عادات وتقاليد وأعراف كثيرة ترتبط بالاحتفاء بالمناسبات والأعياد وتختلف من مدينة إلى أخرى. إلا أن معظم هذه العادات والأعراف والتي تعد جزءاً من الموروث اليمني أوشكت على الاندثار في ظل الحياة العصرية والمدنية وبخاصة عادات وتقاليد الاعياد الدينية كعيدي الفطر والأضحى ولهذا الأخير خصوصية لافتة في عاداتنا وتقاليدنا وتراثنا الفرائحي.. واللافت للنظر في الفترة الأخيرة أن موسم الأعياد يتحول إلى مناسبات فرائحية في الريف اليمني بينما المدن الرئيسية فإنه يصيبها فراغ وجفاف شبه تام. فمع قرب العيد يتهيأ أبناء الريف إلى العودة لمنبعهم الأصلي تاركين منازلهم وأماكن عملهم باستثناء عدد ضئيل جداً جداً يبقون في المدن على اعتبار أنهم من أبنائها الأصليين فتبدو حالتهم مزرية من الوحشة والغبار والتصحر البشري في زمن العيد.. فلماذا الحنين إلى الأرياف في أيام العيد؟ هذا ما سنعرفه من خلال تحقيقنا هذا. اكتشاف الحقيقة بمناسبة عيد الأضحى المبارك ولأن أكثر الاصدقاء قد غادروا المدينة فقد لبيت الدعوة الكريمة من أحد الاصدقاء وهناك أدركت أن للعيد في الريف معاني أخرى تختلف عن المدن. وبهذا الخصوص يقول الأخ مالك عبدالملك سهيل: لا شك أن الريف اليمني ثري بالموروث الثقافي المتميز وهذا الموروث المتعدد بأشكاله ومكوناته الحضارية يكشف عن قيم الجمال التي يتمتع بها أبناء الريف ونحن هنا في ريف بعدان الدائرة «09» والتي تمتد إلى مناطق في العود بمحافظة الضالع لنا عاداتنا وتقاليدنا في الاعياد الدينية، فالالعاب الشعبية والتي تتصدر المكون الثقافي في المنطقة تقام بالاعياد بشكل مستمر ومنها الرقص الشعبي والالعاب ذات الصبغة الموسمية وذات الخصائص الرياضية التي تعتمد على العضلات من جهة وعلى إعمال العقل من جهة أخرى..ويمارس أبناء بعدان والعود هذه الالعاب تعبيراً عن الارتباط بالجذور التاريخية وهي تنشيط لجانب الموروث الثقافي..وعند أداء هذه الالعاب لاشك أن تقاسيم الفرح والسعادة هي السائدة بين الحاضرين وبالتالي تؤدي إلى تجدد العلاقات ونمو قيم الانتماء للجماعة، وهذه الألعاب تتسم بالبساطة والتلقائية وبإمكان الجميع ممارستها فهناك منها ما يتطلب المجموعة أو بإمكان الجميع ممارستها وهناك ما يتطلب المشاركة الثنائية أو الفردية، كما هناك ألعاب خاصة بالرجال تتطلب منهم القوة والشدة. علاقات أصيلة يتميز الريف اليمني وخصوصاً بعض المناطق التي يرحل عنها أبناؤها للعمل في أماكن أخرى بأنها تضم مجلساً للمناسبات يتجمع فيه أبناء القرية أو الدائرة هذا ما شاهدته خلال زيارتي لمنطقة سراج بني منصور مديرية بعدان فهناك مجلس كبير يستوعب أكثر من مائة وخمسين شخصاً مزود بالميكرفونات التي تعمل على إيصال الصوت نظراً لاتساع المجلس ولأن الزيارة كانت خلال أيام العيد فقد توافد إلى المجلس معظم أبناء الدائرة «09» بعدان والعود من مشائخ وأعيان وشخصيات اجتماعية وتجارية وزراع ومثقفين ومعلمين وغيرهم وللمجلس أصول يجب أن يحترمها الكل حيث يتم افتتاح المجلس «العيدي» بآيات من القرآن الكريم ثم تليها الكلمات حسب البرنامج المعد من قبل المشرف على المجلس.. وهنا تبدو بهجته وروعته وجمال الجديد والتجديد.. وهذا ما عبرت عنه كلمة الأخ عبدالملك سهيل شيخ المنطقة وأبناء المنطقة من خلال الحاضرين بمناسبة عيد الأضحى المبارك والذي يأتي هذا العام متزامناً مع احتفالات الشعب اليمني بأعياد الثورة 62سبتمبر و41 أكتوبر و03 من نوفمبر.. وقال سهيل إن الحنين هو الذي أعادكم إلى هنا، ومناسبة كعيد الأضحى يجب أن نستغلها في توزيع الفرحة بين أهلينا وأقاربنا وصلة أرحامنا.. فالعيد بهجة وحنان وعطف.. كما أن كلمته لم تخل من الرسائل السياسية والتي يبدو أنها جاءت كاستغلال لمثل هذا التجمع فقد قال عبدالملك سهيل في كلمته العيدية: « إن الحفاظ على الأمن والاستقرار والذي ينعم به الوطن مسؤولية الجميع وليس مسؤولية شخص بعينه أو حزب أو أفراد فكلنا شركاء في الحفاظ على هذه النعمة التي وهبها الله لليمن.. داعياً جهات الاختصاص في الدولة أو السلطة المحلية في محافظة إب إلى سرعة إنجاز بعض المشاريع التي مازالت منطقة بعدان والعود تحتاج إليها وخاصة مشروع كهرباء عزلتي الوحج والشرنمة.. قصائد عيدية ولأن المجلس الريفي في العيد يضم العديد من الأدباء والمثقفين فقد كان للقصيدة في مجلس مالك سهيل تواجد على لسان الشاعر المبدع ابراهيم مفتاح والذي يلقب بشاعر «اللواء 53مدرع».. فقد اطرب الحاضرين بقصيدة عنونها ب«فلسطينيتين» نقتطف منها هذه الأبيات: يقول بن مفتاح صدفة ياعرب صادفت في الضالع فلسطينيتين ثنتين مثل أوجانهن بيض العقب ومثل أنفيهن صواريخ الحسين حاولت أغض الطرف عنهن فانقلب قلبين اليهن والقلوب يتقلبين قالت لي احداهن لنا عندك طلب هل عندك استعداد له قلت اطلبين قالت طوانا الجوع واضنانا التعب عطفك علينا قلت بالعطف ابشرين إلى أن يصل إلى آخر القصيدة: ابكين قلبي بالحديث المستحب بالذات لما شفتهين قبلي بكين يامن عليكم لعنة الله والغضب لن تفسدوا في الأرض إلا مرتين إلى ذلك يبدأ المجلس بأخذ طابع آخر في نقل الميكرفون من شخص لآخر وكل واحد يدلو بدلوه وخاصة فيما يتعلق بالعيد وأفراحه وقضايا وهموم كل قرية.. وبعد ذلك تبلور هذه القضايا وتوضع لها بعض الحلول السريعة. التشويق والترحيب الكثير من أبناء الريف يترقب قدوم عيد الأضحى المبارك للقيام بممارسة بعض المظاهر الاجتماعية الخاصة بالعيد ذات الصلة بحالة الترقب والاستعداد.. يقول الأخ مالك عبدالملك سهيل: بالنسبة لنا في بني منصور ومنطقة العود وبعدان العيد يمثل لنا مناسبة فرائحية كبيرة، فنحن صغاراً وكباراً نقوم بالترحيب بهذه المناسبة منذو وقت مبكر عبر الأناشيد والأهازيج.. والكل يتجهزون بالكسوة واللاوازم المناسبة، حتى أن صغار السن لا ينامون إلا القليل فهم من فرحتهم بالملابس يذهبون إلى أقرانهم ليشاهدوا ما لديهم، والجميع يعيش في نشوة بانتظار فجر العيد. ويضيف الأخ مالك: تعتبر هذه الأعياد مناسبة فرائحية تسمح للإنسان أن يحقق رغباته وفقاً لضوابط الشرع وآدابه وأن يعبر عن فرحته بالطرق الشرعية دون بطرٍ أو رياء أو تفاخر أو تبذير ومباهاة.. كما أن العيد مناسبة عظيمة لصلة الأرحام.. وفي الحديث الشريف أن الرحم من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله، ومن أوجه استغلال العيد الجلوس مع الأسرة والأبناء والتوسعة عليهم وإدخال السرور عليهم والسماع منهم ولا بأس أن يروحّ الإنسان عن نفسه بشيء من المباح والذي يدخل البهجة والارتياح إلى النفوس. ملابس العيد في الريف بخصوص مستلزمات العيد في الريف يقول الأخ مالك سهيل: يكاد يكون هناك تشابه بين الريف والمدينة من حيث المستلزمات العيدية ففي الريف وخاصة في منطقة العود وبعدان يقوم رب الأسرة بشراء حاجة العيد من الجعالة وهي تشكيلة من الزبيب واللوز وأصناف متعددة من السكريات وكذا حوائج البيت من أصناف التوابل والبهارات والتي لا بد منها للحوم الأضاحي فيما تقوم ربة البيت بإخراج حاجة العيد من البر الحنطة لتنقيته من الشوائب وطحنه إذا لم يكن قد تم شراؤه مطحوناً ثم تأتي بعد ذلك مرحلة صنع الكعك بأنواعه المختلفة، وتشتهر منطقة العود وبعدان بأنواع خاصة من الكعك والذي يتم إنضاجه في البيت عكس المدن التي تقوم بصنع الكعك وإنضاجه في الأفران العامة.. وإذا ما انتهت ربة البيت من أمر الكعك تذهب هي ومن في البيت من النساء إلى القيام بأعمال أخرى متعلقة بالعيد.. وفي أصيل يوم العيد يكوم الأطفال ما جمعوه من فضلات الحطب وفروع الأشجار اليابسة أمام بيوتهم التي نظفت من الأتربة ورشت بالمياه وهم يقرعون بالطبول التي صنعوها لأنفسهم وبأيديهم وينشدون أهازيج العيد مثل قولهم «العيد عيد العافية عيد السعادة والقبول، العيد عيد العافية عيد الهريش الدافية» وإذا ما أعلن المؤذن رفع أذان المغرب أشعل الأطفال النار فيما جمعوه من الحطب وهم يدورون حولها ويتغنون بأهازيج معينة منها «شعل المشعيل بقناديله.. واحنا جهال ما درينا به» أو قولهم «كرشوا أكلوا بطنه من أكل كرشه». أطفال العيد وحسب مصادر مختلفة فإن أطفال الريف يتميزون عن أطفال المدينة بالعديد من المميزات، فأطفال القرى يحتفلون بالعيد من أول أيامه، فيشترون مجامر مصنوعة من الطين وتجفف بالشمس ثم تطلى بالجص وتزخرف بنقوش وخربشات كيفما يتفق لصانعها وتوضع في هذه المجامر نار خفيفة قبل أذان المغرب فإذا رفع الأذان طرح من يملك مجمرة شيئاً من بخور المر والفارعة وهما صنفان من البخور الفواح يستخرجان من صمغ الاشجار وأخذ يجول مع أبناء حيه وقريته وهم ينشدون «شم المر والفارعة والمهدي دخل وادعه يا جنة على الشارعة». وتستمر هذه الطريقة كل ليلة حتى ليلة العيد، وما أبهج العيد عند الأطفال، وما أجمل ذكرياته فهو العيد الحقيقي فما ان يعود الأب من عند الخياط بملابسهم فيأخذ كل منهم ما يخصه منها ويلبسها بعد أن يطأها بقدمه ويقول «أنت البالية وأنا الجديدة» ليقيسها على جسمه ويتباهى بها أمام إخوته تحت بصر وسمع الأبوين اللذين ليس لهما من حظ العيد سوى ما ينعكس على قلبيهما من فرح وإدخال السرور على أبنائهما. عادات وتقاليد.. ولكن!! الأخ مالك عبدالملك سهيل يشير إلى موضع يكاد يكون في غاية الأهمية حيث يذهب إلى الآثار السلبية لثقافة القنوات الفضائية وبالذات على العادات والتقاليد المتعلقة بالمناسبة وبخاصة الأعياد وبعد أن وصلت الكهرباء إلى معظم مناطق قرى وعزل العود بعدان، كنموذج مصغر للريف اليمني.. وقال: في واقع الحال عزل وقرى منطقتي والريف اليمني بشكل عام لاتزال عادات العيد الحميدة وإن اختفت منه عادات وتجددت عادات حسب التحولات الزمنية والتطورات التقنية.. ويتابع: أحن إلى أعياد زمان رغم بساطتها وشذاها الريفي الممزوج بالألفة بين الأصحاب وحميمية الأهل العامرة.. وقال: كانت حسب تقديري أعياد الأمس عادات أكثر أنساً ومحبة فلم أعد أجد عند أولادي وأولاد قريتي فرحتي بالأمس وبهجتي رغم بساطة الحال بعكس اليوم الذي تحتاج فيه أعيادنا وخاصة الدينية إلى تكاليف مادية ومظاهر مكلفة ومرهقة للأسرة. عادات ريفية غير مستحبة وحول العادات غير المستحبة يسلط الأخ موسى السحاري أحد أبناء منطقة دلال بعدان الضوء على أخطاء ومخالفات تظهر أيام الأعياد في المدن بالذات مثل رمي القمامات أمام المنازل في القرى ومخلفات ذبائح العيد في الطرق والشوارع والأزقة حتى تتراكم أيام الأعياد وتحول القرى إلى مناطق غير حضارية. ويعيب السحاري على المجتمع الريفي اليوم ممارسة الاسراف بصورة مفرطة في الأعياد ويقول متسائلاً: ألم يؤدبنا القرآن الكريم بالقول الصادق «ولاتجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط»؟! فخير للمرء أن يكون في كل عيد بسيطاً متواضعاً على قدر دخله المادي وما أحسن التصرف بالإمكانات المتاحة دون التظاهر بمظاهر البذخ والإسراف خاصة مع ارتفاع أسعار اللحوم بشكل مخيف. قطيعة المدينة خليل الشاب المتقد بالصمت المثقل بهم التفكير والمسكون بالابتسامة الموقوتة للحظة الانفجار يعمد في هذا الموسم إلى قضاء إجازة العيد في مدينة إب استجابة لرغبة أحد اصدقائه الذي استأمنه لحراسة بيته وسافر هو إلى الريف خليل يقول بصوت مثقل بالهموم الحقيقة إنني: لا أجد ذاتي في العيد إلا في مسقط رأسي الذي أرحل إليه كلما استجابت لي الظروف.. فالقرية بالنسبة لخليل مصيفه الذي يسافر إليها بروحه وقلبه فراراً من المدينة المأهولة بالقطيعة واليوميات المسورة بعيشة الغرباء وغياب الألفة، فجيرانه في انكفاء على أنفسهم وانطواء طوال العام لايلقى منهم إلا التحية حتماً، مجهولة الهوية وبمبادرة منه حد قوله ولهذا فهو يجد في السفر إلى البلاد في العيد فرصة لتعويض خسائر اجتماعية ألحقته بها المدينة.. وتجديداً يفك عنه حاجز الرتابة والشعور بالضجر وفي نفس الوقت قربى يصل بها رحمه وأقرباءه. التمسك بتقاليد العيد ونحن نختتم مجلسنا العيدي في ريف سهيل أو ريف سراج بني منصور يقوم الأخ مالك سهيل من مقعده متناولاً الميكرفون معلناً لجميع الحاضرين وأبناء دائرته «90» وأبناء العود وبعدان بأخلص تهانيه وأعمق مشاعر الود والحب لهم فرداً فرداً، محدداً للطموحات المزمع القيام بتنفيذها خلال المرحلة القادمة والتي تشكل هماً كبيراً عند أبناء الدائرة «09».. مؤكداً أن مثل هذا الجمع الكبير يثلج الصدر ويشد الهمة لتلمس هموم أبناء المنطقة. ويستطرد الأخ مالك: عندما يأتي العيد تستعيد النفوس وهجها وتصقل الأرواح وتصفو القلوب.. ولذا لاتزال أجمل العادات الريفية قائمة ومن أهمها التزاور بين الأهالي وصلة الأرحام وإشاعة المحبة وأجواء الفرحة بين الاطفال الذين بهم يتزين العيد ويكتسب خصوصيته زيادة على عادات العزائم واللقاءات الاجتماعية من المقايل والاسمار. إن وصول العديد من المشائخ والأعيان والعمال لقضاء العيد في قراهم لايزال من العادات الحسنة التي تتمتع بها منطقتنا.. وتؤكد خصوصية صدق نهج أسلافنا في هذه الأعياد فيبددون من خلال هذا الكرم كل نزعات الغل والبغضاء والحقد. وهذا من أحب عادات العظماء من الناس، رغم ما نشهده اليوم من تجافٍ حي بين الأسرة الواحدة ولكن أبناء الدائرة «90» كسروا كل تلك الحواجز وأصرّوا الآن على أن يظلوا متمسكين بعادات وتقاليد سلفهم الصالح.