تقترب عقارب الزمن من موعد انتهاء المهلة الأخيرة التي منحتها منظمة اليونسكو لليمن في ديسمبر 2006م، لإثبات جدية التوجهات الرامية للحفاظ على المدينة التاريخية، بما يجنبها قرار الشطب من قائمة التراث العالمي، في حين يؤكد المراقبون أنه ليس ثمة مؤشرات إيجابية حتى الآن من شأنها إقناع اليونسكو بإحراز أي تقدم يذكر على هذا الصعيد. وحسب المعلومات فإن منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة كانت قدمت للجهات الحكومية في اليمن حزمة من التوصيات والتصورات المتضمنة عدداً من الإجراءات الخاصة بالحفاظ على المدينة وطابعها التاريخي والمعماري والحضاري الفريد.شروط وتوصيات وكان من بين أهم توصيات منظمة اليونسكو للحكومة اليمنية في ديسمبر 2006م، والهادفة إلى القيام بتأهيل زبيد والحفاظ على مكوناتها التراثية والحضارية، ومنحها مدة سنتين لإبقاء زبيد في القائمة.. إيقاف مخالفة البناء العشوائي داخل المدينة القديمة، وإزالة المخالفات المشوهة للمعالم التاريخية في المدينة، وترميم المباني القديمة المعرضة للانهيار، وتنفيذ رصف المدينة حفاظاً على الساحات والفراغات من الاعتداء عليها. لكن كل ذلك، حسب مدير مشروع التنمية الحضرية للمدن التاريخية في ال(جي. تي. زد) المهندس عمر عبد العزيز الحلاج «لم ينفذ منه حتى الآن سوى جزء بسيط لا يستحق ذكره رغم القرارات العليا، المتوالية بشأن زبيد، والتي كان آخرها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (84) لعام 2007م، القاضي بتشكيل لجنة وزارية لإيجاد حلول سريعة وعملية لإنقاذ المدينة، من قرار الشطب». يقول الحلاج: «للأسف أقولها بشكل كبير، رغم قرار مجلس الوزراء رقم (84) لعام 2007م، والذي طرح مهام عدد من الوزارات بشأن الحفاظ على مدينة حتى الآن لم ينفذ سوى جزء ضئيل جداً». ويشير إلى أن اليونسكو من المقرر أن تبعث لجنة في فبراير القادم لتقييم مستوى تنفيذ تلك التوصيات، ومدى جدية الحكومة في تنفيذها. مضيفاً: إن مركز التراث العالمي في اليونسكو ليسوا أغبياء ليتوقعوا أن تعيد الحكومة اليمنية زبيد في ظرف سنتين، كما كانت في أوجها، ولكن اليونسكو تريد على الأقل خلال المدة إيجاد مؤشرات تثبت توجهات جادة من الحكومة اليمنية نحو الحفاظ على المدينة. ويرى الحلاج أن على الجهات المعنية تأكيد وإثبات توجهاتها الصادقة نحو الحفاظ على المدينة التاريخية من خلال تنفيذ سلسلة من الإجراءات التي حددتها المنظمة ما لم فلن تمنح اليونسكو المدينة فرصة أخرى للاستمرار في تنفيذ تلك البرامج للتنمية والحفاظ. ويبرز من بين أهم تلك البرامج، تفعيل دور المؤسسات المعنية بشأن الحفاظ على زبيد وإكمال بنيتها التحتية، والتي - بحسب الحلاج - رغم وجود بعض مؤشرات إيجابية قليلة، لا تزال تركيبتها المؤسساتية ضعيفة جداً، سواءً فيما تعانيه تلك المؤسسات من ندرة في الكوادر المؤهلة والمدربة والقادرة على العمل بشكل مؤسسي، أم في ضعف مستوى التمويل القادم من مختلف الوزارات اليمنية لمشاريع تنمية زبيد، وبما يضمن استمرارية عملية الحفاظ على زبيد التاريخية..لافتاً إلى ما تعانيه هيئة الحفاظ على المدن التاريخية في زبيد، رغم كونها أهم مؤسسة معنية بشأن الحفاظ على المدينة، من شحة تمويلية وندرة كوادر مؤهلة، وهو ما جعلها - بحسب الحلاج - تركن عملية ضبط مخالفات البناء العشوائي في المدينة، لعامل بسيط يقتصر لأدنى حد من التأهيل، ومكافأة شهرية لا تتجاوز (4) آلاف ريال..واستنكر الحلاج تعويل مكتب الهيئة على مثل تلك الإمكانات لإزالة مخالفات البناء العشوائي وإزالة التشويهات للطابع المعماري في زبيد التاريخية، والتي بلغ عددها نحو (1200) مخالفة بناء معماري إسمنتي بحسب آخر إحصائية لهيئة المدن التاريخية العام المنصرم. ويتساءل الحلاج: كيف يعقل أن هيئة مدن تاريخية تريد ضبط مخالفات البناء العشوائي في المدينة، بموظف يتقاضى أربعة آلاف ريال يمني؟! وهذه كلها تحد وتحجم من دور المؤسسات، وتضعف دورها. ولفت مدير مشروع التنمية الحضرية ال(جي. تي. زد) إلى ما تحتاجه المدينة التاريخية زبيد لأعمال الترميم، والتي قد تستمر نحو 10 سنوات على الأقل، لإعادة تأهيل وترميم 90 هكتاراً تاريخياً في زبيد. ويقدر تكلفتها الترميمية، انطلاقاً من خبرته لترميم وتأهيل المدن التاريخية في اليمن، بحوالي مليوني دولار لكل هكتار، وهو ما يعني «حاجتنا لترميم زبيد 180 مليون دولار أمريكي». وبالرغم من معرفة الحلاج بعدم قدرة الجهات المعنية واستحالة توفيرها لمثل هذا المبالغ لأجل زبيد، إلا أنه يرى أن بإلامكان اعتماد مليوني دولار كل عام لأجل ترميم وتأهيل مدينة زبيد التاريخية، وذلك لتعزيز قناعة اليونسكو بجدية توجه الحكومة اليمنية.. مشيراً إلى أن المبلغ مبلغ زهيد إذا ما قورن بأصغر مشروع سفلتة وشق طرقات. ويتفق رئيس فرع هيئة المدن التاريخية في زبيد أمين حسين الدبعي، مع رؤية الحلاج في عدم قدرة الهيئة القيام بدورها... مشيراً إلى محدودية الصلاحيات المناطة بالهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية المتمثلة... ويقول: إن عملية ترميم المنازل التاريخية، وإيكالها لمشروع التنمية الحضرية (جي. تي. زد) جعل دور الهيئة مقتصراً على ضبط مخالفات البناء ومشاكل المواطنين، خاصة في ظل غياب وجود اللائحة التشريعية والقانونية المنظمة إلى الآن، إضافة إلى شحة الاعتماد المالي لإزالة مخالفات البناء العشوائي، والمحدد من وزارة الثقافة ب(500) ألف ريال، ولم يتقاضها المكتب حتى الآن، حسب الدبعي.. ولفت الدبعي إلى زيادة مخالفات البناء العشوائي داخل المدينة التاريخية خلال الفترة الأخيرة حيث بلغت خلال الشهرين الماضيين أكثر من 26 مخالفة بناء عشوائي في زبيد القديمة. وتشير الكثير من وقائع وحالات المخالفات المضبوطة إلى إقدام نافذين على ارتكابها، في حين تشمل المخالفات، إلى جانب الزحف الخرساني والتشويهات المختلفة، تنفيذ البعض لاستحداثات داخل المدينة والسوق القديم، سواء من خلال شبكات الصرف الصحي أم فتح أبواب حديدية في الدكاكين في السوق القديم. مدير عام المكتبة العامة في زبيد هشام ورو، يقول: للأسف وضع الحفاظ على مدينة زبيد التاريخية يسير ببطء شديد جداً، وليس وفق الخطة المتبقية للمهلة الأخيرة من قرار اليونسكو بشطب المدينة من قائمة التراث العالمي..مشيراً إلى بطء تنفيذ الأشغال العامة والطرق لمشروع تهيئة المنطقة الجديدة للتوسع العمراني خارج زبيد القديمة، والتي وضعت كمنطقة بديلة لتخفيف الازدحام السكاني داخل المدينة القديمة. ويمثل إيجاد منطقة بديلة أحد أهم التوجهات التي هدفت إلى الحد من إقدام الكثير من السكان على ارتكاب مخالفات تشوه النمط المعماري التقليدي، إما بالتوسع في البناء أفقياً، أو البناء بمواد حديثة من (بلك وخرسانة أسمنتية)، ناهيك عن البناء في فناءات وواجهات معالم تاريخية وأثرية..لكن بالرغم من أهمية هذا المشروع في تعزيز هذا التوجه الرامي إلى إيقاف مخالفات البناء العشوائي والحفاظ على طابع المدينة التاريخي، فإن واقع الحالي يشير إلى أن وزارة الأشغال العامة والطرق لم تنجز من المشروع سوى شق ودحر الوحدة الأولى من وحدات الجوار الأربع المسقطة في منطقة التوسع برقم (21،22،24،26)، ناهيك عن المشاكل الناجمة من أعمال الأشغال في المنطقة، والتي يشكو الكثير من المالكين تضررهم منها بنبرات متفاوتة لا تخلو في كثير من الأحيان من نبرة اليأس من تخطيط المنطقة غير الواضح رغم خضوعها للتخطيط منذ أكثر من 16 عاماً، على حد قولهم. مَن يعني سقوط زبيد؟ ولا يعني أمر سقوط زبيد من قائمة التراث العالمي المدينة وحدها بقدر ما يعني اليمن ككل - حسب الكثير من المهتمين - لأن زبيد تراث يعني اليمن بأكمله وليس زبيد وحدها. ولخروج زبيد من مأزق كهذا فإن كثيرين يتحدث على لسانهم هشام (ورو) يتطلعون إلى «تدخل رئاسي من فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح - رئيس الجمهورية - الذي أهدته منظمة اليونسكو ومنحته وسام اليونسكو من الدرجة الأولى لحفاظه على المدن التاريخية... زبيد تريد حفاظاً مثل برنامج المحافظة على مدينة صنعاء القديمة ومدينة شبام التاريخية.. معتبراً زبيد تراثاً وطنياً وإنسانياً يجب أن يتحمل مسئوليته كافة شرائح المجتمع، مؤسسات وأفراد وليس أبناء زبيد. رئيس الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية دكتور عبدالله زيد عيسى، أبدى انزعاجه وقلقه لمصير مدينة زبيد التاريخية، الذي بات شبه محتوم بالشطب من قائمة التراث العالمي... يقول: إن مستوى تنفيذ الجهات والوزارات المكلفة بتنفيذ مشاريع لأجل الحفاظ على مدينة زبيد، لم يتجاوز مستوى تنفيذهم 20 بالمائة، بينما الإجراءات الفعلية التي تتطلبها عملية الحفاظ على المدينة لاتزال وعوداً وطموحات تمنّيها الوزارات، والتي لم تعيّن إلى اليوم مندوباً ينوبها في لجنة الحفاظ على زبيد ومتابعة المشاريع المكلفة بها، بناءً على آخر اجتماع منتصف الشهر الماضي. ناهيك - والكلام لعيسى - عن الالتزامات التي لا يفترض أن تتأخر في تنفيذها، سواء كانت من الأشغال العامة والطرقات، والكهرباء اللتين عوّلت عليهما تهيئة منطقة التوسع البديلة للمواطنين خارج مدينة زبيد القديمة ومدها بالخدمات الأساسية، أم وزارة الأوقاف وترميم الجوامع والمساجد التاريخية، وذلك لضيق الوقت.. ولفت عيسى إلى أنه رفع لمجلس الوزراء تقريراً خاصاً بأهم إشكالية تتعرض لها عملية الحفاظ على المدينة، وهي إيقاف المخالفات، والحد منها، وإزالة المخالفات والتشوهات، والتعويضات الخاصة بالمتضررين. وتضمن الطلب موازنة تمويلية تقدر ب130 مليون ريال كمرحلة أولى ليتم استعراضها والموافقة عليها وإدراجها ضمن موازنة الحكومة للعام 2009م، وهو ما يعوّل عليه عيسى لتنفيذ جزء مهم من جملة الإجراءات اللازمة والعملية للحفاظ على المدينة، يتعلق بإزالة المخالفات وتعويضات المتضررين..ودعا عيسى وزراء الجهات المعنية وأعضاء لجنة الحفاظ على زبيد إلى ترجمة أعمالهم وطموحاتهم إلى إنجاز فعلي واقعي على أرض زبيد التاريخية. .وتمثل مدينة زبيد نموذجاً للمدينة العربية الإسلامية المتنامية بنسيجها العضوي حول المسجد والسوق وشوارعها الضيقة المنكسرة وبيوتها ذات الفناء الداخلي المكشوف، وتتميز بطابعها الفريد والواضح من خلال العناصر الوظيفية الزخرفية وطريقة البناء. وتحتوي المدينة على حوالي 950 بيتاً تاريخياً تقليدياً، منها 10 بالمائة بحالة سيئة لدرجة أنها تركت من أصحابها... كما تحتوي على 85 مسجداً قديماً مع مدرسة، إضافة إلى عدد كبير من المعالم التاريخية كالسور والبوابات والأربطة والسوق مع المصابغ ودار الضيافة وقصر الإمام والقلعة والنوبات (مركز حراسة)، والسبل (مشارب). وكانت زبيد أدرجت ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي عام 1994م من قبل منظمة اليونسكو اعترافاً منها بمكانة زبيد التاريخية ودورها الريادي في نشر الثقافة والمعرفة على المستوى العالمي. وتتألف المدينة القديمة من أربعة أحياء سكنية: (حي الجامع - حي العلي - حي الجزع - حي المجنبذ)، وتنقسم بيوت هذه الأحياء إلى مجموعات، هي: البيوت التقليدية القديمة: وهي بيوت مبنية حصرياً بالمواد التقليدية الياجور والنورة والخشب، وتحافظ على شكلها وعناصرها، وعدد هذه البيوت 954 بيتاً، أي ما يساوي حوالي 40 بالمائة تقريباً من مجموع البيوت ضمن السور.. والشكل المثالي لهذه البيوت عبارة عن فتحة سماوية متعددة الوظائف أو ما يعرف محلياً ب(القبل) تشرف عليه باقي الغرف، وأهمها (المربعة) للمعيشة والنوم، و(الصفة) بواجهتها المفتوحة للجلوس والنوم، أما (المبرز) لاستقبال الضيوف فيقع قرب المدخل. ويتوسع البيت التقليدي الزبيدي في الطابق العلوي بما يعرف ب(الخلوة)، وهي غرفة للتمعن والتفكير والدراسة، وتلحق بها الخدمات الصحية؛ أما (الليوان) فهو أكبر وأعلى من (المربعة) ويستخدم لاستقبال الضيوف المهمّين والأشخاص المعتبرين... وتنافست الأسر الغنية في زبيد على إظهار الضخامة وجمالية الزخارف في البيوت، ويصل ارتفاع الليوان في بعض البيوت إلى 9 أمتار. وتتراوح الحالة الإنشائية لهذه المجموعة من جيد 30 بالمائة، إلى الوسط 40 بالمائة، والسيئة 20 بالمائة، وهناك ما نسبته 10 بالمائة من هذه البيوت تقريباً بحالة خراب ولا تصلح للسكن. البيوت الحديثة: وهي ثاني أكبر مجموعة من بيوت المدينة، وعددها 919 في الأحياء الأربعة، وقد بنيت غالبيتها بالخرسانة المسلحة نظام الأساسات والأعمدة والجسور والبلاطات وجدران البلك الأسمنتي، وهناك حالات لبناء الجدران بالأجر المفرغ والتلبيس بالأسمنت، وحالات قليلة بالحجر. البيوت المختلطة: هي بيوت تقليدية أصلاً أضيفت إليها غرف وخدمات بسبب الحاجة لفراغات ونتيجة الزيادة في عدد أفراد الأسرة. ويشمل التوسع أحياناً الطابق العلوي، وقد بنيت هذه التوسعات بالخرسانة المسلحة وجدران البلك الأسمنتية، كونها متوافرة وأقل ثمناً من المواد التقليدية، وللسرعة في تنفيذها، وبلغ عدد الحالات للبيوت المختلطة 442 حالة، وتقدر نسبة البيوت التي يزيد فيها الأسمنت عن المواد التقليدية ب55 بالمائة..ويعتبر حي العلي وحي الجزع من الأحياء عالية الكثافة نسبياً (حوالي 200 ساكن/هكتار)، ويرجع ذلك للزيادة في المباني الخرسانية مقارنة بالأحياء الأخرى... أما حي الجامع وحي المجنبذ فالكثافة متدنية نسبياً (100 ساكن/هكتار).