تعمر المائدة اليمنية هذه الأيام بالكثير من أصناف الأطعمة وكذا المشروبات الرمضانية التي تسجل حضورا كبيرا ضمن أجواء خاصة ترتبط بهذا الشهر الفضيل، وتميزه عن غيره، لتعود بعدها وتغيب عن المائدة بقية أيام السنة ، ومن ضمنها مشروبات تكاد توصف بالمعتقة كالدبا وعصير الزبيب والشعير والقديد والكركديه وغيرها.بعيدا عن مصطلحات الاقتصاد والتأرجح بين مفرداتها، نعرض هذه المرة سطورا تحوي قصصا لأناس بسطاء لم ينتزع الفقر منهم قناعتهم بالبقاء والتأقلم في حدود الموجود بقدر ما منحتهم تحولات الوقت مقارنات وتساؤلات غير منتهية . هوس المعلبات تعد الكثير من المعلبات مصدرا رئيسا لصنع أنواع متعددة من المشروبات الرمضانية، إضافة الى ما تثيره ألوانها الزاهية وتشكيلاتها ورسوماتها المغرية من فضول وانتباه الكثير من المستهلكين وتدفعهم نحو اقتنائها وان بدت بعضها بحلتها القديمة فان المستهلك لا يستطيع تجاهلها ومقاومة عدم شرائها . وقد احتلت هذه المعلبات الرمضانية بكل أنواعها الحلو والمالح والمشكل والمخلل، وبتنوع منشئها ومصدر إنتاجها ومواصفات مكوناتها – احتلت المرتبة الأولى من اهتمام المرتادين لمحلات المواد الغذائية وعدد من السوبر ماركت لتسجل نسبة كبيرة في الإقبال على شرائها مقارنة بمواد غذائية أخرى . “ نواف الشيخ “ الذي يحمل عربته في إحدى مراكز الشراء كومة من المعلبات التي لا يمكن حصر أنواعها قال : ان شراءه لهذه المعلبات خاصة في رمضان روتين من الصعب تجاهله أو الهروب منه لأنه يرى ان هذه العلب هي التي تنوع وتزين المائدة الرمضانية وتشبع رغبة ونهم الجوع لديه وكذا أطفاله، وحتمية وجودها في المائدة يحكمه رغبة الأسرة فيها . ويعاني نبيه حزام - نفس المشكلة ويرى ان المعلبات في رمضان بالذات كابوس يظل جاثماً على شهيته خلال هذا الشهر الكريم، مما يجعله يقبل على شراء أصناف من الأطعمة المحلية والسبب هو أبناؤه الخمسة الذين تتضاعف رغباتهم في تناول هذه المعلبات التي قد تعجز زوجته عن تحضيرها في مطبخها ، فيما يعجز ابنه الكبير عن إقناع باقي أفراد الأسرة بأضرارها وضرورة اتباع نظام غذائي منوع وبسيط خاصة في رمضان . لكن الوضع يختلف تماما بالنسبة لأم عبد الرحمن “ربة بيت” ومسئولة عن ثمانية أطفال يقنعون بالموجود ان وجد.. قائلة :” ان متطلبات أسرتها في رمضان بسيطة كما هي حياتهم ولا مجال لفرض رغبات لأطباق أو أصناف بعينها لأن الوضع المادي لا يحتمل أية شروط .. وتوضح ام عبدالرحمن بقولها :” ان المعلبات قليلا ما تتواجد في مائدتها لأسباب مادية بشكل أساسي، وعلى الرغم من محدودية معرفتها بالنظام الغذائي الصحي إلا ان قناعتها بأن هذه المعلبات لا تضاهي الأكل الطبيعي . عروض غير منصفة ورغم عروض السعر الخاصة بتخفيضات لكثير من المواد الغذائية من قبل كثير من المعارض والمجمعات التجارية في أمانة العاصمة وخصوصا ما يتعلق منها بمتطلبات رمضان وبروز أصوات تهتف من مكان الى آخر معلنة عن كسر للاحتكار وتحطيم للأسعار.. إلا ان ارتفاع الأسعار مقابل حاجيات رمضان مازال هاجسا يؤرق الكثيرين. هاني راجح صاحب محل صغير في احد حارات أمانة العاصمة، يقف حائرا أمام تجمع اقرب للتجمهر لعدد من الناس يصنفون في خانة “ أرباب أسر “ وهم يتبادلون الآراء المنددة والمستنكرة بالإصلاحات السعرية وأثرها على الموائد الرمضانية ويتهمونه بالمغالاة . حيث عجز هاني عن تلبية متطلبات زبائنه بسبب الفوضى الذي سببها ذلك الجمع الغفير من الناس محاولا التوضيح لهم ان لا علاقة له ولمحله بهذه الارتفاعات السعرية التي طالت أسعار بعض السلع.. مقترح تأجيل الاعتراض وطرح الآراء إلى ما بعد الفطور . بركة رمضان الرضا بالموجود ما زال حاضرا وبنسبة كبيرة، وإن كان لا يصل إلى حد القناعة أحيانا لدى البعض، حيث انه وبالنسبة للمعلبات الغذائية فإن الطلب عليها في رمضان يعد روتينا يتجدد في هذا الشهر من كل عام، وتليها بعض من أنواع الخضار والفاكهة أيضا، وبين هذا وذاك تأتي بركة رمضان . “ احمد زايد “ شاب في منتصف العقد الثاني من عمره أوكله والده مهمة الصرف في رمضان لأسرة مكونة من سبعة أفراد، وهو ما جعله يحتار في كيفية تلبية متطلباتهم الغذائية المتنوعة بين الحلو والمالح، مستندا إلى الموازنة المادية التي اقرها وصرفها له والده لهذا الغرض . يقول احمد ان ما تشهده الأسعار وخصوصا في رمضان من زيادة ملحوظة سببت له مخاوف كثيرة، من عدم تمكنه من توفير الكثير من متطلبات أسرته الرمضانية .. لافتا الى انه قد تولدت لديه قدرة اقتصادية أو شرائية تجعله معتادا علي ذلك، رغم طلبات اسرته المفرطة في التنوع بالغذاء خاصة في رمضان، فانه يحاول الغاء عدد من المعلبات والأكلات التي تكلف ثمنها الكثير ولكن تبقى بركة رمضان موجودة . أما عبد الوهاب المهدي فإن الهم الأكبر لديه هو أكياس الطحين من القمح التي يلتهمها أفراد أسرته المكونة من عشرة افراد ولا يتجاوز إنهاء هذه الأكياس الثلاثة أسابيع من كل شهر ليستسلم فيما تبقى من الشهر لأقراص المخبز وأصابع (الروتي) التي بدأت أحجامه تتلاشى يوما بعد آخر وعزاؤه الوحيد وخصوصا في مثل هذا الشهر انه شهر البركة . وقريبا من عبدالوهاب يأتي صلاح دحان الذي عاد بذاكرته إلى ما قبل ثلاثين عاما استرجع خلالها قصته مع صاحب المحل الذي يستلف منه المتطلبات البسيطة التي كان يقتنع بها الناس سواء كان شهر رمضان او غيره مقارنة بالحاجيات اللا محدودة في الوقت الحالي والتي لم تقنع أصحابها سواء كانت متطلبات الأسرة قليلة أو مضاعفة، الا انه يؤكد أن بركة رمضان موجودة .