شظف العيش وغلاء المعيشة جبل الناس ومنهم شريحة الأطفال على السفر والغربة في مختلف المناطق النائية والجافة للحصول على لقمة الحياة، لكن البعض منهم تغرّه الأهواء الشيطانية، فينجر إلى هاوية هلاكية سحيقة لا يأوب بعدها أبداً، وتلك غلطته لا غلطة الظروف القاهرة.. ومعاً أعزائي القراء الكرام نعيش تفاصيل هذه الجريمة الحزينة والمأساوية لإنسان قتل غريباً، وياليت شعري هل أموت غريباً؟!. محمد وهذا اسمه الصحيح، الأكبر بين اخوانه الخمسة، عرف المعول الثقيل قبل معرفته بنفسه، وأبوه شخص فقير مثل أبناء قريته الذين يعملون شقاة في حقول الفلاحين الموسرين في أعماق الوادي الخصب الذي يعتليه جبلهم الشاهق، ويتضاعف عناؤهم بمقدار ارتفاع الجبل الذي يصل طوله إلى قرابة ثلاثة آلاف متر فوق سطح البحر، فلا طرقات ولا مياه ولا كهرباء، وحياتهم تشبه إنسان الكهوف القديمة خصوصاً خلال أيام الشتاء الذي يجعل الظمأ على أشدّه.. وضاق محمد ذرعاً بتضاريس منطقته، ومعيشتها القاحلة، كما ضاق بمعوله الذي قوس جسده اليافع، وشيّب ملامحه الطفولية، فقرر السفر إلى إحدى المناطق الصحراوية النائية بعد استئذان والديه اللذين اطمأنا لمرافقه الذي أقسم بصدق أنه سيتدبر له عملاً مريحاً كونه قد خبر ذلك المكان القصي.. ولم يخلف ذلك الشاب وعده، حيث ألحق محمداً بالعمل في مزرعة برتقال بعد وصولهم ببضعة أيام، واستقر محمد على عمله الجديد ذي الراتب الجيد، ولم يكن عمله يتجاوز ري أشجار البرتقال وحراستها وجني محصولها، وأفرد له ناصر "صاحب المزرعة" مسكناً إلى جوار منزله، وأضحى يأمن محمداً في بعض الأشياء، مجرباً إياه في بعض المواقف التي كسب فيها محمد ثقته الزائدة. ومرت الأشهر ومحمد يرسل معاشاً تباعاً لأسرته، ويطمئنهم على صحته وراحته مع رب عمله ناصر، ثم واصل إتقان عمله متفانياً في كل صغيرة وكبيرة توكل إليه، لكن الشيطان بدأ يتسلل إليه، والشيطان كما يقال امرأة، وهي ابنة ناصر التي بدأت تلفت انتباهه بحركاتها الرشيقة، واستعراض أنوثتها المفرطة. واستجاب طيش محمد ذي الاثنين والعشرين عاماً، فبادلها الابتسامات والكلام خلسةً من أهلها، ولما كان كبتها في جوف البيت أكثر قوة، فقد كان حبها أكثر عنفاً، ونشأ الحب الخفي بين الطرفين، فصارح كل واحدٍ منهما الآخر، وتعددت اللقاءات في لحظة غياب ناصر، كما تعددت أعذارها لوالدتها ذات المشاعر البريئة، ولم تصطبر على هذا الحصار فاقترحت على عشيقها محمد الفرار، فتردد ملياً ثم استشار أبناء قريته الذين يعملون معه بعد أن شرح لهم الموضوع كاملاً، وأقنعوه بالاستجابة شريطة أن تسرق كل ذهب ومجوهرات والدتها. وأخبرها بقراره، فوافقت على الفور، واتفقا على الهروب في اللحظة التي قرر فيها ناصر السفر لغرضٍ ما إلى محافظة مجاورة، ولما تأكدا من رحيله أخذا الذهب والمجوهرات وانطلق محمد بمعيتها قبل غروب الشمس، وبينما كانا يحثان الخطى بفزع إذ تلقاهما ناصر بسيارته مصادفة بعد أن أوكل لأحد أصدقائه تنفيذ عمله، وكانت المفاجأة للجميع، فالتجأ ناصر إلى المكر والحيلة وبلا ضجيج أقنع محمداً بأنه سيزوجه بابنته،، وبدلاً من الفرار سيعقد به عليها على سنّة الله ورسوله. وصدق الساذج حديثه، فامتطى الجميع السيارة باتجاه المنزل الذي ما ان وصلوا إليه، حتى دفع ناصر ابنته بعنف وجنون إلى جوف البيت، ثم استل بندقيته وأخرج محمداً من سيارته فانطرح من شدة الدفعة أرضاً، وأفرغ ناصر الرصاصات على جسده وهو يردد: أنا بوجهك، أنا وصلتك، حتى فارق الحياة وذهب ناصر لإبلاغ الشرطة!!.