قد لا يتحدث الرجال كثيراً عن معاناتهم بعد الطلاق، ومنهم من يعتبر أن موضوعاً كهذا شديد الخصوصية، ولكن عندما يطمئن إلى محدّثه يجد فرصة ومتنفساً ليحكي شيئاً عن معاناته بعد الطلاق، ومخطئ من يعتقد أن الرجل عديم الإحساس، أو أقل تأثراً بواقعة الطلاق من المرأة، لاسيما بعد أن يعيش فترة من الزمن حالة من الاستقرار الأسري ويتمتع بالأبوّة، فىأتي الطلاق ليبدد أحلاماً وردية كان يتمنى أن تتحقق.. طلاق بعد 16سنة زواج أنجبت من زوجتي بنتاً وولدين.. وعموماً لا أحب أن أخوض في التفاصيل حول من كان المذنب والسبب الذي أدى إلى الطلاق، ولكني أتساءل: كيف يمكن لامرأة عاشت مع زوجها كل هذه الفترة، وأنجبت منه أطفالاً أن تستبدله بآخر وتنسى أطفالها وبيتها الذي تركته بعد أن تركت في كل زاوية فيه بصمة؟!. بالطبع يصعب على مثلي أن يصور أحاسيسه ومشاعره، ولكنني أحاول أن أكون أباً وأماً في وقت واحد وبمساعدة أهلي ولولا وجودهم لما استطعت مواصلة الحياة، وفي نفس الوقت فإن الحد الأدنى من الاستقرار غير موجود وهذه حقيقة لابد من الاعتراف بها. ما ذنب الأطفال؟! من خلال تجربتي الخاصة التي كانت نتيجتها الطلاق، وكذلك من خلال ما سمعته وما شاهدته من تجارب الآخرين؛ أقول: هل هناك أصعب من أن يتهدم كيان أسرة؟!. وهل يتصور الإنسان مدى المعاناة التي يعيشها الرجل عندما تترك له زوجته الأولاد والبيت لسبب أو لآخر، حيث يرى الزوج نظرة الحزن والألم تشع من عيون أطفاله الأبرياء؟!. ما ذنب هؤلاء الأطفال كي يعيشوا طفولتهم في معاناة بسبب انفصال أبويهم؟!. وهل يصدق أحد أن زوجة الأب يمكن أن تأخذ دور الأم حتى لو كانت في منتهى المثالية؟!. إن معاناة الرجل المطلق لا تقتصر فقط على رعاية الأطفال، بل إن المؤلم والمحزن هو شعور الطفل بالانكسار عندما يفقد حنان أمه، ويحرم من جو أسري صحي. الرجل المطلق.. منكوب إن تكرار التجربة وتجاوز المحنة أو المشكلة والتأقلم مع الحياة الجديدة يحتاج إلى أعصاب حديدية وقلب متين ومال كثير، فالرجل المطلق منكوب مادياً ومعنوياً وعاطفياً، والأطفال دائماً هم الضحية. لقد قال لي الطبيب النفسي إن انفصال الوالدين له تأثير سلبي كبير على الأطفال سواء عاشوا مع أمهاتهم أم آبائهم، لأن الأسرة هي أول بقعة ضوء تتجلى فيها القيم والنظرة إلى العالم وتسمح للطفل بالنمو والحفاظ على التوازن والاستمرار. والطلاق على حد قول الطبيب النفسي يشوّه داخل الطفل نقاءه وعالمه المثالي، فيسيطر عليه الحزن والقلق، وقد يُحدث هذا شرخاً في حياته يحمله حين يكبر فيصبح انطوائياً ويفقد الحوافز ويتراجع وينهزم أمام أقل الصعاب. وأكثر الآثار سلبية على أطفال المطلقين عندما يحاول أحد الطرفين تشويه صورة الآخر أمام أبنائه؛ كأن يقول الأب لأطفاله: إن أمكم لا تحبكم وهي امرأة لا تصلح كزوجة وأم ... إلخ. أو تحاول الأم من جهتها أن تزرع الكراهية في نفوس الأطفال تجاه أبيهم، وهذا ولا شك قد يدمر حياتهم ويؤثر على مستقبلهم. نادم على الطلاق كنت ومازلت أحب زوجتي التي طلقتها، خصوصاً أنني تزوجتها عن حب حقيقي، واستمر زواجنا عشر سنوات كان من ثمرتها أربعة أطفال، لكن المشكلة هي أننا كنا عنيدين أي كلانا وليست هي لوحدها، لكن الشيطان كان هو الرابح الأكبر عندما دخل بيننا!!. فمعظم المشاكل التي كانت تدور بيننا أصلاً موجودة في كل بيت وداخل كل أسرة ومعظمها قابلة للحل بسهولة، لكن ماذا أقول؟!، لقد دفع كلانا الثمن غالياً، فلا أحد يشعر بمرارة الطلاق إلا من جرب ذلك، خصوصاً إذا كان هناك أطفال يحتاجون إلى رعاية واهتمام أكبر. وهذه المسألة لا يمكن أن يقوم بها الرجل مهما حاول، فالأم وجودها مهم في حياة أبنائها، والرجل مهما ادعى أنه يستطيع أن يقوم بالدورين معاً فهو مغالط.