هذه الآية من أعظم آيات الرجاء للمؤمنين في رحمة الله؛ فما دام أنه وعد الكفار إذا رجعوا إليه بالمغفرة وتكفير ماقد سلف؛ فكيف بالمسلم!.. ومعلوم أن الكافر حال كفره أعظم عداوة لله، وأشد محاربة له سبحانه ومع ذلك وعده بالمغفرة إذا انتهى من اقترافه لهذا الذنب العظيم!.. وذنبه هذا ليس كذنب المسلم بل ذنب الكفر بالله، والتكذيب برسله، والاستهزاء بآياته، ومحاربة أوليائه، والصد عن سبيله، والاعراض عن دينه، ومع هذا كله وعده بالمغفرة إذا اسلم وأناب!.. وفي الآية أن الإسلام يهدم ماقبله من الذنوب ويزيلها ويمحو أثرها مهما كانت ومهما عظمت فليس أعظم ذنباً من تعفير الجبين للصنم ومحاداة الله!.. فالفرصة أمامهم سانحة لينتهوا عما هم فيه من الكفر، ومن التجمع لحرب الإسلام وأهله، ومن إنفاق الأموال للصد عن سبيل الله.. والطريق أمامهم مفتوح ليتوبوا عن هذا كله ويرجعوا إلى الله، ولهم عندئذ أن يغفر لهم ماقد سلف، فالإسلام يجب ماقبله، ويدخله الإنسان بريئاً من كل ماكان قبله كما ولدته أمه.. فإن هم عادوا بعد هذا البيان إلى ماهم فيه من الكفر والعداوة فإن سنة الله في الأولين لاتتخلف، ولقد مضت سنته سبحانه أن يعذب المكذبين بعد التبليغ والتبيين؛ وأن يرزق أولياءه النصر والعز والتمكين، وهذه السنة ماضية لاتتخلف. وللذين كفروا أن يختاروا وهم على مفترق الطريق!.. والمسلم يوم يقرأ هذه الآية يزداد تعلقه بالتوبة ويعظم رجاؤه في ربه ويحسن ظنه به ولايقعده سوء حاله عن التوبة والإنابة لأن غير هذا يأس محرم وقنوط منهي عنه، ومايدريك لعل توبة صادقة في ساعة من زمن؛ أوجبت آلاف السنين في جوار رب العالمين!.. وما على من اقترف السيئات إلا دمعة في سحر، ومناجاة في خلوة، مع تنكيس الرأس حياءً وانكساراً وإجلالاً، وإن تعاظم ذنبك فاعلم أن النصارى قالوا في المتفرد بالكمال: ثالث ثلاثة فقال لهم سبحانه «أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه»، وإن كدت تقنط من رحمة الله فإن الطغاة الذين حرقوا المؤمنين بالنار عُرضت عليهم التوبة «إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا». فيا من ستر القبيح وأظهر الجميل وأعطى الكثير ورضي بالقليل اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.