ما أحوجنا في هذا الوطن الأم لمسك عصا التعامل من المنتصف حتى إذا ما ضربنا به العاصي لنحذره عن معصيته فقط فإننا حينها نكون قد أوصلنا له قوة الرسالة التأديبية والتعليمية بعدم التكرار والتمادي، وفي نفس الوقت لا نسبب له كسوراً أو رضوضاً أو أية مضاعفات صحية، كون مسك العصا من المنتصف عند الضرب لا يكون أكثر من تهديد وتأديب فقط أو كما يضرب الأب طفله الصغير بالقلم الرصاص. لهذا لو كنا جميعاً نتحاور فيما بيننا مواطن ومسئول أو مواطن ومواطن آخر أو جندي ومواطن أو حتى مدرس وطالب وإن كان الأخيران قد فقدا التعامل التعليمي فيما بينهما ولم يبق أكثر من تعليم واحد + واحد يساوي اثنان، وبشرط أن لا تكون هذه المسألة واجباً منزلياً يحضره الطالب باليوم التالي جاهزاً بعد أن تمادى التلميذ على مدرسه وجهز له «عصابة» مسلحة برئاسة ولي أمره لسبب أن المدرس عاتب التلميذ على عدم تجهيز واجبه المنزلي. وكل هذا ربما يعود لضعف الثقافة الدينية الإسلامية كوننا نجد في هذه الأيام أن الأكثر فوضوية وتحرشاً واعتباطاً هم البعض من شريحة الشباب المتعلم والمثقف!!. وكم يحز في النفس ونحن نتابع ما يحدث في الشارع العام من مشادات وشجار وتطاول، وكل ذلك يبدأ من مستصغر الشرر الذي لا يحتاج من الأول أكثر من كلمة «عفواً» يقولها للآخر في حالة الاختلاف عن شيء وبابتسامة المذنب ليتقبلها الآخر في نفس الوقت بصدر رحب وعاطفة العافي عن الذنب لنخلق لأنفسنا روح التسامح، لهذا نقول إن جندي المرور ربما يكون هو الأكثر تعاملاً في وظيفته مع المواطن الذي يتمثل بالسائق. لأن جندي المرور قد يتعامل بالدقيقة الواحدة فقط مع أكثر من سائق ما بين مثقف وأمي ومتوسط، وكل شريحة من هذه الفصائل بنفس الوقت تنقسم إلى عدة طبائع، فالمثقف هنا يكون من الناحية الدراسية والعلمية لكنه بعد ذلك قد يظهر أمام رجل المرور بتصرفاته أصغر من الأمي، بل عقل البعض منهم قد ينزل إلى مستوى عقل الطفل، بينما قد يقف السائق الأمي دراسياً أمام إشارة رجل المرور كقطعة جماد، محترماً النظام والقانون لا يحرك مقود سيارته إلا بالاتجاه الذي يسمح به النظام ليبقى هذا السائق بنظر رجل المرور أكبر من حامل شهادة الدكتوراه كونه يسهل له مهمته وعمله ولا يشكل له عائقاً أو يصنع أمامه وأمام بقية السائقين إرباكاً وفوضى مرورية قد تغلق حركة السير في مكان ما. وسوف أورد هنا حكاية حقيقية وقعت أمام عيني وبالتحديد بالتقاطع الذي أمام باب موسى بين شارع 26 سبتمبر والعواضي ، حيث كان سائق حافلة ماراً من شارع العواضي وحافلته ممتلئة بالركاب وفي نقطة تقاطع وبساعة الذروة الحركية صباحاً، وفوق هذا بدأ يمشي بحركة بطيئة جداً ومنادياً بكلمات غزلية محرجة لفتاة كانت تقف على حافة الرصيف منتظرة السيارة التي تقلها إلى عملها وبأصوات متكررة دون خجل ممن هم راكبون معه ومن هم على حافة الرصيف وبطريقة أجبرت الفتاة على ترك موقف انتظارها بعد أن رأت أن المشهد الاستفزازي لها من قبل السائق قد تطور بينه وبين رجل المرور الذي حاول أن ينصحه بالقول: «تحرك من الخط قبل أن أحرر لك مخالفة» إلا أن السائق كان تصرفه وحركاته توحي وكأنه أكبر من النصيحة بعد أن حاول إيقاف الحافلة ومن فيها من الركاب لينزل مشمراً ساعديه ووجه تتطاير منه شرارة الغضب، متهجماً، فيما رجل المرور لم يكن منه سوى محاولة تحرير مخالفة، وفي مشهد يحز بالنفس كيف يصل الحال أن يصير رجل المرور في بعض الأوقات عرضة للتهجم ممن يقدم لهم خدمته على مدار الساعة!!.. هنا نتساءل: أين هي الضوابط التي تضمن لرجل المرور هيبته وحريته العملية حتى لا يعود بعد ذلك التعمد لغض الطرف عن سائق يكون معروفاً بسوابقه لكي يضمن الجندي لنفسه سلامتها؟!.