يلقي الليل بحمله على قريتها المستلقية في أحضان الوادي.. كالعادة تصعد إلى سطح منزلهم العتيق تطلق العنان لنظراتها اللهفى.. تمسح الأفق المترامي أمامها.. تحدق في الطريق الممتد تجاه منزلهم.. تتركه متجهة نحو السماء.. تتأمل نجومها.. قمرها.. بساطها باهت السواد.. القرية تغرق في نومها وسكونها كطفلة يتيمة بجوار والدتها الثكلى بالأحزان.. تعود لمراقبة الطريق.. لا شيء غير الرمال والحصى وبضعة الأشجار العارية المتناثرة بعشوائية.. رياح باردة تتدفق بغزارة.. تنهمر على جسدها بشراهة، تحتضن ذراعيها وكفيها.. تمعن في مراقبتها وكأنها المرة الأولى التي تشاهد الطريق.. الليل يجمع حاجياته.. يستعد للرحيل.. ما زالت منهمكة في مراقبتها.. الصباح يعلن حضوره.. يستولي على فضاء القرية ويسكب دموعاً حارة على وجنتيها.. تغادر السطح إلى غرفتها.. تستلقي على فراشها.. تجهش بالبكاء.. تضاجع نومها على أمل أن تعانق عودته عينيها في الليلة القادمة..