لمناسبة عيدي الثورة اليمنية المباركة العيد السابع والأربعون لثورة ال26 من سبتمبر الخالدة والعيد السادس والأربعون لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة, هذا العام الكثير من الدلالات والأبعاد العميقة التي تحتم الوقوف بتأمل أمامها واستلهام دروسها وما أحدثته هذه الثورة الإنسانية الخالدة من تغيرات كبيرة في بنية المجتمع اليمني الذي إلى يوم قيام الثورة كان يعيش خارج إطار الزمن وحياة بؤس لا مثيل لها وضع أسسها نظام إمامي متخلف لا مثيل له. لقد كان قيام الثورة اليمنية ال 26 من سبتمبر أكثر من ضرورة إنسانية لإنقاذ حياة الملايين من المواطنين اليمنيين الذين عانوا كثيراً في ظل النظام الإمامي المباد وقد أسهب كل المثقفين والسياسيين اليمنيين وحتى العرب والأجانب في وصف حالة المجتمع اليمني قبل قيام ثورته بأنها كانت أشبه بمأساة إنسانية، فكان قيام الثورة يشكل أكثر من ضرورة لإنقاذ مجتمع محاصر بالجهل والفقر والمرض.ومنذ الوهلة الأولى لقيامها وضعت الثورة اليمنية لها أهدافاً ستة كانت بمثابة استراتيجية وطنية قريبة ومتوسطة وبعيدة المدى ، كان الهدف الأسمى من تلك الأهداف تحقيق نقلة نوعية في بنية المجتمع اليمني كمسارات عمل للثورة الوليدة التي جاءت على أعقاب نظام موغل في التخلف والرجعية لم تجد الثورة اليمنية من مخلفاته ما يمكن الاستفادة منه الأمر الذي ضاعف العبء على الثورة وقادتها وهم يقفون على ارث كبير وركام لا حد له من التخلف والبؤس والأنظمة التعليمية والصحية وغيرها الموغلة في التخلف في وقت كان الإنسان في مكان آخر من العالم يحلّق في الفضاء كإنجاز علمي متقدم حققته البشرية. واليوم وبعد مرور ما يقارب خمسة عقود زاهية من عمر الثورة اليمنية الخالدة كانت بسنينها السبعة والاربعين بمثابة ورشة عمل في مختلف مجالات الحياة متصلة الحلقات ومتعددة الغايات وبهدف واحد تمثل في نقل المجتمع اليمني من القرون المظلمة إلى رحاب القرن الواحد والعشرين بآفاقه العلمية الرحبة وثورته المعلوماتية والاتصالية الجبارة التي حولت العالم إلى ما يشبه القرية الصغيرة يحق لنا أن نقف وقفة قصيرة نستقرئ فيها ما حققته هذه الثورة الإنسانية الخالدة من أهدافها والى أي مدى وفقت في ذلك خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار سلسلة العراقيل التي واجهتها الثورة اليمنية بعد قيامها واستمرت لسنوات، وكانت بمثابة عوائق حالت دون الشروع في تجسيد أهداف الثورة الستة في الواقع العملي. ففيما يتعلق بالهدف الأول من أهداف الثورة والمتمثل بالتحرر من الاستبدادوالاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات.. فمنطق الواقع يجيب على ذلك بالقول: أن مسألة التحرر من الاستبداد خاصة السياسي منه قد أصبح في خبر كان في واقع المجتمع اليمني الذي شرع جميع أفراده في التحام لا مثيل له منذ اليوم الأول لقيام الثورة وبهمة عالية في وضع المداميك القوية والأسس المثلى للنظام الجمهوري الجديد الذي عانى أبناؤه الكثير والكثير من مسألة الاستبداد السياسي وبصورته الرجعية والمتخلفة، كذلك الحال ينطبق على قضية التحرر من الاستعمار والذي برحيل آخر جندي بريطاني في الثلاثين من نوفمبر من عام 1967م تكون اليمن قد طوت قضية الوجود الاستعماري في شطر منها والى غير رجعة ، وفيما يتعلق بإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات فإن المحلل المنصف والمتابع باهتمام لمسار تطور المجتمع اليمني لا يمكنه إلا أن يقر بأن الفوارق والامتيازات بين الطبقات تكاد تكون لا وجود لها وذلك مرده للمنطق العقلاني الذي اتبعه قادة الثورة ومن تعاقبوا على حكم البلاد والذي اتسم بتخطيط دقيق ومتوازن لعملية التطور الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع اليمني.لقد استجاب كافة أبناء الشعب اليمني خاصة الشباب منهم لنداء الثورة للالتحاق في صفوف الجيش الوطني الجديد الذي شرعت الثورة في وضع أسسه الأولى للقضاء على فلول النظام الإمامي المباد والدفاع عن الثورة ، وبعد أن تم تحقيق ذلك بدأت عملية بناء القوات المسلحة اليمنية بأسس علمية حديثة وشيدت لتحقيق هذا الهدف العشرات من الكليات والمعاهد والمدارس العسكرية المتخصصة وصولاً إلى تشييد الأكاديمية العسكرية, وأوفد الآلاف من أبناء القوات المسلحة إلى العديد من دول العالم في دورات عسكرية متخصصة قصيرة, متوسطة وبعيدة، وللتحصيل الأكاديمي مكنت المقاتلين من التزودبالمعارف العلمية العسكرية الحديثة والتعامل بعلم وعقل مع المعدات العسكريةالمتطورة ، وكانت النتيجة العملية لذلك جيشاً وطنياً يمنياً مبني بأحدث أسس وطرق البناء العسكري ، صار اليوم بمثابة قوة ضاربة لحماية مكاسب وانجازات الثورة وحماية وحراسة حدود الوطن. ولما كانت مسألة رفع مستوى الشعب اقتصادياً وسياسياً وثقافياً تعد القضية الأهم للثورة الوليدة لارتباطها بالحياة المعيشية للمواطنين وواقعهم السياسي ومخزونهم الثقافي والتراثي فإن كل الجهود قد انصبت منذ اليوم الأول للثورة لحل المعضلة الاقتصادية وتحسين مستوى حياة المواطنين وتوفير الخدمات الضرورية ومن ثم الشروع بوضع الخطط الإنمائية التي راعت التسلسل الأهم فالمهم لما يجب انجازه وتنفيذه في سباق مع الزمن واختصار لأعمار السنين بهدف وضع المجتمع اليمني بمستوى الحياة اللائقة التي كان يجب ان يكون فيها منذ سنين طويلة. وبنظرة منصفة لما تم تحقيقه في هذا المجال فإن الصورة تبدو أكثر وضوحاً ومدعاة للفخر من خلال سلسلة من الخطط الإنمائية المتصلة الحلقات والتي غيرت واقع المجتمع اليمني ووضعته في المكان الصحيح الذي يجب أن يكون فيه أسوة ببقية مجتمعات العالم المتحضرة، يتضح ذلك جليا من خلال سلسلة طويلة من المشاريع الاقتصادية والخدمية والاستثمارية العملاقة التي غيرت صورة المجتمع اليمني إلى الأفضل ونقلته إلى رحاب حياة القرن العشرين بعد أن كان يعيش حياة القرون المظلمة ،عشرات الآلاف من المدارس وعشرات الجامعات ومئات الكليات والمعاهد والمستشفيات والمستوصفات والمجمعات الصحية باتت شواهد حية على ذلك التغيير تنتشر اليوم في الريف اليمني قبل المدينة ، آلاف الكيلومترات من الطرق المسفلتة والمعبدة ربطت مدن البلاد وقراها وقضت على العزلة الداخلية والى غير رجعة ، منظومة متطورة من شبكات الاتصالات الحديثة ربطت اليمن ببعضه داخلياً وخارجياً . كل تلك وغيرها من المشاريع الخدمية والاقتصادية صارت واقعاً ملموساً ينعم بخيرها مواطنو الجمهورية اليمنية وهم يحتفلون اليوم بانقضاء السنة السابعة والأربعين من عهد ثورتهم المباركة. لقد نص الهدف الرابع للثورة اليمنية على إنشاء مجتمع ديمقراطي عادل مستمداً أنظمته من روح الإسلام الحنيف، وقد كان لليمنيين ذلك عندما أسسوا تجربة تعاونية أهلية تمكنت في زمن قياسي من تحقيق انجازات خدمية واقتصادية في عموم الوطن اليمني وصارت تلك التجربة التعاونية اليمنية مصدر فخر واعتزاز لكل مواطن ومحط إعجاب على المستويين العربي والدولي. ولما كانت الوحدة اليمنية تشكل احد ابرز الهموم الرئيسية للثورة اليمنية فقد عملت الثورة ومنذ يومها الأول انطلاقاً من حقيقة راسخة في الأذهان والعقول مؤداها أن وحدة الوطن هي الثابت والتشطير هو الاستثناء ، تلك الحقيقة جسدت في الواقع العملي منذ الوهلة الأولى لقيام الثورة اليمنية عندما هب كل مواطني اليمن من مختلف المناطق إبان عهد التشطير في التحام لا مثيل له ليشكلوا طوق امن وحماية للثورة اليمنية (26 سبتمبر و14 أكتوبر) والدفاع عنها . وظل العمل في طريق تحقيق الوحدة اليمنية يسير ويخضع لاعتبارات الظروف والزمان إلى أن جاءت اللحظة التاريخية لميلاد جديد واعادت الامور الى مجراها الطبيعي فكان ال 22 من مايو 1990م الذي به دخل اليمنيون بقيادة زعيمهم الفذ باني نهضة الوطن ومجده ومحقق وحدته فخامة الاخ الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية منعطفاً جديداً في تاريخهم الحديث والمعاصر بإعادة تحقيق وحدة البلاد في عمل وطني كبير أذهل العالم كله عندما وقف مبهوراً يتابع باندهاش كبير ميلاد المأثرة التاريخية التي يصنعها اليمنيون في وقت كان العالم يشهد انهيار منظومات وتفكك وتشرذم دول وكيانات . واليوم وبعد مرور سبعة وأربعين عاماً على ميلاد الحدث الأهم في حياة كل مواطن يمني لم يعد الحديث يدور عن واقع حياة التخلف والجهل التي كانت سائدة قبل الثورة المباركة لأن ذلك صار من الذكريات المؤلمة وحافزاً للعمل والبناء بهمم عالية ، بل أن الحديث ينصب عن استشراف آفاق المستقبل وملامحه الوضاءة التي فتحت أبوابه الثورة اليمنية الخالدة.