تحكي موسوعة " النقود اليمنية عبر العصور " تاريخاً حافلاً عن حضارات ولت وأخرى حلت دونت بعض تفاصيله في عملات نقدية استخدمها اليمنيون عبر العصور يرقى بعضها إلى الألف الثالث قبل الميلاد، حيث استخدمت الأصداف والأحجار الكريمة المطعمة بالمعادن النفيسة كعملات للتداول مروراً بالتاريخ الإسلامي وتاريخ الدويلات التي تطور فيها النقد إلى القطع الذهبية والفضية والنحاسية والمعدنية وصولاً إلى العملة الورقية في العصر الحديث. الموسوعة التي أصدرها البنك المركزي اليمني في طبعة ثانية أخيراً استغرق إعدادها سنوات طويلة وجمع فيها تاريخ العملات القديمة ونماذجها المكتشفة فيما لا تزال خاضعة للتحديث. ويقول القائمون على المشروع إن الموسوعة أصبحت اليوم مدونة تاريخية هامة خصوصاً في عرضها التسلسل الحضاري للنقد في الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية بدءاً من عصر ممالك سبأ وحمير ومروراً بالعصر الإسلامي وعصر الدويلات وحتى العصر الحديث. من سبأ وحضرموت من أكثر الحقائق التي تكشفها الموسوعة استخدام اليمنيين للعملة في وقت مبكر مع ظهور ممالك سبأ، ومعين، وحمير، وذي ريدان، وحضرموت إذ تشير إلى أن اليمنيين القدامى استخدموا بداية الأحجار العادية ثم الكريمة كعملات وتم تداولها مميزة بنقوش على هيئة صور آدمية لملوك إلى صور لحيوانات فضلاً عن استخدامهم للأحجار الكريمة المطعمة بالمعادن النفيسة. ومن أكثر نماذج العملات التي عثر عليها تلك التي استخدمها السبئيون والتي وجدت منقوشاً عليها رسوماً لملوك سبأ إلى قطع ذهبية منقوش عليها ملك وصقر فضلاً عن العملات الدينية التي نحت عليها رأس الثور والإله المقة. وتكشف النقود القتبانية التي تعود إلى عهد سبأ وذي ريدان والعصر الحميري البداية الحقيقية لضرب النقود في اليمن والذي يعود إلى أواخر القرن الثاني قبل الميلاد وخصوصاً في فترة دولة معين حيث طور اليمنيون أشكال النقد بضرب أنواع معدنية عثر على بعضها مزينة بنقوش لملك دولة معين. ويبرز التطور في صك النقود اليمنية أكثر في عصر مملكة حضرموت التي عرف شعبها صك النقود من معدن البرونز ومعادن أخرى بأشكال ونماذج كثيرة كشفتها الحفريات الآثارية وبعضها استخدم كعملة رسمية حتى فترة السلاطين الذين حكموا المنطقة حتى ظهور الإسلام. العصر الإسلامي وفقاً للموسوعة فقد استمر اليمنيون بعد ظهور الإسلام في استخدام العملات اليمنية القديمة بما فيها العملات الساسانية والبيزنطية واستمر الحال كذلك حتى العام 41 هجرية حيث عرف اليمن حينها النقود التي صكها الخليفة عمر بن الخطاب على النمط الساساني ونقشت بعبارات إسلامية مثل" بسم الله لا إله إلا الله وحده محمد رسول الله". وتداول اليمنيون منذ فجر الإسلام العملات اليمنية القديمة، مع العملات المتداولة في الدول المجاورة في حين لم يتعاملوا مع النقود الأموية التي كانت تضرب في عاصمة الخلافة دمشق. وتذكر الموسوعة أن استقرار حكم العباسيين ساهم في ضرب النقود بصنعاء لأول مرة وتم صكها من دنانير ودراهم وفلوس وأقدمها كان من أنصاف الدراهم التي صكت في عهد الخليفة العباسي المهدي ونقش فيها اسم الحاكم المحلي العباس بن محمد في منتصف القرن الثاني الهجري وتالياً ضربت الدنانير الذهبية في صنعاء عام 224ه أيام الخليفة المعتصم بالله. من الدويلات إلى العصر الحديث تذكر الموسوعة أن تطور صك النقود الإسلامية في اليمن استمر حتى تأسيس أول الدول المستقلة عن الخلافة العباسية، الدولة الزيادية في صنعاء واستمر ضرب النقود في عهد دولة بني نجاح في تهامة على البحر الأحمر وفي عهد الدولة الأيوبية ودولة بني رسول والعهد العثماني والدولة القاسمية التي دشنت حكم الأئمة في اليمن فيما عرف بالمملكة المتوكلية اليمنية. وتشير إلى أن صك النقود في المملكة المتوكلية بدأ في فترة حكم الإمام يحيى بن محمد حميد الدين الذي بدأ بصكها قبل خروج الأتراك من اليمن في العام 1913م تحت مسمى الريال العمادي الذي كان يصك في لبنان ثم في صنعاء بفئة الربع ريال. وفي العام 1963م وبعد قيام ثورة سبتمبر التي أطاحت بحكم الأئمة تولت وزارة الخزانة صك الريال الفضي الجمهوري في مصر كأول عملة وطنية في العهد الجمهوري ثم صك العملات المعدنية التي أخذت اسم البقشة التي تعادل جزءاً من أربعين جزءاً من الريال الفضي. أما في جنوباليمن فتعرض الموسوعة نماذج من النقود صكت خلال فترة الاستعمار البريطاني لجنوباليمن من بينها الروبية الهندية والشأن الأفريقي التي كانت العملة المتداولة في معظم المحافظات الجنوبية سابقاً. وتلفت إلى أنه وبعد ثورة أكتوبر 1963م، قررت سلطات اتحاد الجنوب العربي إقامة مؤسسة النقد للجنوب العربي تلا ذلك الدينار اليمني الذي وضع للتداول رسمياً في منتصف 1965م كأول عملة وطنية للتداول. وأدى قيام الجمهورية اليمنية وإعادة تحقيق الوحدة بين شطري اليمن في العام 1990م إلى اعتماد عملتي الشطرين الريال والدينار كعملة وطنية في دولة الوحدة حتى العام 1996م حيث تم إلغاء الدينار وسحبه من التداول واعتماد الريال كعملة وحيدة في اليمن.