تتعدد المجالات التي يسعى الإنسان إلى طرقها وخوض غمارها، بغرض تطوير ذاته المرهون بتحقيق النجاح وإثبات التفوق في مختلف تلك المجالات.. إلا أن جل غاية ذلك الإبداع والنجاح هو التطوير الشامل والعام المحيط المحتضن لذلك الإنسان المتفوق، فإن هو أي الإنسان تفوق كان مردود ذلك التفوق ينسحب على بيئته ومجتمعه، وبالتالي يتفوق المجتمع ويزدهر. ولذك فإن الإنسان، مهما اختلفت مهنه وتخصصاته، فهو محور التنمية بمختلف مفاهيمها وقطاعاتها، تنعكس إبداعاته بل تنسكب وتفيض على الحضن الكبير الذي يعيش فيه الإنسان.. ومن هنا كان اهتمام الدول والحكومات بهذا الإنسان الذي إن هو تغير وتطور فبالتأكيد فإن تلك الحكومات ستتطور وسيتغير فكرها في طريق تطور وازدهار الدولة والأمة. هذا ما حاول الأستاذ أمين عبدالله العديني المدير العام لمركز قرطبة للتدريب والاستشارات بصنعاء والمدرب المعتمد من المركز العالمي الكندي في مجال التدريب الاحترافي أن يؤكده ل «إبداع» من خلال اللقاء الذي أجريناه معه، حيث تحدث فيه عن مفهوم التنمية البشرية ودوره في التأهيل والتطوير وتحقيق رفاهية المجتمع من خلال صناعة المبدعين. استثمار الطاقات التنمية البشرية للأستاذ أمين العديني كمفهوم تنبع من اسمها كما يقول فهي تنمية وبشرية «تنمية البشر»، فالتنمية عادة هي استثمار، وتنمية الشيء الموجود، فنحن نستثمر، فالتنمية البشرية هي استثمار الطاقات الكامنة والمخبوءة عند البشر، ذلك أن كل البشر عندهم إمكانيات وطاقات لكنها غير مستثمرة، وكامنة. ويضيف أن الشخص عندما يستثمر في هذا الجانب، إنما هو يقوم بعملية استكشاف أولاً، بعد ذلك يتوجه ويركز على تنمية أوجه القصور الموجودة في ذاته، ويقوم «بتمتين» أو تقوية الأشياء القوية التي يتمتع بها، حتى تستمر كذلك.. وعند استثمار طاقات وقدرات وإمكانات البشر وتوجيهها التوجيه الصحيح عندها تتحقق مفاهيم التنمية البشرية بأسمى أهدافها. لأن التنمية البشرية كغيرها من بقية المجالات، يمكن استخدامها أو استثمارها ايجابياً أو سلبياً، والمراكز التأهيلية تسعى بالتأكيد للاستثمار الايجابي الذي يحقق التنمية الشاملة والتطوير. مجال واسع ويواصل المدرب التنموي أن مجالات التنمية البشرية غير محددة بل هو يغوص في مختلف المجالات والقطاعات، ولا يقف عند أحدها دون غيرها، فالإنسان الذي هو هدف ومقصد هذه التنمية، متى ما كان في موقع معين واكتشف إمكانياته وقدراته وطاقاته فمن المهم أن يستثمرها في نطاق مجاله استثماراً يحقق فيه إبداعه، فالطبيب في مجاله، والمهندس في نطاقه،وكل يبدع في مجال عمله، بالاعتماد على تقوية قدراته وتعزيزها، وتطوير نقاط ضعفه ومعالجتها، فالمجال واسع وفسيح أمام التنمية التي ترتبط بكل نواحي حياتنا. القوة الشاملة ويستأنف: قالوا في علم الاجتماع إن الأمم تتنافس في حالة البداوة بالقوة البدنية، فإذا ارتقت تفاخرت بالعلم، فإذا ارتقت تفاخرت بالأخلاق، فالقوة التي تستهدف ايجادها تنمية البشر هي القوة العلمية والفكرية لأن غالبية المجتمعات تجاوزت عالم البداوة، فما يحتاجه البشر اليوم هو العلم والتطوير وفقاً لرؤى علمية وفكرية. ويستشهد.. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف.. فقوة المؤمن لاتعني فقط القوة الجسمية، فمجتمعاتنا اليوم تشهد فترة عصيبة في القرن الحادي والعشرين، فالقوة اسم شامل لقوة الفكر التي من خلالها تنبثق مجالات القوى الأخرى، وبالتالي يتحرك الإنسان ويفكر عقله، عندها يستطيع أن يتغلب على مصاعب الحياة وضغوطها، ويتجاوز تلك الأفكار الهدامة. ولا يمكن أن تنفصل مجمل تلك القوى عن بعضها، لأن الشخص القوي جسمانياً ويعاني من فكر خاوٍ غالباً ما يؤدي إلى الفشل وعدم القدرة في توجيه قواه التوجيه السليم، فالقوة التي تسعى التنمية إلى إيجادها هي قوة معلوماتية وأخلاقية وفكرية وكذلك جسمانية إن أمكن وهذا ما يدعو إليه ويحتاجه مجتمعنا. إعادة تصدير وأشار العديني إلى أن مختلف المراجع والنظريات العلمية في التنمية البشرية ماهي إلا مقتبسة من تاريخنا الإسلامي والعربي المليء بوسائل رفع الهمم والتشجيع نحو تحقيق النجاح، والتي تلقفها المستشرقون والباحثون الغربيون واهتم بها احفادهم ونقحوها وأعادوا تصديرها إلينا تحت مسمى نظريات علم التنمية البشرية الذي نستقي نظرياته من مصادر غربية في الأغلب. تقليد الأفضل ويحدد مدى الاستفادة التي تقدمها التنمية البشرية المتمثلة في تغيير قناعات البشر وأفكارهم وآلية عملهم نحو الأفضل، ويقول إن ذلك إن لم يتحقق فلا يعد الشخص مستفيداً مماتعلمه. مشيراً إلى أن الشخص مهما كان ذا سلطة في عمله، ويقوم بمهامه كما يجب، ويواظب على تأديتها بشكل روتيني، فإنه لا بد أن يتمتع بمرونة التعلم واكتساب الأشياء الجديدة التي تساعد على تحقيق النجاح في العمل، بغض النظر إن اعترف بقصوره أم لا، فمن الواجب أن يسعى الإنسان إلى كل ما هو أفضل. وفي التنمية البشرية هناك نظرية معمول بها ويتم تدريسها والتدريب عليها تدعى ب «الاقتداء بالأفضل» أو ما يعرف بتقليد النموذج المتفوق وتقوم على كيفية إيجاد نموذج ممتاز ومثالي في مجال عمل أي منا، ولا يعني هذا فشلاً أو ضعفاً من قبل ذات الشخص بقدر ما هو بحث عن الأجمل والأفضل باعتبار أن تقليد الأفضل هو سنة كونية يسعى إليها الجميع ويقومون بتطبيقها أحياناً دون شعور، وهي غير مرتبطة باحساس الفشل أو التقصير إطلاقاً. فمن الطبيعي أن تتغير قناعات البشر في طريق بحثها عن التميز والإبداع، وعند تحقيق أي منا لتلك القيم عندها فقط تتحقق الراحة النفسية التي هي نتيجة النجاح. التطوير الحكومي والخاص وفي حديثنا مع خبير التدريب الاحترافي حول مدى إقبال كوادر القطاع الخاص والقطاع العام على التأهيل والتدريب يقول: باعتبار أن القطاع الخاص هو استمثار مالي، فإن القائمين عليه يسعون إلى تطوير هذا الاستثمار من خلال تطوير خدماتهم وتطوير القائمين على تقديم تلك الخدمات، وذلك بدافع التنافس بينها وبين الشركات المنافسة المشابهة لأنه إن لم تتطور في أساليب جذب العملاء، فمن المؤكد أن منافسك سيسطر عليهم.. إلا أن هذا المفهوم غير متواجد في مجال القطاع العام الحكومي باعتبار أن العميل هو المحتاج لمعاملاته في المرافق الحكومية وبالتالي فإنه سيأتي إليها لا محالة ويطلب خدماتها بغض النظر عن معايير تلك الخدمة سيئة كانت أم جيدة.. ولهذا فإن الكوادر الحكومية والمرافق لا تهتم بالتدريبة والتأهيل كاهتمام المرافق الخاصة. ولا نستطيع أن نعمم الموضوع فيما يتعلق بالمرافق الحكومية، فهناك بعض الكفاءات الإدارية في تلك المرافق التي بدأت تهتم بالجانب التطويري لموظيفها إدارياً وفكرياً، وتتفاعل مع البرامج التأهيلية بشكل غير عادي، وهي كفاءات حكومية تحمل بالفعل هموم اليمن وترغب في تطوير مرافقها وتعاملاتها مع المواطنين. وضرب الأستاذ أمين بتجربة خاصة عايشها عندما كان يعمل في ذات المجال التأهيلي في إمارة دبي قبل سنوات أربع، عندما كان يتعامل مع شرطة دبي ذلك المرفق الحكومي الذي يتمتع بفكر في تعامله مع المواطنين وحتى المخالفين للقانون بطريقة عصرية باعتبارهم عملاء وجبت معاملتهم معاملة خاصة وذلك من خلال تدريب كوادرها وموظفيها في سبيل تقديم خدمة أفضل. صناعة المبدعين النجاح والإبداع وارتباطه برفاهية المجتمع وتقدمه، كان طرف حديثنا التالي، وفي هذا الجانب يقول المدرب التنموي:النجاح له سلم أولويات فمن الصعب التحدث عن صناعة النجاح والإبداع أمام أناس لا يجدون قوت يومهم، فالموضوع يتعلق بالأولويات. يقول «ماسلو» في تحديده لسلم الأولويات إن الإنسان يبحث أولاً عن أمنه واستقراره ثم يسعى إلى مأكله ومشربه، ثم التفكير في توفير الرفاهية وما يتعلق بها، فدول أخرى غير اليمن تجاوزت مرحلة الصراع من أجل لقمة العيش وأمست في مراحل أخرى أكثر رفاهية، أما في مجتمعنا فقد تجد بعض الفئات المتوفر عندهم حد معين من المعيشة يسعون للإبداع والتميز ومهمتين أكثر من غيرهم بالتطوير والتأهيل وتحقيق رفاهية ذواتهم بينما كثير من فئات المجتمع لا تستطيع أن تجبرهم على السعي نحو الإبداع وهم لا يزالون في أسفل سلم الأولويات. الإنسان اليمني الحريص وبغض النظر عن كل ما مضى يستدرك المدرب أمين من واقع خبرته أيضاً بأن كثير من المدربين والخبراء التنمويين العرب الذين يتم استضافتهم في اليمن يصفون المتدرب اليمني بأنه أكثر إنسان يناقش وحريص على المعرفة والمعلومة وكسب الخبرات، لأن اليمني يهتم بالتطوير وحريص جداً عليه النابع من حرصه على الاستفادة من تكاليف تدريبه وتأهيله أقصى استفادة. ومن هنا يحبذ خبراء التدريب أن يسعى الشخص بنفسه لتأهيل ذاته، حيث تكون الفائدة أجدى من أن يكون مدفوعاً من شركة أو مؤسسة هي مجال عمله. مشيراً في ختام لقائنا بأن الإنسان مهما تعددت مجالاته أو أهدافه في المجتمع إلا أنه يبقى هو المحرك بفكره وعقله لتنمية ذاته أولاً ومحيطه ووطنه وأمته بعد ذلك.