إذا تأملنا آي القرآن العظيم،وجدنا لعبادة الصيام شأناً خطيراً، يبين ذلك كثير من الآيات، ففضلاً عما ورد في سورة البقرة من أمر صريح بفريضة الصيام، فإن آيات أخر أمرت بصيام أيام معينة لأهداف محددة، ففي سورة النساء يقول تعالى «وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة، ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً» «النساء/92»،وفي سورة البقرة،الآية/195في بيان أحكام الحج يقول الله تعالى:« وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولاتحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج «آية/95»،وفي كفارة اليمين في السورة نفسها «آية/89» وفي الظهار في أوائل سورة المجادلة،فصيام واضح في هذه الأمور، ولايمكن القول إن مرة يُقضى بالصيام وأخرى بالصلاة وثالثة بالحج، لكن الذي يُفهم من ذلك، أن الصيام عبادة لها مفعولها العظيم في تطهير النفس، وصيانتها عن الانزلاق في المعاصي، وذلك لخطورة هذه العبادة ولآثارها، فأما عن خطورتها فحسبها أنها تجعل المسلم يقف وجهاً لوجه أمام أشد وأهم غرائزه:المشرب والمأكل وبغيرهما لايعيش الإنسان،والصلات الزوجية وبغيرها لايتناسل الإنسان،والصيام يدربه ويعوده على التحكم في هذه الغرائز، وأما الآثار فيكفي أن المسلم عندما يصوم ويستبد به الجوع والظمأ، ثم يحين وقت الإفطار فيتذكر أن الذي خلقه وخلق له هذه المأكولات والمشروبات،هو الله تعالى،فكيف يعصيه ويتناول مما أنعم به عليه؟ لذلك يقول الله تعالى:« يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» «البقرة/ 183». .. وجاء في الحديث القُدسي الذي رواه النبي «صلى الله عليه وسلم» عن ربه، أن الله تعالى قال: «كل عمل ابن آدم له، إلاّ الصيام فإنه لي وأنا أجزي به». ولهذا جعل الله تعالى الصيام في المواضع التي ذكرناها، ففي القتل الخطأ دليل على أن الجاني وإن لم يقصد القتل، فإنه يستهين بأرواح الناس، فهذا لابد له من صيام مدة طويلة، تكون كفيلة بصقل نفسه وطبعه على أخلاق ومتطلبات الإسلام، ولذا كانت مدة الصيام شهرين متتابعين وخُتمت الآية بقوله تعالى:«توبة من الله»، وكذلك المحرم بالحج إذا قتل الصيد في الحرم فذلك دليل على عدم توقير المناسك بما يجب فشرع له الصيام وخُتمت الآية بقوله:«واتقوا الله» والحنث في اليمين، يدل على عدم اكتمال التقوى في القلب، فشرعت الكفارة طعاماً أو كساء، ومن عجز فالصيام كفيل بتطهيره وخُتمت الآية بقوله تعالى:« واحفظوا أيمانكم»،وذلك الذي يظلم زوجته بالظهار حتى تصبح كالمعلقة، لا هي بالمتزوجة ولا هي بالمطلقة وهو ظلم فظيع، دال على عدم اكتمال الإيمان، فشرع له الصيام تطهيراً لنفسه وصقلاً لطباعه، واستكمالاً لإيمانه، لذلك خُتمت الآية بقوله تعالى :« ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله».