الأصول الثنائية «أع» : من المقاطع اللفظية «الثنائية» المستعملة في تهامة لخطاب الأطفال في المراحل الأولى من العمر 1 - 3 من سنوات عمر الطفل، هذا المقطع الصوتي يطلق كخطاب موجه إلى الطفل للتعبير عن كل ما هو قذر، وهو غالب ما يرمى إليه اللفظ من معنى، ومع عملية التكرار التي ترسخ في ذهن الطفل مع مرور الأيام نجده في البدايات الأولى من محاولة النطق يتلفظ ب«أع» للتعبير عن شعوره بالحاجة إلى قضاء الحاجة، ويبدو أن الأوائل استوحوا هذا اللفظ من صوت المتقيء ومن ثم استعماله للدلالة على هذا المعنى. «أف» : لفظ ثنائي الأصل يحمل معناه المجرد في هذا وفي كل الكلمات التي يدخل فيها أصلاً معنى «بَعُد»، وهو من الألفاظ المعروفة لغة، وقد ورد في القرآن الكريم بهذه الصيغة الثنائية المستقلة قال تعالى: «فلا تقل لهما أفٍ» وفي الصحاح للإمام الرازي جاء في مادة «أ.ف.ف»: «يقال أفاً له، وأفه أي قذراً له»... ومع أنهم جعلوا أصل هذا اللفظ ثلاثياً إلا أن وروده في لغة القرآن بصيغته الثنائية يدل على أن الأصل فيه ثنائياً وليس ثلاثياً، لأنه لو كان الأصل فيه «أف ف» لورد بهذه الصيغة خصوصاً وأنه جاء مستقلاً بثنائيته في التركيب، ولكنه ورد كما هو مستعمل عند العرب، ولغة القرآن لغة إشارة وإثبات لا لغة حصر كما سبق أن قلنا لأن القرآن تناول كل الصيغ والأساليب والألفاظ الكلامية عند العرب ولكن بلغة الإشارة، لذا يجب علينا الاستفادة من القرآن الكريم في القياس ثم البحث في لغات المجتمع العربي ومنابع جذور العربية «اليمن تحديداً» عن الكثير من الصيغ والمفردات والأساليب الكلامية لتعزيز اللغة وإثرائها بالكثير من الدلالات والألفاظ. وهذه الصيغة اللفظية «أ.ف» مستعملة في تهامة للتعبير عن التضجر والبعد والامتعاض كما هي الدلالة في اللغة، وغير بعيد عن المعنى المجرد للفظ «بعد» يستعمل في التعبير عن الاشمئزاز من الروائح القذرة.. يقال «أ.ف» إذا اشتمّ الإنسان رائحة قذرة، ويكرر للدلالة على مبالغة حدث الفعل كلما كانت الرائحة أكثر انبعاثاً ونتانة، كما يقال أحياناً: «أفه» بكسر الفاء المشددة للكلب إذا تقيأ ثم أخذ يأكل قيئه. «أك» : يستعمل للدلالة عن استيفاء الشيء الذي قمت به ثم تكرار معاودته بنفس النمط كمعاودة المرأة طحين الحب مرات متعددة لاستيفاء عملية الطحن، ويطلق على قيام الرجل بالذهاب والعودة في طريق مّا مرات متعددة في نفس اليوم، يقال: «مالِ فلان اليوم يؤك الطريق أكاً» أي عملية السير مراراً رغم استيفاء المراد بقطعها. «أل» : أصل ثنائي يستعمل في تهامة للتعبير عن معنى «إن شاء الله»، وينطق «آل» بالمد، وعند تتبعنا لهذا اللفظ وما يحمله من دلالة تعبيرية في اللهجة التهامية تبين أن أصله القديم «إل»، ثم تحول في النطق إلى «أل أو آل بالمد»، وإل عند العرب كما فسره ابن منظور في لسان العرب مادة «شرحبيل»، ونشوان بن سعيد الحميري في «شمس العلوم» مادة «أل» بأن الاسم «إل» يعني «الله»، في سياق حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - لمّا تلي عليه سجيع مسيلمة الكذاب قال، «إن هذا ما جاء من عند إل» «5»، «وبما أن معظم علماء الدراسات العربية القديمة المعروفة بالدراسات السامية، قد رجحوا أن جنوب غرب الجزيرة العربية اليمن هو موطن العرب الأول، فهذا يعني أن اسم المعبود «إل» انتقل من هناك إلى بقية جزيرة العرب «6»، وهذا يعني أن هذا المعبود أثر لثقافة دينية أقدم كانت سائدة في حياة اليمنيين، وتقوم هذه الثقافة على الديانة التوحيدية، أي أن أول ديانة توحيدية كانت في هذا الإقليم «اليمن» الذي ارتبط أهله من خلال هذا الاسم بعبادة الخالق «الله» الذي ظل أثره باقياً في حياتهم فيما بعد، وإن اختلفت لديهم طرق العبادة، ووجود هذا الاسم في الديانات العربية «السامية» القديمة هو من تأثير اليمنيين في هذه الديانات عبر الهجرات القديمة التي حملت معها الثقافة الدينية من الوطن الأم. وبما أن تهامة جزء من اليمن الذي ارتبط أهله في عباداتهم بهذا الاسم، فهذا يدل على أن هذا الاسم وتلك العبادات كانت سائدة في تهامة أيضاً، ووجود الاسم في اللهجة بمعنى إن شاء الله أو اطلب الله، يؤكد الارتباط بتلك العبادة من ناحية أقدمية الاسم كأصل ثنائي في المنطقة من ناحية أخرى خصوصاً في ظل غياب النقوش قياساً بالمناطق اليمنية الأخرى، وهي اللهجة الوحيدة حسب علمي التي مازالت تحافظ على مفردة بنفس المعنى، هي من أقدم المفردات التي كانت سائدة في اللغة الأقدم في جنوب الجزيرة العربية، ويستدل على قدم هذا الاسم من خلال النقوش إذ أن أقدم ذكر له «ورد في النقوش الأكاديمية التي تعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد في بلاد ما بين النهرين» وهو ما يعني أنه قد انتقل إليها من جنوب جزيرة العرب قبل هذا التاريخ كما أشرنا، وهذا اللفظ في تهامة يأتي للدلالة على هذا المعبود «الله» عندما يقول لك شخص مثلاً «اشترلي أو إعطني كذا..» فتقول مجيباً: «آل» أي إن شاء الله. (أو) : بما أن هذا المقطع في اللغة حرف عطف «للتخيير» وكذلك في اللهجة إلا أنه في اللهجة التهامية يأتي كصوت يطلقه الإنسان في كثير من الأحيان ليعبر به عن «الحسرة والندم» إزاء فعله شيئاً ما جاءت نتيجته على غير المراد أو المتوقع، فيقول حينها: «أو» أو«أوأوأو» إذا أراد المبالغة في عملية الحسرة والندم، ومعناه المجرد في كل الكلمات التي يدخل فيها «أصلاً ثنائياً» يدل على الرجوع لقوله تعالى: «آوى إليه أبويه» أي أنزل عنده مع رحمة وعطف «رجوع» وقوله تعالى: «إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً» أي ما بدأ به ليكون مرجعاً لما يليه (7) الباء مع الحروف الأخرى من الكلمات «الأصول الثنائية» المستعملة في اللهجة التهامية من هذا الحرف مع غيره التالي: (ب. أ) : «بأبأ».. بتكرار اللفظ - المقطع - اسم صوت الجدي، أي ذلك الصوت الذي يطلقه فحل الغنم عند طلبه نكاح أنثاه من الغنم، وتجده في هذه الأثناء يكثر من مطاردة الغنم خصوصاً عند الصباح والمساء، وهو يردد هذا الصوت «البأبأة». (ب. ث) : «بث» يقال: «بث الشيء» أي نشره وفرقه لهجةً، وبث الخبر لغةً نشره، والمعنى المجرد الذي تشترك فيه الكلمات التي يكون فيها «الباء والثاء» أصلاً يعني «انتشار» ،كقوله تعالى: «وبث فيها من كل دابة» أي نشر وفرق، وقوله تعالى أيضاً: «ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة» أي منتشرة، وكذلك قولة تعالى: «وبُسّت الجبال بساً فكانت هباءً منبثاً» أي منتشر، ويطلق «بث» في تهامة على ما يوجد من مرعى في بطن الدابة بعد ذبحها وهي المادة التي يتخلص منها الإنسان بالإزالة والغسل الجيد لما يعرف «بالكرش». (بج) : يقال في تهامة «بجت النار» إذا ارتفع لهبها... والمعنى الذي اشتق لأجله اللفظ «بج» آت من الصوت الذي تصدره النار عند اشتعالها بعد عملية النفخ المستمر في القش المشتعل اشتعال «السيجارة» أي أنه صوت تأجج اللهب المنبثق بعد نفخ الدخان مباشرة «بج» ويكرر اللفظ للدلالة على مبالغة الحدث كتكرار هذا الصوت في عملية اشتعال «الفانوس» في بعض الأحيان، حينها يقال: «بجبج الفانوس» أي قال: «بج بج»... وعملية التكرار في هذا اللفظ وغيره من الألفاظ للدلالة على مبالغة الحدث وتكراره تعد محاكاة قام بها الإنسان في مرحلة من مراحل تطور اللغة وتمثل المرحلة الثانية بعد اشتقاق الأصول الثنائية من حركات الطبيعة وأصواتها وما ترمي إليه من إشارات تدل على معنى استفاد منه الإنسان في لغته التعبيرية في الحياة ثم تلت هذه المرحلة من التطور اللغوي الذي مرت به اللغة في حياة الإنسان مرحلة اشتقاق الأسماء وتركيبها من الألفاظ الثنائية ومدلولاتها وفي هذه المرحلة - على ما يبدو - كونت الصيغ والألفاظ الثلاثية «الأصل الثلاثي»... وسنعرج على هذه المرحلة لاحقاً. (ب.ح) : «بح» يعد هذا الأصل الثنائي من ألفاظ لغة الأطفال، وهي المقاطع التي يتم بها مخاطبة الطفل في المرحلة الأولى من حياته سن الطفولة المبكرة، وهي ألفاظ كما سبق أن قلنا تتقارب في استعمالها في معظم اللهجات واللغات العالمية، وهذا ما يؤكد أقدمية المرحلة مرحلة استعمال الإنسان للأصول الثنائية، وأن هذه المرحلة تمت في جنوب غرب الجزيرة العربية «اليمن»، وما وجود هذا الكم الكبير من الأصول الثنائية في الاستعمال اللهجوي في تهامة واليمن عموماً دون غيرها من المجتمعات العربية إلا دليل قاطع على وجود هذه المرحلة، وما شيوع وتداول المجتمعات اليمنية لهذه الألفاظ إلى اليوم إلا دليل على نشأة هذا التطور وتلك المراحل على هذه الأرض التي مازال أبناؤها يحتفظ بكثير من أصول العربية كثقافة متوارثة منذ أقدم العصور والأزمنة. وعوداً على هذا اللفظ «بح» نجد أنه في تهامة ومعظم المجتمعات يوجه إلى الطفل في أثناء مخاطبته للدلالة على عدم وجود الشيء، فيقال عند سلبه شيئاً وإخفائه عنه أو عند محاولته طلب هذا الشيء: «بح»، أي لا يوجد، ويكرر للدلالة على المبالغة فيقال: «بابح»، وهو تصحيف ل«بح بح» أو هو «بابابح»،، والمعنى المجرد للفظ «بح» في كل الكلمات التي يرد فيها هذان الحرفان أصلاً يعني الاتساع كاللفظ «بحر»، والبحبحة... والتبحبح في اللغة يعني التمكن في الحلول والمقام، واللفظ حين يوجه إلى الطفل يوحي في معناه بعملية التوسع في التفكير لأنه حين يقال للطفل: «بح»، بمعنى لا يوجد أو غير موجود، فهذا يوحي للطفل بمعنى ضرورة البحث عن الشيء «التوسع في التفكير» فنجده يبكي ويكثر من التلفت بحثاً عن الشيء وبهذا يكون اللفظ الدال على الاتساع من المفردات التي تنمي مدارك الطفل وتحفز عقله على التفكير للتمكن من المراد.