تحالف ديني مذهبي يمني يستهدف الجنوب    رئيس الوزراء "معين بن بريك" يغادر إلى الرياضك "نموذج ساقط للإعلام المعادي"    المعلا: مديرية بلا مأمور أم مأمور بلا مديرية؟    هل ينجو حزب "الإصلاح" من ماضيه الإخواني الأسود عبر بوابة إسرائيل؟    مكاسب كيان الاحتلال من القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة    مكاسب كيان الاحتلال من القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة    محمد وزهير الزعكري .. شهيدان اقتفيا أثر والدهما    حزب جبهة التحرير لقيادة الإصلاح: تميز حزبكم بصلابة مواقفه في الدفاع عن المكتسبات الوطنية    بايرن ميونيخ يخسر جهود غيريرو قبل مواجهة تشيلسي وهوفنهايم    الاهلي السعودي يتخطى ناساف الاوزبكي في دوري ابطال اسيا    الحالمي يؤكد : تفاعلنا مع بطولة بيسان تقديرًا للحروي وحرصًا على إنجاح البطولة    قمة الدوحة تدعو إلى مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل    بيان إدانة    ناطق الإصلاح: العمل السياسي لم يعد ترفاً بل واجباً لحماية حق اليمنيين في الحرية والكرامة    شبكة المسيرة تعلن تضامنها مع صحيفتي 26 سبتمبر واليمن    أكاديمية الدفاع البريطانية تحظر الطلبة الصهيانة على خلفية حرب إبادة غزة    الذهب يسجل أعلى مستوى تاريخي جديد    التضخم في السعودية يسجل أعلى وتيرة ارتفاع منذ أكثر من عامين    ضبط كمية من الذرة المجروشة غير الصالحة للاستخدام في تعز    تدشين العمل بشق قناة تصريف مياه الأمطار في بني الحارث بمبادرة مجتمعية    ما زال الموت يذكرنا بأصدقائنا المنسيين    شرطة العاصمة عدن تستعيد مسروقات ثمينة من فندق في خور مكسر وتطيح بالمتهم.    المنصوري يتسلم مهامه وكيلًا للعاصمة عدن لشؤون الدفاع    حالتها مستقرة.. جلطة ثانية تصيب حياة الفهد    ديسمبر.. «شمس الزناتي 2» في دور العرض    افتتاح مدرسة الطارفة في أبين بعد توسعتها بتمويل إماراتي    محافظ شبوة يستقبل فريق مبادرة دليل شبوة الطبي الإلكتروني    اليمن يدعو إلى تدابير عربية واسلامية لكبح السياسات الصهيونية التوسعية في المنطقة    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة عبدالله يحيى الآنسي    رئيس هيئة المدن التاريخية يطلع على الأضرار في المتحف الوطني    محور تعز يدشن احتفالات الثورة اليمنية بصباحية شعرية    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    صحيفة أمريكية: رغم العقوبات الأمريكية صنعاء تواصل أطلاق الصواريخ والمسيرات    المرة الأولى منذ 2019.. النصر يبدأ الدوري بفوزين    برشلونة يكتسح فالنسيا بسداسية    ميان والعنود تدعمان دفاع سيدات القادسية    ضروري من قنبلة دين وضمير    اندلاع اشتباكات بين قوة عسكرية ومسلحين قبليين شرق حضرموت بعد اعتراض ناقلات نفط    الدكتور عبدالله العليمي يؤكد دعم مجلس القيادة الرئاسي للبنك المركزي اليمني    منظمة صحفيات بلاقيود : مجزرة إسرائيل بحق الصحفيين جريمة حرب    العصفور .. أنموذج الإخلاص يرتقي شهيدا    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    قرارات تعسفية لمليشيا الحوثي تدفع الغرفة التجارية للإضراب في صنعاء    محافظ حضرموت يرعى توقيع عقود مشاريع تحسين لشوارع مدينة المكلا    توقف تطبيق إلكتروني لبنك تجاري واسع الانتشار يثير الجدل على منصات التواصل الاجتماعي    أحلام تُطرب جدة    يوفنتوس يقتل إنتر في ديربي إيطاليا    ما أجمل روحك وإنسانيتك، قاضي حاشد    عدن .. مصلحة الجمارك تضع اشتراطات جديدة لتخليص البضائع في المنافذ الجمركية    في محراب النفس المترعة..    تعز.. مقتل مواطن إثر خلاف تطوّر من عراك أطفال إلى جريمة قتل    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    اليمن كل اليمن    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    رابطة علماء اليمن تدعو للصلاة بنية الفرج والنصر لأهل غزة    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    الصحة تغلق 4 صيدليات وتضبط 14 أخرى في عدن    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسار المرض
كيف ينتقل فيروس من الخنازير والطيور إلى البشر في أنحاء العالم ولماذا تتفاقم مخاطر جراثيم مثل إنفلونزا أتش 1 أن 1
نشر في الجمهورية يوم 16 - 05 - 2009

قرابة عيد الشكر عام 2005، ساعد فتى مراهق زوج أخته على ذبح 31 خنزيراً في مسلخ محلي في ولاية ويسكونسن. وبعد أسبوع، أمسك الشاب البالغ من العمر 17 عاماً بخنزير آخر فيما كان يُذبح. تمهيداً للعطلة، اشترت عائلة المراهق دجاجة وأبقتها في منزلها، بعيداً عن طقس منطقة شيبويغان الخريفي البارد. في 7 ديسمبر، أصيب المراهق بالإنفلونزا ودام مرضه ثلاثة أيام. قام بزيارة عيادة محلية ثم شفي تماماً، ولم يصب أي من أفراد عائلته بالمرض. قد لا تبدو هذه الحادثة جديرة بالذكر لولا أن فيروس الإنفلونزا الذي أصيب به الفتى من ويسكونسن لا يشبه أياً من الفيروسات المعهودة. بدا أنه مزيج من إنفلونزا الطيور البرية والإنفلونزا البشرية وسلالة من الإنفلونزا التي تصيب الخنازير. كان نوعاً من إنفلونزا الخنارير من سلالة أتش 1 أن 1. فيروس ويسكونسن الذي تم تجاهله إلى حد كبير في ذلك الحين كان خطوة على طول الدرب التطورية التي أدت إلى نشوء فيروس أذهل العالم بعد أربع سنوات. لننتقل إلى أبريل 2009، حين عانى الفتى إدغار إنريكي هيرنانديز في بلدة لاغلوريا البعيدة في المكسيك من نوبة إنفلونزا، تبين أن سببها مزيجاً مشابهاً من إنفلونزا الخنازير والطيور والبشر، وهي أيضاً من نوع أتش 1 أن 1. وعلى بعد آلاف الأميال في القاهرة، قررت الحكومة المصرية أن الخنازير هي مصدر المرض، وأمرت بذبح ال300000 خنزير في المجتمع المسلم بمعظمه (وغير المستهلك للحوم الخنازير). كل من هذه الحوادث الثلاث مرتبط بأزمة الإنفلونزا الحالية. من عادات البشر البحث عمن يلقون عليه الملامة خلال الفترات التي يدب فيها الذعر. وحالياً يتم توجيه أصابع الاتهام، إما إلى جنس الخنازير الداجنة برمته أو إلى دولة المكسيك. إلقاء اللوم بهذه الطريقة ليس فقط قائماً على أسس علمية ضعيفة، بل من المرجح أن يحث الحكومة على اتخاذ خطوات تكون، في أفضل الحالات، عديمة الجدوى، وفي أسوأ الحالات، مضرة بالجهود للسيطرة على الوباء. نحن نعيش في عالم معولم، ممتلئ بالتهديدات الجرثومية المشتركة التي تنشأ في مكان ما، وتتفاقم في مكان آخر من خلال النشاطات البشرية التي تساعد وتشجع تكاثر الجراثيم، ومن ثم تنتشر عبر مساحات جغرافية شاسعة في غضون أيام أو حتى ساعات، والسبب يعود من جديد إلى النشاطات والتحركات البشرية. إن كان لا بد من إلقاء اللوم، فيجب توجيهه إلى الجنس البشري والطرق الجلية التي يغير فيها البيئة العالمية، موفراً للجراثيم مثل فيروس الإنفلونزا فرصاً جديدة ومهمة للتطور والتحول والانتشار. عام 2005، بحثت دائرة الصحة العامة في ويسكونسن عن خنازير مريضة في مقاطعة شيبويغان، لكن الحيوانات التي ساعد المراهق على ذبحها أتت من عدة مزارع من مختلف أنحاء المنطقة، وادعى كل المزارعين أن قطعانهم بصحة جيدة. أرسلت سلطات ويسكونسن عينات دم مأخوذة من المراهق المصاب بالعدوى وعائلته إلى مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في مدينة أتلانتا. فاكتشف علماء المراكز أن فيروس أتش 1 أن 1 يضم داخل تركيبته الجينية أجزاء تتطابق مع إنفلونزا بشرية تم كشفها للمرة الأولى في نيو كاليدونيا عام 1999، ونوعين من إنفلونزا الخنازير كانا يصيبان الحيوانات في آسيا وويسكونسن منذ سنوات، ونوع مجهول من فيروس إنفلونزا الطيور. وعام 2006، أفادت الجمعية الأمريكية للأطباء البيطريين المختصين بالخنازير بأن البشر ينقلون فيروسات أتش 1 أن 1 إلى الخنازير، مما يؤدي إلى انتشار المرض في قطعان الخنازير، لا سيما في ولايات الوسط الغربي الأمريكية. بعد ذلك بعام، تفشى مرض خلال مهرجان قروي في أوهايو، مما أدى إلى إصابة الكثير من الخنازير، لكن لم تنتقل العدوى إلى أي من البشر الذين يهتمون بها. السبب كان نوعاً من فيروس أتش 1 أن 1 قريباً جداً بتركيبته من السلالة التي ظهرت في ويسكونسن، وربما انتقل من البشر إلى الخنازير. العام الماضي، حذر باحثون من جامعة ولاية آيوا بمدينة إيمز من أن الخنازير الموجودة في المزارع التجارية تتعرض للإصابة بالإنفلونزا من الدواجن والطيور البرية والبشر العاملين في المزارع. وقد كتبت أيلين ثاكر وبروس جنكي في مقال نشر في دورية الأمراض السارية: "نتيجة للتغيير الدائم في التركيبة الجينية للأنواع الفردية من فيروسات الإنفلونزا في الخنازير، فإن قطاع تربية الخنازير في الولايات المتحدة يكافح باستمرار للتصدي لفيروسات الإنفلونزا التي تنتشر داخل أنظمة الإنتاج الفردية". كان أمر ما يتغير. فالخنازير معروفة بأنها تأكل كل ما يرمى لها وتحتك بعضها ببعض بشكل مستمر، ناقلة العدوى بسهولة داخل القطعان. إن معداتها تشكل بيئة ملائمة بشكل مدهش للجراثيم، التي لطالما تسببت بالأمراض للبشر الذين يأكلون لحم الخنزير النيئ أو غير المطهو جيداً. التحقيقات بشأن وباء الإنفلونزا الذي انتشر في العالم عام 1918، والذي يقدر بأنه أدى إلى وفاة ما يقارب ال 100 مليون شخص عالمياً في غضون 18 شهراً، كشفت أن الفيروس المسؤول كان نوعاً من فيروسات إنفلونزا البشر أتش 1 أن 1 الذي أصاب الخنازير، ومن ثم انتقل إلى البشر من جديد. فيروس الإنفلونزا جرثومة فوضوية في حالة تحول وتطور مستمرة. تركيبته الجينية على شكل حمض آر أن أيه (وليس حمض ال دي أن أيه، كما لدى البشر)، وهي تكمن داخل كروموسومات شديدة التنوع. وعندما يصيب الفيروس خلية ما، تتفكك كروموسوماته بشكل فوضوي، ويتم نسخها لصنع المزيد من الفيروسات التي تدخل مجرى الدم وتنتشر في كل أنحاء الجسم. خلال عملية النسخ هذه، تضاف أي مواد جينية أخرى موجودة في الخلية إلى آلاف النسخ من الفيروس. إن تكاثر الفيروس بهذا الشكل داخل خلية بشرية، يكتسب بعض المواد الجينية البشرية، وإن تكاثر داخل خلية دجاج يكتسب جينات طيرية» وداخل خلية خنزير يكتسب حمض ال آر أن أيه الخنزيري. يبلغ تطور الإنفلونزا ذروته عندما يدخل نوعان مختلفان من فيروسات الإنفلونزا إلى خلية حيوانية في الوقت نفسه، حيث يتم تبادل كروموسومات بكاملها لصنع فيروسات "منوعة". ما أصاب المراهق في شيبويغان كان فيروساً جديداً ثلاثي التركيبة، يحتوي على جينات من ثلاثة أجناس حيوانية، أحدها الجنس البشري. لكن من يعير انتباهاً لهذه الأمور؟ باستثناء البيطريين ومزارعي الخنازير وعلماء الفيروسات، لا يولي الكثير من الناس في قطاع الصحة العامة والحكومة والطب اهتماماً كبيراً للخنازير التي تسهل امتزاج الفيروسات والتي تعيش في المزارع العائلية ومراكز إنتاج لحوم الخنزير التجارية الضخمة. وما كتبته ثاكر وجانكي عام 2008 ينطبق بشكل محزن اليوم: "الخنازير توفر وسيلة مزج مثالية لنشوء فيروسات إنفلونزا طيور وثدييات قادرة على التسبب بأمراض جديدة من شأنها نشر الأوبئة لدى البشر ... من الواضح أنه في قطاع تربية الخنازير في الولايات المتحدة، فإن انتقال فيروسات الإنفلونزا بين الخنازير والبشر أمر شائع نسبياً ويحدث في الاتجاهين". قبل تسعة أشهر، أبلغت إدارة الخدمات الصحية في ولاية تكساس مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها عن شخص كان يعمل بالقرب من خنازير مريضة. أصيب هذا الرجل من تكساس بالإنفلونزا، لكنه لم ينقله إلى أحد واستعاد عافيته بعد بضعة أيام. في دم المريض، اكتشف علماء مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها "فيروس إنفلونزا خنازير من الفئة أ (من نوع أتش 1 أن 1) ثلاثي التركيبة، أ/ويسكونسن87-2005 أتش 1 أن 1"، وهو الفيروس نفسه الذي أصيب به المراهق في شيبويغان قبل ثلاثة أعوام. ثم في مارس، بدأ وباء 2009 بالانتشار. وما كان ليحظى بالاهتمام بصراحة، لو جرت الأمور بالطريقة نفسها التي شملت الطيور والبشر والخنازير والتي لم تلق سوى القليل من الانتباه في ويسكونسن وأوهايو وتكساس. لكن الفرق هذه المرة هو أن بعض الناس ماتوا. في منتصف مارس، ارتفع عدد حالات الإنفلونزا التي يتم الإبلاغ عنها في عدة ولايات مكسيكية إلى حد كبير. وفي الوقت نفسه تقريباً، اكتشفت السلطات المسؤولة عن الصحة العامة في جنوب كاليفورنيا حالتين منفصلتين من الإصابة بالإنفلونزا لدى الأطفال: فتى في ال 10 من العمر في مقاطعة سان دييغو، وفتاة في التاسعة من العمر في مقاطعة إمبيريال. ومع أن الطفلين تمكنا من النجاة من المرض، فقد ظهرت دلائل على أنه انتشر إلى أفراد عائلتيهما، وتم فحص عينات من دمهما في مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في أوائل أبريل. وتم الكشف عن وجود فيروس أتش 1 أن 1 ثلاثي التركيبة. في الوقت نفسه، ظهرت في المكسيك أكثر من 50 حالة خطرة من الإصابة بالإنفلونزا، وأرسلت الحكومة عينات دم إلى أهم مختبر كندي للأمراض المعدية في مدينة وينيبيغ. أكد الكنديون أن الفيروس المكسيكي الغامض هو أتش 1 أن 1 بالفعل، وبرزت احتمالات انتشار وباء واسع النطاق. في المكسيك، تركز الانتباه على الطفل إدغار إنريكي هرنانديز الذي يعتقد أنه أصيب بنوع الإنفلونزا الجديد في 2 أبريل. ويتم إلقاء اللوم على مركز أمريكي لتربية الخنازير يقع بالقرب من منزل الطفل في لاغلوريا. فلطالما تذمر السكان من الرائحة والغبار المنبثقين من المصنع، الذي يعتبرونه مصدر العدوى التي أصيب بها الطفل. قد يكون صحيحاً أن هرنانديز تنشق فيروس أتش 1 أن 1 من أحد الخنازير، لكن نظراً إلى ظهور حالات أخرى قبل ذلك في شهر مارس، فإن التوقيت لا يتطابق مع هذا الاحتمال: إدغار هرنانديز ليس المريض الأول في وباء عام 2009. هذا الفيروس يتطور منذ وقت طويل، ولا شك في أن تحوله كان أسهل بسبب البيئة التي تربى فيها الخنازير في المزارع التجارية الكبيرة في أمريكا الشمالية. يقول بعض العلماء: إن الفيروس يحتوي على مكونات جينية تعود إلى مزرعة خنازير في إنديانا عام 1987. من هذه الناحية، الفيروس شبيه بإنفلونزا الطيور، أو فيروس أتش 5 أن 1، الذي ظهر لدى الطيور المائية البرية المهاجرة في جنوب الصين في أوائل تسعينات القرن الماضي وأصاب الناس في هونغ كونغ عام 1997. ومع تطور هذا الفيروس خلال السنوات ال 12 الماضية، استفاد من مزارع الدواجن الكبيرة ومراكز هجرة الطيور الأساسية للانتشار بسرعة واستيعاب مواد جينية جديدة في الوقت نفسه. عام 2005، مع انتشار فيروس أتش 5 أن 1 إلى سيبيريا وأوروبا، خصصت الأمم المتحدة وإدارة بوش الأموال والخبرات العلمية والبنية التحتية الضرورية لإيجاد الأوبئة واحتوائها، لا سيما من خلال ذبح الدجاجات المصابة. في إندونيسيا، حيث انتشر الفيروس إلى الخنازير والبشر، يبدو أنه يمكن لفيروس أتش 5 أن 1 أن ينتقل بين البشر في حالات نادرة. وإصابة البشر شديدة الخطورة: ف 82 بالمائة من الإندونيسيين المصابين توفوا بسبب فيروس الإنفلونزا هذا. نسبة الوفاة العالمية من الإصابة بفيروس أتش 5 أن 1 تبلغ 63 بالمائة لدى البشر، مما يجعله أحد الجراثيم الأكثر فتكاً في العالم. إليكم الوضع إذن. لدينا فيروس جديد في العالم يبدو أنه معد جداً بين البشر، وربما بين الخنازير والبشر. ولحسن الحظ أنه يمكن معالجته بالعقارين المضادين للفيروسات تاميفلو وريلينزا (أوزيلتاميفير وزاناميفير)، لكنه مقاوم للنوع الأساسي الآخر من العقاقير المضادة للإنفلونزا، أمانتادين. لا يزال يتطور وينتشر، ومساره النهائي غير واضح الآن. ما زلنا نجهل مدى فتك الفيروس: في حين أن المكسيك تمكنت من إحصاء عدد القتلى والمصابين بفيروس أتش 1 أن 1 الذين توجب إدخالهم إلى المستشفيات، لا يمكنها أن تحدد عدد المكسيكيين الذين أصيبوا بالفيروس منذ أن بدأ بالانتشار هناك في أواخر مارس. القول مثلاً.. إن 150 شخصا ًمن أصل 10 ملايين مصاب توفوا يؤدي إلى معدل وفيات مشابه لما نراه في حالات الإصابة بالإنفلونزا الموسمية العادية. (كل عام، تودي الإنفلونزا الموسمية بحياة 36000 شخص في الولايات المتحدة وحدها). لكن الوضع يختلف كليا إن كان عدد المصابين في المكسيك يبلغ 5000، مما يجعل معدل الوفيات 3 بالمائة، أي أسوأ بنسبة 1 بالمائة من معدل الوفيات من جراء وباء الإنفلونزا عام 1918. ومن الضروري معرفة عدد الإصابات. هناك فيروس بشري آخر من نوع أتش 1 أن 1 مشابه جداً لإنفلونزا الخنازير ينتشر في العالم. ومع أنه واسع الانتشار، فهو ليس فتاكاً بشكل غير اعتيادي. ففي العام الماضي، اكتسب هذا الفيروس مناعة ضد دواء تاميفلو. وسيكون من المقلق جداً أن يختلط الفيروس البشري أتش 1 أن 1
الذي انتشر عام 2008 بالفيروس البشري الخنزيري الجديد، مما قد يجعلنا نواجه وباء إنفلونزا أكثر مقاومة للعقاقير، ولا يمكن علاجه إلا بواسطة دواء ريلينزا الذي يتم استنشاقه بواسطة منشاق. وثمة وباء ثالث أقدم منتشر بين الدواجن، ويصيب البشر أحياناً، يتضمن فيروس أتش 5 أن 1. هذا الوباء منتشر منذ مدة طويلة بحيث إن الفيروس تطور بأشكال مختلفة، بما فيها أشكال مقاومة للعقاقير. في مصر، حيث من الشائع أن تربي العائلات الدواجن في باحات منازلها، تسبب فيروس أتش 5 أن 1 بعدد كبير من الإصابات البشرية، ويبدو أن انتشاره أصبح خارجاً عن السيطرة. منظمة الصحة العالمية قلقة بسبب أدلة تشير إلى أن فيروس أتش 5 أن 1 يصبح أقل فتكاً بالناس. هذا قد يعني أن فيروس إنفلونزا الطيور يتطور ليتخذ شكلاً أقل فتكاً وأكثر قدرة على الانتشار بين البشر. المفارقة الكبيرة هي أن الحكومة المصرية بدأت مطلع هذا الشهر بذبح الخنازير ال 300000 الموجودة في البلد كخطوة وقائية مزعومة للسيطرة على الإنفلونزا. قد لا يكون فيروس أتش 1 أن 1 الخنزيري موجوداً في مصر حتى الآن، لكن فيروس أتش 5 أن 1 منتشر فيها بالتأكيد، وقد أدى إلى إصابة 68 مصرياً ومقتل 23. ولم تقم مصر بذبح الدواجن على نطاق واسع لأن الدجاج من المقومات الغذائية الأساسية في البلد. أما لحم الخنزير فلا تأكله سوى الأقلية المسيحية هناك. وقد صرحت مجموعة إسلامية مصرية إن إنفلونزا الخنازير هي "انتقام الله من الكفار". وأعلن الإخوان المسلمون في مصر أخيراً أنه يجب إقفال وحدة الأبحاث الطبية البحرية التابعة للولايات المتحدة الموجودة في القاهرة، التي وفرت خدمات صحية للشرق الأوسط برمته منذ عقود، وأنه يتوجب على مصر أن تتوقف عن إرسال عينات من أنواع فيروس أتش 5 أن 1 التي تظهر في البلد إلى منظمة الصحة العالمية. المجموعة الإسلامية المصرية، التي تشغل مقاعد في البرلمان، تعبر عن مشاعر أبدتها للمرة الأولى وزيرة الصحة الإندونيسية سيتي سوباري، التي ترفض إعطاء منظمة الصحة العالمية عينات من فيروسات أتش 5 أن 1 منذ عام 2006. وتحاول سوباري أيضاً إخراج مختبر آخر لوحدة الأبحاث الطبية البحرية التابعة للولايات المتحدة من جاكارتا. في 28 أبريل، أعلنت سوباري أن إنفلونزا الخنازير الجديدة تمت هندستها جينياً وإطلاقها لتعزيز مبيعات شركات الأدوية الأمريكية عالمياً. بعد يومين، أنكرت سوباري إدلاءها بهذا التصريح، مع أنه يتلاءم مع ادعائها القديم بأن البلدان الغنية لاسيما الولايات المتحدة تستغل البلدان الأفقر لتعزيز أرباح شركات الأدوية. وخلال نقاشات حامية مع منظمة الصحة العالمية والحكومة الأمريكية، أصرت سوباري على وجود "سيادة فيروسية"، حيث إن البلدان تمتلك أي فيروسات قد تكتشفها داخل حدودها، ولديها الحق في رفض مشاركتها مع منظمة الصحة العالمية أو أي كيان أجنبي وقد تطالب بكل الأرباح المتأتية من اللقاحات وغيرها من المنتجات المصنوعة من هذه الفيروسات. استناداً إلى هذا المبدأ، ترفض إندونيسيا السماح لبقية العالم بدراسة 50 سلالة على الأقل من فيروس أتش 5 أن 1 يعتقد أنها نشأت في البلد منذ عام 2005. وإذا لم يحصل العلماء على هذه السلالات المختلفة من الفيروسات، لن يستطيعوا تحديد ما إذا كان فيروس أتش 5 أن 1 يتطور مكتسباً ميزات خطرة في إندونيسيا، أو إن كان معدل الوفيات العالي جداً بين المصابين هناك يعود إلى خصائص فيروسية فريدة. وبالتالي، فإن مبدأ السيادة الفيروسية يعرض المجتمع العالمي بأسره للخطر، فضلاً عن شعب سوباري. ففي 30 أبريل، أنكرت منظمة الصحة العالمية ادعاءً آخر قامت به سوباري: وهو أن الإندونيسيين يتمتعون بخصائص جينية أو بيئية خاصة تجعلهم بمنأى من الإصابة بإنفلونزا الخنازير الجديد. لحسن الحظ أن المكسيك أظهرت للعالم كيف يمكن لدولة مسؤولة أن تواجه وباءً محتملاً. فمن خلال التحرك بسرعة لإقفال المدارس وأمكنة الترفيه والتجمعات الاجتماعية، تواجه المكسيك التي يعاني اقتصادها أصلاً من أزمة حادة عواقب مالية وخيمة. لكن خطواتها الجذرية قد تنقذ أرواح المكسيكيين، وتبطئ انتشار وباء عام 2009. من هذه الناحية، يدين العالم للمكسيك بشكر كبير. على حكومات العالم أن تولي انتباهاً لردة فعل المكسيك، وأن تتعلم منها. وفي كل أنحاء آسيا، تعيد الحكومات استعمال أجهزة مراقبة الحرارة القديمة التي استعانت بها خلال انتشار وباء متلازمة ضيق التنفس الحاد (سارس)، من أجل فحص الناس بحثاً عن أدلة على إصابتهم بالحمى. هذا كان فعالاً ضد انتشار وباء سارس لأن فيروس سارس كان يعدي فقط عندما يكون الناس مصابين بالحمى. لكن هذا لا ينطبق على الإنفلونزا، التي يمكن أن تكون معدية جداً قبل أن يبدي المصاب أي أعراض، ناهيك عن إصابته بحمى. الأسوأ من ذلك أن بعض الحكومات تحظر استيراد منتجات الخنازير من القارة الأمريكية، وكأنه يمكن الإصابة بالإنفلونزا من خلال تناول النقانق المطهوة. وهذا غير صحيح. لاتخاذ إجراءات أذكى فيما يتعلق بالخنازير، ينبغي النظر إلى البيئة الغريبة التي خلقناها لتوفير اللحوم للأعداد الهائلة من البشر. إنه عالم غريب حيث يتم وضع مليارات الحيوانات في أمكنة ضيقة، ويتم نقل المواشي بهدف التناسل إلى مزارع في كل أنحاء العالم وتعريض العمال المهاجرين الذين يتقاضون أجوراً زهيدة لعدوى الحيوانات المصابة. وسوف يزداد الأمر سوءاً، عندما ترتقي الشعوب التي كانت فقيرة في الهند والصين إلى الطبقة الوسطى. عام 1980، كان استهلاك اللحوم للفرد الواحد في الصين يبلغ نحو 44 رطلاً في السنة، اليوم، أصبح يتجاوز ال 110 أرطال. وعام 1983، كان العالم يستهلك 152 مليون طن من اللحوم سنوياً. وبحلول عام 1997، ارتفع الاستهلاك إلى 233 مليون طن. وتقدر منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة أنه بحلول عام 2020، قد يفوق الاستهلاك العالمي من لحوم الخنزير والدجاج والأبقار والأسماك التي تربى في مزارع ال 386 مليون طن. هذه بيئة تولّد الإنفلونزا في قطاعي تربية الخنازير والدجاج. إنها بيئة تشجع تطور الفيروسات. وإذا لم نتخذ خطوات لمعالجة ذلك، فإن هذه البيئة ستؤدي يوماً ما إلى وباء خطر أسوأ بكثير من وباء عام 1918. غاريت من كبار الأعضاء المختصين بالصحة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية، وكاتبة حاصلة على جائزة بوليتزر. وهي مؤلفة The Coming Plague: Newly Emerging Diseases in a World Out of Balance (الوباء القادم: أمراض جديدة في عالم مختل التوازن) وBetrayal of Trust: The Collapse of Global Public Health (فقدان الثقة: انهيار نظام الصحة العامة العالمي).

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.