لما اشتد القتال في أحد وتكاثرت سيوف المشركين ورماحهم من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزلزل المسلمون من حوله نادى عليه السلام بمن بقي من حوله من المسلمين: ألا من يشتري لنا نفسه..؟ فهب إليه زياد بن السكن في خمسة من الأنصار فجعلوا يقاتلون دون رسولهم القائد فيستشهدون دونه رجلاً بعد الآخر، وزياد بن السكن صامد كالطود الأشم، يدفع عن رسوله القائد حتى أثخنته الجراح، وسقط على الأرض لايقوى على الحراك. وعند ذاك أقبلت فئة من صناديد المسلمين يذبون عن رسولهم القائد فأزالوا المشركين من حوله، وفرقوهم فالتفت رسول الله صلوات الله وسلامه عليه نحو زياد ابن السكن، فإذا به رمق من حياة فقال: ادنوه مني، فأدنوه: فوسده الرسول صلى الله عليه وسلم على فخذه، فما لبث رضي الله عنه أن مات وخده على فخذ رسول الله والرسول عليه الصلاة والسلام لايفتر يدعو له رضي الله عنه. عمير بن أبي وقاص هو أخو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما نحيف الجسم لم يكن قد جاوز السادسة عشر من عمره يوم نفر المسلمون مع رسولهم القائد صلى الله عليه وسلم يريدون «بدراً» لكن قوة الإيمان لاتقاس بالسن، ولا بالجسم فاندفع عمير مع المندفعين في سبيل الله. وفوجئ الرسول القائد صلى الله عليه وسلم وهو يتفقد صف جيشه بعمير بن أبي وقاص يقف في المقدمة وهو يطاول وقفته ليكبر في عين قائده. ويشفق الرسول القائد عن سن عمير الغض وجسمه النحيف فينحيه بلطف عن الصف كأنما يقول له: دع هذا الأمر للرجال يابني..لكن عمير لا يتراجع عن عزمه بسهولة فيلح على رسوله القائد أن يأذن له بقتال الكافرين فيزده القائد بلطف مرة أخرى، فإذا بالدمع يتساقط غزيراً من عيني عمير فيرق قلب الرسول القائد صلوات الله وسلامه عليه لهذا المنظر، فيدنيه منه ويأذن له بقتال المشركين، ويدعو له بالخير. فلما احتدم القتال واشتد انطلق عمير بن أبي وقاص يقاتل المشركين قتالاً لاتقدر عليه إلا صناديد الرجال، فتكالبت عليه سيوف المشركين من كل جانب ثم لم يلبث أن غدر به العاص بن سعيد فأرداه شهيداً في سبيل الله، فكان أصغر شهداء بدر رضى الله عنه.