يراود الجميع، ودائم الحضور في كل آن ومكان.. إنه السؤال الأزلي الذي يحدد مجرى حياتنا، وسبب في تشكيل ملامح مستقبلنا.. ماذا نريد؟ ما الذي يحتاجه المرء منا في هذه الحياة، وما الذي يجب أن يعمله وينفذه في تحقيق ذلك.. قد تكون فئة الشباب هي على رأس فئات الفئات المعينة بهذا السؤال أكثر من أي شخص آخر، لكن يبقى هذا التساؤل يشغل المجتمع عموماً بكل فئاته وشرائحه.. ولأنهم أكثر الفئات عدداً وكماً، فتعالوا نبحر في أعماق الشباب ونسبر تطلعاتهم وآمالهم المستقبلية ذات الهاجس المتواصل الذي يشغل تفكيرهم لتحليلها.. ماذا تريد؟؟ مازن عبدالهادي الأسودي طالب في المستوى الأخير من كلية العلوم الإدارية حصر رغبته المستقبلية في الحصول على وظيفة مناسبة بعد التخرج من الدراسة الجامعية.. وأضاف أنه لن ينتظر هذه الوظيفة بذات الأسلوب الذي يكرره خريجو الجامعات، بالانتظار، بل سيسعى هو بنفسه للبحث عنها، بحيث يفكر حالياً بالاستفادة من امكاناته النظرية الجامعية، وزيادة قدراته العملية والمعرفية بالتدريب والتأهيل في المجالات الإدارية وبعد ذلك القيام بالتنقيب عن تلك الوظيفة المنشودة!! السفر والزواج قارب الثلاثين عاماً من عمره، ولم يتذوق طعم الزواج بعد، عبدالباري عثمان سائق تاكسي ينتقل بباصه المتوسط الحجم من شارع إلى آخر، ومن راكب إلى مثله، ويسعى في خدمة أبويه وإعالة إخوان له، يجاهد ليحافظ على مقاعدهم في المدارس.. أمنيته وهدفه هو الزواج. أجبرته ظروفه على عدم مواصلة تعليمه، وهو لذلك غير قادر على البحث عن عمل آخر أفضل من الذي يمتلكه، إذ يقول إن الباص الذي يعمل عليه لا تعود إليه ملكيته. وفي سؤال حول الكيفية التي تمكنه من الزواج وهو في حالته تلك يجيب بأن الزواج هو عبارة عن هدف تترتب وتتوافر إمكاناته وفقاً لتوفر هدف أسمى بالنسبة له ألا وهو السفر إلى الخارج. استدراك عبدالباري هذا جعلنا نستشعر أن سني الانتظار الطويلة قد تطول في انتظار «التحويشة» المنتظرة من سفريته، لكنه قال إن السفر لن يستمر أكثر من عامين أوثلاثة فقط، وأضاف بعاميته: «صبرنا الكثير ما بنصبر على سنتين».. وتابع متحسراً.. ما الذي تتوقعه من شاب لا يملك مؤهلاً أو مهارات وقدرات، لا أملك سوى قيمة التأشيرة التي كانت نتيجة العمل على الباص، وهي التي بيدها أن تحدث التغيير في حياتي بالسفر أولاً ثم الزواج. ومن أمثلة عبدالباري ومازن لا ريب كثير. تحديد وتركيز الأستاذ عبدالله الصرمي مدرب معتمد في مجال التنمية البشرية وما يتصل بها من مواضيع تشحذ الهمم وتنمي في الذات قيم الطموح والانطلاق، وفي تحليله لتلك الرغبات والأهداف التي ينشدها الشباب وغيرهم كثير من فئات المجتمع قال: غالباً ما تكون إجابات الشباب والناس عموماً عما يريدونه من مستقبلهم عشوائية.. وناتجة عن ضغوطات مجتمعية ومعيشية معينة، ولا تعتمد على أي منهجية أو تصور محدد ومركز.. وأضاف: إن هذا الشيء مزعج حقاً، وهو حال مختلف مؤسساتنا وأوضاعنا بشكل عام، بدءاً من الشباب وحتى مؤسسات الدولة، التخطيط والتركيز المرحلي والمتدرج غير متوافر في كل هؤلاء، كما أن العشوائية هذه لا يترتب عليها أي بناء مستقبلي ولا يمكن أن نصل من خلاله إلى نتيجة. مبدياً رأيه في هكذا موضوع بضرورة أن يضع كل منا هدفاً محدداً يسعى الفرد إلى تحقيقه ويتم التخطيط له بشكل سليم وصحيح، بحيث إن الأمر لا يكلف أحدنا سوى كتابة تلك الأهداف المحددة والمركزة في ورقة صغيرة، تكتب فيها خطوات عملية لتحقيق الهدف، على أن يتم تنفيذها بالفعل.. وبذلك يتم الوصول إلى شيء ملموس وليس مجرد أحلام وطموحات. استشارات منهجية من جانبه وصف المدرب الشاب برهان المرداس أحلام الشباب بالسطحية التي تغيب عنها العمق والاسهام في خدمة المجتمع والوطن.. والتركيز على الأحلام والرغبات الشخصية الضيقة، مشيراً إلى أن يكون الفرد حياً من أجل هدف أسمى وباذلاً من أجله الجهد والتعب خيراً له من الأنانية الذاتية. وتابع أن ذلك لا ينفي أن يسعى الشخص في خدمة نفسه، لأن أي فرد إذا خدم من حوله فهو بذلك يخدم نفسه في المقام الأول.. وأضاف: إن هناك عديداً من الجهات المعنية بهذه الأمور وهي دائبة في تقديم الدعم المعنوي والاستشارات المنهجية والمستقبلية في خدمة الشباب حتى يحققوا أحلامهم على درجة كبيرة من الدقة والإبداع والأثر المتعدي للذات ويصل إلى الجميع. مختصون في الخدمة إفادة مدرب التنمية البشرية برهان المرداس قادتنا لإشراك أحد تلك الجهات والمراكز المعنية بتقديم الدعم للشباب وكان منها مركز الشباب المبدع الذي تحدثت مديرته نورية الجرموزي عن الخدمات التي يقدمها المركز في هذا الصدد بقولها: المركز يفتح المجال للشباب الطالب للاستشارة والتوجيه من خلال توفير عدد من الخبراء والمختصين في هذا المجال يقدمون خدماتهم ونصائحهم بكيفية تحديد هدف الشاب، وما الذي يريده، وتحديد قدراته في تحقيق أهدافه تلك، وما الذي يناسبه، وآلية تحويل الأحلام إلى أشياء ملموسة، وما هي أسهل الطرق لتحقيق كل ذلك. وكشفت الجرموزي عن ندوة أقامها مركز الشباب المبدع في إطار برنامج تأهيلي للشباب يستمر لمدة ثمانية أشهر وهو الآن في مراحله الأخيرة تندرج أهدافه في هذا الإطار «ما الذي يريده الشباب». وأضافت مديرة المركز لا أعرف إن كانت مصادفة أن يكون حديثي عن الموضوع يتوافق وأهداف المركز في تقديم الخدمة المنهجية للشباب أم لا، ولكن يمكننا أن نوضح فكرة البرنامج والذي يهدف إلى مساعدة الشباب لتحديد أهدافهم المستقبلية وفقاً لقدراتهم، وفي حالة كان الشاب أو الفتاة لا تملك القدرة أو التأهيل اللازم في مجال أهدافها فيتم تأهيلهم وتدريبهم وفق احتياجاتهم المطلوبة. مؤكدة أن البرنامج فعلي ويتميز بكونه عملاً ميدانياً يتم مساعدة الشاب ومراقبته ومتابعته وتدريبه حتى يستطيع أن يحدد وينفذ أهدافه وأحلامه. تنمية الذات وبالعودة إلى المدرب الأستاذ عبدالله الصرمي الذي وضع حلولاً لجعل الشباب يحدد ما يريد عن طريق تأهيل ذاته وتنميتها في سبيل إدراك متطلبات تحقيق أحلامه فلا عمل دون علم، مشدداً على ضرورة أن يدرك الشباب، ومختلف شرائح المجتمع كيفية التخطيط لأهدافه ووضعها وفقاً لمراحل معينة. وتابع الخبير في التنمية البشرية قوله إن هناك العديد من الدورات التدريبية التي تصب في هذا الجانب، وتنمي قدرة الشخص في رسم صورة وملامح متسقبله بحرفية ودقة كبيرتين وفقاً لقدراته وميوله.