العديد من النساء يتعرضن للعنف العائلي والاعتداء بالضرب والإيذاء الجسدي من قبل أقاربهن أو أزواجهن أو آبائهن، وقلة منهن يفصحن عما يتعرضن له أو يلجأن للجهات الرسمية للإبلاغ عن الجنايات التي تمارس ضدهن. وحذرت دراسات اجتماعية حديثة أن الأوضاع الاقتصادية والتغيرات الاجتماعية قد تؤدي إلى زيادة نسبة تعرض النساء للعنف والإيذاء الجسدي، فيما يطالب ناشطون حقوقيون وباحثون اجتماعيون بإيلاء هذه المشكلة اهتماماً رسمياً ووضع المعالجات اللازمة للحد من تفاقم العنف العائلي ونشر الوعي بحقوق النساء.. وفي هذا التحقيق نتناول هذه المشكلة باعتبارها ظاهرة سيئة دخيلة على مجتمعنا اليمني المعروف بنبذه لاستخدام العنف ضد المرأة. مسح ميداني نتائج المسح الميداني لصحة الأسرة خلصت إلى أن (5 %) من النساء اليمنيات يتعرضن للضرب من قبل الأقارب، وأن حوالي (56 %) من النساء المعنفات يتعرضن للعنف من قبل أزواجهن، مقابل (44 %) يتعرضن للعنف من قبل أقارب تربطهن علاقات قرابة دم كالآباء والإخوة والأقارب الآخرين، وأن (37.5 %) من اللاتي يتعرضن للضرب لم يشتكين لأحد، في حين (46.6 %) يشتكين للأقارب، و(7.1 %) اشتكين للأصدقاء والجيران و(5.1%) اشتكين للشرطة. أما النسبة الباقية من النساء المعنفات ويمثلن (6.8 %) اشتكين لآخرين، وأن حوالي (85 %) من النساء اللاتي تعرضن للضرب لم يتلقين أي علاج مقابل (15 %) تلقين علاجاً إثر تعرضهن للضرب، كما أشارت نتائج الدراسة إلى أن (84) من النساء اللاتي تعرضن للضرب يعتبرن الضرب ومختلف أشكال العنف الجسدي من الشؤون العائلية الخاصة التي لا شأن للآخرين بها؛ بل إن معظم النساء المتزوجات اللاتي يتعرضن للضرب أو العنف من قبل الزوج لا يشتكين حتى لأقاربهن وأقارب أزواجهن. الثمن الباهظ مأساة هذه الفتاة أنها تعرضت لعنف أصابها بعاهة جسدية دائمة و (س.ج.ه) لم تتجاوز ال(25) من العمر، فقدت عينها خلال ضربها من قبل والدها باستخدام عصا مدببة، ولندعها تسرد لنا حكايتها بعد إعادة صياغتها: أجبرني والدي على الزواج من شاب قريب لنا لم أكن أطيقه، واستخدمت أسرتي معي كل وسائل العنف والترهيب لأقبل به زوجاً.. وبعد زواجي كنت في شجار دائم معه لم يتورع خلاله من ضربي، وأفر إلى منزل أسرتي، وأتعرض لمزيد من الضرب من قبل والدي الذي كان دائماً يجبرني على العودة إلى بيت زوجي مرغمة، وفي المرة الأخيرة رفضت العودة وتمسكت بموقفي، وصارحتهم أني لن أرضخ لأمرهم حتى ولو يقطعونني بالسكاكين، فما كان من والدي إلا أن انهال على جسدي ضرباً بالعصا كما في كل مرة إلا أنه في هذه المرة استشاط غضباً وضاعف من الضرب على كل أنحاء جسمي دون تمييز، حتى جاءت إحدى الضربات على وجهي وانغرز طرف مدبب للعصا في عيني، ولم يتوقف عن الضرب إلاّ حينما رأى الدم يسيل على خدي وأنا أصرخ: «عيني .. عيني» وتم اسعافي بعد أن انطفأت عيني التي اعتبرتها ثمناً لحصولي على الطلاق. ضرب في شهر العسل..!! نساء عديدات يتعرضن للعنف لأسباب تتعلق بالمال.. والغريب في الحالة التالية أن رجلاً يكشر عن أنيابه ضد زوجته قبل انقضاء شهر عسلهما.. فبعد اسبوع من الزفاف أراد الزوج أن يستولي على المصوغات الذهبية لزوجته، ونتيجة رفضها وممانعتها فقد الرجل عقله واندفع نحوها ليوسعها ضرباً كاد يؤدي بها إلى الموت. طمع وجشع وهذه امرأة شاء لها القدر أن تقع في أسر عائلة يملؤها الجشع والطمع، وتتعرض لأسوأ أنواع العنف والإذلال من قبل أقاربها الذين دفعهم الطمع في البداية إلى تزويجها لرجل كبير في السن لكنه ثري وعاشت معه سنوات طويلة لم تبخل خلالها على أقاربها بما كان يجود لها زوجها من مال، وبعد وفاته حصلت على نصيبها من إرثه، وكان من نصيبها عدد من العقارات والأملاك التي تفتقرها أسرتها.. وهب عليها إخوانها ليسلبوها ما حصلت عليه وسجنوها في قبو صغير عدة أشهر كانت خلالها تتعرض للضرب والتعذيب محاولين إفقادها رشدها وإصابتها بالانهيار العصبي إلى أن تمكنت من الفرار من قبضتهم والهروب إلى محافظة أخرى لتكشف عما تعرضت له من عنف وتعذيب وإيذاء جسدي. محاولة انتحار العنف ضد المرأة يعد جزءاً من العنف الأسري المتولد نتيجة تأزم الوضع الاقتصادي وتبدل الكثير من القيم الاجتماعية، فمثلاً سنجد حالات تعرض المرأة للعنف تعود إلى محاولات بعض أفراد الأسرة (التي يدور العنف في إطارها) للاستيلاء على ما تملكه المرأة المتعرضة للعنف، سواء كانت هذه المرأة موظفة أم تملك مالاً حصلت عليه بطريقة ما (إرث ، أو غيره) على سبيل المثال. وقبل فترة هناك فتاة أقدمت على إحراق نفسها محاولة الانتحار، وتم إنقاذها في الوقت المناسب، وكان سبب إقدامها على ذلك - كما سردت حالتها - هو تعرضها للعنف والضرب المستمرين من قبل أخيها العاطل عن العمل والذي كان دائماً يقوم بأخذ جزء كبير من راتبها، وحينما ينفد المال من بين يديه يعود لمطالبتها بإعطائه المزيد.. وإذا تمنعت أو قالت له إنها لم يعد لديها أي ريال يثور غاضباً ويندفع فوراً لضربها إلى أن أصابها اكتئاب حاد وأقدمت في آخر مرة تعرضت فيها لضرب شديد على الانتحار. خضوع وخنوع ويرى أخصائيون اجتماعيون أن التربية والتنشئة الاجتماعية في اليمن تجبر المرأة على الخضوع والخنوع وتقبل العنف الأسري بكافة أشكاله، فمنذ الصغر تربى المرأة على الطاعة العمياء للرجل وعدم إعلان التذمر أو رفض العنف.. ومن هنا نستطيع الجزم أن أغلب النساء اللاتي يتعرضن للعنف الأسري سواء من قبل الزوج أو الأب أو الأخ يتكتمن على هذا الأمر، وإذا وصل العنف أو الضرب إلى مستوى لا يطاق، فلا يكون أمام المرأة حل سوى الهروب من المنزل أو التخلص من الحياة؛ ولأن الحل الأول هو (الهروب) ربما يعقد الأمور ويعرضها لمزيد من العنف والضرب حال العثور عليها؛ فإن الحل الثاني ربما يكون هو الأسهل، لذا نجد أن العديد ممن يتعرضن لعنف لا يطاق يقدمن على الانتحار بكل سهولة. أشكال وأنماط تتعرض النساء لأشكال وأنماط عديدة من العنف نتيجة تفشي بعض الظواهر الاجتماعية التي تنطوي في ممارساتها على تعريض النساء للعنف، حيث يشير البيان الصادر عن مؤتمر مناهضة العنف والانتهاك الموجه ضد النساء والذي نظمه ملتقى المرأة للدراسات والتدريب (WFRT) في عدن إلى أن الكثير من العادات وأنماط السلوك تشكل تشويهاً لجوهر ثقافتنا وحضارتنا وتراثنا الإنساني، ولكنها مازالت تستخدم كحيلة اجتماعية لتكريس منافع وامتيازات امتلكتها بعض الفئات عبر التاريخ. وأورد البيان عدداً من الأمثلة نستعرض بعضها: - الإعدام خارج نطاق القضاء في حالات الثأر والقتل على خلفية ما عرف بجرائم الشرف، والإيذاء والعنف كوسيلة لحل الخلافات العائلية والاجتماعية. - الطلاق التعسفي بإرادة منفردة من قبل الزوج. - إكراه النساء الوارثات للتخلي عن حصصهن الإرثية لصالح الأقارب الذكور. - التربية والتأديب بالضرب والعنف والشدة. - العنف العائلي وخاصة ضد النساء والأطفال وكبار السن. - الزواج أو التزويج المبكر والإكراه على الزواج ومصادرة الحق في اختيار الزوج والنزوع إلى إلغاء فترة الخطبة. - الإدمان بمختلف أشكاله وأنواعه وخاصة (القات). - العادات المتعلقة بالزواج ونفقاته والمهور وغلائها. - إهمال فئة الشباب وخاصة الشابات وحشرهم بين خيارين لا ثالث لهما. التمرد أو الخنوع من خلال مصادرة حقوقهم في التعبير والتنظيم والاختيار ومعاداة خياراتهم الملائمة لاحتياجاتهم وتطلعاتهم سواء على مستوى الأسرة أوالمجتمع. تكتم يشير الدكتور عادل الشرجبي في دراسة أجراها حول الكلفة الاجتماعية للعنف العائلي ضد النساء في اليمن إلى أنه يتم التستر على قضايا العنف العائلي وحلها حلاً ودياً وعرفياً ولا تصل عادة إلى أجهزة الشرطة والقضاء.. ويورد على لسان أحد ضباط الشرطة الذي يقول: مجتمعنا يتستر على مثل هذه القضايا ويحصر التداول فيها ومناقشتها وحلها في إطار الأسرة، ولا يتم الحديث عنها لأن الحديث حولها شيء غير مقبول اجتماعياً؛ إلا أن الفترة الأخيرة كثرت فيها قضايا الشرف في المجتمع لكنها لا تصل إلينا في أقسام الشرطة، وما يصلنا منها يمثل نسبة بسيطة جداً، إلا أننا نسمع خارج إطار عملنا الرسمي حول هذه القضايا كثيراً، وإذا وصلت مثل هذه القضايا إلى أقسام الشرطة فإنه غالباً ما يتم حلها بشكل عرفي أو يتم سحبها من القسم وحلها عن طريق التحكيم أو التراضي. تحكيم وتبين من خلال المقابلات مع ضباط الشرطة أن كثيراً من القضايا التي وصلت إليهم غالباً ما يتم التحكيم لحلها عرفياً خارج أقسام الشرطة إذا كانت أطراف القضية لا تجمعهم صلة قرابة.. أما إذا كانت تجمعهم صلة قرابة فإنه غالباً ما يتم سحبها وعدم تسجيلها في السجلات الرسمية إذ يقول أحد ضباط الشرطة: - في أحد الأيام وصلت الينا فتاة شابة تعرضت لضرب شديد وعرفنا منها أنها على علاقة حب بشاب زميل لها، وعندما عرف أهلها بهذه العلاقة حبسوها في المنزل وكانوا يقومون بضربها يومياً حتى كادت تموت من الضرب فهربت من منزل أسرتها المجاور لقسم الشرطة وتبعها أهلها وهم من الوجهاء وجاءتنا أوامر بعدم تسجيل القضية واصطحبوا الفتاة معهم ولا نعرف ماذا حصل بعد ذلك. تهرب في معظم الحالات لا يتم الإفصاح عن سبب ضرب النساء أو الشروع في قتلهن أو حتى قتلهن، وهذا ما بينته المقابلات مع العاملين في مجال الصحة بحسب دراسة الشرجبي؛ إذ تقول إحدى الطبيبات: - وصلت إلينا امرأة مبتورة الأذن وكانت أذنها بيد زوجها، وعندما سألناها عن سبب الحادث قالت بأن طفلها تعلق بأذنها حتى نزعها والحقيقة أن هذا مستحيل، وقد تبين لنا بعد ذلك أن زوجها عضها حتى بتر أذنها!!.وهناك حالات أخرى كثيرة فيها النساء أو الفتيات الأسباب الحقيقية لما تتعرض له من العنف أو الإصابات لاسيما إذا كان الجاني هو الزوج أو الأب أو أحد الإخوة الذكور لاسيما إذا كان الأمر متعلقاً بقضايا الشرف. تجاهل وترجع أسباب تجاهل العاملين الصحيين وضباط الشرطة للعنف ضد النساء إلى تشربهم ثقافة المجتمع التقليدية التي تنظر إلى العنف العائلي باعتباره شأناً خاصاً تنظمه العلاقات الأسرية وقصور الوعي والتأهيل في مجال حقوق الإنسان والخوف من إثارة مشكلات اجتماعية وقانونية. أما الأسباب التي تدفع النساء للإنكار حسب دراسة الشرجبي فتتمثل في الخوف من الفضيحة، والخوف من الطلاق، والخوف من فقدان حضانة الأطفال، والخوف من إثارة مشاكل بين عائلتي الزوجين، والخوف من أن يؤدي فضح العنف العائلي الذي تتعرض له إلى مزيد من العنف ضدها، والخوف من فقدان الزوج كعائل. تنشئة ويقول الدكتور عادل الشرجبي، استاذ علم الاجتماع المشارك بجامعة صنعاء مفسراً تجاهل وإنكار العنف ضد النساء: تحدد اتجاهات نمو شخصية الفرد وفقاً للخبرات التي يكتسبها خلال طفولته، ولما كانت الأسرة اليمنية تنشئ أطفالها على التمييز بين النساء والرجال؛ فإن الطفلة الأنثى تستدمج على المدى الطويل هذه القيم والتوجهات بحيث تصبح المرأة نفسها تنظر إلى شخصيتها باعتبارها أقل قدرة ومكانة من الطفل الذكر، وبالتالي تتكون لديها صورة سلبية عن ذاتها.. وتتكون لديها شخصية مستكينة خانعة ضعيفة انهزامية مستسلمة وممتثلة للواقع.. وهذا الميكانزم من تشكيل شخصية النساء يؤدي إلى تطابق رؤية النساء مع رؤية المجتمع التقليدي لحقوقها الإنسانية، فضلاً عن أن سماتها الشخصية تجعلها ضعيفة وغير قادرة على المطالبة بحقوقها وغير قادرة على الدفاع عنها. مضيفاً: إن الثقافة الأبوية التقليدية السائدة في المجتمع أسهمت في تقبل النساء للكثير من أشكال العنف الرمزي والمعنوي التي تتعرض لها في المجال العام، وأسهم بناء السلطة العائلية الذكورية في تقبلها للعنف العائلي؛ لذلك فإن كثيراً من النساء اللاتي يتعرضن للعنف العائلي لا يشتكين للجهات الحكومية، ويعتبرن العلاقات العائلية شأناً خاصاً، بل إن كثيراً من النساء يعتبرن أن من حق أفراد العائلة الذكور ممارسة العنف ضد الإناث تحت ما يسمينه بحق الزوج في تربية الزوجة.. وفي موازاة ذلك فإن المجتمع ينظر إلى العنف ضد النساء باعتباره شيئاً عادياً وشرعياً.. لذلك فإن هناك تجاهلات من قبل الأشخاص والمؤسسات العامة لكثير من أشكال العنف الموجه ضد النساء.. وبالتالي فإن هذه الأشكال من العنف لا تناقش من قبل العاملين الصحيين مع الضحايا ولا تسجلها أقسام الشرطة.