لا يعتمد التمثيل المسرحي على الحوار و التعابير الانفعالية المصاحبة وحسب , ولكنه يقوم أيضاً على عنصر حركة الممثل على الخشبة وتفاعله مع «الفراغ المقابل» للامتلاء الفيزيائي للديكور والكيانات الجسدية للممثلين الآخرين , لأن قصر الدور على أداء الحوار و تعليمات النص فيه إجحاف كبير بحق هذا الفن الدرامي الرفيع الذي لا تكتمل جمالياته إلا بإيلاء العناصر «الجانبية» للدور اهتماماً لائقاً يعزز الجوانب الشكلية و المضمونية للفعل المسرحي بحيث لا تترك مسافة فارغة بين الشخصية أو (الدور) والممثل ,الأمر الذي ينعكس سلباً على الاداء و بالتالي يصبح العرض هزيلا و مفتقدا للتوهج المطلوب نقله إلى المتلقي , فالحركة في نطاق الخشبة و ضمن محيط الممثل تعد عنصراً حيوياً و هاماً يرتقي بالأداء و يسمح للممثلين بتوظيف لغة الإيماء والإيحاء والجسد بحيث تخلق سياقاً موازياً لسياق الحوار المسرحي الدائر بين الشخصيات كما تتيح للممثل استثمار الحيز المكاني على الخشبة لصالح خلق تشكيل بصري دينامي يسمح لبقية عناصر الأداء بالتبادل و التناوب والتنوع و إيجاد معادل موضوعي يدفع الممثل للشعور بحريته مع الدور حتى لا يكون الأداء مجرد تقليد و الأحرى أن يكون تعبيراً و تجسيداً و تماهياً . وإذا تصورنا المسرح على أنه مجرد محاكاة لشخصيات واقعية فذلك أيضا اجحاف و سوء فهم لجماليات التلقي الدرامي , فالمسرح إلى جانب تناوله لنماذج و شخصيات إنسانية موجودة في الواقع فإنه لا يقوم فقط بتأدية سلوكياتها و لكنه أيضا يضيف إليها و يدفع بها داخل نسيج حياتي و اجتماعي يحاول كشف اعماقها و سياق فعلها و رصد مواقفها بالشكل الذي يمتع و يفيد , هدفها ادهاش الجمهور و شحذ وعيه وشعوره , والحركة على الخشبة يمكنها تنبيه حواس المتلقي و تدعيم التحفز و الانتظار طوال فترة العرض. بطريقة أخرى يدفع الحوار المشاهد لمتابعة أحداث المسرحية من خلال ما يتضمنه من علاقات بين الشخوص وبين المواقف المختلفة لكن فعل الحركة الذي يقوم به الممثل ضمن حيزه المتاح كالمشي أو الدوران أو الالتفات أو التحرك أماماً أو جانباً وخلفاً وكلها تزود المشاهد بقدرة على توقع أو احتمال قيام أو علاقات أكثر قد لا يتضمنها الحوار , كما يقوم الفعل الحركي بتعميق البنية السطحية للحوار بما يسمح بتأويلات اكثر و اغنى والمكان في المسرح يتجاوز دوره كأحد عناصر العمل المسرحي او مجرد نطاق وجود للشخوص , انه مكان يختلف تماماً عن المكان الواقعي لذلك كان يجب الا تكون حركة الشخصيات في المكان حركة مطابقة لما يمكن ان يفعلوه في الواقع فالمكان في المسرح محيط يتشكل داخله فعل السرد المسرحي كما أنه أيضاً مكون يقوم على الترميز و التجريد البصري للمكان الواقعي وليس كما هو مطلوب في السينما أو التلفزيون بأن يكون المكان اكثر واقعية و اكثر محاكاة . هذه الطبيعة التجريدية للمكان في المسرح يجب ألا تبقى مجرد خلفية للأحداث بل وسط نشط و حيوي يمكن الاشتغال عليه من خلال المؤثرات البصرية و الإضاءة و الحركة كفعل مقصود لذاته ومعتنى به ضمن جملة عناصر العمل المسرحي و ليس كأداء ميكانيكي منفصل و غير غائي .