في البشر على اختلاف أجناسهم ناحية أصلية من نواحي الضعف وهي أنهم يحاولون دائماً أن يظهرونا في مظهر يخالف حقيقتهم ومن ثم كان أصدق اعتراف وأصرحه لا يخلو من الكذب والتمويه والتلفيق والزيف سواءً كان ذلك مقصوداً أم غير مقصود وكان أصح تصوير لنفسه لا يسلم من المبالغة والإسراف سواء في التجميل أو التشويه.. فكم من أناس أعطيناهم كل الثقة والاحترام ولم نبخل عليهم بأي شيء في يوم من الأيام وصارت عندنا قناعة تامة من أنهم خير أصدقاء وأننا كنا موفقين كثيراً في اختيارهم وظلت معاملتنا تسير ضمن منهج واحد، صدق، إخلاص تضحية، وفاء حتى وصلنا معهم إلى مرتبة الأخوة وربما إلى أكثر من ذلك بكثير.. ولكن فجأة لا تعرف ما الذي يحدث وتكتشف أنك أمام صورة أخرى لم تفكر في يوم من الأيام برسم ملامحها حتى في مخيلتك ولكن ها هي الآن أمامك لتأخذك لصدمة لن تنساها ما حييت. تفكر وتفكر وتفكر وتنتظر أن تفيق من هذا الكابوس اللعين ولكن تدرك في الأخير أنك في الواقع وتحاول الهروب من ذلك بأن ترمي بنفسك إلى عالم الأحلام وتتمنى بأن لا تستيقظ من نومك مهما رأيت من كوابيس لأنها لن تكون اعظم من الكابوس الذي تعيشه في الواقع. ولعل المال هو أكثر ما يعري لنا هؤلاء ويسقط لنا لحم وجوههم لنكتشف الجانب الآخر منهم وكما يقال إن «المال يظهر أسوأ ما في الإنسان» تشعر حينها بصمت رهيب وتدرك كم كنت مخدوعاً ومغفلاً وبالأخص عندما تعرف أنك كنت وسيلة أو سلماً ليصلوا عن طريقك لأمور حقيرة تافهة لا تختلف كثيراً عن الصورة الخفية فيهم.. إحساس مخيف ولأني مررت بهذه التجربة فأنا عاجز عن وصفها وأن أقرب احساس تشعر به حينها أنك تتفاجأ بموت إنسان عزيز على قلبك خلال لحظات فلا تصدق بأنه مات وأنك لن تراه مرة أخرى ولكن الفرق هنا أنك ستحزن على الخاتمة السيئة التي مات عليها. كما أنك سوف تتذكر كل المواقف واللحظات التي قضيتها معهم وكل موقف يحتاج إلى الكثير من الخبث حتى يلتئم.. ولعل أفضل طريقة يفعلها الواحد منا وقتها تجنب الاصطدام بهم أو حتى النظر في وجوههم حتى لا تتذكر تلك الخاتمة المشينة. ولكني تعلمت من هذه التجربة أن الحكم على الناس ليس بالبساطة والسهولة التي كنت أتوقعها والتي يظنها الكثيرون أيضاً وأن نفوس الناس حافلة بالأسرار والخفايا والمتناقضات وهو شيء يحزن نفوسنا لأنه يكاد يرينا استحالة المعرفة ولكنه يعلمنا الحذر والأناة في إصدار الأحكام.