أمام المرآة تحركت يمنياً شمالاً أماماً وخلفاً..أصلحت آخر زر لعباءتها، تفننت كثيراً في إصلاح طرحة رأسها دار العطر كثعبان حول عنقها خصرها وحتى ساقيها، وضعت القليل من المساحيق المثيرة على وجهها وحول عينيها وبحركة سريعة التقطت حقيبتها الصغيرة ثم مشت على أطراف أصابعها خطوات بطيئة واثقة تجاه باب الغرفة.. خارج المنزل توجد أشياء كثيرة غريبة واحياناً مريبة الهواء كثير هنا، الناس، الكلمات.. كانت خطواتها واثقة تماماً وهي تعبر الطريق المؤدي إلى السوق..في هذا المكان يوجد الكثير ممن يفترشون الأرصفة في الشوارع العامة والأزقة.. يتبادلون التعليقات السمجة الكلمات الرديئة، واحياناً كثيرة الاستعارات المخلة.. يضحكون بأصوات عالية مقززة ومنفرة.. ومن بين هؤلاء تجد من هو على أهب الاستعداد لمرافقتك اينما ذهبت يعد أنفاسك ويصب في أذنيك كلمات محركة.. مازال الجو ممتعاً..في الزحام توجد وجوه عدة لاتستطيع التقاط ملامحها، وحده العطر ينتشر ليكسر كل الأنوف ويخدش الأفئدة.. أحست هواءً حاراً يلفح جانب خدها الأيمن ، انفاساً تسابق أنفاسها..سمعت صوتاً قريباً منها.. «هيا معي..» حاولت تجاهل ذلك الصوت الحرارة التي اقشعر لها جسدها مد يده وخلعت حذاءها..بعد أسبوع دارت كالبوصلة أمام المرآة شدت طرحتها حول رأسها وعنقها وصبت زجاجات العطر ثم مشت بخطوات بريئة واثقة أيضاً تجاه الباب.