عملية نوعية تكشف خيوط هجوم إرهابي في أبين والقبض على المتهمين    البنك المركزي السعودي يُطلق خدمة جديدة لحماية العملاء من العمليات البنكية المشبوهة وانتحال الهوية الشخصية    مصر تلوح بورقة قوية في حال استمر العدوان الاسرائيلي على رفح وتبدأ بتحركات أمنية على المعبر!    محاولة اختطاف فاشلة لسفينة شرقي مدينة عدن مميز    السلطات المحلية بالحديدة تطالب بتشكيل بعثة أممية للإطلاع على انتهاكات الحوثيين مميز    خوسيلو يثير التكهنات في ريال مدريد    يويفا: ايطاليا والمانيا ستحصلان على مقاعد اضافية في دوري الابطال    الذهب يتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ 5 أبريل    وفاة وإصابة أكثر من 70 مواطنا جراء الحوادث خلال الأسبوع الأول من مايو    في رثاء الشيخ عبدالمجيد بن عزيز الزنداني    بسمة ربانية تغادرنا    من أقرب أصدقائه علي ناصر ومحمد علي أحمد.. وقت محنته تخلوا عنه    توافقات بين رئيس اتحاد الكرة مع لجنة وزارية لحل مشكلة أندية عدن    أمطار رعدية غزيرة على 15 محافظة خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للمواطنين    جماعة الحوثي تعلن ايقاف التعامل مع ثاني شركة للصرافة بصنعاء    بسبب والده.. محمد عادل إمام يوجه رسالة للسعودية    ثلاث محافظات يمنية على موعد مع الظلام الدامس.. وتهديد بقطع الكهرباء عنها    أبوظبي اكستريم تعلن عن طرح تذاكر النسخة الرابعة التي ستقام في باريس 18 مايو الجاري    عندما يغدر الملوك    مأساة في تهامة.. السيول تجرف عشرات المساكن غربي اليمن    النائب العليمي: مليشيا الحوثي تستغل القضية الفلسطينية لصالح اجندة ايرانية في البحر الأحمر    قارورة البيرة اولاً    جزار يرتكب جريمة مروعة بحق مواطن في عدن صباح اليوم    أساليب أرهابية منافية لكل الشرائع    رئيس انتقالي شبوة: المحطة الشمسية الإماراتية بشبوة مشروع استراتيجي سيرى النور قريبا    مهام العليمي وبن مبارك في عدن تعطيل الخدمات وإلتقاط الصور    حرب غزة تنتقل إلى بريطانيا: مخاوف من مواجهات بين إسلاميين ويهود داخل الجامعات    المحطات التاريخية الكبرى تصنعها الإرادة الوطنية الحرة    الدوري الاوروبي ... نهائي مرتقب بين ليفركوزن وأتالانتا    ضوء غامض يشعل سماء عدن: حيرة وتكهنات وسط السكان    متصلة ابنها كان يغش في الاختبارات والآن يرفض الوظيفة بالشهادة .. ماذا يفعل؟ ..شاهد شيخ يجيب    أتالانتا يكتب التاريخ ويحجز مكانه في نهائي الدوري الأوروبي!    قوة عسكرية جديدة تثير الرعب لدى الحوثيين وتدخل معركة التحرير    لا وقت للانتظار: كاتب صحفي يكشف متطلبات النصر على الحوثيين    ولد عام 1949    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    هموم ومعاناة وحرب خدمات واستهداف ممنهج .. #عدن جرح #الجنوب النازف !    باذيب يتفقد سير العمل بالمؤسسة العامة للاتصالات ومشروع عدن نت مميز    إجراء قرعة بطولة أندية الدرجة الثالثة بحضرموت الوادي    دواء السرطان في عدن... العلاج الفاخر للأغنياء والموت المحتم للفقراء ومجاناً في عدن    لعنة الديزل.. تطارد المحطة القطرية    الخارجية الأميركية: خيارات الرد على الحوثيين تتضمن عقوبات    تضرر أكثر من 32 ألف شخص جراء الصراع والكوارث المناخية منذ بداية العام الجاري في اليمن    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    "صحة غزة": ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و904 منذ 7 أكتوبر    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    امتحانات الثانوية في إب.. عنوان لتدمير التعليم وموسم للجبايات الحوثية    ريال مدريد يقلب الطاولة على بايرن ميونخ ويواجه دورتموند في نهائي دوري أبطال أوروبا    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    البدعة و الترفيه    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن تحت حكم الأمام احمد 1948-1962 الحلق21
نشر في الجمهورية يوم 21 - 09 - 2008

انتهى عهد الإمام أحمد بموته ، وإن كان الموت لم يوقف تداعيات فترة حكمه البائسة والتي بدأت في الظهور بمجرد غيابه ، وبعد أسبوع سقطت الإمامة الزيدية السياسية في اليمن ، ومع سقوطها بدأت مرحلة جديدة في تاريخ اليمن المعاصر.
كان غياب الإمامة كطريقة في الحكم ، وشكل من أشكال السلطة حدثاً مهماً بكل ما تعنيه الكلمة من مدلول سياسي وديني ، فخلال أحد عشر قرناً كان دور الأئمة حاضراً ، صاحب هذا الحضور نفوذ ديني يمتد ليشمل اليمن الطبيعي كله ، أو ينحصر ويتراجع شمالاً حتى جبال صعدة.
ومع كل تراجع كانت هناك فرصة جديدة للتمدد جنوباً ، لأن في الزيدية كمذهب ديني روحاً ثورية متمردة ،ترفض الظلم والاستبداد ، وتدعو إلى الخروج على الحاكم الظالم مهما كانت ادعاءاته السياسية والدينية.
لكن فترة الوفاق بين أحمد ورموز المعارضة لم تدم طويلاً إذ انقلب عليهم وهددهم وتمنى أن لايلقى ربه قبل أن يخضب سيفه بدمائهم، فكان أول الفارين من بلاطه الزبيري والنعمان، في 4يونيو 4491م ثم لحق بهم الشامي والموشكي وأبوراس وقبلهم مطيع دماج والواقع أنه ليس في هذا الانقلاب مفاجأة وإن بدا الأمر كذلك للأحرار، فأحمد لم يكن يختلف عن أبيه كثيراً من حيث التنشئة والبيئة التي عاش فيها وماكان احتضانه للمعارضة سوى محاولة لاحتواء اثارها على نظام والده، بادعاء التفهم لآرائهم واكرامهم واستضافتهم في بلاطه.. طلب الأحرار حق اللجوء السياسي في عدن من السلطات البريطانية ووافقت حكومة عدن على طلبهم بعد تردد وبعد ذلك أعلنوا عن قيام أول حزب عرفته اليمن هو حزب الأحرار اليمنيين، برئاسة النعمان، وزعامة الزبيري وقد أنشد الزبيري في هذه المناسبة رائعته الشعرية التي بدأها:
سجل مكانك في التاريخ ياقلم
فهاهنا تبعث الأجيال والأمم
هنا القلوب الأبيات التي اتحدت
هنا الحنان هنا القربى هنا الرحم
وبعث الحزب أول مذكرة يناشد فيها الإمام انقاذ الأمة من المجاعة المهلكة والتكرم عليها بشيء من الحرية الشخصية، فتحترم مساكنها، وتحترم الأموال من السلب والنهب، وتمكين بعض الأفراد من التعبير عما في نفس الأمة، واعطاء حرية محدودة من القول والتفكير والوعظ والارشاد، والخطابة، والسماح لهم بانشاء صحيفة دينية علمية.. كما طالبت المذكرة الإمام باعفاء الناس عاماً أو عامين أو أكثر من الضرائب، وأخيراً اطلاق سراح المعتقلين.. ورد الإمام على الحزب وقال إنه لايرضى عن شيء يخالف الشريعة، وأن ماتحدث عنه الحزب أكثره إن لم يكن كله يخالف الواقع، واقترح ارسال زيد الموشكي والقاضي الزبيري إلى صنعاء للتفاهم، وأعطاهم الأمان.. أهمل الأحرار رد الإمام، لأن رد الإمام، فيه رفض تام لمقترحاتهم، كماأنه وابنه لايؤتمنون ومن المؤكد أنهم قد تصوروا ردود فعله العنيفة.
لقد ساندت صحيفة فتاة الجزيرة العدنية حزب الأحرار، وتبنت الدعاية والترويج لنشاطه الاعلامي، وكانت أكثر الصحف رواجاً في عدن، فأقبل الكثير من المهاجرين اليمنيين على الحزب واتسعت خلاياه، فاشتكى الإمام إلى السلطات البريطانية، واعتبر السماح للحزب بالعمل ضد حكومته ممايُسيء إلى العلاقات بين البلدين، فقام البريطانيون بوضع قيود على الحزب استمرت من اكتوبر 4491م حتى فبراير 5491م.
وللخروج من مأزق الحزب السياسي، استغل الأحرار القانون المدني في عدن، الذي يسمح بتشكيل جمعيات ذات أهداف اجتماعية واختاروا تعديل اسم الحزب إلى«الجمعية اليمانية الكبرى» والكبرى هنا الهدف منها أن تشمل أبناء اليمن قاطبة، فانضمت إليهم بعض عائلات من عدن كآل نعمان، وآل الأهدل، وآل الجفري، وآل خليفة، وترأس الجمعية هذه المرة القاضي الزبيري.
لقد تضمن منهاج «برنامج» الجمعية دعوة أبناء اليمن إلى الاخاء والتعاون والاتحاد فيما بينهم، والارشاد على التمسك بكتاب الله وسنة رسوله الأعظم، والعمل بها، ونشر الثقافة بين الجاليات اليمنية، وتوجيهها إلى مايجب عليها دينياً وأخلاقياً واجتماعياً وثقافياً، والاتصال بالهيئات العربية لتوجيه الجمعية، ومساعدتها، كما تضمن برنامج الجمعية اصدار مجلة تعبر عن نشاطها.
وباعلان قيام الجمعية في 4يناير 6391م، استعادت الحركة نشاطها ضد الإمام وفي اكتوبر من نفس العام أصبح لدى الجمعية صحيفة خاصة سميت«صوت اليمن» ترأس تحريرها الزبيري، وكان لصدورها وقع الصاعقة على الإمام وتمكن الأحرار من ارسالها إلى كل أنحاء اليمن، بالرغم من كونها صحيفة ممنوعة.
ومع ازدياد هذه المعارضة قرر الإمام ارسال ابنه أحمد إلى عدن في 11ابريل 6491م في محاولة منه لاسترضاء المعارضة، والتأثير على الرأي العام في عدن، معلناً أن الحكومة اليمنية سوف تقيم علاقات دبلوماسية مع الدول العربية، وسوف تسعى لاستقدام بعثات أجنبية لاستثمار ثروات البلد المعادية، كما وعد بالتوسع في مجالات التعليم والصحة ودعا قادة المعارضة للعودة، لكنه فشل في اقناعهم، لأن قناعة قادة المعارضة كانت قد ترسخت بأن النظام الإمامي غير مؤهل في ظل حكم يحيى للقيام بأي اصلاحات.
لقد زاد من حنق الإمام على قادة المعارضة، أنهم قد رفعوا سقف مطالبهم العامة، ففي مذكرة قاموا بتوزيعهافي اكتوبر 6491م طرحوا رؤى جديدة لما يرون أن يكون عليه الوضع المستقبلي السياسي لليمن، وحددوا مطالبهم على التالي:
1 تأسيس مجلس شورى للدولة يتكون من علماء البلاد وأعيانها وأولي الرأي فيها، وتكون مهمته الاشراف على أعمال الوزارة، ودراسة المشروعات اللازمة لرقي البلاد وانهاضها، ووضع المقترحات، واصدار الأنظمة.
2 تشكيل وزارة من رجالات البلاد الأكفاء، يكون لها نهج اصلاحي شامل، وسياسة مرسومة تقوم على أساس انهاض البلاد ثقافياً، وصحياً، وأخلاقياً، واقتصادياً، وسياسياً وتكون مسئولة أمام مجلس شورى وأمام ملك البلاد جلالة الإمام، كما هو الحال في الدول العربية الشقيقة.
3 احتفاظ سيوف الاسلام بمكانهم كأمراء وابتعادهم عن تولي المناصب في الدولة واعفائهم من المسئولية حفظاً لكرامتهم.
4 استصدار منشور ملكي من جلالة الإمام بشأن تأسيس الوزارة، وتشكيل مجلس الشورى، وضرورة المبادرة في تنفيذ السياسات الاصلاحية، تمشياً مع تطورات العصر، وعلى ضوء مبادئ جامعة الدول العربية.
5 الموافقة على تشكيل لجنة مراقبة من المواطنين، يكون مهمتها مراقبة تنفيذ المطالب السابقة، على أن تكون مقرها الدائم في بلد محايد، مثل عدن أوالقاهرة.
مايقترحه الأحرار في هذه المرحلة هو نظام برلماني، تكون الحكومة فيه مسئولة أمام البرلمان، وإن لم يقترحوا انتخابه انتخاباً مباشراً من قبل الشعب، نظام يكون الإمام فيه ملكاً يملك لايحكم، وأن يخضع النظام كله لرقابة شعبية، وكان طبيعي ألا يعير الإمام أي اهتمام بهذه المطالب.
لقد استطاع قادة الأحرار القيام بأعمال تحريضية، ألحقت الأذى بيحيى وبنظامه الانعزالي، وأوصلوا آراءهم إلى مختلف مناطق اليمن، وكانت صحيفتهم «صوت اليمن» ومنشوراتهم توزع في مناطق عديدة من اليمن، ويتلقفها الناس باهتمام، وذلك دليل على ماكانت تمثله من رؤى، كان المجتمع اليمني في حاجة إليها لاخراجه من دائرة التخلف والعزلة.. صحيح أنهم امتنعوا عن مهاجمة الإمام يحيى مباشرة كشخص، ولكن الانتقادات التي وجهت لنظامه كانت كفيلة باجلاء صورته الحقيقية أمام مجتمعه.
كان انتقال المعارضة إلى عدن ايذاناً بمرحلة جديدة في تاريخ الصراع السياسي في اليمن، وأدرك بعض الأمراء أن عهد الأسرة المالكة قد ولى، وكان أشدهم احساساً بالتحول التاريخي ابراهيم بن يحيى، الذي حاول أن يقنع اخوانه بإلقاء القبض على الإمام يحيى واحتجازه في القصر، واعلان جنوبه ليختار الشعب إماماً آخر دون أن تتعرض الأسرة لخطر يحل بها، واستهوت الفكرة الأمراء أول الأمر، ولكنهم عادوا وتراجعوا عنها مما حدا بالأمير سيف الاسلام ابراهيم بن يحيى أن يغادر صنعاء تحت دعوى الاستشفاء في أسمرا، ومنها توجه إلى عدن في 12نوفمبر6491م حيث أعلن انضمامه لحركة الأحرار.
كان اعلان خبر انضمام ابراهيم لحركة المعارضة، ثم اعلانه قائداً للحركة وزعيماً للأحرار قد أحدث رد فعل قوي في أوساط صنعاء، كما أثار الاهتمام في الأوساط العربية ودفع بالحركة إلى سبيل جديد لم يكن قد اتضح منذ البداية فقد كان الأحرار محصورين في مجال دعائي، مداره الشكوى من سوء الحال، واستثارة المشاعر، في داخل اليمن وخارجها ضد الحكم القائم، للضغط عليه سياسياً لكي يعدل من أساليبه التي ينتهجها ضد المواطنين، وكان مرد هذا الانحصار في مجال العمل السياسي راجعاً لتقدير قيادة الحركة لحقيقة مركزها وثقلها بين مختلف الفئات الاجتماعية.. فليس على رأس الحركة شخص يمكن له أن يرشح نفسه لرئاسة الدولة، وبالتالي تتخذ المعارضة صفة الشمولية الهادفة لاسقاط الحكم القائم واحلاله بغيره.
وفي نفس الوقت فإن التفكير في نظام جمهوري حينها لم يكن وارداً وكان الشكل في حد ذاته لم يكن هدفاً قدر ماكان وقف الظلم الواقع على الشعب وقد كانت القاعدة الأصولية«درء المفاسد مقدم على جلب المصالح» هي دليل العمل السياسي يومها عند قيادة الأحرار.
لقد اعتبر الأحرار أن فرار ابراهيم إليهم كان أول ثغرة في جدار النظام الإمامي، فأطلقوا عليه«سيف الحق» ونشروا عنه مايمكن قوله ومالايمكن،وتصدرت تلك الأقوال قول الله تعالى على لسان النبي ابراهيم في سورة مريم«ياابت قد جاءني من العلم مالم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً» وكان طبيعياً أن تلمس مثل هذه الأقوال حساسية الأب الإمام يحيى، فخرجت جريدة الايمان الرسمية في صنعاء عن صمتها بمقال تحت توقيع الإمام يحيى نفسه، واتهمت ابراهيم بالعجز عن أي قول، واعتبرت ذلك من أفعال قادة المعارضة.
وكان الأمير إبراهيم قد أعاد من جديد طرح مطالب المعارضة في الإصلاح الشامل والذي سبق وأن أعلنت عن مضامينه في أدبياتها السابقة، فيما حاول بعض أخوته التدخل لدى والدهم، والسعى والتوفيق بينه وبين إبراهيم على أمل في وقف الحركة عند حدها فلم يوفقوا.
أدى انضمام إبراهيم إلى الحركة ببعض الأسر الصامتة على مساوئ الحكم اليحيوي أن تتنبه على هذا العامل الجديد، الذي اقتحم الوضع السياسي، فقد خشوا أن يكون هذا حائلاً بينهم وبين تحقيق مطامعهم وتطلعهم إلى السلطة بعد الإمام يحيى، وتحت هذا الدافع تجمعت الشخصيات الهاشمية الكبيرة الموجودة في صنعاء، وسعت إلى علاقة مع قادة الحركة، كان من نتائجها قيام تحالف واسع ضم الأحرار وزعماء هذه الأسر، وبعض زعماء القبائل، وبعض قادة الجيش استهدف الإحاطة بالإمام يحيى.
ومن الجدير بالذكر أنه خلال فترة تأسيس حزب الأحرار ومن ثم الجمعية اليمانية الكبرى، كانت هناك جهود وطنية بتشكيل جمعية أخرى، تكللت جهود أعضائها بالنجاح في ابريل 5491م، وسميت بجمعية الإصلاح، واعتبرت امتداداً داخلياً للجمعية الأم في عدن، ترأسها القاضي والمؤرخ محمد بن علي الأكوع، وكان من أبرز أعضائها عبدالرحمن بن يحيى الإرياني، والشيخ حسن بن محمود دعيس، وآخرون وقد اكتشفت نشاطها بعد أن تمكنت السلطات من اختراق جهازها التنظيمي، فقبض على قادتها وأودعوا السجن، كما قبض على آخرين كأولاد السياغي محمد ويحيى وحمود، وعبدالسلام صبرة، لارتباطهم بالجمعية، وذكر الإرياني بعض الحقائق عن هذه الجمعية فقال: وفي أوائل 3691م ومن وحي المآسى التي كنا نراها كل يوم أمام أعيننا وبباعث الرغبة في التغيير إلى الأفضل، والتروع إلى تحقيق العدل، أنشأنا جمعية سياسية أسميناها جمعية الإصلاح، واعتبرناها واحدة من روافد الحركة الوطنية في عدن بقيادة الزبيري والنعمان، وكان رأينا أن العمل من الداخل أجدى وأنفع مهما كان محفوفاً بالمخاطر.
لقد كانت هناك على الأقل ثلاث منظمات أخرى أعلنت عن نفسها في القاهرة، وعدن، وفي فترات زمنية مختلفة، كانت أكثرها شهرة هي «كتيبة الشباب اليمني» وهي منظمة تأسست في 82نوفمبر 0491م في القاهرة ونصت المادة الأولى من قانونها بأن «الكتيبة» تسعى لبعث الأمل في نفوس الشعب اليمني، ومحاربة اليأس، ونشر الثقافة بين اليمنيين جميعاً، وإيقاظ شعورهم، وتذكيرهم بماضيهم المجيد، وتزويدهم بالتعاليم الصحيحة التي تعود على اليمن بالنفع، ودعت المادة الثانية من القانون «النظام» إلى محاربة النعرات المذهبية في إشارة إلى الصراع الزيدي الشافعي ونبذ الخلافات والآراء التي جرت على المسلمين النكبات في معظم أدوار التاريخ، وإعداد اليمن ليكون عضواً عاملاً «فاعلاً» في الجامعة العربية، وأهابت بالمقتدرين وذوي اليسار إلى إرسال البعثات التعليمية، لدراسة العلوم التي من الواجب معرفتها وتشتد حاجة البلاد إليها، فيما حددت المادة الثالثة والمواد اللاحقة الوسائل والطرق التي من خلالها سوف تعمد إلى استخدامها للوصول إلى مقاصدها، وبينت باقي المواد طرق التصرف بأموال الجمعية، وكيفية عقد الاجتماعات وشروط الانسحاب والعضوية التي كان من بينها شرطا «السرية والمركزية».
وقادة «الكتيبة» لم يعلنوا عداءهم لحكومة الإمام وفي نفس الوقت لم يمتدحوها كما فعلت ذلك منظمات أخرى، كان أبرز مؤسسي كتيبة الشباب اليمني محمد محمود الزبيري، وأحمد محمد نعمان، ومحمد علي الجفري، ومحيي الدين العنسي، وسالم الصافي، وأحمد الحورش، وأحمد عبدالرحمن الجفري، ويحيى زبارة، ومحمد المسمري، إلا أن عقد «الكتيبة» لم يستمر طويلاً، فقد فشل أعضاؤها المؤسسون في الاتفاق على برنامج سياسي شامل على مستوى اليمن الطبيعي «كل اليمن» فاتجه أبناء كل شطر نحو قضايا الواقع في الشمال لمواجهة الإمامة، ونحو مواجهة الاستعمار في الجنوب، أما تسمية المنظمة «بالكتيبة» فيبدو أنه قد جاء بتأثير صعود الألمان حيث زحفت كتائبهم للسيطرة على العالم وربما تأثر بعض الشباب اليمنيين بمصطلحاتهم.
وطور الزبيري برنامج المنظمة بما يتماشى وظروف اليمن الشمالي حينها وقدم هذا البرنامج إلى الإمام يحيى، وفيما بعد شكل هذا البرنامج ركيزة «نظرية» لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بينما قام كل من محمد علي الجفري وسالم الصافي وأحمد عبدالرحمن الجفري بتأسيس رابطة أبناء الجنوب العربي، وكذلك فعل النعمان الذي أصبح زعيماً آخر للأحرار اليمنيين، فشكل هذا الافتراق علامة فارقة في أطروحات الفعاليات السياسية في اليمن إزاء قضية الجنوب إذ أن مشروع الوحدة، نظرياً وسياسياً ظل لدى مجمل القوى في مرتبة أقل من الاهتمام.
وابتداء من عام 4491م أصبح ظهور المنظمات السياسية والجمعيات الثقافية والأندية ظاهرة مألوفة في الحياة العامة في اليمن، فنشأ بعضها معادياً للنظام وجاء بعضها الآخر موالياً له، ورد فعل مقصود تجاه الأولى، من هذه المنظمات «جمعية الشباب» والتي تأسست في 8 نوفمبر 4491م في القاهرة، أعلن مؤسسوها أنهم يسعون من أجل خلق روابط دقيقة بين اليمانيين في الخارج والداخل، وتعريف اليمن للأقطار العربية الشقيقة بمختلف الوسائل، وإيقاف اليمنيين على نواحي الرقي في الأقطار العربية الشقيقة، وأخذت الجمعية على نفسها الاتصال بحكومة الإمام وأمرائه للتعاون معهم على إنهاض اليمن وإسعاد أبنائه، والعمل على تنمية العلاقات الثقافية بين مصر واليمن، وتسهيل مهمة البعثات اليمانية، وتعميق التعاون بين اليمن والأقطار العربية الشقيقة لتحقيق وحدة «الأمة العربية».
وأهداف الجمعية تفصح عن هويتها وثقافة مؤسسيها، فالتأثر بالدعوات العربية القومية، والتي أخذت أفكارها تسيطر على عقول المثقفين العرب واضح في منهاجها، كما أن المنظمة لم تعلن موقفاً معادياً للحكومة، بل سعت للحصول على دعمها، أما بقية مواد «المناهج» فقد تناولت الحياة التنظيمية والاشتراكات وغيرها.
وأخيراً نحن أمام منظمة إمامية صرفة، وحكومية خالصة، هي جمعية الشباب اليمني الجديد، نشأت في عدن في 92سبتمبر 7491م، يفصح نظامها عن هويتها، وهو عبارة عن صيغة جديدة لنظام قديم، تنص ديباجته على «وجوب طاعة الله ورسوله، وأولي الأمر»، وتنبه الغافلين إلى الحديث المشكوك في صحته القائل:«من مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية» وحديث آخر يقول:«طاعة الإمام حق على المرء المسلم، مالم يأمر بمعصية» وهي أحاديث يعلي من شأنها الشيعة والزيدية أحد مذاهبها.
ويفصح برنامج الجمعية أكثر عندما يطلب من عضوها الطاعة والاخلاص والولاء لأولي الأمر والاعتصام بالشريعة الغراء.. والقيام بخدمة الشعب وأبنائه و«الحكومة المتوكلية» أعلى الله من شأنها.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن الجمعية اليمانية الكبرى التي ترأسها الزبيري والنعمان ثم إبراهيم ابن الإمام يحيى، إنما نشأت في مطلع العام ذاته، وفي عدن حيث ظهرت هذه، أدركنا منذ البداية أن حكومة الإمام هي التي أوعزت بقيام وتشكيل «جمعية الشباب اليمني الجديد» وهي التي ترعاها في محاولة لاستقطاب أعداد من الشباب إلى صفها، وعدم ترك الساحة للأحرار، الذين راحوا يشكلون التيار الأكثر وجوداً وتأثيراً في الساحة اليمنية، بالرغم من أن أطروحاتهم لم تتجاوز حدود المطالب الإصلاحية حينها، وبسبب سمعة النظام وفساد إدارته، وانغلاقه فإن جمعية الشباب الجديد، لم تلق رواجاً كبيراً بين صفوف المهاجرين في عدن، وإن استقطبت بعض الشخصيات في مناطق مختلفة من اليمن من أعالي اليمن، ومن وسطه، في عدن ومن حضرموت.
وهكذا فإننا نرى المياه الراكدة قد تحركت، وأن الأحرار الذين بدأوا ظاهرة نخبوية فكرية قد تحولوا إلى ظاهرة ثقافية اجتماعية سياسية مسموعة الصوت، ومحسوسة الأثر، تحمل برنامجاً متقدماً ومغايراً، وهذه الظاهرة أزعجت التيار المحافظ في السلطة لأنه رأى فيها خروجاً على الثوابت القيمية في المجتمع وعزوفاً عن السائد من القيم المترسخة عبر الزمن، كما رأى فيها الإمام خطراً داهماً يقوض أسس الدولة الزيدية، ويزعزع أركانها الضاربة في أعماق التاريخ لقد هاله وهو الذي أخذ على نفسه إلا يفتح باباً للتقدم، أو نافذة على العالم أن يخرج بعض من أرسلهم لطلب العلم على طوعه، وبعضهم كانوا من الزيدية فأثقل عليه ذلك، أكثر مما أثقل عليه خروج أمثالهم من الشافعية.
7 الإخوان المسلمون واليمن
في عام 7491م كانت هناك قوى عديدة تتطلع إلى تغيير نظام الحكم في اليمن، فخلافاً للأحرار الذين طوروا برنامجهم الإصلاحي، من المطالب الآنية إلى الإصلاحات العميقة، كالدستور والحكومة الدستورية، وملكية يملك الإمام وأبناؤه فيها ولا يحكمون.
وهناك الأسر الهاشمية التي قاتلت إلى جانب الإمام في حربه مع الأتراك، وساهمت بفعالية في تثبيت حكمه، وقد تنكر لها الإمام بعد أن استقر له الحكم، من بين هؤلاء زعماء دينيون طامعون في الإمامة ويرون في أنفسهم الشروط المؤهلة لها، وهناك شيوخ القبائل الذين لم ينسوا أن الإمام استخدمهم مطية للوصول إلى الإمامة، ثم استدار وقلب لهم ظهر المجن، وهناك التجار الذين يرون في احتكار التجارة أو بعضها في جانب الإمام وأبنائه ما يلحق ضرراً بمصالحهم ونشاطهم، وهم يطلبون المزيد من حرية التجارة وتخفيف القيود، وهناك الفلاحون الذين أرهقتهم الزكوات والضرائب، وأذلتهم أساليب الخطاط والتنافيذ، وهناك العسكريون ضباط الجيش الذين يئسوا من المطالبة بتطوير الجيش، وتحسين حياتهم المعيشية، وأخيراً هناك أسرة الإمام، بعض من أبنائه تمردوا عليه، وإن تفاوتت مواقعهم فلم يكن إبراهيم وحيداً في موقفه من أبيه، كان هناك إسماعيل وعلي والحسن، وقد حاول إسماعيل الهرب إلى عدن، فاعتقل على الحدود بمعية الشيخ صالح المقالح، فقد أدرك أبناء الإمام خطورة الوضع، فتمنوا على والدهم راجينه الرحمة، وطالبين منه تدارك الموقف قبل فوات الأوان.
كل ذلك والإمام ثابت على موقفه، غير آبه لما يجرى حوله من تغيرات، وغير مدرك قيمة الآراء التي كان يسمعها من رئيس وزرائه عبدالله العمري، أو وزير خارجيته محمد راغب بك، وهو لم يأبه لتك الانتقادات التي وجهت لسياساته في الصحافة العربية.
وبالتأكيد فهو لا يعرف ما كتبه المستشرقون على قلتهم عن اليمن، وظروف اليمن، وبؤس أهل اليمن، وموقفه من الأجانب والاستثمارات الأجنبية لم يتغير، وإن كان قد قبل أخيراً وفي حدود ضيقة الاستعانة ببعض الخبرات العربية، ولم يعد يمانع في استغلال ثروات اليمن المعدنية بواسطة خبراء عرب ومسلمين، وبرؤوس أموال عربية وإسلامية حرصاً كما كان يرى في اليمن واستقلال اليمن.
كان قد استعان بأحد أصحاب الشركات المصرية، ويدعى محمد سالم لكي يأخذ رأيه فيما يريد إدخاله على بلاده من مشروعات اقتصادية، فأرسل إليه هذا الدكتور أحمد فخري والفضيل الورتلاني، وهو مجاهد جزائري، والواعظ الديني في شركته، وسافر الاثنان إلى اليمن وحظي الاثنان بترحيب من الإمام وولي عهده، وبعد مداولات مع الأمير الحسن وحسين الكبسي وزير أوقاف الإمام، تم الاتفاق على تأسيس شركة يمنية كبرى «للتجارة والصناعة والزراعة والنقل» وتمت الموافقة على الشركة من قبل الإمام، وقام الورتلاني والكبسي والأمير الحسن بوضع قانونها، كما أعد تقريراً للإمام بناء على طلبه، كان فيه صريحاً وناصحاً.
كان تقرير الورتلاني للإمام شاملاً، فهو لم يقم بمهمته كواعظ ديني، بل قدم للإمام نصائح في مجال الزراعة والصناعة والثروة المعدنية، وقدم اقتراحات ملموسة كما يقدمها خبراء الاقتصاد اليوم، وأوحى بتأسيس مجلس للشورى، قال إنه ضروري لتخفيف الأعباء العظيمة الملقاة على عاتق الإمام، وإعداد النخبة الصالحة من الرجال القادرين لتحمل المسئولية والتبعات.. مشيراً إلى أن العصر الراهن هو عصر الشورى، وأن قيام مثل هذا المجلس على سلامته من أي ضرر سيحدث أعظم وقع في نفوس الناس والمسلمين عامة.
وزين للإمام فوائد التمثل الدبلوماسي، وأخيراً دعا الإمام للعلم بالدين، والعلم بكل شيء، ثم عاد الاثنان إلى مصر «فخري والورتلاني».
وفجأة دون علم الحاج محمد سالم، عاد الورتلاني إلى اليمن في أواخر يوليو 7491م وعاد معه اثنان من رموز المعارضة الإسلامية هما أحمد الحورش، ومحيى الدين العنسي، ولم تكن عودتهما مع الورتلاني من باب المصادفة، وبعد عودته إلى اليمن، وبتوصية من الأمير أحمد الذي أعجب بالورتلاني وبثقافته، وبشخصيته عين الورتلاني مديراً للشركة الجديدة.
وكان تعيينه في الشركة الغطاء الذي كان ينتظره الورتلاني ليتستر به خلف مهمته أو مهماته التي عاد من أجلها ثانية إلى اليمن.
يقول الشماحي، عن عودة الورتلاني الثانية إلى اليمن: ويأتى الورتلاني موفداً من الإمام حسن البنا وروح الثورة مستولية عليه، فيمر بعدن، ويضاعف من حماس الأحرار ويصل صنعاء فيحول جوها إلى أتون، وصرنا وكأن اليمن قد ألغم بصواعق ستنقض على الإمام وحكومته، وبعيداً عن صيغ المبالغة التي استخدمها المؤلف للتعبير عن الأثر الذي أحدثته عودة الورتلاني إلى اليمن، إلا أنه من المؤكد إن هذه العودة قد أدت إلى تحول نوعي في مسار العلاقة بين المعارضة والحكم.
وفي الحقيقة فأن عودة الورتلاني إلى اليمن لم تكن هي نقطة البداية في علاقة حركة «الإخوان» باليمن، إذ أن الفترة السابقة شهدت اتصالات مابين قيادة المعارضة والاخوان المسلمين من جانب، وبين الاخوان وأمراء السلطة من جانب آخر، أي أن طرفي الصراع في اليمن كانت تربطهم بالاخوان المسلمين وبالإمام حسن البنا علاقة ما، مع اختلاف في الأهداف والمنطلقات، وبالنسبة للمعارضة فإن هذه العلاقة كانت قد بدأت في الفترة من 9391-1491م ففي هذه الفترة كان يدرس عدد من الطلبة اليمنيين في القاهرة، وكان من بينهم زعماء المعارضة النعمان والزبيري ومحيي الدين العنسي وآخرون، ومن جانب السلطة فإن الإمام حسن البنا كان قد اهتم بالأمير محمد ابن الإمام يحيى ونائبه على الحديدة، ومن خلال زياراته إلى القاهرة نشأت بين الإمام والأمير حالة من الود، استمرت حتى وفاة الأمير كما أن هناك أمراء آخرين ارتبطوا بقادة الاخوان المسلمين من خلالها علاقات خاصة كالحسين الذي عرف بولعه بالعلوم الدينية.
إذن فالفضيل الورتلاني جاء إلى اليمن ومعه برنامجه وأهدافه، وكان في الحقيقة أهلاً لتحويل هذا البرنامج والأهداف إلى أرض الواقع، يساعده على ذلك سعة إطلاعه، وقوة شخصيته، وقدرته على التواصل مع الآخرين والتأثير عليهم، إلى درجة جعلت كلاً من الزبيري والشامي وغيرهم من أقطاب المعارضة ينظرون إليه بإعجاب وإكبار شديدين، حتى قال عنه الشامي وهو الأديب والشاعر والسياسي:«واعترف غير مجمجم، بأن أحداً لم يؤثر في حياتي السياسية والأدبية بل والاجتماعية كما أثر فيها استاذي الفضيل الورتلاني، لقد صنعني سنة 7491م صنعاً جديداً، وأعاد ثقتي بالإنسان بعد أن زعزعتها التفاهات في تعز وعدن».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.