فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن تحت حكم الإمام أحمد 1948-1962
نشر في الجمهورية يوم 02 - 09 - 2008


الحلقة 2ثالثاً: الصناعة والمعادن
ا الصناعة التقليدية:
لقد طبقت شهرة الصناعة اليمنية آفاق البلاد العربية، بسبب ماكان لها من مهارة واتقان وقديماً كانت هذه الصنائع متطورة نسبياً، ومرغوبة في الأسواق العربية، وعلى وجه الخصوص صناعة الأسلحة كالسيوف والدروع والخناجر وحتى عهد قريب كان استخراج معدني الحديد والرصاص جارياً بالقرب من صعدة.. هذان المعدنان المستخرجان كانا يغذيان صناعة تقليدية مزدهرة غير أن منتجات الحديد المستورد والتي غزت السوق المحلية والأسواق العربية المجاورة مع قدوم الموجة الرأسمالية الحديثة على البلدان المستعمرة وخصوصاً اليابانية منها ساهمت في تقويض هذه الصناعات وذلك يعود إلى أن المنتجات المستوردة أقل ثمناً وأجود صنعاً وكانت تتطور باستمرار بينما بقيت الصناعات المحلية عموماً وصناعة الأسلحة في اليمن خصوصاً، تراوح مكانها اسلوباً، وانتاجاً.
وتحتل الصناعة النسيجية مركزاً هاماً في الصناعة والحرف التقليدية اليمانية، فقد حافظ هذا النوع من الصناعة على وجود ملحوظ، وخصوصاً الأثواب الجميلة المعروفة «بالبرد اليماني» اشتهرت مدن يمنية بصناعتها كمدينة زبيد وبيت الفقيه والحديدة.
وقد قدر الانتاج الكلي السنوي للمنسوجات ب731ألف متر وقد استخدمت على الدوام المواد المحلية في صناعتها«القطن والنيله» وهي في مستوى مقبول، لكنها كانت ومازالت تنافس الأكثر جودة من المنتجات المستوردة بالاضافة إلى أنها أكثر كلفة وحاولت صناعات وحرف أخرى أن تحافظ على مكانتها لكن ظروف المنافسة كانت أبداً في غير صالحها ومن هذه الصناعات صناعة الزيوت والسلال، والآجر، والفخار، والصباغة وصناعة الأقفال، وأواني الفضة.. كما أن صناعة الدباغة ومايتلوها من صناعات الجلود والتجليد تتأثر بنفس ظروف وعوامل المنافسة الأجنبية.
ب الصناعات الحديثة:
ومن أبرز هذه المشاريع مصنع الغزل والنسيج في باجل، الذي تم انجازه بالتعاون بين مستثمرين سوريين، والحكومة اليمنية لكن هذا المصنع لم يستمر طويلاً، فقد فضلت حكومة جلالته الاستيراد الأقل كلفة فقامت بوقفه عن العمل.. كما بذلت جهود أخرى مع مستثمرين سعوديين، ولكن هذه الجهود الطيبة كانت تصطدم بالسياسات الانعزالية للإمام.
ويبدو أن القطاع الخاص اليمني، الضعيف ذاتياً، قد حاول خوض التجربة، وقامت في الخمسينات بعض البيوتات بإنشاء مذابح حديثة للماشية، ومعملاً للألمونيوم، ومصنعاً لتعبئة المياه الغازية، وورشة متواضعة لإصلاح الآلات.
لقد لعب القطاع الخاص في كثير من البلدان العربية دوراً ملحوظاً في تنمية الصناعات المحلية ولكن هذا الأمر لاينطبق على اليمن فقد كان الإمام أحمد وقبل ذلك والده الإمام يحيى يخشون كل محاولة للتجديد مهما قل حجمها، وصغر شأنها ولكن يبقى الخاص اليمني، وقصر التجربة، وانعدام روح المغامرة التي تتصف بها دائماً رؤوس الأموال التجارية ولاشك أن رأس المال العربي لم يقدم على محاولات استثمارية تذكر في اليمن، خوفاً من مصادرة الأموال، أو حدوث مشكلات تقود إلى الفشل في ظل ادارة الإمام أحمد، التي تفتقد إلى سياسات واضحة.
المعادن:
وقد احتفر اليمنيون المناجم، واشتهرت اليمن بكثرة ماتنتجه من الذهب والفضة والنحاس والحديد وبعض هذه المناجم تهدم، وأغلق بعضها الآخر لأن مخزونها قد نفد وربما لأن عملية الاستخراج في الظروف الجديدة ظروف الاستيراد الخارجي لم تعد مجدية اقتصادياً وخصوصاً وإن ظروف الانتاج وأدواته في اليمن ظلت على ماهي عليه في العصور القديمة التي شهدت اكتشاف هذه المناجم وكانت بعض الدراسات قد قللت من أهمية الظواهر الجيولوجية في اليمن، ودعت إلى الحذر عند الحديث عن المعادن فيما عرف بشمال اليمن بل وأشارت بعضها إلى أن الأقاليم المجاورة كإقليم عسير ربما كانت أكثر غنى إلا أنه اثبت فيما بعد أن الذين ذهبوا إلى خلاف ذلك كانوا أكثر موضوعية وكانت تقديراتهم صحيحة.. كما أنه قد تأكد وجود الاسمنت بكميات كبيرة تشجع على استثماره، وكذلك الفحم المصاحب للمياه المعدنية بالاضافة إلى الفضة والرصاص والرخام والجرانيت والنحاس والكحل والإثمد.. لقد ساد اعتقاد في اليمن بأن الإثمد أو العثمد كما يسمى أحياناً يقوي النظر، ويشفي من الرمد، أما في غيرها من البلدان الصناعية المتقدمة فإن الإثمد يستخدم لإكساب الرصاص صلابة شديدة بالاضافة إلى امكانية استخدامه في مجالات عديدة ومهمة مدنية وعسكرية.
وكانت عملية استخراج الملح من مكامنه في الصليف قد توقفت منذ عام 8191م ذلك أن البريطانيين كانوا قد هاجموا القوات العثمانية المرابطة هناك، ودكت مدافعهم مواقع انتاجه، وخربت منشآته، وفشلت محاولة الإمام يحيى في استعادة الانتاج، عندما منح المنطقة لشركة أمريكية على سبيل التأخير لمدة تسع وتسعين سنة، مقابل ألف ريال«ماريا ثريزا» تدفع كل عام إلى جانب بعض الامتيازات له ولأسرته، كما نصت على ذلك الاتفاقية التي من المفترض أنها ضمنت حقوقاً للطرفين ومع ذلك فإن عملية استخراج الملح ظلت تنتظر قرار الإمام أحمد بمنح المنطقة لشركة يابانية واستأنفت عملية الاخراج في عام 9591م بموجب اتفاق مع حكومة الإمام التي باشرت حينها بالقيام ببعض الاصلاحات لمواجهة مطالب المعارضة المتزايدة وقد عد هذا القرار من أفضل ما اتخذه الإمام أحمد من قرارات اقتصادية، حيث بلغ الانتاج في عام 1691م «000.021طن» بما قيمته«000.621»جنيه استرليني وأعطى الاقتصاد اليمني فرصة وإن كانت ضئيلة للتصدير والحصول على عملة صعبة وضمن فرص عمل جديدة.
وتذكر المصادر أن أول امتياز نفطي كان قد أعطي لشركة أمريكية، وهي شركة عُنيت بالاستثمار فيما وراء البحار كما يدل على ذلك اسمها، ويبدو أن الشركة قد عجزت عن الوفاء بالتزاماتها، فقام الإمام بإلغاء العقد معها وتكررت هذه الحالة مع شركة ألمانية عام 2591م كما وقع الأمير الحسن وكان حينها رئيساً للوزراء وفي أثناء زيارته إلى ألمانيا في يوليو 3591م اتفاقية جديدة مع شركة«س ديلمان» الألمانية الغربي جاء فيها: إن الشركة الألمانية قد التزمت بتوفير المعدات والأدوات اللازمة للحفر، وبتوفير الخبراء والفنيين، والالتزام بمعاشاتهم ماداموا خارج اليمن، وعند وصول الخبراء والمعدات إلى ميناء عدن، تلتزم اليمن بنقل الخبراء والمعدات إلى مواقع الاستكشاف والحفر، وتتحمل التكاليف بما في ذلك معاشات الخبراء والفنيين والتزمت اليمن أيضاً بفتح اعتماد بنكي في أحد بنوك عدن لتأمين تسديد حصتها من كافة المصاريف ومدة الاتفاقية خمس سنوات، فإذا فشلت الشركة في الحصول على نفط خلال هذه المدة وأرادت العودة بمعداتها، وجب على اليمن تحمل تكاليف النقل ودفع مرتبات الخبراء والفنيين حتى ميناء عدن.
أما إذا ظهر النفط، فإن القاعدة التي تم الاتفاق عليها هي أن اليمن سيحصل على 57% من الانتاج مقابل 52% للشركة، وأن كل طرف سيتحمل من التكاليف الانتاجية بمقدار حصته من الانتاج، كما أعفيت الشركة من الرسوم والضرائب وأعطيت حق شراء النفط المنتج بالأسعار العالمية لكن أعمال الشركة قد تعثرت فقام الإمام بإلغاء الاتفاقية في 5591م.
ولاشك أن هذه الاتفاقية كانت تعكس حالة من القلق المتبادل بين الشركة والدولة أساسه الخوف من عدم الوفاء بالالتزامات التي نص عليها الاتفاق.. كما أنها تعكس حالة من الجهل لدى ممثلى الدولة حيث منحت الشركة الكثير من الحقوق مقابل القليل من الالتزامات وكانت هذه الاتفاقية محل نقد، من هنا تفادت الحكومة بعد ذلك تلك الأخطاء، وعندما وقعت اتفاقيات جديدة كانت هذه الاتفاقيات تعكس توازناً في الحقوق والواجبات بين طرفي الاتفاق وخاصة الاتفاقية التي تم التوقيع عليها مع رومانيا أثناء زيارة البدر إليها في العام 7591م.
لقد حل الأمريكان محل الألمان وعادوا ثانية إلى اليمن عام 9591م في محاولة للحصول على موقع قدم طالما وقد أصبحت اليمن مجالاً للتنافس الدولي وكانت عودة الأمريكان عن طريق شركة «ميكوم أويل كومباني» وحددت الحديدة كمنطقة امتياز للشركة، بمساحة تقدر ب06 ألف كم في اليابسة و22كم في البحر، وتقضى الاتفاقية باقتسام الأرباح مناصفة، وكانت الشركة قد بدأت أعمالها فعلاً في يوليو 1691م في منطقة الصليف الساحلية، حيث توجد صخور الملح التي يبدو أنها كانت الدافع لوقوع اختيار الشركة على هذه المنطقة بالذات في بداية أعمالها، وقامت الشركة بحفر عدة آبار في المنطقة بأعماق تصل إلى 0042متر دون العثور على نتائج أو مؤشرات إيجابية.
وفي نفس الوقت قامت الشركة اليمنية للإنشاء والتعمير باستخدام خبراء للقيام بدراسة استطلاعية لبعض المناطق للبحث عن المعادن وقد جاءت المؤشرات الأولى عن وجود النفط في منطقة صافر والذي تأكد وجوده فيما بعد وكذلك الألومنيوم والحديد في صعدة، والكبريت في مدينة ذمار من خلال ما قامت به الشركة من أعمال استكشافية.
رابعاً: التجارة:
«أ» الصادرات:
لقد ظلت الأرقام المتعلقة بتجارة عدن، حتى وقت قريب المصدر الرئيسي الوحيد لتكوين صورة صادقة نوعاً ما عن المبادلات الخارجية لليمن، وكانت الأرقام دائماً تشير إلى نسبة 09 59% من التجارة الخارجية لليمن التي تمر عبر ميناء عدن، ولقد حافظ ميناء عدن على دوره الممتاز هذا بالنسبة لليمن بالرغم من أن العلاقات بين اليمن وعدن الخاضعة للاستعمار البريطاني لم تكن علاقة حسنة، ولا حتى طبيعية، وكانت الحدود في حالة توتر شبه دائم منذ أمد طويل، بل وكادت تصل في مرحلة من مراحلها إلى حالة من الصدام المباشر بين جيش الإمام أحمد والجيش البريطاني المرابط في المحميات، لكن هذا التوتر يبدو أنه لم يعطل حركة التجارة التي كانت فائدة عدن منها كبيرة، بسبب العائد الذي تحصل عليه من الصادرات والواردات اليمنية.
وبافتتاح ميناء الحديدة، بعد إنجازه من قبل السوفيت عام 8591م، أخذ النشاط التجاري تصديراً واستيراداً، يتجه نحو الميناء الجديد وبدأت الحديدة تستحوذ منذ ذلك الحين على معظم المعاملات التجارية الخارجية لليمن، فانخفض حجم التعاملات بين اليمن وعدن من 09% عام 5991م إلى 55% عام 1691م ثم تلاشت تماماً في السنوات اللاحقة خصوصاً وقد بدأ الاهتمام يزداد بموانئ أخرى كميناء المخا، وميناء الصليف.
لقد بلغ حجم الصادرات اليمنية 000.681.8 جنيه استرلينى عام 1691م وتنحصر قائمة الصادرات في المنتجات الزراعية والسمكية، وتشمل البن والجلود والقطن والملح والحبوب والبطاطس والبقوليات، وبعض الخضار والأسماك المجففة، وسلع أخرى أقل أهمية، وكما تظهر الاحصائيات فإن البن والقطن والجلود تمثل ما قيمتهم 4.67% من إجمالي الصادرات، الأمر الذي يشير إلى خلل واضح في الميزان التجاري، يعكس حالة اقتصادية غاية في السوء والتردي، وخصوصاً إذا أدركنا أن هذه السلع الثلاث قد تراجعت قيمتها التصديرية بنسبة 06% خلال العقدين الماضيين، ولاشك إن ذلك ألحق ضرراً بالغاً بالميزان التجاري للدولة، فالبن يفقد الكثير من قيمته، والأسوأ من ذلك أنه يفقد الكثير من سمعته خارجياً إذ يقوم التجار في عدن والحديدة بخلطه بأصناف أثيوبية وشرق افريقية نظراً لرخص ثمنها، فيعظموا أرباحهم ولكنهم تدريجياً يقوضون ماللبن اليمني من سمعة خاصة في الأسواق الأوروبية والأمريكية.
«ب»:الواردات
وفيما تنحصر صادرات اليمن في بضع سلع زراعية، فإن قائمة الواردات اليمنية طويلة، وتكاد تشمل كل شيء، من الأقمشة القطنية والمواد الغذائية ومشتقات النفط، والكيماويات والأسمنت والحديد والأدوية، والأدوات المنزلية، وقطع غيار السيارات وأدوات الكتابة، ومن اللافت للانتباه أن حجم المبالغ المخصصة لاستيراد الآلات ومعدات التجهيز والإنتاج في قائمة الاستيراد ضئيلة في بلد يتسم بالتخلف الشديد، ويفترض في حكومته الأخذ بأسباب التطور في مختلف المجالات.
وليست هناك أرقام موثوق بها تشير إلى الحجم الكلي للواردات، فهي عند بعضهم 005.71مليون وعند آخرين 63861مليون دولار امريكي وهذه القوائم لا تظهر القيمة الإجمالية لمستوردات كانت السوق اليمنية تغص بها في السنوات الأخيرة مثل الساعات والعطور وأدوات الزينة وآلات التصوير والراديو والتسجيل، ومعروف أن هذه السلع يتم تهريب معظمها إلى داخل اليمن، وذلك لارتفاع رسومها الجمركية وكان المهربون يبتدعون الوسائل مستغلين ضعف الرقابة الحدودية، وفساد الأجهزة الحكومية.
وإذا أخذنا بتقديرات العطار فإن وضع الميزان التجاري في اليمن في عام 1691م يكون على النحو التالي:
إجمالي الصادرات 63861 مليون دولار أمريكي
إجمالي الواردات 1618 مليون دولار أمريكي
العجز الكلي في الميزان التجاري 63861مليون دولار أمريكي
وهذا يعني أن العجز يساوى 25% من الإجمالي العام، وهو رقم يمثل انعكاساً لوضع البلاد الاقتصادي، وخطورته تكمن في أنه ليس عجزاً مؤقتاً، بل هو حالة مزمنة لاحظها كل المؤرخين الذين استقصوا حالة اليمن في عهد الإمام أحمد، ففي 7591م سجل أحد المؤرخين ملاحظاته عن العجز في الميزان التجاري قائلاً: تحريت بنفسي عن كيفية سداد العجز، فتبين لي أن النازحين «يعنى المهاجرين» وهم يعدون بالملايين كانوا يرسلون مبالغ ضخمة إلى ذويهم وأقربائهم في كل مناسبة ثم يردف قائلاً: إن الاستيراد الكثير قد قلص من مخزونات اليمن من الذهب والأحجار الكريمة، وهناك كميات كبيرة بيعت واستهلكت أثمانها في شراء الحاجيات الضرورية الأمر الذي لا يبعث على التفاؤل.
والسؤال الذي كان من المفترض طرحه: ماذا لو أن هذه التحويلات التي تغطي حالة العجز قطعت فجأة كما حدث في حضرموت أثناء الحرب العالمية الثانية؟ فماذا تكون النتيجة؟ بالتأكيد كانت الفوضى ستعم وتنتشر المجاعات، ولكن يبدو أن طرح مثل هذا السؤال سيكون من باب الترف الفكري، إذا ما نظر بعين فاحصة لمجمل حالة اليمن حينها وللطريقة التي يدير بها الإمام اقتصاد البلاد.
التجارة الداخلية ومؤسساتها
«أ» الأسواق:
معظم المصادر تشي إلى أن التجارة الداخلية كانت إلى حد ما مزدهرة، حتى في أشد فترات التاريخ تدهوراً، فالتبادل بين الناس والمقايضة بالسلع كانت قائمة، وقد انتشرت الأسواق في كل مكان في الريف وفي المدينة، فإلى جانب أسواق المدن الكبرى صنعاء، تعز، والحديدة، وجدت أسواق اسبوعية أو مؤقتة تدعى بأسماء أيام الأسبوع، كسوق السبت أو سوق الاثنين.. الخ وهذه الأسواق بالإضافة إلى كونها واسطة لتبادل السلع، والتزود بالمؤن فهي في نفس الوقت أماكن مناسبة للقاء الشيوخ والأعيان للتباحث حول بعض القضايا، وحل بعض المشكلات القبلية وما أكثرها في اليمن هناك تسمع الدعاوى، وتحل المشكلات وفقاً للعادات القبلية كما تسلم في هذه الأيام الجباية «الرسوم الجمركية» لصاحب السوق، وتعلن الإعلانات العامة ويتم التعارف وتبادل الآراء، ومن عادات السوق أن الجميع يتمتع بحماية صاحب السوق، أو حماية البلد التي يقام فيها، أو الزعيم القبلي الذي تقع السوق في نطاق نفوذه وبعضها في حماية الدولة.
وكانت الأسواق بالرغم من سوء تنظيمها تعج بالبضائع المحلية والمستوردة، وكان واسطة التبادل إجمالاً هو النقد، ولكن اليمن في حقيقة الأمر ليس له نقداً معيناً فيتعامل الناس به، ولم يهتم الأئمة الذين تعاقبوا على حكم اليمن بهذه المسألة، ولذلك تعامل الناس بريال «ماريا تريزا» النمساوي وهي العملة شبه الرسمية لدولة الأئمة وبسبب ندرة النقد المتداول منه فإن الناس يلجأون للمقايضة والمباضعة. ولا تحكم هذه التجارة قوانين ولوائح كما يفترض ان تكون، أو كما هو معمول به في بعض البلدان العربية والإسلامية، ولذلك تتحكم هنا الأهواء ويسود الجشع لدى التجار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.