تلتحف الطفلة السماء ، وتقبض على مصيرها ، تنزوي مع كراسة تنشدها الطيور والحلم ،وأرقاماً تفك طلاسم صراعها اليومي مع كومة الحلويات والبسكويت المعجون بعرق أم ودمعة أخت و حزمة تعب تقطرها سواعدها ، تدفع عربة شهد ٍ بيدٍ وأخرى تنوء بالكتب ، تقطع حبل الخوف بخطواتها الصغيرة ، دربان تسلكهما ، قلبان تحملهما : أسرتها ، مدرستها ، فكفَ عنها ، لِمَ تحاصرها ؟؟ تحسبها مشروع غلاف أو مسابقة وربما علاوة بالنسبة لك ، أما بالنسبة لها فهي مسيرة صباحية موشاة بثقوب حذاء ، وحبيبات سكر تنفلت هنا وهناك حين تعجز ركبتاها عن دفع لقمة الرزق ، وتتوقف عجلة الفقرعلى رصيف يعبره من يملك ملح الرغيف ، أما البقية فالرصيف لهم ، يصطفون في الطابور،بعضهم يكمل وبعضهم تدوسه الأقدام ، ماذا تريد ؟؟ صورتها أم حروفها ؟؟ تنظر إلى أصابعها الصغيرة النحيلة تستطيل بقدر علوالأشجار،ترسم بها ، تخط بها ، فاتحة البدء ، وابتداء الغد ، تشرع بها بوابة الشمس ، يلمع الرصيف ، تزدان واجهات المحلات بالألوان والمأكولات ، وهي وحدها تقبع على الرصيف ترقب الطريق ونهايات الفاجعة ، كل يوم يحمل معه خشونته ، فيرسمها ريح البرد على وجنتها ، تنحني قامتها حين تكتب ، أو تخط درسها ؛ فهي تذكرة مرور تشرع آفاقاً لروحها ؛ فتحلق! تحمل الكاميرا، تلتقط وجعها وبؤس رحلتها ،أراك تغافلها، تسرق وجهها ، تقيدها خبراً في جريدة أو مجلة ، ماذا بعد ؟؟ تحمل الصورة طفلة وكتاباً وبسطةً تثير شهيتكم للثرثرة ، تحفزكم على عقد الاجتماعات حول جمال الصورة واللون والمكان ، تسجن زمنها ، فهي ليست مجرد صورة ناجحة تلتقطها عدستك ، هي طفلة مسلوبة إلا روحها ، خذ ما تشاء ، التقط ما تريد ! لا يعنيها من هذا العالم إلا أن ترسم حلماً وتكسب قرشاً يطعم قلب أمها فرحاً . في الأيام التالية التقطت عدستك صوراً عدة لفتيات صغيرات ، ابتلعتهن الأرصفة والأزقة وهن يحلقن كالفراشات ، ويدفعن إلى الأمام أكثر من عربة.