كنا أطفالاً . وكان الوقت لم يحن بعد لأن نصوم رمضان ؟! رمضان الذي لم نكن نشعر به سوى بشفوته.. ودحباش الذي جاء في بداية وعيي .. كنت أتساءل كثيراً عن رمضان الذي يتحدثون عنه ؟ وفي مخيلتي أنه شخص يمر على بيوت الجميع، لتحل بركته عليهم .. يأتي رمضان وينتهي .. ولا يزور بيتنا رمضان الذي قيل بأنه جاء!! ومع هذا كنت أشارك أطفال القرية وبعد ذلك الحارة اللعب الليلي .. وترديد الأهازيج الرمضانية « رمضان صوفي صوفي .. حولي بمصروفي». أما جدتي فقد كانت تردد على مسمعي وبنبرة حزن « رمضان ما جا شعمل لا دبا ولا جرمل» وبفضول مشاغب أسأل « ما دخل الجرمل والدبا برمضان ؟؟» جدتي لا تنزعج من الأسئلة الطبيعية الباحثة عن إجابة .. إنها تقول ذلك على اعتبار أن رمضان زمان كما كانت تفسر لي يجي وخيره معه « الدبا والجرمل والجهيش .. الخ » أما رمضان هذه الأيام يجي بلا دبا أو جرمل !! كانت تقول ذلك في الوقت الذي أبحث فيه عن رمضان الذي يجي ولا آراه إلا في ما يحدثه من تغيير في نمط وسلوكيات الناس !! رمضان احببت هذا الشخص كثيراً .. كنت أعتقد ذلك اتصوره شخصاً سأراه في يوم ما؟!! حين يبدأ رمضان بالهبوط كانت أرواحنا تبدأ في الصعود إلى الأعلى .. منذ لحظة الوعي به يبدأ في حفر غرفة خاصة به في الذاكرة اسمها «غرفة رمضان» كيف يفعل ذلك؟ لا أحد يدري .. لكنه يفعل وكفى !! تدريجياً بدأت أعي معني رمضان الحقيقي بعيداً عن كل تصورات الطفولة .. بدءً بعد أيامه، والامتناع عن الطعام أمام الجميع ، بينما كنت آكل كل شيء بالسر، وربما مازلت أفعل ذلك !! من يدري ؟؟ المهم أنني صائم « أقسم بذلك كثيراً ، وأسرع في إخراج لساني للتدليل على ما أقسم عليه .. كنت أحياناً أفطر قرب المغرب ، حدث ذلك كثيراً .. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بعد ذلك كنت أفعل كما يقال أمامي بأن من فاتته العشرون يوماً من رمضان عليه بالعشر الأواخر منه ! بدأت فعلياً أفكر في عدم التفريط بالعشر اللواتي سيكن بمثابة ثلاثين يوماً، كنت أجهد نفسي في صيام العشر ، قليلة هي المرات اللاتي تجاوزت فيهن اختبار العشر .. لكنني في الحقيقة صمت رمضان في عشرة أيام فقط !! صمته هكذا ولم يكن الأمر بحاجة للكثير من الذكاء أو بحاجة لطريقة جديدة في التفكير ..ببساطة لقد حولت ما كان يقال إلى واقع ، هذا كل ما في الأمر !!