لعل أبرز مايشغل العقل السياسي مؤخراً هو ذلك التدهور السريع الذي شهدته العلاقات بين موسكو والغرب بعد العمليات العسكرية بين روسيا وجورجيا حول إقليم أوسيتيا الجنوبية. أمريكا تهدد باستبعاد روسيا من مجموعة الدول الصناعية الثمانية ومنظمة التجارة العالمية، وروسيا ترد بأن ذلك لايخيف. الرئيس الأمريكي جورج بوش يتهم روسيا ب«الترهيب والترويع» في علاقتها مع جورجيا معتبراً «أساليب الترهيب والترويع في إدارة السياسة الخارجية لاتناسب القرن الواحد والعشرين».. «ربما نسي الوضع في العراق». الرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف يشير إلى أن روسيا فقط التي بوسعها ضمان أمن المنطقة معلناً الاستعداد الروسي لمعاودة الكرة متى اقتضت الضرورة.. بوش يقول إن «على روسيا الاختيار بين أن تكون أمة مسئولة أو السير في طريق لن يجر عليها سوى المواجهة والعزلة». القوات الروسية تواصل فرض سيطرتها على بلدة جوري الواقعة على الطريق الرئيس المؤدي إلى العاصمة تبليسي وعلى بعد 06كم منها. اللغة تذكر بأيام الحرب الباردة لاسيما عندما تقارن وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس ماحدث بالغزو السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا عام 8691م، وتنبه إلى أن مثل هذا الأمر لن يسمح بحدوثه مرة أخرى.. الأبرز في التداعيات القادمة يأتي ربما من خروج الولايات المتحدة من تلك التطورات بتوقيع اتفاق مع بولندا يسمح بنشر منظومة صواريخ مضادة على الأراضي البولندية، الأمر الذي تسعى إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش منذ وقت طويل إلى تحقيقه؛ حيث سيتم ربط الصواريخ الاعتراضية بنظام رادار جوي في جمهورية التشيك، التي وافق المسئولون فيها في إبريل - نيسان الماضي على المشاركة في النظام الصاروخي. المنجز الأمريكي لايعد هدفاً استراتيجياً يخشى منه - بحسب الروس - لكن الاتفاقية وبحسب الجنرال الروسي أناتولي نوغوفيتسين - نائب رئيس هيئة الأركان الروسية - تعرض العلاقات الروسية الأمريكية المتوترة حالياً للخطر، معتبراً أن هذا الاتفاق لن يمضي قدماً دون عقاب ومحذراً الجنرال من أن بولندا بذلك تعرض نفسها لخطر الهجوم عليها. مقابل مساعدتها في تحديث قواتها المسلحة كانت بولندا وقعت مع الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية بالأحرف الأولى لنشر عناصر من منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا، وتقتضي الخطط الأمريكية نشر صواريخ اعتراضية مضادة للصواريخ البالستية بعيدة المدى في دول أوروبا الشرقية، وهو مايثير قلق روسيا، التي تعتبر أن هذه المنظومة تشكل تهديداً لها. قبل ذلك وفي أعقاب توقيع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس ونظيرها التشيكي كاريل شفارتسنبرغ في براغ على اتفاقية بشأن نصب أجهزة رادار تابعة للمنظومة الأمريكية اعترضت موسكو بقوة على المنظومة الصاروخية الأمريكية في بولندا والتشيك، رغم إصرار الولايات المتحدة على أنها مصممة لمواجهة التهديدات من دول الشرق الأوسط «إيران» وأنها ليست خطوة عدائية ضد روسيا، لكن إيران اليوم صديق للروس على بحيرة النفط في الخليج.. كما أن مشروعها النووي العسكري مايزال بعيد المنال، رافق ذلك إطلاق تهديدات روسية برد «عسكري تقني» حال نشر الولايات المتحدة منظومة الصواريخ الدفاعية في دول الاتحاد السوفيتي السابق قرب حدودها. وكشفت صحيفة «التايمز» البريطانية النقاب عن خطة، يعكف الكرملين على دراستها، يحتمل أن تتضمن نشر صواريخ بالستية في «كالينينغراد» مقاطعة روسية تقع بين«ليتوانيا» و«بولندا» كرد على ذلك الإجراء الأمريكي الشيكي. الاتفاق الأمريكي البولندي نص على قيام الولايات المتحدة بنشر 01 صواريخ اعتراضية في قاعدة تقع على شاطئ بحر البلطيق شمالي بولندا لقاء قيامها بتعزيز قدرات منظومة الدفاع الجوي البولندية. وفيما تقول واشنطن: إن تلك المنظومة ضرورية لحماية أوروبا الغربية من الهجمات الصاروخية التي قد تشنها دول تصفها بال «مارقة» كإيران تصر موسكو على أن هذه المنظومة إنما تستهدفها هي وتعتبر أن بولندا بهذا الاتفاق إنما تعرض نفسها للهجوم الروسي مائة في المائة.. وتصعد روسيا اللهجة مهددة بإمكانية استخدام السلاح النووي ضد بولندا يقول نائب رئيس الأركان الروسي: «إن العقيدة العسكرية لجيشنا تسمح باستخدام الأسلحة النووية ضد حلفاء الدول النووية إذا قام هؤلاء الحلفاء بمساعدة الدول النووية ضدنا.