عاش سنوات عمره العشر ضحية لزوجة أبيه التي تعشق العنف، وخرج من منزل خالته متخفياً مع أذان الفجر تجبره قدماه الحافيتان باتجاه الخط الأسفلتي العام، لكن إلى أين؟ تلك هي قصة الطفل (علي محمد) ذي العشر السنوات من نواحي مدينة الراهدة بحسب موقع «نيوز يمن». عاش عمره المتواضع صديقاً لثلاثي البؤس- فقدانه لحنان أمه التي طلقها والده حين كان يبلغ من العمر خمس سنوات، وحرم عطف الأب بعد غياب وجه أبيه عن ناظريه، وقاسى العنف مع خالته التي لم يعرف منها سوى لغة الضرب والرفس والإحراق بنار أعقاب السجائر وإسالة الماء البارد . رغم ذلك لم تزل الابتسامة ساكنة على شفتيه، يوزعها على من يمنحه نظرة الأبوة والأمومة، لكن قصته مع خالته جعلته يرسم ملامح حياته بعيداً عن الأقرباء الذين انعدمت فيهم الرحمة والعطف والحنان. تحدث (علي) عن معاناة الساعات والأيام التي قضاها في منزلها، وبالتحديد آخر ليلة من عمره في مسكنها والتي ذاق فيها ركل قدميها وكي نارها، ليخرج متخفياً بعد أذان الفجر. طلعت شمس الأمل ولما يزل (علي) جالساً يشير بيده لتوقيف السيارات على خط عدنتعز، وفي الأخير توقفت له سيارة وانطلق صامتاً منكسراً وبعد عبور( 35 ) كيلو متراً طلب سائق السيارة الإيجار من الركاب، وهنا ارتعش باكياً لا يدري إلى أين يتجه وليس معه حتى ريال واحد ورمى به السائق عرض الخط وحيداً شريداً تقرقر أمعاؤه من شدة الجوع وسمع بكاءه بعض الساكنين في قرى الصبيحة كرش، وهرعوا إليه بأسئلة تعريفية عن الهوية والانتماء والنسب وأسباب البكاء وحالة التيهان، لم يجدوا منه إجابة، نقلوه إلى منزل (الشيخ عيدروس سعيد كرش) قدموا له العناية الصحية والغذائية والملابس والفراش والراحة، وبعد أن رجعت الأنفاس الضائعة إلى صدره الكبير، استمعوا منه قصة الهروب وأسبابها والتشريد بصوت يتقطع حسرات وهو يشير بيده إلى آثار الحروق وكدمات الضرب وبعصي غليظة من فعل خالته بعد طلاق الأم وزواجها بآخر. وقال: أبي يعمل سائق ناقلة في الخطوط العامة لا يصل إلى المنزل إلا نادراً، موضحاً لهم تصرفات خالته. وبعد سماع الشيخ لقصته قام الشيخ بإبلاغ الأمن، ليفاجأ باحتمائه بأطراف ملابس الشيخ ويصيح بصوت يسمعه القريب والبعيد باكياً قلقاً ترقرق عيناه بالدموع لا ...لا ...لا لن أعود هيه تضربني”، في إشارة منه إلى خالته، ويواصل علي تقديم التوسلات والرفض العودة إلى زوجة أبية أحياناً يقول لهم خلاص إذا ما تريدوني خلوني هكذا على حالي والله ما ارجع حتى يخر مغشياً باكياً. وبعد قساوة الأقارب وجحيمهم، وجد الطفل (علي) في مناطق الصبيحة كرش أقراناً يلاعبونه وفراشاً وبطانية ينام عليها لان خالته كانت تعاقبه بالنوم علي الأرض والتراب وجفاف العاطفة.. رغم ذلك ما زال علي صامتاً يخفي في صدره الكثير والكثير من الألم والعذاب لم يستطع استخراجها منه بسبب الحياء والخجل والخوف من عودته إلى الراهدة فلم يستطع الحديث أيضاً لازدحام المستغربين حولنا أثناء لقائنا به كانت اجاباته بصعوبة وتعتعة وحياء.