يعرف الجود بأنه بذل المال وأنفعه ماصرف في وجه استحقاقه ومن أعطى البعض وأمسك البعض فهو صاحب سخاء ومن بذل الأكثر هو صاحب جود ومن آثر غيره بالحاضر وبقي هو في مقاساة الضر فهو صاحب إيثار وإن أصل السخاء هو السماحة وقد يكون المعطي بخيلاً إذا صعب عليه البذل والممسك سخياً إذا كان لايستصعب العطاء. وقال بعض الحكماء: إن أصل المحاسن كلها الكرم وإن أصل الكرم نزاهة النفس عن الحرام وسخاؤها بما تملك على العام والخاص وجميع خصال الخير من فروعه.. لذا فإن السخي الكريم يأخذ الله تعالى بيده كلما عثر ويفتح له كلما افتقر كما أنه قريب من الله وقريب من الناس وقريب من الجنة وبعيد من النار وأنه لايقع وإن وقع وجد له متكأً.. وقيل لقيس بن سعد: هل رأيت قط أسخى منك؟ قال: نعم، نزلنا بالبادية على امرأة فجاء زوجها فقالت له: انه نزل بنا ضيفان.. فجاءنا بناقة فنحرها وقال شأنكم.. فلما كان من الغد جاء بأخرى فنحرها، وقال شأنكم، فقلنا: ما أكلنا من التي نحرت البارحة إلا القليل فقال: إني لا أطعم ضيوفي البائت.. فبقينا عنده أياماً والسماء تمطر وهو يفعل كذلك، فلما أردنا الرحيل وضعنا في بيته مائة دينار وقلنا للمرأة: اعتذري لنا إليه ومضينا، فلما ارتفع النهار إذا برجل يصيح خلفنا قفوا أيها الركب اللئام، اعطيتمونا ثمن قرانا، ثم إنه لحقنا وقال: خذوها وإلا طعنتكم برمحي هذا، فأخذناها وانصرفنا. وأما الشح والبخل فقد قال عنهما رسول الله «صلى الله عليه وسلم» عندما قال: «إياكم والشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم»، وقال أيضاً صلوات الله عليه: «البخل جامع لمساوئ القلوب وهو زمام يقاد به إلى كل سوء..».