تعتبر الأماكن المزدحمة مصدراً من مصادر انتقال الأمراض وخاصة الأمراض الصدرية والمعوية وبدرجة أقل الجلدية. وتمثل الفصول المزدحمة في المدارس إحدى أهم الأوساط الناقلة والوسائط المسهلة لانتقال البكتيريا السبحية أثناء السعال والتنفس القريب من طفل الى طفل. يعتبر روماتزم القلب من المضاعفات الخطيرة لإصابة اللوزتين بالبكتيريا السبحية والذي اختفى أو أصبح نادراً في البلدان التي اعتبرت التهاب الحلق من الأمراض المعدية الواجب الإبلاغ عنها كما هو الحال في بعض الدول الأوروبية التي اعتبرت علاج التهاب اللوزتين من المبادئ الطبية الأساسية، وقد جاءت تلك الاعتبارات بسبب أن الحمى الروماتيزمية أو روماتزم القلب من الأمراض التي يمكن الوقاية منها، الأمر الذي مازال قاصراً ولا يُنظر إليه بجدية في بلادنا . روماتيزم القلب والحمى الروماتيزمية - المسببة لروماتيزم القلب مازال أكثر انتشاراً في الدول المتخلفة ومنها بلادنا وبلدان الشرق الأقصى واختفت من أوروبا في شمالها ولكنها مازالت منتشرة في جنوبها. تنتج الحمى الروماتيزمية من إصابة الحلق أو اللوزتين بأحد الميكروبات السبحية وسميت بذلك لأنها تتكون من حبيبات تتجمع على شكل السبحة. تزداد نسبة حدوث الحمى الروماتيزمية في الأماكن والأحياء المزدحمة ويقل أو ينعدم حدوثها في الأحياء قليلة الازدحام التي تتخلل منازلها الشمس والهواء ، وقد تكثر الإصابة بها في نطاق البيت الواحد وخصوصاً بين أطفال الغرفة الواحدة المزدحمة وكذا عن طريق الاستخدام المشترك لأدوات الطعام والشراب حيث من السهل انتقال التهاب الحلق من طفل مصاب إلى طفل آخر. و الحمى الروماتيزمية ليست نتيجة حتمية لالتهاب اللوزتين، بل إنها تحدث في نسبة قليلة من هذه الحالات وهم الأطفال أو الأشخاص ذوو الاستعداد المناعي للإصابة بها . ولا يعرف حتى الآن سبب هذا الاستعداد ، وقد يكون لعوامل الوراثة الخاصة بحساسية تجاه المواد الغريبة دخل في ذلك ، وهذ ما يفسر ظهورها في بعض العائلات دون الأخرى. وتكمن خطورة الحمى الروماتيزمية حالياً في تغير شكلها المرضي عما كانت عليه سابقاً ، فقد كان يسهل تشخيصها حتى لغير الطبيب؛ من حرارة شديدة الارتفاع مصحوبة بآلام شديدة وتورم بالمفاصل تنتقل من مفصل إلى آخر ، أما في الوقت الحاضرفقد تصاحبها حرارة طفيفة وغير ملحوظة وآلام خفيفة بالمفاصل قد تنعدم أحياناً. وإصابة القلب دون إنذار سابق هي القاعدة، وكثيراً ما يصعب تشخيصها على الممارس العام . وتصيب الحمى الروماتيزمية الأطفال والشباب بين سن الخامسة والخامسة والعشرين . وفي حالة الطفل يجب على الأب والأم ملاحظة الأعراض التالية:- - التهاب باللوزتين أو الحلق مع حرارة يشفى منها بعد أيام لتظهر الأعراض التالية الأخرى من 10-14 يوماً. - آلام خفيفة بالمفاصل قد تسبب عرجاً ينسبه الطفل إلى وقوعه أثناء اللعب. - بهتان جلد الطفل وخاصة أثناء اللعب. - فقدان للشهية وآلام بالبطن. - نزيف من الأنف (رُعاف). هذه الأعراض تستدعي استشارة الطبيب لتأكيد أو نفي الإصابة بالحمى الروماتيزمية .... وإذا عولجت الحمى الروماتيزمية علاجاً صحيحاً سلم القلب من أي أضرار، أما إذا أهمل علاجها أو تكرر حدوثها فاحتمال إصابة القلب تصبح كبيرة بل مؤكدة. وتتميز الحمى الروماتيزمية بسمة لا تجدها في الحميات الأخرى وهي تكرارها في الشخص الذي أصابته ، وأحياناً يكون هذا التكرار موسمياً في الفصل نفسه أو في الشهر نفسه من الإصابة السابقة ، مما يجعل لهذه الخاصية قيمة تشخيصية كبرى. كما تتميز بخاصية ثانية وهي استعداد بعض العائلات للإصابة بها وتساعد هذه الخاصية على تشخيصها إذا ما أصيب طفل بحمى غير واضحة السبب من أسرة أصيب فيها طفل آخر بحمى روماتيزمية. وترجع خاصية تكرر الحمى الروماتيزمية إلى أن الميكروب السبحي المسبب لها يتكون من عدة فصائل أو أجناس لها خواصها المناعية المختلفة وقد يصاب المريض بنوع منها فيكتسب مناعة ضدها ولكنه لا يكتسب مناعة للفصائل الأخرى التي قد تصيبه في سنوات قادمة. وإذا ما تمكنت الحمى الروماتيزمية من القلب انتهت به إلى الاعتلال وتلفت صماماته فاما تضيقت أو توسعت أو كلاهما في وقت واحد فتؤدي إلى هبوط ينتج عنه عدم القدرة على بذل مجهود أو ضيق التنفس. والطريقة الأساسية لعلاج روماتيزم القلب هي في الوقاية من الحمى الروماتيزمية وفي علاجها علاجاً صحيحاً عند إصابة المريض بها، وتتطلب الوقاية من الحمى الروماتيزمية عدم الإهمال في علاج التهاب اللوزتين أو الحلق الحاد مهما كان طفيفاً ولو بالطرق التقليدية دونما استخدام العقاقير. ولما كانت الحمى الروماتيزمية هي نتيجة لالتهاب بالميكروب السبحي فإن حقنة واحدة من البنسلين طويل المفعول الذي يمتد أثره العلاجي لمدة ثلاثة أسابيع كافية لعلاج هذا النوع من التهابات الحلق وضمان لعدم الإصابة بالحمى الروماتيزمية إذا كان المصاب من المهيئين مناعياً لحدوث هذه الحمى. ولا يجب على المريض أو أهله أن يخافوا من حساسية حقنة البنسلين التي نادراً ما تُحدث حساسية . كما يجب عزل المستخدمات المنزلية الخاصة بالأكل والشراب للمريض المصاب بالتهاب الحلق عن أفراد العائلة حتى لا تنتقل العدوى الى أفراد العائلة الآخرين. أما إذا حدثت الإصابة لا سمح الله ووصل الأمر في حالة مريض التهاب اللوزتين الحاد إلى الحمى الروماتيزمية فإن الأمر يستدعي العلاج الدقيق والطويل إلى أن ينتهي نشاطها والطريقة الأساسية لعلاج التهاب اللوزتين الحاد هي:- - الراحة التامة حتى تبين تحليلات الدم المختلفة توقف نشاطها. - العلاج الدوائي : وهو ما يقرره الطبيب المختص. - العلاج الوقائي: ويتركز في حقنة البنسلين طويلة المدى كل ثلاثة أسابيع بصفة مستمرة حتى سن الخامسة والعشرين أو ما بعدها لضمان عدم تكرار الحمى الروماتيزمية ، وهو ما سبق الإشارة إليه كخاصية مميزة لهذه الحمى. تحدو الوسط الطبي آمال في اكتشاف مصل يقي من الحمى الروماتيزمية ، كما هو الحال في أمصال الحصبة والدفتيريا والجدري وغيرها من الأمراض المعدية التي قضي عليها على الرغم من اختلاف المسبب وهناك أبحاث تجرى منذ عدة سنوات لتطوير مصل يخلص البشرية من مخاطر الحمى الروماتيزمية ولكن تقف في طريقه صعوبات كثيرة. إذا كان تأثير الحمى الروماتيزمية على القلب خفيفة فلا تتطلب أية علاجات خاصة وقد تتطلب فقط الإقلال من بذل المجهود الجسماني أو علاجاً باطنياً أو تدخلا جراحياً بعد سنين طويلة ما عدا ذلك فأن مريض روماتيزم القلب كثيراً ما يعيش- بالعناية اللازمة المعتادة - حياة طبيعية ليتزوج وينتج وينشئ عائلة ويتقدم به العمر حتى يصل إلى سن الشيخوخة دون مضايقات تذكر