ُ الذي امتدّ أبعدَ من ظله، ما يزالُ يُحدّقُ فينا بعينينِ نصفِ مغمضتين ما كان بهذا المدى لو كان طريقه سالكا لو كان ذا ملمحٍ أو تقطيبةٍ فوق الحاجبين. الغيابُ بلا رائحه لا ملامحَ لَهْ وله سَطْوةٌ آسرة. أأنا منْ أمّلَ الوردَ بالربيع؟ والوديانَ والجبالَ بالصدى؟ أأنا منْ أغلقَ الهوّةَ الفاصلة بين ما يُرى ولا يُرى؟ بين العشبِ والحجر؟ على جبهتي كتبتُ: غائبٌ لا تبحثوا عني. معزوفة فريدة ألّفتها في ليلة هائجة لأعدائيَ العاطلينَ عن الحياة، وللعرب البائدة دويُ كمنجاتٍ تروسُ طقسَها عند حوافي الطبول مسافاتٌ قطعناها فرادى، وأخرى مؤجلة خلف أسوار النهار نقرأ فنجانها المُنكفئ بعينين هائمتين ويدٍ راجفة، في فضاء يشيدهُ الماضي بجلباب الفضيلة الماكرة. أأنا منْ حاكَ خيوطه المُعْرَوْرقة؟ أأنا منْ بصيحاتِ الثكالى وألسنةِ اللهيب طرّزّه؟ أأنا مَنْ بمرآةِ الخديعة سَوّره؟ أأنا مَنْ باليد المُلوّحة في الهواءِ شفّرَه بارَكه بالحنّاءِ، وبالدماءِ ضَمّخه؟ كنتُ جنبَ الحبيبة أرنو لضوء تلاشى، وراءَ التلالْ صمتتْ فجأةً الطبيعةُ صامتةٌ نحرها نازفٌ، يتلألأ في صفحات الظلام. الغيابُ= الغياب كم من النور فيه كم من الظُلمات! الغيابُ المُمَدّدُ في الذاكرة لا يَفكّ طلاسمَهُ غير هذا الغياب.