عرف الأديب العربي الكبير/ عباس محمود العقاد - بصالونه الأدبي العامر الذي كان مرتعاً من مراتع الشعر والأدب يرتاده النخبة من المثقفين في مصر والعالم العربي والعديد من تلامذته الذين صاروا فيما بعد كواكب نيرة في الأدب والثقافة .. وكان من ضمن التلامذة الذين يرتادون عليه في ذلك الوقت الأديبة والمفكرة اليمنية الرائدة أبكار السقاف - فمن هي أبكار ؟ قبل التعريف بها لابد من الإشارة إلى الباحث المصري مهدي مصطفى الذي قام بدراسة شاملة لحياة أبكار السقاف وكانت هذه الدراسة ومازالت هي المنفذ الوحيد لمعرفة شخصية أبكار لأن ما كتب عنها قليل وقد نسيت تماماً رغم نبوغها الفريد.. والسبب في ذلك كما يقول مهدي مصطفى (أنها لم تنخرط بالعمل السياسي) في الوقت الذي كان الاهتمام فيه بالمثقف السياسي ينال الجانب الأكبر من اهتمامات الصحافة والكتاب. النشأة – الزواج - ولدت أبكار محمد السقاف سنه 1913م لأب يمني وأم تركية. - والدها محمد السقاف من عائلة دينية مرموقة ومعروفة على مستوى حضرموت، كما أن لها إسهامات مشهودة في العمل الوطني. - شارك في ثورة العرب الكبرى على الاحتلال بقيادة الشريف حسين عام 1916م، ولم يكن السقاف يطمح إلى الوحدة بين اليمنيين الشمال والجنوب فحسب، بل كان يسعى إلى أن يربط بين العالم العربي من شرقه إلى غربه وتمثل ذلك في محاولته تزويج ابنته أبكار لأمير برقة السنوسي، ملك ليبيا فيما بعد. - في كنف هذا الأب العروبي النزعة، عاشت أبكار ورضعت أفكار الحرية والنضال. - انتقل والدها للعيش في مصر، بالتحديد بالإسكندرية، وهناك تزوج من سيدة تركية أنجب منها أبكار وضياء ومصطفى . - يقول مهدي مصطفى : ( أبكار السقاف تمتلك حياة ثرية على المستوى الاجتماعي وقد قابلت مصادفات ومفارقات في حياتها الشخصية فهي من ناحية العائلة كانت تمتلك مقومات الحياة المرفهة إلا أن هذه الحياة قد انهارت بفعل عوامل كثيرة ومن الناحية الذاتية فقد صادفت أبكار أشياء عديدة.. لقد تمت خطبتها عام 1929م على إدريس السنوسي أمير برقة آنذاك قبل أن يصبح ملكاً على ليبيا وفسخت هذه الخطبة عام 1930م وسنجد أن أبكار السقاف في ومضاتها التي قرأتها مخطوطة تشبه أصداء السيرة الذاتية لنجيب محفوظ كانت تحن في أخريات عمرها لهذا الملك، ثم تزوجت من مصطفى الخربوطلي الذي توفي بعد زواجه منها بثلاثة أشهر بالزائدة الدودية وكانت هذه المحطة في حياتها أشد المحطات قسوة والتي بدأت منها تنطلق نحو آفاق الإنسان الرحبة وما وراء الكون وما الهدف من خلق الإنسان ولماذا؟ واعتقد أن هذه المحطة هي التي فجرت موهبة أبكار السقاف في البحث عن ماهية الإنسان. ثم تزوجت عام 1960م من “ عمر بسين “ - وهو من أصول تركية - الذي رحل هو الآخر بعد ثلاث سنوات وهي أيضا محطة أشعرتها بالفراغ الهائل وجعلت من ومضاتها شبه أصداء لسيرتها الحقيقية فهي تلمح ولا تصرح). شهادات .. عن أبكار: - قال عنها ذات مرة الأديب والمفكر عباس محمود العقاد وهو المعروف بآرائه الشديدة تجاه المرأة: ( إنها امرأة بعشرة رجال ). وقال عنها الباحث مهدي مصطفى: ( لم يشأ القرن العشرون أن ينتهي حتى يدهشنا بالمخبوء في أحشائه وكأننا على موعد مع المفاجأة إذ يتم تقديم - روح الحياة - أبكار السقاف إحدى الكاتبات التي تم غيابها زمناً طويلاً وهي تستحق أن تكون في المقدمة وعلى رأس كوكبة من المفكرين. *عاصرت واحتكت بالعديد من المثقفين وكانوا على معرفة بها وبإبداعاتها المختلفة كالعقاد وصالح جودت ونجيب محفوظ وأنيس منصور ومحفوظ الانصاري ومحرم كمال باشا- عالم الآثار - وأحمد الصاوي محمد الذي كتب عنها، كما يقول مهدي مصطفى مقالاً في يوميات صحيفة “الأخبار” ومحمود أبو العيون سكرتير الأزهر في ذلك الوقت. - ووصفت الفنانة ضياء السقاف شقيقتها أبكار قائلة: ( إن أبكار ولدت وفي يدها القلم ولم نرها يوماً تركته لسبب من الأسباب ولم يمر يوماً دون أن تكتب). صاحبة مدرسة خاصة : وكانت أبكار صاحبة مدرسة واتجاه مغاير لما عليه الجمهور في التفكير يقول مهدي مصطفى متكلماً عن هذه المدرسة: ( وبين مدرسة الاحتكاك بالآخر والصدام معه تولدت مدرسة فكرية مختلفة عنهما راهنت على الغائب بين السطور وحاولت قراءته قراءة حرة وتوافرت لها الأدوات الروحية والإرادة الثقافية. ولها في الشعر نصيب وكما كانت أبكار مفكرة وكاتبة وفيلسوفة ومؤرخة فقد كانت كذلك شاعرة مبدعة ولها ديوان شعر بعنوان: (الليل والقلم). مؤلفاتها - كتاب ( نحو آفاق أوسع المراحل التطورية للإنسان ) في ثلاثة أجزاء صدر منه الجزء الأول والثاني ثم صودرا والجزء الثالث لم يصدر بعد .. وقد تحمس لنشر هذا الكتاب الكاتب الكبير عباس العقاد، نشرت الجزء الأول والثاني مكتبة (الانجلو-المصرية). - كتاب ( إسرائيل وعقيدة الأرض الموعودة ) صدر في طبعته الأولى سنة 1965م عن دار الكاتب ثم صدر في طبعة ثانية سنه 1997م عن مكتبة مدبولي وقد أهدت هذا الكتاب لأستاذها عباس العقاد. - كتاب ( الحلاج ) صدر سنة 1995م بمقدمة للباحث المصري مهدي مصطفى. - كتاب ( محمد النبي ) لم ينشر بعد. - كتاب ( المسيح ) لم ينشر بعد. - كتاب ( النبي موسى ) ماتت قبل إتمامه وما تم منه لم يصدر بعد. - كتاب ( السهر وردي ) ماتت كذلك قبل إتمامه وما تم منه لم ينشر . - كتاب ( مقدمة اللغات ) كذلك لم يكتمل ولم ينشر ما تم منه. - كتاب ( همسة في أذن إسرائيل ) كتبته باللغة الإنجليزية وصدر بها ولم يترجم إلى العربية. - كتاب ( أصداء متفرقة - سيرة ذاتية - نشرته دار العصور الجديدة سنة 2001م بمقدمة للكاتب والباحث مهدي مصطفى بعد أن ظل غائباً منذ عام 1962م حين أتمت كتابته. - كتاب الليل والقلم ديوان شعر لم ينشر بعد. إضافة إلى العديد من المقالات التي كتبتها لصحف مختلفة في مصر وربما كانت لها كتب أخرى قد فقدت أو مازالت حبيسة عند ( البعض )، ممن لم ترق لهم كتاباتها.... وظلت أبكار رفيقة للقلم وللكتاب حتى توفيت بأرض الكويت سنة 1989م، عن عمر ناهز السادسة والسبعين عاماً. وأخيراً يقول الكاتب ( مهدي مصطفى ): ( والعجيب أن أبكار السقاف التي نضجت تماماً في أربعينيات القرن الماضي مع نضج العقل المصري والعربي غابت بالرغم من حفظ التاريخ لكل الحركات السرية الثقافية وغير الثقافية حتى الهامشي منها مثل جماعتي ( الخبز والحرية ) و( الفن والحرية ) والجماعات الأقل شأناً وهو موقف لا يزال غامضاً تجاه مفكرة في حجم أبكار )..