( الحلقة السادسة و العشرون ) سيئون مدينة يمنية تاريخية عامرة ، وتعد في وقتنا الحالي عاصمة وادي حضرموت ، تقع بين كل من مدينة تريم في الشرق وتبعد عنها نحو 20 ميلاً ومدينة شبام حضرموت في الغرب على بعد 11ميلاًً تقريباً. تتميز مدينة سيئون بموقعها الجميل الذي يتوسط أراض زراعية خصبة ومدناً ومعالم ومواقع تاريخية وسياحية رائعة مثل قباب عينات وقصور تريم الغناء وضريح أحمد بن عيسى بن أبي المهاجر في مريمة ، فضلاً عما تزخر به مدينة سيئون من روائع القصور والمساجد والقباب والعمائر السكنية التي تشكل مع محيطها الدافئ الجميل لوحة فنية بديعة. كانت مدينة سيئون منذ بداية العصر الإسلامي قرية صغيرة تتبع إدارياً مدينة شبام تارة وتارة أخرى تتبع مدينة تريم. ولم تبرز أهمية سيئون إلا في القرن العاشر الهجري - السادس عشر الميلادي وتحديداً في سنة 922 هجرية - 1513م عندما اختارها السلطان بدر أبي طويرق لتكون حاضرة لسلطنته التي امتد نفوذها في بعض الفترات من عين بامعبد غرباً وحتى مدينة ظفار الحبوضي (حالياً ظفار عمان) شرقاً. في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري - الثامن عشر الميلادي خضعت مدينة سيئون لسيطرة السلطان الكثيري وصارت منذ تاريخ إعلان قيام الدولة الكثيرية سنة 1276هجرية - 1871م عاصمة لهذه الدولة واستمرت كذلك حتى خروج المستعمر البريطاني من جنوب الوطن اليمني الحبيب. كانت مدينة سيئون التاريخية محاطة بسور من الطين، تتخلل السور أبراج حراسة. ويرجع تاريخ إنشاء سور المدينة وبعض معالمها التاريخية والأثرية إلى عهد السلطان بدر أبي طويرق ( تولى الحكم من سنة 922هجرية - 1513م إلى سنة 977هجرية - 1570م ) الذي أحاط مدينة سيئون لأول مرة بهذا السور في سنة 922هجرية - 1513م. وكانت تفتح في سور مدينة سيئون ثلاث بوابات تؤدي إلى داخل المدينة: البوابة الأولى تفتح في الواجهة الشرقية من السور، وبالقرب من هذه البوابة تقع إحدى الآبار التي كان جزء من سكان المدينة يتزودون منها بالمياه وتسمى بئر زوية ؛ وتفتح البوابة الثانية في الواجهة الشمالية من السور بالقرب من مسجد الحداد ؛ أما البوابة الثالثة فتعرف باسم السدة (سدة كلابة)، وهي البوابة الوحيدة التي لا تزال قائمة. تطورت مدينة سيئون في السنوات الماضية تطوراً كبيراً وشهدت توسعاً عمرانياً في جميع الاتجاهات فتضاعفت مساحتها عشرات المرات، وصارت المدينة التاريخية عبارة عن حي من أحياء المدينة الحديثة. تتميز مدينة سيئون التاريخية بجمال منشآتها المعمارية ومعالمها التاريخية الرائعة التي تقدم أنموذجاً فريداً للعمارة الطينية التي تعد واحداً من أبرز ملامح ومظاهر فنون العمارة اليمنية العربية الإسلامية. المنشآت الدينية التاريخية : تزخر مدينة سيئون بعدد كبير من المساجد التاريخية مثل : الجامع الكبير ومسجد القرن ومسجد باسالم ومسجد طه ، ومن حصون سيئون المشهورة حصن الدويل الذي يقع في وسط المدينة، ومن القباب القباب الضريحية في سيئون قبة الحبشي وباعلوي وغيرها. قصر الكثيري : أجمل وأكبر المنشآت المعمارية المبنية بالطين في العالم. يبلغ ارتفاع هذا القصر عن مستوى سطح الأرض المحيطة به 36متراً. أنشأه السلطان المنصور بن غالب في سنة 1292هجرية - 1874م. وبعد وفاة هذا السلطان تولى ابنه السلطان علي استكمال بقية أعمال البناء. التخطيط المعماري للقصر : عبارة عن بناء مستطيل الشكل يتكون من ستة طوابق، تضم مائة وإحدى عشرة غرفة منها أربعون غرفة كبيرة. يحيط بالبناء فناء مكشوف، يتم الدخول إليه من بوابة رئيسة بارزة تفتح على المدينة في الواجهة الشمالية. تم تحويل قصر السلطان الكثيري في العصر الحديث إلى متحف للآثار والتراث. وإلى جانب قصر الكثيري في سيئون توجد في المدينة عدد من القصور المشهورة مثل قصر العُمري، وقصر عمر بن شيخ الكاف وقد قام بتنفيذ جميع أعمال البناء والزخرفة في هذا القصر المعلم الخطيب من أهل مدينة تريم، وقصر بن قلا الذي يرجع تاريخ بنائه إلى سنة 1909م. مسجد سعيد : من المساجد التاريخية في مدينة سيئون، بناه الشيخ الصوفي سعيد سنة 1306هجرية الموافق 1888م. يتكون من قاعة للصلاة وفناء مكشوف ومئذنة. يتم الدخول إلى المسجد من باب مستطيل يفتح في منتصف الواجهة الشرقية ويفضي إلى الفناء. رباط وقبة الحبشي : هذه القبة هي في الأصل رباط علم بناه الشيخ الصوفي الفقيه علي بن محمد الحبشي سنة 1296ه- 1878م ويعرف هذا الرباط باسم رباط سيئون ويعد واحداً من أشهر الأربطة اليمنية المعروفة اليوم في محافظة حضرموت. ملحق بهذا الرباط قبة بداخلها تابوت خشبي يغطي قبر الولي الصالح الحبشي، يرجع تاريخ بناء هذه القبة إلى سنة 1309هجرية -1910م، وينظم أهالي سيئون والمناطق القريبة منها زيارة سنوية لهذه القبة الضريحية تبدأ الزيارة في يوم 18 من شهر ربيع الثاني وتنتهي في يوم 21 من نفس الشهر من كل عام. مسجد الرياض : يرجع تاريخ بناء هذا المسجد إلى سنة 1316هجرية - 1898م. ويتميز بمئذنته الشاهقة التي تتكون من قاعدة مستطيلة الشكل يعلوها بدن مستدير مكون من ثلاثة مستويات يفصل بين كل مستوى حزام ملون باللون الأخضر. مسجد الصبان : يقع هذا المسجد في مدينة سيئون، أنشأه الشيخ أبو بكر الصبان سنة 1310ه- 1891م، ولبناء هذا المسجد قام الشيخ أبو بكر الصبان بشراء قطعة أرض في وادي جثمة طرف مدينة سيئون وبنى عليها هذا المسجد بالقرب من منزله الذي كان حينها خارج سور المدينة. يتكون هذا المسجد من فناء مكشوف تفتح عليه في الجهة الشمالية قاعة للصلاة مستطيلة الشكل يغطيها سقف مسطح تحمله أعمدة. يتوسط المحراب جدار القبلة وهو عبارة عن فتحة مجوفة يتوجها عقد زخارف تعلوه كتابية وهندسية. وللمسجد مئذنة تقع يمين المدخل الذي يفتح في الواجهة الشرقية. تتكون هذه المئذنة من قاعدة مستطيلة يتجاوز ارتفاعها سطح بيت الصلاة.