الأحزاب ترحب بالبيان السعودي وتعتبر انسحاب الانتقالي جوهر المعالجة المطلوبة    صنعاء.. تشييع جثمان الشهيد يحيى صوفان في مديرية الطيال    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    صنعاء تحتفل بتوطين زراعة القوقعة لأول مرة في اليمن    3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بالفيديو .. وزارة الداخلية تعلن دعمها الكامل لتحركات المجلس الانتقالي وتطالب الرئيس الزبيدي بإعلان دولة الجنوب العربي    الإعلامية مايا العبسي تعلن اعتزال تقديم برنامج "طائر السعيدة"    الصحفي والمناضل السياسي الراحل عبدالرحمن سيف إسماعيل    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    باكستان تبرم صفقة أسلحة ب 4.6 مليار دولار مع قوات حفتر في ليبيا    الرياض: تحركات مليشيا الانتقالي تصعيد غير مبرر وتمت دون التنسيق معنا    ويتكوف يكشف موعد بدء المرحلة الثانية وحماس تحذر من خروقات إسرائيل    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    شرعية "الروم سيرفس": بيع الوطن بنظام التعهيد    ذا كريدل": اليمن ساحة "حرب باردة" بين الرياض وأبو ظبي    بيان بن دغر وأحزابه يلوّح بالتصعيد ضد الجنوب ويستحضر تاريخ السحل والقتل    الجنوب العربي: دولة تتشكل من رحم الواقع    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    حضرموت.. قتلى وجرحى جراء اشتباكات بين قوات عسكرية ومسلحين    سلامة قلبك يا حاشد    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    ذمار.. مقتل مواطن برصاص راجع إثر اشتباك عائلي مع نجله    النائب العام يأمر بالتحقيق في اكتشاف محطات تكرير مخالفة بالخشعة    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    شباب عبس يتجاوز حسيني لحج في تجمع الحديدة وشباب البيضاء يتجاوز وحدة حضرموت في تجمع لودر    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    الدولار يتجه نحو أسوأ أداء سنوي له منذ أكثر من 20 عاما    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    لملس يتفقد سير أعمال تأهيل مكتب التعليم الفني بالعاصمة عدن    الرئيس الزُبيدي: نثمن دور الإمارات التنموي والإنساني    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    اختتام دورة تدريبية لفرسان التنمية في مديريتي الملاجم وردمان في محافظة البيضاء    إغلاق مطار سقطرى وإلغاء رحلة قادمة من أبوظبي    وفاة رئيس الأركان الليبي ومرافقيه في تحطم طائرة في أنقرة    البنك المركزي يوقف تراخيص فروع شركات صرافة بعدن ومأرب    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلم لم يتحقق بعد
طريق التنمية إلى قبلية ريمة ..
نشر في الجمهورية يوم 02 - 09 - 2009

يجتمع فيها النقيض .. جمال آسر لطبيعة لا تزال في عزلة عن أي تطور ما جعل مديريات ريمة المحافظة الناشئة خارج نطاق التغطية ومحميات دون استصدار قرارات بذلك.
بين المعقول واللا معقول والحقيقة والخيال ارتسمت ملامح الواقع الجلي فقط في ريمة المحافظة الخضراء الناشئة ومديرياتها الست التي مازالت إلى اليوم خارج نطاق التغطية ولا تملك أي صداقات جديدة سوى علاقة حميمة وحيدة مع العزلة وانسجام غريب مع الظلام والبن وأنين وصراخ سيارات الشاص المتهاوية أمام جبروت جبالها الشاهقة .وبدأت الحكاية التي قد لا يصدقها البعض مع ريمة منذ الخروج من صنعاء العاصمة في رحلة خطوبة إلى محافظة ريمة التي اشتهرت بجمال الطبيعة البكر وجمال المرأة الريمية مرورا بخط صنعاء الحديدة أو بالمعنى الأصح طريق الحفر من صنعاء إلى الحديدة وليس طريق البخور كما قد يظن البعض وإنما الخط الإسفلتي الذي أنشئ قبل ثورة ال26 من سبتمبر 62م ليربط العاصمة صنعاء بالحديدة ولم يحض بأي صيانة أو اهتمام أو لفتة من أي وزير للأشغال ليكون اليوم أفضل مصدر للحوادث على الإطلاق على مستوى الوطن كما يتحدث الطريق عن نفسه . المهم ليس موضوعنا ما يعانيه خط الحديدة من اهتراء لطبقة الإسفلت وحفر بعدد نجوم السماء فالحكاية الاستطلاعية تخص محافظة ريمه وإحدى مديرياتها وهي مديرية الجبين وبعض المديريات التي زرناها رأينا فيها العجب وبعد قرابة أربع ساعات ونصف وصلت بنا الرحلة إلي محافظة الحديدة الدافئة بأحضانها وقطعنا قرابة ساعة وربع للوصول إلى محافظة ريمة ذات المديريات الست وهو ما استغرقه الوصول إليها وبعد قطع 85 كم من الحسينية إلى مديرية الجبين مركز محافظة ريمة وسط مئات الهكتارات الزراعية والمناظر الطبيعية لنحط الرحال في منطقة الرباط بعد المنصورية وهي منطقة تنام تحت سلسلة جبلية وتعتبر طريق مرور إلى مديرية الجبين وتتمتع بنوع من التمدن بعد وصول الطريق إليها و الذي على أثرها انتشرت بعض المحال التجارية وبعض ورش إصلاح السيارات وهذه الأخيرة أكثر حركة ونشاطاً من غيرها من المحلات لأسباب فهمناها لاحقا
الصعود إلى الجبال
ومن الرباط صعدت بنا السيارة عبر طريق جبلية إلى منطقة يطلق عليها السكان الحود بضم الحاء والواو وأطلق عليها هذا الاسم نظرا لوجود عدد من الجروف الداخلة في الجبال ومن هنا كان الطريق الفرعي إلى مديرية الجبين وعزل القبلية وعدن ويسمى طريق القبلية عدن(بضم العين وتشديد الدال) ومن هنا بدأت حكاية من الطريق الفرعي والذي يبلغ طوله 12 كيلو متراً وسط سلسلة جبلية تربط عزل القبلية وعدن ومديرية بلاد الطعام ومزهر والسلفية وعدد من القرى المتناثرة وهذا الطريق الترابي والصخري في نفس الوقت هو الوحيد في هذه السلسلة الجبلية ويعتبر من الطرق النادرة على مستوى العالم لأنه لا تستطيع المرور فيه إلا ثلاث سيارات لاندكروزر (شاص) مملوكة لعدد من سكان هذه القرى ممن يعشقون المغامرة ويدفعون ثمنها كل يوم لأنهم مضطرون للتضحية حتى يعيشوا ويجلبوا مستلزمات أصحاب القرى ومستلزماتهم الضرورية من المدينة ولسوء الحظ لم نعرف هذه المعلومات إلا بعد أن بدأنا السير في هذا الطريق بسيارة فيتارا صغيرة لندخل موسوعة غينتس للأرقام القياسية كأول سيارة من هذا النوع تدخل هذا الطريق ولم نتخط الخمسمائة متر حتى وقعنا في الفخ وانهارت مرتزيات السيارة لتجثم في وسط وادي عدن معلنة استسلامها أمام وعورة هذه الطريق وانهيار معنوياتها ومعنويات فريق الخطاب المحشورين بداخلها مع العريس وفي تلك اللحظة تجمع حول السيارة عدد من سكان قرية عدن ورأينا الذهول في أعينهم والاستغراب من وصول سيارة صغيرة إلى هذه المنطقة التي لا تتجرى دخولها سيارات الهيلوكس الدبل كما يقولون فكان صراخ الناس في هذه المنطقة واستنكارهم من المجازفة التي خضناها أكثر من اقتراحاتهم لحل هذه المشكلة التي وقعنا فيها فالبعض اقترح علينا الإرسال في طلب قطع غيار ومرتزيات للسيارة من الحديدة
لتركيبها بعد يومين لأن القطع تحتاج إلى هذه المدة لتصل إلى قرية عدن لعدم وجود فرزة للنقل إلى المنطقة فقال احد الحضور حتى لو تم إحضار قطع الغيار وتركيبها لن تستطيع السيارة مواصلة طريقها إلى عزلة القبلية وكذلك لن تستطيع العودة من نفس الطريق الذي جاءت منه وسيتحطم ما تبقى منها مع القطع الجديدة وبهذا انهار ما تبقى لدينا من أمل ومعنويات لاسيما عندما اقترح علينا الأخ محمد العنقزي وهو من سكان المنطقة أن الحل الوحيد يكمن في أن نجلب (دينا دبل) أو ما يسمونه( القلاب) الكبير ليقوم بحمل السيارة على سطحه ويعود إلى نقطة البداية مقابل عشرين ألف ريال أو أكثر عندها رد احد أعيان المنطقة وقال لم يسبق أن استطاع قلاب أو دينا دخول الوادي من قبل وحتى هذه الدينا أو القلاب لن تستطيع دخول طريق القبلية عدن فكانت حكايتنا في الوادي تشبه إلى حد كبير قصة الملك اوديب لتوفيق الحكيم (مأساة بلا حل) هنا فقط أحسسنا أننا بحاجة إلى الله سبحانه وتعالى والى معجزة منه للخروج من طريق شيطانية تلتهم أي غريب يحاول ويتجرأ ويسير عليها وبالنسبة للعبد لله استحضرت كل الأدعية والآيات القرآنية التي احفظها لعل الله يرأف بحالنا ويرحمنا مادامت وزارتي التخطيط والاشغال لم ترحم وترأف بسكان هذه القرى منذ ولم تتكرم حتى بعمل مناقصة لشق هذا الطريق الذي شقته أيادي المواطنين من سكان هذه المناطق ولا حتى مناقصة لصيانته وترميمه . المهم كان الحل الوحيد أمامنا أن نترك السيارة في وادي عدن بمحافظة ريمة و نبحث عن حمير أو أي وسيلة نقل لتنقلنا إلى عزلة القبلية وبحمد الله قام احد السكان بالاتصال بأحد مالكي الثلاث السيارات الكبيرة والوحيدة في المديرية ليقلنا إلى قرية القبلية وتركنا السيارة المحطمة جاثمة في الوادي بعد أن تلقينا وعوداً من السكان بأن ينتبهوا لها وتركتها وتوجهنا إلي مبتغانا وبعد قرابة الساعتين والنصف من العذاب النفسي وسط المنحدرات والصخور ومجاري السيول وصلنا بحمد الله إلى قرية القبلية ولعل الغريب أن المسافة من بداية الطريق في منطقة الحود إلى القبلية لا تزيد عن ال12 كيلو متراً إلا أن الوقت المطلوب لقطعها يصل إلى الساعتين والنصف وأكثر ولكم أن تتخيلوا هذه المأساة التي لا تختلف عن مأساة الأمريكيين في حرب فتنام وما لاقوه من عذاب نفسي وجسدي طويل الأمد . الشيء الجميل والوحيد الذي أثلج صدورنا هو مناظر المدرجات الزراعية التي امتلأت بأشجار البن اليمني الفاخر والتي كانت تتراقص مع أشعة الشمس كأنها حبات فيروز ولؤلؤ تملأ جبال ريمة والأجمل من هذه أن شجرة القات لم تتمكن من إقناع المزارعين بزراعتها إلا في أضيق الحدود التي لا تكاد ترى فالخضرة وجمال الطبيعة البكر هي المسيطرة رغم قلة الأمطار هناك لدرجة أنها لم تحض حتى بزيارة واحدة من أي وفد من السياح الأجانب أو العرب للاستمتاع بهذه المقومات السياحية على الإطلاق حسب إفادة سكان القرى لأن الطريق مازالت إلى اليوم الحلم الذي لم يتحقق رغم الوعود الكثيرة التي تزداد وقت الانتخابات وتتبخر بعدها لهذا مازالت معظم مديريات محافظة ريمه تمثل محميات طبيعية بدون أي قرارات قد تصدرها وزارة المياه والبيئة والهيئة العامة للحفاظ على البيئة ولعل هذا فيض من غيض إذا ما تحدثنا عن مرحلة ما بعد وصولنا إلى قرية القبلية وما جاورها من مديريات
فقد حططنا رحالنا في القبلية وهي قرية متناثرة المنازل على قمم الجبال الشاهقة المناطحة للسحاب والسراب في نفس الوقت كان وصولنا في ساعة متأخرة من الليل رغم خروجنا من صنعاء في الساعة السادسة صباحا وفي هذه الساعة بالفعل كان منظر المنازل التي ينبعث منها ضوء خافت أشبه بالنجوم المعلقة في السماء واستقبلنا العم يوسف واخوانه وأسرته استقبال الفاتحين وبعد السلام والقبل اصطحبونا إلى منزل العم يوسف في الجاثم على تلة فصعدنا بصحبة الفوانيس إلى المحطة الأخيرة من الرحلة بشق الأنفس وبحمد الله دخلنا المنزل المضاء بفانوس كبير من تلك الفوانيس الكبيرة التي أطلق عليها إشاعة قبل فترة وقيل أنها تحوي معادن نادرة وارتفع سعرها إلى قرابة الخمسة أو العشرة آلاف دولار وأصيب الناس بالهوس في البحث عنها لشرائها والفوز بالغنيمة قبل أن يكتشفوا أنها مجرد إشاعة فارغة وكذبة ابريل التي استمرت بقية أيام السنة. في تلك اللحظة صحت في الحضور بدون شعور وقلت يا لله حتى ريمة لم تسلم من انقطاع الكهرباء لنخرج من صنعاء والكهرباء مقطوعة ونصل إلى القبلية وما جاورها من قرى في ريمه وهي مقطوعة كذلك كانت الصدمة عندما ضحك العم يوسف وولده (محمد) وقالوا ليتها كانت منقطعة فحسب فلا توجد كهرباء أساسا في القبلية وكل القرى المجاورة لها إلى اليوم في تلك اللحظة فقط ضحكت كثيرا وأنا أرى العريس يلوح بدق رأسه في الجدار من الغيظ لحظتها عاتبنا العم يوسف وقلنا له كيف تسمح لولدك محمد أن يصطحبنا من صنعاء إلى هذه المنطقة وهو يعرف بأننا سنعاني الويل من وضع الطريق المزري ولم نر من العم يوسف سوى ابتسامة خجل مما أصابنا من معاناة أثناء الرحلة إلى منزله طبعا حالة الإنهاك التي أصابتنا وخفوت الضوء جعلنا لا نفكر سوى بالنوم لكن كنا نحتاج إلى هاتف للاتصال بالزوجة والأولاد في صنعاء حتى يطمئنوا لوصولنا إلى القبلية والصفعة أو المفاجأة الثالثة التي تلقيناها هي معرفتنا انه لا توجد اتصالات ثابتة في كل القرية والقرى المجاورة وانتهت بطاريات التلفونات السيارة التي نحملها جميعا ولا أمل في شحن البطاريات لأن الكهرباء لم تتعرف على هذه المناطق إلى الآن مما جعل النوم يلفنا بموجة من القلق ونحن نشعر أننا منقطعون عن العالم ونعيش في عزلة رهيبة تعود عليها أكثر من عشرة آلاف نسمة من سكان مديرية الجبين وقراها بمحافظة ريمة وبعد أن غصنا في نوم متقطع ممزوج بالقلق والإحباط والقمل تحت البطانيات والخوف على سيارتنا الملقية في وادي عدن باغتنا الصباح الجميل الممزوج بصفرة وبخضرة الطبيعة وتغريد البلابل في ريمه بمفاجآت أخرى ليست اقل مأساوية من المفاجآت السابقة وأول هذه المفاجآت هي عدم وجود مياه نقية في القبلية والقرى المجاورة لها ولا أي مشروع لشبكة المياه وكافة السكان في القرية البالغ عددهم قرابة ال2500 نسمة وباقي ال8500 نسمة الموزعين على القرى المجاورة كلهم يعتمدون في الشرب على مياه الأمطار فقط وبرك السيول والمصبية أننا منذ وصولنا في المساء ونحن نشرب مياهاً راكدة من مخلفات الأمطار في منزل العم يوسف ونحن لا نعلم هذا الأمر
ولم يكشف لنا هذا السر في حينه حتى لا نفضل الموت من العطش على أن نشرب مياهاً راكدة كالتي تعود عليها الناس في مديريات ريمة والمؤسف كذلك والمؤلم في نفس الوقت أننا عرفنا انه لا توجد حمامات في منزل العم يوسف وجميع جيرانه والجميع يقضي حاجته بين الأشجار وبين الصخور كما كان يفعل أبونا آدم عليه السلام وقابيل وهابيل قبل كذا مليون عام قبل الميلاد وبعد أن رفضت استخدام الحمام الطبيعي بين الأشجار والصخور كما فعل العريس ومرافقوه والسائق اسعد كان الحل الوحيد الذي توصلنا إليه بعد المفاوضات هو دخول مكان مغلق أشبه ببيت الثعابين والعقارب وبعد تشجيع من الجميع تجرأت على دخول هذا المكان واقسم إني لم اتجرأ على خلع البنطلون في هذا المكان خوفا من ثعبان قد يباغتني أو عقرب يسبب لي حالة صرع وأنا في هذا المكان وتكون نهايتي في قرية القبلية ولم اقتنع باستخدام الحمام الطبيعي بين الأشجار والصخور إلا في اليوم الثالث من وصولنا إلى هذه العزلة بعد أن كدت ابكي من آلام المعدة وما حولها فكانت الأشجار والصخور هي الملاذ الأخير رغم الخوف والقلق ومن هنا فقط شعرت بالنعمة التي نعيشها في المدينة وحالة البؤس التي يعيشها الناس في معظم مديريات ريمه المحافظة الناشئة هنا فقط شعرت بضرورة نقل الصورة الواقعية التي يعيشها الناس قي مديرية الجبين وعزل القبلية وعدن وغيرها من القرى المجاورة لهذا حاولت اللقاء بعدد من أبناء هذه المناطق والقرى لتوضيح ونقل الصورة الحقيقية لأوضاع الناس بكل مصداقية دون المبالغة أو التهويل وكان عقد القران الذي تم في منزل العم يوسف المعروف بالنظام والحزم والذي عمل لأكثر من 45 عاما جنديا في صفوف القوات المسلحة وأحيل إلى التقاعد قبل أشهر مناسبة مواتية للقاء بأحد مسئولي المجالس المحلية أو الشخصيات الاجتماعية في القرية للحديث عن المشاريع أو الخدمات الموجودة في المنطقة فكان أهم من وجدنا في هذه المناسبة الأخ عادل حسن الهندوانة وهو أمين عزلة القبلية وهو شاب في الثلاثينيات من العمر ويعمل في مكتب الصناعة والتجارة بمحافظة ريمة وبعد فترة من التعارف تجاذبنا معه أطراف الحديث حول ريمة ومديرية الجبين وعزل القبلية وعدن وغيرها من القرى المجاورة وكانت الحصيلة لهذا الحديث جيدة لاسيما وكانت الصراحة والتلقائية حاضرة لاسيما وقد عرف الجميع الحضور بوجود صحفي في المجلس
فكان العبد لله فرصة للجميع حتى يخرج ما بجعبته من هموم لعل وعسى تصل هموم هؤلاء الناس إلى الجهات المختصة فتلتفت إلى ما تعانيه عدد من مديريات ريمة من عزلة وانعدام كامل للخدمات وفي البداية لخص
طريق القبلية مشكلة
الأخ عادل الهندوانه ما تعانيه المنطقة بقوله :
أهم المشاكل التي نعانيها في القبلية وغيرها من القرى هي مشكلة طريق القبلية عدن فهذه الطريق هي الوحيدة التي تربط مديرية الجبين بالمديريات الأخرى وكذا القرى والعزل في المديرية وهي طريق شقت بجهد أهلي بداية الثورة ولا تستطيع وسائل النقل المرور فيها نظرا لوعورتها الشديدة وهذا الشيء جعل القبلية وبقية القرى تعيش حالة عزلة كبيرة ولعدم صلاحية الطريق لم تتوفر أي خدمات أخر ى على الإطلاق مثل الكهرباء والماء والاتصالات وغيرها وأجور النقل هي أكثر شيء يرهق كاهل الناس فالكيس البر أو السكر الذي يحضره الناس من الحديدة او المنصورية مثلا تكون تكلفة وصوله إلى القبلية أو عدن وغيرها من القرى أكثر من أربعة ريال وهذا الشيء جعل تكلفة الكيس البر تصل قرابة ال12 ألف ريال والسكر إلى قرابة 14 إلف ريال أما سعر الدبة الغاز 1200 ريال بدون أجور النقل
وقس على ذالك بقية المواد الغذائية الأخرى وكذا الإسعاف للمرضى وغيرها من الاحتياجات والخدمات
(مدرسة وحيدة )
فعدد السكان أكثر من عشرة آلاف نسمة في هذه القرى والخدمات إلى اليوم غير متوفرة الشيء الوحيد المتوفر هو وجود مدرسة واحدة في العزلة هي مدرسة الفاروق عشرة فصول وهي ابتدائي إعدادي ثانوي وفيها 1200 طالب فقط بدون طالبات ويأتي الطلاب للدراسة من عزل بني بلحوت والقبلية وبني شرعب وعدن وشعيون والدون والحدادة ويقطع الطلاب مسافة قد تصل إلى عشرة كيلو مترات سيرا على الأقدام للدراسة في هذه المدرسة لهذا السبب لا يوجد حتى طالبة واحدة في القبلية والقرى المجاورة لها وجميع النساء الكبار والصغار أميات والشيء المؤلم جدا والمؤسف ما قام به الصندوق الاجتماعي للتنمية قبل سنوات حيث زار
ا لمنطقة وشاهد احتياج الناس لمدرسة نظرا للكثافة السكانية في القبلية وعدن والحدادة وغيرها وطلبوا مشاركة الناس بمبالغ مالية حتى ينفذوا مدرسة ولم يستطيع الناس المشاركة لأنهم فقراء ودخلهم الوحيد من الزراعة
وعلى اثر ذلك قام الصندوق الاجتماعي بالنزول إلى منطقة نومة وهي منطقة لا يوجد فيها حتى خمسين شخصاً ولمجرد وجود شيخ هناك وهو مغترب في السعودية قام ودفع مساهمة وقام الصندوق بعمل مدرسة مكونة من ستة فصول والى اليوم ولا يوجد فيها طلاب ولا مدرسون لأنه لا يوجد سكان أساسا
(الشرب من المياه الراكدة)
وفيما يخص المياه تحدث الحاج يوسف حسين من أبناء المنطقة وقال : بالنسبة للمياه لا يوجد في القبلية وعدن والحدادة وغيرها من العزل أي مشروع للمياه سوء من حيث الشبكة العامة أو مشاريع لخزانات مياه للشرب فالناس جميعا هنا يعتمدون في شربهم على المياه الراكدة وعلى مياه الأمطار التي تتجمع في أطراف الجبال والسوائل والبعض قام بحفر خزانات مكشوفة في المنازل لتجميع مياه الأمطار والشرب منها وطبعا هذا الأمر جعل الكثير من الناس يهاجرون ويتركون أرضهم والنساء هنا يتحملن مسؤولية توفير المياه للشرب والغسيل والاستحمام وتقوم المرأة بحمل دبة عشرين لتراً فوق رأسها وتمشي قرابة الخمسة كيلو مترات
لتجلب دبة واحدة وفي يومها تجلب مالا يقل عن ثلاث دبات وهذا الأمر يجعلها تنشغل طوال اليوم بجلب المياه وتحملها جهداً كبيراً لا يطاق وطبعا لنا قرابة الثلاث سنوات نعاني قلة هطول الأمطار وانحسار مصادر المياه وقد تعبنا من المتابعة للجهات المختصة والأخ محافظ المحافظة وجه بإدراج حاجزين مائيين للعزلة والقرى بشكل عام وعلمنا أنه تم إدراج هذين المشروعين في موازنة المحافظة للعام 2008 م بأمر من المحافظ والى الآن نحن في أواخر 2009م ولم ينفذ شيء
وكذلك الصندوق الاجتماعي زارنا واعتمد حاجزاً مائياً بالمشاركة المجتمعية ولعدم مشاركة المواطنين لم ينفذ المشروع فالناس يعانون من صعوبة في العيش ودخلهم محدود والصندوق الاجتماعي لم يتفهم ما يعانيه الناس من فقر وفي مديرية بلاد الطعام يقوم السكان بحفر سراديب أو برك وتملأ بالماء ويشربون منها طوال العام ولا يوجد أي مشروع للمياه
الصحة
سألنا الأخ محمد غالب من أبناء القبلية عن الخدمات الصحية المتوفرة في المنطقة فقال : لا يوجد أي مركز صحي في القبلية او عدن وغيرها من القرى، احد المواطنين كان لديه عيادة صحية في منزله عندما عاد من السعودية ويداوي بعض المصابين بالجروح كالعمال وغيرهم وقد نفذ ما فيها من أدوية ونسينا الأمر وطبعا أي مريض أو جريح يتم إسعافه إلى مركز المحافظة بعد ساعات من إصابته أو مرضه نتيجة وعورة الطريق وفي مركز المحافظة مستشفى واحد لا يوجد فيه أي أقسام ولا تتوفر الأدوية أو الأجهزة الحديثة ومدير المستشفى مؤهله دبلوم مختبرات وكان مخبرياً لهذا يكون الحل الأفضل للناس هو إسعاف أي مريض أو مصاب إلى الحديدة وقد وعدونا بعمل وحدة صحية لكن إلى الآن لم ينفذ أي شيء
الاتصالات (حلم ضائع)
وحول هذا الجانب تحدث الأخ أمين العزلة وقال : لا يوجد أي نوع من الاتصالات الثابتة في القبلية وما جاورها وقبل سنوات سمعنا بان هناك مساعي لإيصال الهاتف الثابت إلى المنطقة ولكن لم ينفذ شيء من هذا القبيل بسبب الطريق وقد فكر الكثير من المواطنين في خدمة التلفون النقال لكن للأسف الشديد لعدم وجود الكهرباء ضاع هذا الحلم بالتواصل مع الأقارب في المحافظات الأخرى وطبعا معنا في القرية عدد من التلفونات السيارة وعندما يتصل الناس مثلا من السعودية إلى أهلهم في المنطقة يقومون بالاتصال بصاحب التلفون ويطلبون منه أن يذهب إلى المنطقة التي يوجد فيها أهلهم ويعطيهم التلفون حتى يتمكن من الاطمئنان عليهم ويدفع الأهل ثمن استقبال المكالمة لصاحب هذا التلفون وطبعا هذه التلفونات الموجودة يتم شحن بطارياتها عند شخص في القرية يعمل خياطاً ولديه مولد كهرباء يستخدمه وقت العمل ويستغل أصحاب التلفونات النقالة هذه الفرصة ويشحنون التلفونات عنده مقابل مبلغ رمزي
(الفوانيس فقط)
كما تحدث الأخ أمين عزلة القبلية عن الكهرباء وقال : لا توجد كهرباء في القبلية وما جاورها من قرى وقد وصلت الكهرباء إلى بداية منطقة عدن قبل سنوات ولم يتم إيصالها إلى القبلية وما جاورها والناس هنا يعتمدون على الفوانيس والاتاريك التي تعمل بالمازوت ومولدات يدوية مع القلة من الذين عادوا من السعودية وطبعا هؤلاء يعانون مشكلة صعوبة توفير البترول لتشغيلها فالدبة البترول في مديرية الجبين بألف وثلاثمائة ريال أضف إلى ذلك أجور حملها الذي قد يصل إلى ألفي ريال وهذا يشكل عبئاً على القلة من المواطنين الذين لديهم مولدات كهربائية مما يجعلهم يفضلون استخدام الفوانيس في اغلب الأوقات
(التين التركي والجفاف)
النشاط العام للسكان في القبلية والحدادة والقرى الأخرىهو الزراعة التي تشكل المصدر الرئيسي للسكان
واهم المنتجات الزراعية هو محصول البن الذي يملأ مدرجات قرى مديرية الجبين إضافة إلى الذرة الصفراء
وطبعا أهم المشاكل التي يواجهها السكان هي حالة الجفاف التي تصيب المنطقة وقد تستمر سنوات و الشيء الآخر هو انتشار ما يسمى شجرة التين التركي (بلس) وهي شجرة شوكية تنتج ثماراً حامضة وحمراء ليست قابلة للأكل انتشرت في القبلية وما جاورها من القرى بسبب الطيور التي تحمل بذورها وكان انتشارها في السنوات الأخيرة بشكل كبير، عجز أبناء القرى من الحد من انتشارها قد أثرت تأثيراً كبيراً على الزراعة في المنطقة وأدت إلى تدمير مراعي الحيوانات بشكل كامل رغم المكافحة من قبل المواطنين إلا أنها تنتشر بسرعة كبيرة وهذا الأمر أدى إلى انحسار كبير لأعداد الثروة الحيوانية في المنطقة والتي تعتبر مصدراً رئيسياً لغذاء السكان ولا يوجد أي برامج أو مساعدات من قبل مكتب الزراعة في المحافظة لمكافحة هذه الشجرة وبالنسبة للصناعات الحرفية توجد بعض الصناعات الحرفية في عزلة القبلية مثل صناعة التناوير والحرات والمدر كذلك في قرية الكبة أما مديرية بلاد الطعام تشتهر بصناعة الخزف من أشجار الذرة والنخيل
وحول الجهود التي بذلت لدى الجهات المختصة من قبل المواطنين لتوفير الخدمات الأساسية للمنطقة سألنا الأخ عادل الهندوانة أمين العزلة فأجاب بقولة : بالتأكيد هناك جهود بذلها المواطنون في هذا الجانب لاسيما توفير صيانة للطريق وعمل حاجز مائي ومركز صحي وكان الاخ المحافظ متجاوباً مع هذه الجهود وصدرت
توجيهات من الاخ المحافظ بإدراج عدد من المشاريع ضمن موازنة المحافظة للعام 2008 م وفعلا تم اعتماد وحدة صحية وإضافة أربعة فصول دراسية وحاجز مائي واحد وعمل صيانة للطريق ولم ينفذ أي مشروع في موازنة 2008 م وبعد المتابعة قيل لنا انه تم اعتماد مشاريع في موازنة 2009م والى الآن لم ينفذ شيء في الواقع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.