من المهم أن تمتلك شهادة علمية أياً كان مجالها ولكن الأهم هو أن تمتلك ثقافة جيدة، فالدراسة الاكاديمية وحدها لاتصنع مبدعاً أو موهوباً في أي مجال من مجالات الحياة. فلو قلبنا صفحات الماضي قليلاً لوجدنا أن الفلاسفة والمفكرين والعلماء لم يصبحوا عظماء زهرة، فلم يقيدوا أنفسهم في إتجاه واحد وهذا سر تميزهم، لذا ساهموا في نهضة الإنسان وكانوا الدليل للطريق الصحيح، فكانوا ولازالوا مصدر فخر لأوطانهم وسيظل التاريخ يعبق بذكرهم.. مقارنة ولفت نظر الثقافة جزء مهم من شخصية الانسان، لكن مانراه اليوم أن هندام الشخص هو من يحدد شخصيته ونلاحظ تهافت الشباب على مواكبة آخر الصيحات والموضات في كل شيء إلا في العلم والمعرفة وهذا ماأكدته لنا كريمة عبدالله السفياني «طالبة جامعية» حيث قالت : ألاحظ بشكل عام التنافس الكبير بين الفتيات على لبس آخر الموضات، فالفتاة دائماً ماتضع نفسها محل مقارنة مع زميلاتها وبالتالي تريد دائماً أن تكون الأفضل، ولكن في أشياء للاسف لاتستحق المنافسة، أما الشباب فمايهمهم هو لفت نظر الفتاة واعتقد ان هذا هو محور تنافسهم. وتابعت حديثها.. أما التنافس العلمي والثقافي فأصبح شبه معدوم لان عقولنا أصبحت متجمدة بسبب الأفكار الغربية التي لهتنا عن أشياء كثيرة فلم نعد نقرأ أو نسعى لاكتساب الجديد، حتى ما نكتسبه من المدرسة والجامعة يتبخر سريعاً. في المدرسة.. تلقين فقط وعلى الرغم ممانشهده من ثورة علمية تتمثل في القنوات التلفزيونية وماتبثه من برامج ومسابقات ثقافية، وتزايد عدد الصحف والمجلات العلمية، وأخيراً الانترنت ذلك العالم الجميل القبيح، الممتع المخيف، إلا أننا لازلنا نعاني من اللاثقافة. ماهر حمود «شاب جامعي» يتمتع بثقافة عالية وتلاحظ ذلك من خلال حديثه الشيق المليء بالفائدة والمعلومة المتنوعة، حدثنا عن الأسباب قائلاً : قد يكون سبب ذلك هو المدرسة، وأعني طريقة التدريس، فطريقة تعليم المدارس الحكومية والخاصة على حد سواء في اليمن بل وفي أغلب دول الوطن العربي تعتمد على طريقة التلقين والتحفيظ من الإبتدائية وحتى الثانوية، فالاستاذ يتكلم والطالب يسمع ويحفظ ويخزن الكلام في رأسه ثم يصبه على ورقة الامتحان، للحصول على أعلى الدرجات وعلى الشهادة. فطريقة التعليم ليست مبنية على الفهم والنقاش والمشاركة والإبداع والآراء المتعددة كماهو حال الدول المتقدمة، لهذا السبب نحو دول نامية بسبب منظومة التعليم الحالية. فالتعليم هو الأساس والركيزة والأرضية لكل شيء، فالطلاب هنا وأنا منهم لم نتعود على قراءة الكتب والاطلاع وحب المعرفة أيام المدرسة لان كل مايهمنا هو الحصول على الدرجات العالية لإرضاء الأهل والشعور بالفخر بين زملائنا. الأسرة وواصل ماهر حديثه عن الأسباب قائلاً : وقد يكون هناك سبب آخر ألا وهو الأسرة فإذا كان الوالدان مثقفين وفاهمين لمشكلة التعليم فقد يساعدوا أولادهم منذ الصغر على طريقة تعليم مختلفة في البيت مبنية على المناقشة والرأي واستخدام الأفلام الوثائقية المناسبة والقصص المصورة والألعاب التي تنمي الذكاء. حتى فهمنا لتعاليم ديننا تعتمد على الحفظ لا على التدبر. الجهل والتراجع للخلف ويرى ماهر أن النتيجة الحتمية لمانحن فيه هو الجهل، بالتطور وبمايحدث حولنا والجهل بالمفاهيم والأفكار الجديدة. أمان. ن فتوافق ماهر في ماقاله وتضيف : المعلم لايوجد مناخاً للمنافسة ولايخلق فرصاً لذلك، بل ويقتل بذور الإبداع فينا مبكراً وهذا هو سبب تراجعنا للخلف. الإنسان بجوهره لابمظهره أ/ نجيب حداد «أستاذ الجغرافيا» بكلية الآداب : أوضح بأن مايشغل بال الشباب الآن هو مظهرهم الخارجي وكيفية الاعتناء به، وهذه ثقافة دخيلة على المجتمع من خلال التلفزيون بشكل أساسي، ثم الصحف والمجلات ومن خلال الاحتكاك بالآخرين وهذا أدى إلى إنجرار شبابنا إلى الميوعة والفساد الأخلاقي، فالانسان بجوهره لابمظهره، بمايحمله من أفكار نيرة وأخلاق عالية. صورة للمجتمع وأضاف :- أنالست ضد أن نأخذ من ثقافة الآخرين ولكن خذوا ماهو جيد مايفيدكم وبلدكم فالشباب هم صورة المجتمع ويجب تسليحه بالعلم، ولاننسى المثل القديم الذي فحواه أن المستقبل لن يأتي بالأحسن، بل على العكس تماماً يجب النهوض بالمجتمع من خلال الوعي والثقافة، فالاوربيون مثلاً كانوا لاشيء، وبالعلم والمعرفة نهضوا ببلدانهم وأصبحوا في قمة المجتمعات وأرقاها. المثقف أفضل من المتعلم هلاله منصور أفادت.. بأنها تفضل الانسان المثقف وإن لم يكن متعلماً، فالثقافة برأيها شيء ضروري ويستطيع الانسان اكتسابه من المجتمع ومن خلال اطلاعه، فكل الناس يمكن أن يكونوا مثقفين لكن ليس بمقدورهم جميعاً ان يكونوا متعلمين. المثقف شخصية متميزة ونحن نتفق مع هذا الرأي فالمثقف شخصية متميزة، أفكاره متزنة، تصرفاته عقلانية، لايرتكب الحماقات عادة فهو يفكر بالعواقب أولاً وأخيراً، يكتسب العديد من الصفات الجميلة من خلال اطلاعه على سير العظماء، ينتقي كلماته حين يتحدث، فتعبيراته تأتي في مكانها، ويستطيع أن يمتلك ثقة الناس وحبهم سريعاً فهو يملك المهارات والأساليب لذلك. كل هذا لأنه وسع عقله وغذى قلبه بزاد مهما أكلت منه لاينفذ، وبالمقابل قد تجد شخصاً يعلق على جدرانه عدداً من الشهادات ومع هذا لاتجد فيه شيئاً يدل أنه متعلم. رسولنا ذو ثقافة عالية أ. د محفوظ الحديثي (عميد كلية العلوم الإدارية بجامعة تعز أوضح في إحدى محاضراته : هناك فهم مغلوط لدى الناس فيعتقدون ان الذي يقرأ ويكتب هو مثقف، وهذا خطأ فالثقافة سلوك بشري يكتسبه الانسان من خلال البيئة المحيطة سواء عن طريق السماع، الاحتكاك أو القراءة. وأضاف : رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كان أمياً لايقرأ ولايكتب، ولكنه كان على ثقافة عالية جعلته يستوعب الرسالة ويقود الأمة. ثقافة لاتخل بمبادئي وقيمي يحيى ابراهيم (طالب جامعي في قسم علم الاجتماع)، جميلة هي ثقافته التي لاتخفى عليك، فيبدو أمامك وهو يتحدث كأنه فيلسوف، سألناه عن مصدر ثقافته فأجاب: اكتسبت ثقافتي من خلال احتكاكي بالأساتذة والمختصين الذين أسعى جاهداً لأخذ منهم كل مفيد، وأيضاً من خلال الاطلاع على الكتب والتي تنمي الجانب الثقافي في مختلف نواحي الحياة، ولا اكتفي بالقراءة بل مع التحليل والفهم الدقيق لها، شرط ألا تكون هذه الثقافة مخلة بمبادىء وقيمي.. واسترسل حديثه قائلاً : لكل شخص ثقافته التي تميزه عن غيره ومن خلال هذه الثقافة يستطيع ان يضع لنفسه بصمات في حياته العلمية والعملية، فالمتعلم يمتلك جوانب محدوده من العلم أما المثقف فيأخذ من كل علم زهرة. بناء جيل مثقف ولاننسى هنا أن من الأسباب التي تضطرنا لاستخدام الطرق الغير مشروعة للوصول إلى النجاح هو نقص الوعي التعليمي والثقافي. فلماذا لانحرص على تنمية هذا الجانب في أبنائنا منذ الصغر لنضمن بناء جيل يتحلى بميزة الثقافة؟ وفي هذا الصدد يقول اسماعيل معتوق «31 عاماً».. أحب القراءة وأواظب دائماً على شراء المثقف والعربي الصغير، وفي المدرسة تسألنا المعلمة عن أشياء خارج الدرس، وأنا أجيبها بفضل معلوماتي الإضافية التي اكتسبها من القراءة الدائمة، وهذا جعلني متميزاً لدى معلماتي ومتفوقاً في دراستي. وحبي للقراءة نشأ من البيت فأختي دائمة الاطلاع والقراءة وهي من حببتني في ذلك وشجعتني، أمي أيضاً تسألني مااقرأ وهذا يجعلني أبحث عن الجديد لاجيبها عن أسئلتها. القصص والمسابقات وعن نفس الجانب يتحدث د/محمد سعيد «أستاذ علم النفس» : نستطيع أن نغرس حب المعرفة في أبنائنا منذ الطفولة وذلك من خلال تشجيع الأبناء على القراءة بشراء القصص الملونة، ومع كل مرحلة عمرية جديدة نأتي للطفل بمايتناسب معه. أيضاً نشجعهم على الاشتراك في المسابقات الثقافية في المدارس وغيرها من مؤسسات التنشئة الاجتماعية. تاج أم بساط ؟ كم أتمنى أن يأتي يوم يكون فيه قراءة الكتب لدينا كالهواء والطعام والماء لانستطيع الاستغناء عنها فحضارتنا لم تبن إلا بالثقافة ولهذا كنا دوماً تاجاً فوق رؤوس الجميع. وأخشى الآن بعد ان دسنا على عقولنا، ولملمنا كتبنا إلى خزائن النسيان ان نصبح بساطاً للآخرين.