مع خيوط الليل .. بدأت تتلاشى أحزانه شيئاً فشيئاً.. حتى أضاءت ابتسامته المصطنعة وجهه البائس الكئيب . وحينما وقف أمام المرآة ، كان يبدو شخصاً آخر ، لم يعرف نفسه. تساءل ما الذي أصابه ، كيف أصبح لونه باهتاً وعيناه ذابلتين ؟! مكا كل هذه التجاعيد المرسومة على قسمات وجهه ؟! خطى بقدميه الثقيلين يسحبهما على الأرض. نفض الغبار المبعثر على جانبي النافذة الخشبية ثم فتحها. القى بنظراته الحائرة على الشعاب ، والمساكن المبعثرة فوق التلال ، وبين أحضان الوادي البهيج. أحس بنشوة تغمر احشاءه ، فامتلأت نفسه غبطة وسروراً .. وفي تلك اللحظة .. وقعت عيناه عليها .. دون قصد .. كانت تلوّح له بكفيها .. تريد أن تصطحبه معها في رحلة جنونية. نادته لينزل إليها .. لكنه تجاهل حركة كفيها ، وبراءة نظراتها المتوسلة ، فمضى ، وأغلق النافذة بهدوء . ثم عاد إلى أمام المرآة ليمارس هوايته المعتادة .. وبقي لوحده أمام مرآته .. يتفحص ما أصابه من سوء الأقدار. يلملم أجزاءه المبعثرة بين الفينة والأخرى. لكنه لم يحاول فتح النافذة مرة أخرى ليراها دون قصد .