إلى (...) وهل للدموع كبرياء..؟! “الحياة لوحة بديعة.. نشوهها بألواننا المقيتة” رمت كلماتها المقتضبة على لوحاتها الصامتة والمكتنزة في أركان غرفة رثة “جالت عيناها بتثاقل عليها: “سيظلون يحقدون عليكِ، فقد صرتِ مرآة لنفوسهم القذرة” لوحتها الأولى تبدو مبتهجة، إنها اللوحة الأولى، الحلم الأول، الحب الأول، البهجة لبستها وهي ترسم وروداً حمراء، صفراء، بيضاء، عندما صبغتها كانت لاتزال تحتفظ بألوان السعادة والأمل. - يا لك من لوحة تافهة، اللعنة على الريشة التي خلقتكِ، سأحرقك غداً تبتسم اللوحة بسخرية: فاشلة، ستظلين تكررين وعدك حتى تهجرك الروح، فعاشق الماضي يحترف الفشل يقع نظرها على لوحة أخرى يسكنها راع يعزف لخرفانه معزوفة الذئب والنعجة بتهكم : ذئب يحرس نعاج، وحوش كاسرة ترتدي آدمية مزيفة. باستخفاف تنظر اللوحة إليها، وتعود لسماع معزوفة البشرية الأولى. وأخيراً لوحتها المفضلة، لقد أبدعتها عندما التصقت أناملها بريشة أجادت التحدث بصمت مفجع، لوحة الأرض وقد تقيأت الموتى المخبئين في باطنها: - نعم، فأجسادنا النتنة تثير تقزز الأرض، مادة سامة لابد من تقيأها كي لا تموت. تتلفت اللوحة يميناً ويساراً لتستشف نظرات الحقد والغيرة من اللوحات الأخرى. جلست على كرسي صبغته بكل ألوان الحزن والألم، أشعلت سجارتها وأكملت عيناها الجولة اليومية، لوحة أخرى تغوص فيها، لوحة مازالت مدينتها نائمة. - ستظلين كذلك إلى أن يأتي فارسك الأمير لتقبيلك.. حمقاء تتضرج اللوحة بحمرة الخجل: - لا يهم حمقاء أو قولي ما شئتِ فسأنتظر فارسي الأمير ليخرجني من تابوتك الحقير. تذهب بعينيها إلى اللوحة العذراء، فتاة لا ملامح لها تمشي بثوبها الطويل، تجتاز بحيرة تسكنها التماسيح، ترنو إلى الأعلى بشموخ وكبرياء.. ماذا تٌراها ترنو إليه؟ بجهد كبير تجرجر صوت يأتي من قعر عميق، فيأتي منهك حزين: - سيظلون ينتظرون تعثرك كي يلتهم الأوغاد عفتك. ظلت اللوحة شامخة، ولايزال الألم يمزق صمتها. أما اللوحة الظل فهي ألم لا وجع له، لوحة تسكنها امرأتان ورجل، ظل الرجل ذئب وظل المرأة الأولى بجناحين والثانية بقرنين: - أتقنت وضعكما في ما كنتما عليه أيها ال (....) تنظر إليها اللوحة بلوم وعتاب. فجأة توقف تجولها وتعود لفرشاتها وتبدأ في تمزيق سكون ليل لوحة اقتحمها الظلام، ترسم القمر، سناؤه يجرح كبرياء ليل لا فضاء له، تجهش بالبكاء، تهطل دموع تسكر وسادة خالية، تٌثملها، دموع صبغها القمر بلونه فتناثرت قطرات فضية لتكمل معزوفة يتيمة الأنغام، وتلتهم عذرية لوحة صارت جاهزة لتنظم إلى قافلة تعانق الذكرى والألم كل ليلة. ديسمبر 2000م