها جذريا بالتوازي مع مشاريع التنمية ، وكل مشكلة مهما كانت صعبة ومعقدة تجد لها دائما الحل السياسي المناسب! على ان هذه الاشكالية وتداعياتها السلبية ، ظلت دوما مطروحة في حواراتي مع الشيخ عبد الله الاحمر كونه الرمز التاريخي المستنير للقبلية في اليمن ، خاصة وانه شغل منصب رئيس مجلس النواب عدة دورات منذ نهوض الوحدة اليمنية ، وإذا كان يري ان القات له وظيفة اجتماعية في اليمن ، حيث “مقايل” تخزين القات على حد تقديره بمثابة برلمانات شعبية وديموقراطية ، كما وان القات من دواعي الراحة والتفريج عن النفس من عناء العمل وهموم الحياة ، كذلك يرى الشيخ عبد الله ان القبيلة لا تتناقض مع سلطة الدولة ، وانما مدعاة للتخفيف من اعبائها ومسئولياتها ، ثم ان التفاف افراد كل قبيلة حول شيخها اختيار طوعي وتلقائي وليس قسرا ، فهو المسئول عن امنهم وتلبية احتياجاتهم وإعلاء كلمة الحق والعدل والانصاف بينهم . القبيلة اذن ليست بدعة وانما نظام اجتماعي اشبه بالاسرة في اطار الوطن الكبير ، والشيخ همزة الوصل بين القبيلة والدولة.