الاتجاهات الخطيرة التي ينتهجها شباب اليوم ويعيشون لأجل مداراتها وآفاقها جعلت الوطن أول الضحايا في قائمة طويلة تبدأ من الذات إلى الأسرة إلى المجتمع.. انتهاءً بالقيم ومبادئ العيش الكريم، والمآثر التي فطر الله سبحانه وتعالى عليها كل البشر. ما يعيشه شباب اليوم من ازدواج مخيف وتناقض مذهل في طرق التفكير وتعليلات العقل تجعلنا نحتار في تنامي صنمية هدم غارق في تراجيديا ذوات تفسد جماليات العيش وتشوه البقاء وتزعزع التفكير الخلاق الواعي بمنهجية مسالمة الموجودات واحترام الآخر وتقديس الحقوق. وهنا أتساءل هل يعي الشباب كركيزة اجتماعية دوره الحقيقي تجاه أنفسهم ومجتمعهم ووطنهم ودينهم..؟! والقضية ببساطة محاولات إيجاد منظومة تتصل بكل التقنينات والأعراف والشرائع التي من شأنها إخراج الشباب من مخدرات التسفيه والسلوك المشين في العنف، وتجسيد المغالاة والانزلاق في لاهوتات التأثر الغربي المقذع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من براثن ثقافتين تلتقيان في مصب آسن لنتيجة أسفية واحدة، وبالحديث عن معطيات نشوء المنزلقين الخطيرين الذي وقع فيهما الشباب، وقد تنتاب المرء حيرة عارمة تفقده استثمار حواسه وهو في بحث مضنٍ عن الكيفية التي خُطت بها اعتمالات هذين المنزلقين الذي يتمثل في شقه الأول بنموذج لشباب وهبوا حياتهم لتتبع تقليعات دخيلة على ثقافتنا وعاداتنا كالموضة وصرخاتها وتلقف إصداراتها وتعميمها اقتداءً بأصحابها من المشاهير في السينما والرياضة والأزياء والطرب، من أمثال جاكسون وتوم كروز وجنيفر لوبيز وكيدمان وجولي أنجولي ومايكل دوغلاس وماريا شربوفا وبيكهام وكريستيانو رونالدو و..و.... إلخ، حتى أن البعض من الشباب قد يتحول إلى فتاة دون أن يدرك ذلك من خلال استخدام اكسسوارات ومساحيق وأدوات وملابس بمواصفات نسائية تشعر بالخجل حينما تراها تكسيهم وتلتحف أبدانهم. والمؤسف أن موجات التقليد الأعمى تُبدي ضبابية مهولة تلف مستقبل الوطن والأمة والمجتمعات ومن يسمون “عماد المستقبل وبناة الغد”، ينامون ويصحون على مسخ يتعاظم خطره بالتقادم ولا بدائل للانهيار الأخلاقي طالما وهؤلاء يقضون نصف النهار نائمين ونصفه الآخر في تعاطي القات وجلسات المقيل والليل في مقاهي الإنترنت والاستخدام السيئ لشبكة المعلومات أو في الدردشات الهاتفية وإذا انتهى “الرصيد” مثلاً يقضون ما تبقى من الليل أمام الفضائيات ومهرجانات العري والابتذال التي تقيمها شاشاتها.. ومن جهة أخرى يرعبك نموذج آخر للشباب استثمرهم أعداء السلام والإسلام للمتاجرة بدمائهم لحصد أرواح ضحايا أبرياء أنعم الله عليهم بالأمن والأمان، محولينهم إلى نواسف بشرية تقيم كرنفالاً للأشلاء المتطايرة بعمل إجرامي بشع منه ديننا بريء وكذا أعرافنا ومبادئنا وكافة الشرائع الأخرى. لقد تناسلت ثقافة العنف بين الشباب بفعل مرجعيات بائسة يائسة تنفث سموم حقدها على العباد والبلاد بلا مبرر، مسخرين شباباً تم تجهيلهم ومن ثم ادخارهم كوقود لأعمالهم الإرهابية بعد إقناعهم بوعود باطلة عاطلة ما أنزل الله بها من سلطان، محتسبين لهم الجنة وفي ذات الوقت يقدمون حججاً وذرائع لأعداء الأمة المحمدية وفرصاً لتقويض دين تحث تعاليمه وأحكامه بكف الأذى ونشر المحبة وإفشاء الوئام. المحزن حقاً.. ان ترى شباباً زهورهم يانعة في مقتبل العمر وصورهم منشورة في مختلف الصحف كمطلوبين للجهات الأمنية، ويكون وقع الصدمة أشد وأنت تقرأ خبراً يفيد أن منفذ العملية دون سن البلوغ والرشد يفترض أن يظل تحت الرعاية المباشرة من والديه.. كما هو الحال في عملية سيئون مؤخراً. من المسئول عن وصول هؤلاء المتاجرين بأحلام الطفولة وباعة الحياة براعم وأطفالاً لم يبلغوا الحلم.. والتفنن في غسل أدمغتهم وحقن عقولهم بأمصال الحقد والكراهية؟، وكيف يترك مثل هؤلاء الصغار أحباب الله تحت تصرف أعداء الأمة والبشرية والتأريخ؟، وما هي الظروف التي قادتهم لترك انطباعات الأسرة التي تترك فلذات أكبادها لشياطين الإنس تبرمجها لإحراق الوطن وإزهاق الأرواح بثوابت الحياة...؟! أسئلة كثيرة تتبارى فيما اعتبر أن المسئولية تقع على عاتق ثلاث جهات تتحمل الوزر كاملاً لأنها هي التي يناط بها تكثيف جهودها لإبراز دور يكافح هذه الانحرافات والأوبئة المجتمعية الخطيرة، فماذا بعد تسخير أطفال لتعميم القتل؟ وأول هذه الجهات هي الأسرة وغياب دورها في ترسيخ مفاهيم الولاء الوطني وتعميق الحب لدى أبنائها والتتبع المنظم والمنتظم لهم. ويأتي في المرتبة الثانية غياب دور العلماء واستغراقهم في قضايا هامشية غير مهمة، تاركين الإرشاد والتقويم والوعظ وإهمالهم لهموم وشئون ومشاكل الشباب، وتتمثل الجهة الثالثة بالجهات المختصة ومنظمات المجتمع المدني واكتفائها باستيعاب شباب العواصم والمراكز في المحافظات فقط وإغفال الخطر القادم من المديريات والأرياف والمناطق النائية المحتاجة لتوفير البدائل المناسبة تعليمياً وثقافياً وترفيهياً.. فمن هذه المناطق يأتي الفكر المغالي ويتسرب التطرف وعقوله الخامة. وأخيراً لقد بتنا بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى شباب الوسطية والاعتدال والطموح الموازي لوقائع الاستقدام وحقائق استشراف الوصول البنّاء بعيداً عن نموذجي الداخل الإفراطي والخارج التفريطي.