لا يحمل رمضان لليمنيين «أجواء روحانية» فقط ، وصفاء نفوس ، فالشهر الكريم ، يُغدق المواطنين ب(أزمات خانقة» ، يتفنن في صناعتها شياطين رؤوس المال ، أبرزها مادة الغاز المنزلي التي تتحول بفعل الاحتكار من التاجر والمستهلك إلى قنابل موقوتة. الغاز .. من عام إلى آخر تهب علينا كفوازير رمضانية مستبقة .. طلاسمها تتشابك وتشبك معها الكل .. والسؤال الذي يفرض نفسه هل هي أزمة حقيقية أم بوادر أزمة ؟ - وإن صح أحدهما .. فلماذا تأتي مع حلول شهر رمضان؟! شياطين الغاز لا تصفد «اللي شبكنا يخلصنا..» رجاء على كل لسان مصحوب بتذمر واستغراب .. فهيم اليوسفي يقول ساخراً وإن جاز التعبير متسائلاً: الغاز هذه الأيام صار يصفد قبل شياطين رمضان .. والا الشياطين تصفد الغاز «تخفيه» قبل ن تصفد ..؟! والحقيقة التي لا يجهلها حتى « فهيم» أن الغاز المنزلي مادة اعتاد الناس عليها بعد استغنائهم عن الوسائل القديمة التقليدية .. ونظراً لتلك الأهمية أصبحت عند أولئك الناس «ملاك» يشتعل في سبيل خدمتهم .. والملائكة لا تصفد!.. ما خفي كان أعظم تحتل اليمن المرتبة الثانية من حيث استهلاك مادة الغاز المنزلي عربياً بعد جمهورية مصر العربية ترتيب غريب وعجيب خاصة مع وجود دول أكثر سكاناً و«مطابخ» .. وقد أرجع البعض ذلك إلى أن الشعب اليمني لايجيد التعامل مع تلك الأنابيب بحيث يتسرب معظم ما بها في الهواء إضافة إلى قِدم الاسطوانات والأدوات المنزلية المستخدمة. والأهم من ذلك ما ذكرته بعض وسائل الإعلام المحلية عن عمليات تهريب بدأت تطال مادة الغاز لبعض دول الجوار خاصة الافريقي منها.. هذان سببان .. اطلا من خلف الستار بل من الكواليس .. وما خفي كان أعظم. بديل للكهرباء المواطنون البسطاء مشغولون بمتطلبات حياتهم اليومية ... مستنفرين على قدم وساق وجيب أيضاً !! .. استعداداً لشهر الصيام الذي أصبح بنظر البعض منهم ضيفاً ثقيلاً والسبب تلك الأزمات المصاحبة وإن جاز التعبير المظلمة مع اقتراب ميلاد هلال المعهود بالخير والبركة والرشد أيضاً. والغاز مادة مهمة يصعب الاستغناء عنها .. وان كانت أهميتها الأولى تتركز في «الطبخ» فإنها حسب المواطن صادق علي عبدالقوي تهم أغلب السكان في الريف والحضر .. في إنارة المصابيح الغازية البديل الضروري للانقطاع الدائم للكهرباء خاصة في رمضان. محتكر منزلي لا ينكر سلطان المليكي احتكاره لسبع «دبب» غاز مليانات من أصل ثمان في منزله «المدني» .. كحل يتباهى به هروباً من الأزمات «المعهودة دائماً..!!» والبركة طبعاً على حد قوله «برمضان الماضي واللي قبله .. والحياة دروس. استشرت المليكي .. «طيب ولاستمرت الأزمة». فأجاب: اطمئن هي ما تُخلق إلاّ في رمضان!!». عادة موسمية أزمة الغاز .. عند أمين محمد الحاج عادة موسمية تلقي بعذاباتها كل عام خاصة في مثل هذه الأيام .. فيضطر حينها لترك جميع أعماله ومشاغله في «البحث عنكِ يادبة الغاز»! وإذا ما سمع أنها موجودة في المحل الفلاني يهرع ويدفع كل ما في الجيب. ونبه «أمين» إلى أن اسطوانة الغاز لم تعد كما كانت فقد خف وزنها و«سريع ما تنتهي». كم احتطبت!؟ أعلنت الحجة زهور .. استعصاءها على هذه الأزمة فهي لم تستغن بعد عن دافورها القديم الذي يعمل بالجاز ، كما أنها ما نسيت أن تذكر أنها كم احتطبت من الجبال!؟ وكم أشعلت المواقد!؟ باقي مطاعم السلتة !! سعيد الدبعي صاحب مطعم قال : إن الغاز بالنسبة له رأس مال وضمار أيضاً .. مغلقاً في وجه عبدالسلام المحيا المنقذ الوحيد الذي كان سيلجأ إليه إذا ما استمرت الأزمة. حين ذكرت الأخير بما قال الأول اكتفى .. «باقي مطاعم السلتة ..!!»لأنها تستخدم دوافير» الديزل! «طنين» و«زحلقة» قال : إن أكثر «ما يلخبط» نومه في صباح رمضان ازعاج بائعي الغاز المتجولين في الحارة من خلال الضرب بالمفاتيح الحديدية فوق الأنابيب .. إلا أن ذلك «الطنين» على حد قول بسام الشيباني أرحم من عدم وجود الغاز المصحوب أيضاً «بزحلقة» الأطفال لدبب الغاز الفارغة في الشارع وبكل الأوقات بحثاً عما يسد رمقها!! استغفار.. بالصدفة وقبل أن أفكر حتى في كتابة الاستطلاع قابلت أحد المواطنين حاملاً فوق كتفه «دبة غاز» قال باثاً شكواه لي ومجموعة من الزملاء .. إنها ثالث مرة وهو «يلف» من معرض إلى معرض ومن محل لآخر للبحث عن دبة مليانة ودون فائدة. ذاك المواطن أتبع الشكوى بتذمر أوقعني في حيرة مع نفسي أكتبه أم لا .. وما اختياري للحل الأخير إلا من أجل إيصال رسالة لعظيم غضب وسخط خرج عن حدود العقل من تلك الأزمة. ومن ضمن ما قاله: مادام هذه الأزمة ما تجيء إلا في رمضان والدين يُسر نخلي رمضان مثل بقية الشهور و.... بعدها ذهب من أمامنا وهو يتمتم بكلمات أظنها استغفارا.. يافرحة ما تمت ! اعتاد مأمون عبداللطيف الوجيه أن يأخذ إجازته السنوية من عمله في أمانة العاصمة هذه الأيام فاصبحت بذلك فرحته فرحتين .. لحلول شهر رمضان الكريم .. ولحلوله ضيفاً مرحباً به على أهله وأحبابه بمدينة تعز.. مأمون لم ينس أن يذكر أن أهله استضافوه بأكل من المطعم لأن مطبخهم خضع لإجازة اضطرارية مع انعدام الغاز ليومين .. وطبعاً كان ذلك منغصاً كبيراً للفرحتين وإن استمرت وتكررت سيكون تنغيصها أكبر وأكبر. خمس وجبات يقول صادق محمود الفقيه إن من أهم أسباب فرضية الصيام .. إحساس الأغنياء بجوع الفقراء من خلال تحمل الجوع والعطش وعدم الإسراف في المأكولات حيث تقل وجبات الطعام في رمضان إلى وجبتين .. والمعيبة أن تلك الوجبتين تتحمل تكاليف أكثر من خمس وجبات في اليوم العادي حيث تظهر أصناف مختلفة من الأطعمة تحضيرها يستهلك كميات هائلة من الغاز. وهذا باعتقادالفقيه من أهم أسباب أزمة الغاز الحالية. فوضى متناقضة أما وجدي الخليدي فيرجع ذلك إلى غياب الوعي لدى كل من «التاجر والمواطن» فالحاصل فوضى متناقضة يزداد الطلب ويقل العرض وهكذا دواليك.. والحل عند وجدي .. لابد من تدخل حازم من الجهات الحكومية المعنية لأنها المسؤولة في الأول والأخير عن كل شيء يضر المواطن ودورها هنا يتمثل بزيادة الدور الرقابي ومعاقبة المحتكرين .. وقبل كل ذلك زيادة الكميات المخصصة للمحافظات خاصة قبل شهر رمضان. وفي آخر حديثه قدم نصيحته لإخوانه المواطنين والمتمثلة بعدم تهويل الأمر واشاعة فكرة رفع الأسعار. حقائق متباينة وعن حقيقة رفع أسعار اسطوانات الغاز «إن وجدت»! تتناقل الأوساط الشعبية أرقاماً متباينة لم يتسن لنا التأكد من صدقها .. فقد بلغت عند البعض الألف ريال، وتتفاوت عند آخرين ما بين السبعمائة والألف . أما بالنسبة لأصحاب المعارض والمحلات فهي عندهم ثابتة ثبوت الجبال الرواسي..!! أعطونا .. وحاسبونا «أعطونا الغاز وبعدين حاسبونا إن كنا نتلاعب بالأسعار..» هكذا ابتدأ أحمد محمد نور الدين صاحب معرض بيع في حارة العسكري » مضيفاً: إن أصحاب معارض الغاز ليس لهم دخل بهذه الأزمة لا من قريب ولا من بعيد .. متهماً شركة الغاز بأنها خفضت الكميات المخصصة للمحطات المركزية متجاهلة الطلبات المتضاعفة لها من قبل المواطنين .. فمثلاً كنا نستلم (300) اسطوانه يومياً والآن لا يصرف إلا (150) أو(200) اسطوانة وطبعاً بعد تعب ونصب حيث نبقى في الطابور جوار المحطة طوال اليوم.. أبواب خلفية من جهته يتهم المهندس صالح غيلان مدير الدائرة الفنية بجمعية حماية المستهلك أصحاب المعارض بأنهم يقومون بعد استلام حصصهم بإقفال المعارض ويدفعون المواطنين إلى الوقوف طوابير .. وفي المقابل تفتح الأبواب الخلفية ويتم توزيع الغاز على أصحاب العربيات بهدف الكسب أكثر من خلال البيع بأسعار مرتفعة. - غيلان .. أكد أن الجمعية راقبت ذلك وأبلغت مؤسسة الغاز بأسماء هذه المعارض وللأسف كان إجراء المؤسسة لحظياً وبسيطاً لا يلبي تطلعات الجمعية .. منوهاً في الوقت ذاته بأن الجمعية مستمرة برقابتها ولن تألو جهداً في مخاطبة مؤسسة الغاز والحكومة ومجلس النواب وكافة الجهات ذات العلاقة.. إذا عرف السبب زاد العجب! بعيداً عن تلك الاتهامات يبقى سبب المشكلة محيراً لأنه نفس السبب الذي يتكرر مع كل أزمة والأدهى والأمر بنفس الموعد السنوي .. وقد أرجع كل من التقيناهم من الجهات المعنية سبب تلك الأزمة إلى حدوث عطل فني في أحد معامل التكرير بصافر .. ومما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة أن الشركة اليمنية للغاز قامت بصيانة المعمل ليعاود إنتاجه من مادة الغاز المنزلي بطاقة انتاجية أساسية تقدر بنحو 21 ألفاً و 500 برميل يومياً. مخزون استراتيجي الدكتور نجيب العوج نائب المدير التنفيذي للشركة اليمنية للغاز أكد أن الشركة لديها مخزون استراتيجي من مادة الغاز المنزلي يتجاوز 800 ألف اسطوانة الأمر الذي يمكنها من مواجهة أية أزمات أو اختناقات تشهدها السوق المحلية مؤكداً استقرار الوضع في السوق المحلية بعد أن وفرت الشركة كميات كبيرة من مادة الغاز في عموم المحافظات وفق آلية المحاصصة المخصصة لكل محافظة وبحسب الآلية المتبعة في ذلك والتي يعتمد فيها على عدد السكان في كل محافظة. وأضاف العوج: إن اليمن تلقت الاثنين الماضي شحنة جديدة من الغاز المنزلي تقدر ب 4 آلاف و500 طن كمنحة مجانية من المملكة العربية السعودية وهي شحنة خامسة منذ بداية العام الجاري 2008م وتأتي في إطار اتفاق سابق بين قيادتي البلدين الشقيقين والذي قضى بتقديم الجانب السعودي نحو 30 ألف طن من الغاز المنزلي لليمن لمساعدته على مواجهة الاحتياجات. ستنتهي قريباً عبدالقوي محمد الشميري أمين عام نقابة الغاز قال : - إن الأزمة التي شهدتها الأسواق المحلية خلال الأسابيع الماضية ستنتهي قريباً خاصة وأن الخلل الفني بمعامل صافر قد تم إصلاحه وستعود بذلك حصة محافظة تعز المتمثلة ب(14) ناقلة بعد أن نقصت مع الأزمة إلى ثلاث أو أربع ناقلات فقط. وعما إذا كانت النقابة قد سعت لرفع تلك الكمية أكد الشميري أنهم رفعوا مذكرات إلى الجهات المعنية بهذا الخصوص وكان الجواب كالعادة (نفياً» بحجة أن الانتاج لا يتحمل أية إضافات في التوزيع. الجميع متضرر قاسم أحمد - مدير العلاقات العامة بنقابة الغاز أثناء نزوله الميداني إلى الشارع بفعل هذه الأزمة كانت شهادته أن الجميع متضرر دون استثناء موضحاً في الوقت ذاته أن الناس احتاطوا بفعل الأزمات السابقة واشتروا كماً هائلاً من الاسطوانات ومن ذاك المنطلق ختم قاسم حديثه بنصيحة للمواطنين تتمثل بالقناعة والرضا بالقليل وعدم الخوف من المجهول فالرازق حي وما من أزمة إلا ولها حل.. والمواطن- بدون أن يقصد - شريك في زيادة تلك الأزمة فهو يكدس اسطوانات الغاز الفارغة التي تصل في بعض المنازل إلى عشر اسطوانات أحياناً تزيد وأحياناً تنقص .. وإذا ما أطلت بوادر أزمة سارع المواطنون لتعبئتها الواحد تلو الآخر مما زاد الطين بلة.