المتابع لخطابات الرئيس صالح وسياساته لابد أن يلاحظ أنه أسس رؤية تفسيرية لحركة الحياة والتاريخ، وهذه الرؤية لا تستند على التفسيرات الإيديولوجية المعروفة كالشيوعية أو القومية أو الليبرالية، كما أنها لا تعتمد على تفسير الإيديولوجيات الأصولية الإسلامية للتاريخ.. ويمكن القول: إن الرئيس صالح في تفسيره للأحداث المختلفة وتحليله لحركة العملية التاريخية اعتمد على خبرته الذاتية، وتجربة العرب والمسلمين وتجارب الأمم الأخرى، ونتيجة تأثره بالمنظور الإسلامي كما هو في ثقافة أبناء اليمن، وقد استطاع من بداية حكمه تكوين مجموعة من المعتقدات السياسية تطورت مع الوقت، ساعدته تلك الأفكار على فهم تطور الأحداث التاريخية وتفسير الحياة، ومكنته أيضاً من التنبؤ إلى أي مدى يمكن أن تصل النتائج مستقبلاً. بادئ ذي بدء اعتقد الرئيس صالح بوجود نمط تكراري منتظم في الحياة السياسية يمكن من خلاله تفسير تطور الأحداث. فالحياة والسياسة وحركة التاريخ حسب تصوره قائمة على التطور في مسارات تقدمية حتمية، فالقانون الأساس المسير للتاريخ، كما يقول هو إن: «حركة التاريخ لا ترجع إلى الوراء»، وتسير وفق قوانين منتظمة تحكم حياة الشعوب، ولا دور للصدفة أبداً، لأن الحياة هي حركة دائمة من التغير والتطور. مع ملاحظة أن تفاؤله اللامحدود كان واقعياً، فالرئيس، رغم إيمانه الديني بقدرة الله في تسيير الكون كما سنرى لاحقاً، إلا أنه لم يكن قدرياً في طرحه، فالمسارات التقدمية قد يحدث لها نوع من التراجع والانتكاس في بعض الحالات، حيث يؤكد أن الحركة الحاكمة للتاريخ مرتبطة بظروف بيئية، وبقدرة الإنسان على التعامل مع الوضع التاريخي.. يقول الرئيس صالح: لاشك أن الحياة نفسها لا تتوقف عند حد معين، وأن كل نقلة في حياة الشعوب هي نتاج معطيات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وأي خطوة لا يمكن أن تتم بصورة عشوائية، أو بدافع التلقائية، فاعتبارات ومعطيات ما توجبه المصلحة العامة في ضوء مجمل المؤثرات، والظروف والتغيرات المحيطة بأي بلد، كلها تؤثر وتلعب أدواراً فاعلة في تحديد المسارات وطبيعة التغير وتتجه بحركة تاريخ البلد نحو الأمام. الإنسان هو المسيّر الفعلي للتاريخ والإنسان حسب الرؤية التي قدمها هو المسيّر الفعلي للتاريخ، فالعملية التاريخية رغم أنها تسير بخطى حتمية نحو التغيير الإيجابي، ولكن صناعة التغيير وقيادة المسارات التاريخية، مرتبطة بقوة وإصرار الإنسان الراغب دائماً في التعمير والبناء، وتجاوز ماضيه وواقعة الرديء، الذي يمثل الحافز الأساسي للإنسان لبناء مستقبل جديد، وهذه العقيدة هي التي جعلت من الثورة والوحدة والحرية أمراً حتمياً في فكر الرئيس صالح. وحتمية التطور مسألة محسومة والمعوقات أياً كانت فإنها وإن أبطأت من التطور والتقدم إلا أنها محققة لا محالة، ويفسر ذلك من خلال تأكيده أن السير نحو الإمام ليس إلا نتيجة لإرادة الشعوب ورغبتها الدائمة في تعديل المسارات الخاطئة للتاريخ لصالح الفعل الإيجابي المعبر عن حاجة الإنسان في الحرية والكرامة، ولكنه يرى أن فاعلية الأمم لا يمكن تحقيقها إلا بالبذل والتضحية.. يقول الرئيس صالح: إن هناك لحظات حاسمة في حياة الشعوب تصوغها معاناة الماضي، وتوقد شعلتها نضالات الواقع المعاش.. فتتدفق خلالها كل عوامل القوه والإصرار لدى جماهير الشعب لتفجير حدثاً يضع حداً فاصلاً بين ظلام الجهل ونور الانعتاق، وبين أغلال الظلم ورحاب الانطلاق... فتدور عجلة الزمن، التي يظنها البعض أنها قد وقفت في مكانها إلى الأبد لتسير معها جحافل الشعب العظيمة بعزيمة وإصرار على درب النضال من أجل تحقيق أهداف عظيمة وسامية. وهنا يمكن القول: إن الحتمية التاريخية التي يتحدث عنها الرئيس هي من صنع الإنسان، وهو من يسيرها ويتحكم بها رغم الهيمنة الإلهية، وهي نظرة مختلفة عن الرؤى الفكرية التي تجعل من الإنسان في حالة من الاستسلام للحتميات التي تسيره ولا يسيرها، وقناعته بأن حركة التاريخي تسير إلى الأمام، وأن الإنسان بجهده وعمله وتضحياته هو من يحقق التطور والتقدم، جعله يؤكد أن مواكبة العصر والمدنية الزاحفة دوماً إلى الأمام أمر لا مفر منه لتقدم المجتمع اليمني ودولته، ويمثل منح الشعب حريته وتطوير قدرات الإنسان اليمني مقدمة ضرورية لتحقيق الأهداف. إرادة الشعوب منتصرة دائماً لذا بعد تثبيته لدعائم الوحدة اليمنية أكد أن الشعب اليمني «استطاع أن ينتصر لإرادته في الوحدة تماماً كما انتصر لثورته وأفشل كل المراهنات الخاسرة».. وقناعته بأن النصر المحقق ناتج عن إرادة شعبية، مبنيّ من جانب آخر على اعتقاد سياسي لديه يرى أن القائد السياسي أياً كان دوره وفاعليته في صناعة الحدث إلا أنه في نهاية الأمر معبر عن الإرادة الشعبية، وعلى القائد السياسي أن يتحمل المسئولية ويبذل جهده ويضحي عند تعبيره عن مصالح الشعب.. مع ملاحظة أن القائد السياسي لا يمكنه تحقيق التطور والتقدم ما لم يتعاون ويشارك الجميع في صناعة الأحداث، فالقائد قد يعبر ويوضح ويقرر إلا أنه دون القوى الفاعلة في الشعب ودون الجماهير عاجز عن تحقيق الأهداف. ومن القناعات السابقة قرأ الرئيس صالح التاريخ اليمني، فاليمن كما يؤكد قد تعرض خلال عهود الأئمة للضياع والتمزق والفرقة، وهذا الفاعل السلبي مناقض لإرادة الشعب اليمني، ومعاكس لحركة التاريخ، ولأن الإنسان هو الفاعل في إحداث التغيير فإن النضال الوطني كان وحده القادر على إعادة مسارات التاريخ إلى الطريق الصحيح، ومثلت الثورة والنضال من أجل الوحدة الطريقة الجديرة لتحقيق النصر، فالثورة اليمنية في نهاية التحليل ليست إلا «تواصل مستمر لصنع حضارة يمنية جديدة بطرق حديثة». وقد شكلت الثورة في نسقه السياسي فاصلة تاريخية حاسمة بين عهدين من عهود البؤس والظلم الإمامي البغيض والإرهاب والشتات والتمزق والعبودية والاستبداد والظلام، وعهد الحرية والعدل وعهد النور والازدهار، ونتيجة لذلك فقد اعتبر الثورة ضرورة حتمية، وحتى لا ينتكس التاريخ فهي لديه حالة مستمرة ودائمة، ولابد أن تكون عطاءً متدفقاً، لأن انتصارها الحقيقي يكون في استمراريتها وتطورها والاعتصام بها يقيناً وفهماً والتزاماً وبجعلها ممارسة ونهجاً للبناء والتطور.. كل ذلك حسب تصوره يظل الضمانة الأساسية للنجاح وتحقيق التقدم. وقد أوصلت الرئيس صالح الخبرة الذاتية والمتفحصة للتاريخ اليمني، أن ترسخ لديه اعتقاد أن الزمن يعمل لصالح قيم الحق والعدل ضد الشر والباطل، وعلى اعتبار أن الثورة اليمنية هي تجسيد للحق فقد رأى صالح «أن كل عام يمر، بل إن كل يوم يؤكد ألا عودة أبداً لحياة الاستبداد والدكتاتورية في الوطن السبتمبري... وأن الثورة تزداد صلابة ورسوخاً»، بل إن الثورة مستمرة، والنظام الجمهوري خالد، ولا يمكن «إعاقة مسيرة حركة التاريخ أو إعادته إلى الخلف». ويرى الرئيس صالح أن التجربة التاريخية تكرر نفسها فيما يخص أيضاً الصراع مع الأعداء، فالشعب اليمني عبّر التاريخ ومازال حتى اللحظة في حالة من الصراع مع أعدائه من أجل تحقيق أهدافه ومنجزاته، والصراع كما يطرح ذا وظيفة إيجابية فتجارب مقاومة الأعداء كما يؤكد تزيد الشعب قوة وصلابة وعناداً ثورياً، وصراع أبناء اليمن، أعداؤهم عبر التاريخ في نهاية الأمر حتماً خاسرون. فالثورة واجهت مؤامرات خطيرة وعواصف وتحديات كبيرة ومع ذلك صمدت وانتصرت واستطاع الشعب أن يحميها، وأن تظل شعلتها مضيئة تنير درب شعبنا نحو التقدم وصنع الحياة للأفضل، والوحدة اليمنية واجهت تآمراً ومحاولات مستميتة لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، ولكنها محاولات خائبة وفاشلة. وهنا يمكن القول: إن الرؤية السابقة ربما تفسر لنا توقعات الرئيس فيما يخص الوحدة، فقد اعتبر تحققها مسألة حتمية ولكنه توقع أن تواجه الوحدة الكثير من المخاطر بعد تحقيقها، ولكنها ستكون حتماً منتصرة أياً كانت مخططات الأعداء وقوتهم.. يقول الرئيس صالح: «توقعنا أن تواجه الوحدة الكثير من التآمر والتحديات مثلما واجهت الثورة اليمنية»، ومثلما انتصر الشعب لإرادته في استمرارية الجمهورية، فإنه لابد سينتصر في الوحدة والديمقراطية والأمن والاستقرار، و«المواطن يعرف كيف يُفشِل كل المؤامرات، وباستطاعة إرادة شعبنا أن تفشل كل المؤامرات كما أفشلها في الماضي». التاريخ يكرر نفسه وقد أكد الرئيس صالح أن التاريخ اليمني في حالة من التطور والتقدم في الماضي كما هو الآن، وأن الانقطاع في عهود الاستبداد الظالم كان طارئاً ومناقضاً لإرادة الشعب ومتحدياً للتاريخ، حيث اعتقد الرئيس صالح أن التاريخ اليمني في العهد الجمهوري يكرر نفسه فيما يخص الإنجاز والتقدم والتطور، وأن أي انتكاسة في تاريخه إنما هي لحظة قد تطول أو تقصر، ولكن عادة ما ينتصر اليمنيون لأنفسهم ويكررون حضاراتهم التي صنعوها عبر التاريخ، فأي إنجاز تاريخي للشعب اليمني وقدرته على الاستفادة من العصر، وارتياد آفاق التقدم: «ليس بغريب على أبناء اليمن أحفاد أولئك العظماء الذين شادوا واحدة من أعرق الحضارات الإنسانية وصنعوا تاريخاً مجيداً يبعث على الفخر والزهو والاعتزاز لكل أبناء الأمة». والرؤية السابقة جعلت الرئيس صالح يؤكد بعد الحرب الأهلية في 94م أن انتصار الوحدة والديمقراطية والشرعية الدستورية أبقى التاريخ الجديد لليمن في مجراه العصري الصحيح زاهياً كما تألق في التاريخ الحضاري التليد لليمن أرضاً وإنساناً، وأي تقدم وتطور يمثل تواصل فعال مع إشراقات حضارة الأمس التليدة والتاريخ المجيد للشعب اليمني، «ففي هذه البقعة من العالم انطلقت أقدم وأعرق الحضارات الإنسانية وظهر فيها نظام سياسي يقوم على الديمقراطية والشورى». ويؤكد صالح أن التاريخ اليمني إذا كان في بعض العهود كعهد الأئمة قد أصابه التخلف والفساد والاستبداد فإنها وإن أعاقت مسيرة التاريخ وأسعادته إلى الوراء، إلا أنها كانت متناقضة مع تاريخ اليمن القائم على الانتصار للمبادئ في طريق طويل من النضال الدؤوب في سبيل الانتصار للإرادة الحرة. ويؤكد الرئيس عقائده السياسية السابقة من خلال تأكيده أن اليمن وجود حضاري دائم، وأن أي ضعف حتى في العهد الجمهوري إنما هو حالة طارئة، واليمن دائماً مصمم على إنجاز أهدافه وإعادة أمجاده، ويؤكد ذلك بقوله: «اليمن ليست حالة طارئة وإنما هي وجود حضاري في العصر كما في التاريخ لأن موقعها الفاعل في الماضي كما في الحاضر والمستقبل، وإن الشعب اليمني طوال تاريخه المديد لم يركعه الفقر والجوع وشظف الحياة أو تذله الحاجات المعيشية.. وإنما كانت تلك الظروف الطارئة في حياته سبيلاً للمواجهة وحافزاً للابتكار وبناء الحضارة فقد حركت تلك الظروف في تاريخه القديم والحديث كوامن قوته الإيمانية والروحية فتغلب على الحاجة وتعلم كيف يبني المدنية ويساهم في صنع الحضارة والتقدم الإنساني». والجدير بالملاحظة أن الرئيس يعتقد أن امتلاك الحرية يمثل أكثر الحقائق التي مكنته من امتلاك القوة والتطور، و«اليمن كان واحداً من المواقع التي ازدهرت فيها الحضارات القديمة بفضل تراثه الشوروي التعاوني الأصيل ومصمم على إنجاز مشروعه الحضاري واستعادة أمجاده التاريخية العظيمة». الوحدة اليمنية حتمية تاريخية فيما يخص الوحدة اليمنية باعتبارها الهدف الجوهري للثورة كما يؤكد.. كان الرئيس من بداية توليه للحكم في أغلب أحاديثه وخطاباته على يقين تام أن الوحدة هي قدر أهل اليمن، مع ملاحظة أن الرئيس صالح قد أستند في تنبؤاته فيما يحص الوحدة على رؤيته السابقة. فالوحدة اليمنية كحتمية تاريخية كما أكد من الأيام الأولى لحكمه هي قدر ومصير الشعب اليمني، ولا بد أن تجد طريقها للمثول، فهي «حقيقة تاريخية أصلية وحتمية، والمجتمع اليمني موحد منذ فجر التاريخ».. واعتقد الرئيس صالح أن التشطير ظرف طارئ لابد من تجاوزه، «فاليمن عبر التاريخ يمن واحد، له الحضور القوي في صنع الأحداث في المنطقة وفي الإسهام الفعال في المسيرة الحضارية العربية والإسلامية، ونضال الشعب اليمني من أجل وحدته ينطلق من إصراره على التواصل مع ذلك الدور الرائد». مع ملاحظة أن الرئيس قبل الوحدة كان على يقين كامل أن الوحدة ستتحقق لا محالة لأن النضال في نهاية الأمر سيصل بالوحدة إلى مرحلة التحقق، لأن الشعب هو صانع الحضارة والتاريخ، والشعب اليمني يملك قدرات خلاقة تمكنه من أن يحقق طموحاته في الوحدة التي تمثل الحق الطبيعي في منطق التاريخ وصيرورة الحياة.. لذا فقد كانت الوحدة أبرز الأهداف الأساسية للرئيس صالح وأكثرها تكراراً في خطاباته.. ويمكن القول إن سلوكه السياسي كان ومازال يدور حول محور أساس هو الوحدة اليمنية. ورغم نضال القائد السياسي من أجل الوحدة ورغم أنها حتمية وقدر ومصير للشعب اليمني إلا أن تحقيقها لم يكن لولا توفيق الله سبحانه وتعالى أولاً ومن ثم الجدية والإخلاص وصدق العمل والزخم الجماهيري الحاسم والدافع لقافلة العمل الوحدوي إلى الإمام، ويؤكد ذلك أيضا بقوله: ولولا إرادة الله وعزيمة شعبنا وقواه الخيرة والصادقة لم تحقق هذا الإنجاز الوطني والقومي والتاريخي العظيم.. إن هذا الإنجاز العظيم تحقق في هذا العصر بفضل الله ونضال تلاحم جماهير شعبنا اليمني. ونتيجة قناعاته السابقة فقد كان جازماً في طرحه وتأكيده أن محاولات الأعداء التي اعتقد الرئيس صالح أنها تهدف إلى إعاقة الوحدة لا يمكن أن تنجح في إيقاف عجلة التطور والحد من خطوات شعبنا الوحدوية، فالوحدة تعبير عن الحق والخير وهي وُجدت لتبقى وهي إنجاز الشعب كله وثمرة نضاله وصموده ولن تستطيع أي قوة في الأرض مهما كانت أن تنال منها لأنها محمية بإرادة الله ووعي والتفاف الشعب مع قواته المسلحة، وهي أيضاً نتيجة حتمية التطور إلى الأفضل والأكمل؛ وهي محمية ومحصنة بجماهير الشعب وبكل القوى الوطنية وفوق كل ذلك محروسة برعاية الله سبحانه وتعالى الذي أراد لهذا الشعب أن يتوحد وأن يجمع شتاته وينتهي تفرقه وتمزقه. وبالتالي اعتقد الرئيس صالح أن الوحدة لا يمكن أن يحدث تراجع فيها مطلقاً «الوحدة شيء ثابت».. واستمر الرئيس صالح في اعتقاده المطلق أن الوحدة مستمرة وهي ليست محمية بالقوة العسكرية ولا بالإرادة السياسية ولكنها محمية بالشعب نفسه وبإرادة الجماهير وهي راسخة رسوخ الجبال ومتجذرة في واقع الشعب اليمني وبحكم تضحياته الغالية وبالتالي فهي حقيقة ثابتة». قناعات الرئيس السابقة جعلته مع تفاقم الأزمة السياسية قبل حرب 94م يؤمن إيماناً مطلقاً أنه لا خوف على الوحدة لأنها بيد «الشعب وهو الحارس وهو المؤمّن وهو الموحد، وسوف يصونها الشعب ويدافع عنها ويواصل انتصاراته في كافة مجالات البناء الاقتصادي والتغيير الاجتماعي والرقي الحضاري بإذن الله». وعند إعلان الانفصال في عام 94م أثناء الحرب الأهلية تنبأ الرئيس صالح بيقين مطلق أن الوحدة باقية، وأن الانفصال محاولة فاشلة، وأن الانفصاليين لا محالة منهزمون، و«أنه إن شاء الله سيتم دحر هؤلاء الانفصاليين أو القبض عليهم وتقديمهم إلى العدالة أو فرارهم إلى خارج الوطن»، «نحن نثق كل الثقة من أن النصر حليف كل الوحدويين اليمنيين في الساحة اليمنية..»، كان مؤمناً بأنه لابد أن يتحقق النصر، وهذا اليقين مبني على أساس أن الانفصال ضد الإرادة الإلهية التي أرادت لهذا الشعب أن يتوحد، وهو أيضاً ضد حركة التاريخ الذي يسير دائماً إلى الأمام، ولا يمكن أن تعود عجلته إلى الخلف، وأيضاً ضد الشعب في أعظم انتصاراته، وضد أهم أهداف الثورة التي هي في حالة من الاستمرار في إنجاز أهدافها على أيدي الشعب، وهم أيضاً ضد المبادئ التي هي دائماً منتصرة وليس لديهم قضية. وأكد أنه لا خوف على الوحدة، مهما تآمروا شكلاً وموضوعاً ومهما كانت آلياتهم ودعمهم وأساليبهم التآمرية على الوحدة فسوف يفشلون لا محالة وسوف يواجههم الشعب وقواته المسلحة والأمن.. وإن عجلة التاريخ التي أخذت تتقدم في مسارها الصحيح منذ فجر اليوم الثاني والعشرين من مايو عام 1990م لا يمكن الانحراف بها أو إيقافها.. ويخطئ من يتصور أن حل المشاكل يكمن في تقويض الوحدة أو العودة بالوطن إلى ما قبل ال22 من مايو 1990م فقد دارت عجلة التاريخ ولن تعود إلى الوراء.. وليس هناك شيء اسمه شمال أو جنوب، هناك يمن واحد، وشعب واحد موحد عبر كل العصور.. نحن شعب يمني موحد منذ الأزل من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.. والوحدة ستسمر بإذن الله مهما كان الثمن ومهما كانت الظروف.. وهي عقد أبدي لا طلاق فيه. العرب قوّتهم بالإيمان والوحدة فيما يخص تاريخ الأمة العربية فقد اعتقد الرئيس صالح أن واقع التمزق والشتات لدى العرب وكثرة المخططات التآمرية والضربات المتلاحقة للأمة العربية سيقودها إلى التحدي والمواجهة ف«الواقع العربي سوف يتحسن، لأن الأوضاع العربية في شكلها ومضمونها الحالي كفيلة لبعث الغيرة في قلوب كل الأشقاء ومن ثم تصميمهم على إجراء التعديلات المطلوبة في العلاقات العربية وخلق الظروف المهيئة لبروز معطيات إيجابية في الواقع العربي وتحسينه إلى الأفضل». والأمة العربية عبر التاريخ تواجه قوى معادية، وهي تنتصر على أعدائها، ولكن منطق التاريخ يؤكد أن الوحدة هي الأداة الوحيدة للمواجهة والنصر، ف«المخططات المعادية لأمتنا العربية لا ترتبط بزمان ومكان محددين فهي مستمرة ومتنوعة وتستهدف العرب ككل... والتصدي لهذه المخططات وغيرها لا يتم إلا بموقف من كل التحديات وهذا ما يجب إدراكه على الدوام». وعلى هذا الأساس فقد اعتقد الرئيس صالح أن الوحدة العربية واقعة لا محال في المستقبل على أساس.. «إن تلك حتمية التاريخ وما تفرضه الخلفية التاريخية، ومنطقية التطور وما تتطلع إليه جماهير أمتنا العربية»، كما أن الظروف التي تمر بها الأمة العربية وما تواجهه من أخطار وتحديات سيجعلها تسير حتماً على طريق الوحدة. وما سبق مبني على اعتقاد أن هناك قاعدة ثابتة تحكم التاريخ العربي، فحواها أن العرب لا يحققون انتصاراتهم إلا بالوحدة والتمسك بالقيم، والهزائم التي تلحق بهم هي نتيجة الاستسلام للرغبات والأهواء الذاتية والتفكك وغياب الهدف، وعليه فإن تضامنهم ضرورة تاريخية تحتمها التحديات والمؤامرات التي تواجههم، ناهيك عن الحاجة والضرورة الاستراتيجية وقيم الإخاء والمصالح المشتركة