محنية المرأة فوق السعفات ، شرائط مستطيلة ناصعة، تتقصف بليونة بين أصابعها، فيما الجارة، إبرتها تخيط نسيجاً من السعف ذاته، ربما فراشاً طويلاً يضمد عرى أسرة خشبية، أو سجادة صلاة، موشاة حوافها بألوان سوداء وحمراء، تحكي عن «سنة الهربة» أو«حروب الأجداد» يوم كانت الرؤوس تعود، شاخبة دماؤها، على أسنة السيوف، في اللحظة إياها، لحظة إنحسار النساء عند مداخل القرى، تلعلع أصواتهن إستبشاراً بعودة الرجال، دوى اصطفاق وأجنحة، اصطفاق هائل لطيور البحر، اللابثة فوق أعالي الأشجار، عمق المقبرة وتطايرت مذعورة بيضاء، كرات ملتهبة تخافقت في الظلام إذ يسح في الجهات، انكفأت النظرات تحدق في الداخل، بوجيف خافق، تكأكأت الجارة، فرقعت أصابعها، وكأنمالا أحد هناك سيتبطئها، سيرشق الرخاوة القاتمة، من فوق السياج الوطيء، بعينين قلقتين، أو ربما خرجت قدمان تستطلعان بصمت، استلقت فوق السرير الخشبي، تمطت، ثم: «طريق بيتي، بعيييد». نزيف بهمهمات ينفئها، في أنحاء الغرفة الغارقة في العتمة، شد لحافه حول جسده، ملفوفاً داخله راح يرهف لشبيه جلبه، نائية تهمس إذ أحكم إغلاق النوافذ، راكناً أنه لاشيء سوف يعكر بهاء الظلام، تلاشى توتر أعضائه، كل الفتحات مكممة، ولانأمة ضوء تئز منها، لكنه في لحظة يخف، لاوياً جسمه في الحجرة، حواسه مستفزة ظلت، آن كان يقف دائخاً، يحسه بوخزاته الحادة، كأنما رؤوس أنصال تنخسه خطفاً، مرات متلاحقة فيئن موجوعاً، وفي هفة رمش صرخ، حد أن الظلمة ذاتها رعشت لوهلة، ودفع خطوات نشطة، حيث خيط نحيل من صفرة مشتعثة، يابساً فوق الجدار، قرب النافذة، اقترب أكثر، خفت نظراته إلى الستارة، تفيض على حواف المربع الكبير، «من أين أتى؟» وإذ كانت عيناه لائبة فضاء الحجرة، مرتطمة بجدرانها، لمحت فجأة قماش الستارة يرجف، امتدت يداه، تتحسسه الأصابع، لحظة أن أخذت أنامله تلمس النسيج الهاطل من أعلى تطامن رجيفه، آخذاً في اختلاجات صغيرة، متقطعة، كما لو أنه ينه، شاكياً، يتمسح بالأصابع، يدفعها برفق إلى مزق يستطيل قليلاً، مثلما جرح ينزف والغزل، شعثاً، نابتاً على حوافه. رغبات لمح يقفز الفاصل إلى المرأة، دونما زعيق معدني لصلافة منبه، أو تعالي ضجيج يصعد نافذته المجروحة، بأن يضع استطالات أطرافه داخل حفر متناثر بين البلكات إذ تساقط عنها طلاؤها، وحال يبصر استدارة وجهه، لاتخف يداه فاتحة الصنبور، ليرشقه ببعض القطرات، ولاتتحرك أصابعه تجاه أنبوب اسطواني، ضاغطاً منتصفه فيهل خيط متماسك من مادة لينة، يهبها مساحات من ذقنه النابته، كل ذلك ليس من جذبه بعنف، من غائر نومه، إنها تلك التي ما إن تأخذ أنفاسه في نفخ الحجرة، كأنما توسعها، حتى تنفذ بطيئة في تلو رهيف، صدغيه الراشحين، كشرائط رقيقة وناحلة، وإذ يشعرها تنسل في الظلام، يفز جاذباً، مقص كبير، رابض أبداً أسفل وسادته، بتؤودة يحز، حانقاً الفراغ حول رأسه، يتأنى قليلاً عند الصدغين، كأنما يشذب شعيرات طالت، ثم ينكفئ نعساً، قاذفاً بالحديدة المتصادئة، وقبل أن يهمل جسده، تاركاً إياه يسقط على الفراش، بغير ما حذر ارتطامه بالعوارض الصلبة للسرير: «سأجزها، كوبو يشيخ، رغباتي تلك، التي تتلصص هاربة كما لو أنني لا أليق بها». طيور ينثني جسده، جاثياً فوق ركبتين حاسرتين، في ساحة وسيعة، كما لو نبتة تركت نهب خلاء بانخطافة حادة، وتر حشد المخلوقات المنفرجة، يجفونه كدائرة، خفق عيونهم المتسارع نحوه، بعنف، حتى أنه ليطال حواف ثيابهم، أصابع أرجلهم من عنق مجزورة ، آن كانت الساخن اللزج، الصاخب أبداً، أن ينطرح هلالاً رقيقاً، منحوتاً من حمرة زاهية، وقد تبدى لهم نابضاً، يرتعش، فوق الرمل، فقد بغتتهم كثافة طافرة بشدة من حواف الرقبة إذ غاصت قليلاً، لائذة بالفراغ أعاليهم، تاركة رياشا، راحت تهف، بطيئة، تجاههم.