في غزوة بدر، وقد هال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه كثرة المشركين وقلة المسلمين، استقبل القبلة ورفع يديه إلى السماء داعياً. اللهم هذه قريش قد أتت بخيلائها تكذب رسولك اللهم نصرك الذي وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لاتعبد. ومابرح عليه الصلاة والسلام ماداً يديه، حتى سقط رداؤه عن كتفيه فجعل أبوبكر رضي الله عنه يرده على منكبيه ويقول: يانبي الله، بعض مناشدتك ربك، فإن الله منجز لك وعدك. واستمر الرسول القائد في مناجاة ربه حتى خفق خفقه كأنه يخرج من نعاس فصرخ في الناس: والذي نفسي بيده لايقاتلهم اليوم رجل فيقتل في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة. ويسمع عمير بن الحمام رضي الله عنه نداء رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وكان بيده تمرات يقتات بها فيقذفها وهو يصرخ: بخ..بخ..أما بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم رمى بنفسه في أتون المعركة، ومازال يثخن الكافرين بالجراح، ويثخنون به الجراح، حتى تمكنوا منه، فأردوه شهيداً في سبيل الله رضي الله عنه وأرضاه. أنس بن النضر لم يكن أنس بن النضر رضي الله عنه ممن شهدوا بدراً مع الرسول القائد صلوات الله وسلامه عليه ولم يزل تخلفه هذا عن بدر يؤرق سريرته المؤمنة، فلاينفك يردد في عزم وحزم، والله لئن أراني الله تعالى مشهداً مع رسول الله ليرين الله مني ماأصنع ولم يطل الأمر بأنس رضي الله عنه، إذ سرعان ماارتفع في أجواء المدينة المنورة، صوت يندب المؤمنين للنفرة مع رسولهم القائد إلى أحد، فيسارع أنس بن النضر يتقدم الصفوف وقد عزم في نفسه أن يبر بعهده لربه فيريه من صنيعه بالمشركين، مايضحك الرب من عبده، أن يراه يثخن الجراح في المشركين ذوداً عن دينه، ونبيه صلوات الله عليه، ويحتدم العراك وتتكاثر سيوف المشركين من حول الرسول ويشيع في الناس أن محمداً عليه الصلاة والسلام قد قتل فيصيب المسلمين مماسمعوا غماً ووهناً وكرباً عظيماً، ويكاد صناديدهم أن يتخاذلوا عن مواصلة القتال، فيندفع أنس بن النضر وسيفه قائم بيده، يصيح يامعشر المسلمين إن كان نبيكم قد قتل حقاً فماذا تفعلون بالحياة من بعده؟؟ واندفع أنس بن النضر نحو صناديد قريش وهو يلوح بسيفه ويصيح: واهاً لريح الجنة إني لأجده من دون أحد. وتتلقاه سيوف المشركين ورماحهم فلا يهن ولايتراجع ويمضي يثخن في المشركين الجراح حتى تنهد قواه، ويخر شهيداً في سبيل الله، وفي جسمه ثمانون جرحاً أو تزيد تشهد أن أنس بن النضر صدق الله وبر بعهده رضي الله عنه وأرضاه.