علاقة النص بالزمان والمكان التأويلية مدرسة فكرية جديدة طرفها الأول: الاخباريون، والثاني: الأصوليون، والتأويلية الدينية هي الأقدم زماناً. وقد ظهرت في الإسلام، وفي المسيحية للتنظير في الكتب المقدسة ومن مفكريها «كريكور» الذي ألف كتاب «التأمل في الكتاب المقدس» وقد كانت نظرته إلى أن النص الديني في أعقد وأوضح نصوصه يحتاج إلى تأويل. أما في الإسلام فقد قال الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه: «القرآن حمال ذو وجوه» أى حمال أوجه، وقد نهى الإمام علي المخاطبة بالقرآن على سبيل التأويل القرآني «حسب الأهواء» أي بجهل وليس بعلم في معرض رده على المشبهين والمجسمين الذين يشبهون الله بخلقه، ويتساءل البعض في الغرب عند التأويلية: أهي علم؟ أم فلسفة؟ أم نهج؟ أم مدرسة؟ وهي على الأرجح يمكن أن تكون نهجاً فكرياً وأدبياً غربياً ظهر حالياً، ولكنها تتعارض مع النص الديني في الغرب، ولا يصح تطبيقها عند العرب والمسلمين، ليس لأنها تمثل نمطاً فكرياً غريباً يعزل النص الأدبي عند مؤلفه كالأسلوبية الأدبية والسريالية، وإنما لكونها ذات أخطاء فكرية فادحة، تعطي العقل مساحة خيالية واسعة عبر التأويل حسب الفهم الخاص، وإن كان هذا الفهم خاطئاً، وأول التأويليين الغربيين «دالتي» ثم «هايجر» والتأويلية قريبة الشبه بالأسلوبية في معالجاتها الفكرية للنصوص، يقول الإمام علي «كرم الله وجهه» «الألفاظ لا متناهية والمعاني متناهية» إن النص له دلالة لغوية ومعنوية ومضمونية، والتأويلية تريد القارئ أن يفسر النص الديني بزمانه ومكانه، وفق خلفيته المعرفية، حتى وإن خرج عن النص، لأنها تعتبر النص شيئاً عابراً مع أن هناك نصوصاً ليست عابرة، والقارئ عليه وفق التأويلية أن يتخذ تعبيراً جديداً أو خاصاً. أي تحول القارئ لناقد للنص، وإن تعارضت قراءته مع مضمون النص ومعناه ودلالته اللغوية حتى وإن كان تأويله أو تفسيره خاطئاً، لكن ما ينطبق على المسيحية كديانة وثقافة لا ينطبق على الإسلام «نصاً وفلسفة وقراءة وتفسيراً وتأويلاً» لأن المسيحية قد شابها الكثير من التحريف في نصوصها الدينية بعكس الإسلام وكتابه القرآن، أما سريالية المعنى التأويلي فلا تكون إلا في ذهن المفسر وليس النص، ولهذا نجد تفسيرات كثيرة لنص واحد بسبب تعدد التأويلات الذهنية لكل مفسر على حدة، مع أن المضمون والمعنى واللغة قد يكون واحداً، ومثال ذلك في الإسلام: تفاسير الطبري وابن كثير والذهبي والقرطبي، إذ نجد كل تفسير مختلف عند الآخر وبنسب متفاوتة. إن هناك نصوصاً لا تتغيير مع الزمان والمكان فهل بالضرورة نقوم بتغييرها وفق هوى تأويلياً نتمسك به، وإن كان متعارضاً كلية مع النص؟ أو متناقضاً معه كل التناقض؟ والجواب: لا يصح أن تفسر النصوص وفق الأمزجة الفكرية المختلفة، وإنما يجب تفسيرها أو تأويلها وفق دلالتها ورؤية العقل الصحيح ووفق الموضوعية والعلمية بما لايخل ب مضامينها ومعانيها العميقة والظاهرية حتى لا يتحول التأويل في خاتمة المطاف إلى أداة إلغاء للنص، وماهي الجدوى إن بقي التأويل وألغي النص؟ إننا إذا تبعنا التأويلية في قراءة النصوص الدينية والأدبية فسيصبح التأويل طريقاً إلى اللامعرفة، أو إلى التخبط الفكري بما لايجدي نفعاً ولا يضيف قيمة معرفية.. والمطلوب هو: أن نعرف النص ومعناه، وتفسيره أو تأويله، ولكن بالأساليب العلمية الصحيحة، لا وفق الأمزجة فذاك هو الطريق الأمثل. وهناك فرق بين التفسير والتأويل وقد يبتعد الثاني عن الأول في تأويله للنصوص الدينية والأدبية والثقافية وغيرها عن التفسير أي أن التفسير والتأويل شيئان مختلفان عن بعضهما. تأويليون قدماء ممن تعامل مع التأويلية «أبو الفخر الرازي» وكذلك المفكر الإسلامي المتصوف «محيي الدين بن عربي» الذي قال: التأويل واضح في الفلسفة والفكر الإسلامي.. أما في الفكر الغربي فنجد العقل الإنساني هو المحور كما في الماركسية الشمولية والروماتيكية الغربية، ويرى بعض المفكرين العرب والغربيين أنه ليس هناك تمييز واضح بين التأويلية الإسلامية والغربية، فلقد كان النص هو الأساس في التأويلية الغربية، كما يرى بعض المفكرين العرب الجدد، أما في التأويلية الغربية فهناك اتجاهات متعددة، ومن مثالب التأويلية الغربية أنها تغيَّب النص ومؤلفه والأسلوبية تغيَّب المؤلف وتعلي شأن النص، وهناك من يرى من العرب أن العقل الإنساني واحد إلا أن هناك تمايز في الظرفية التأريخية، ومن مفكري الغرب من لهم باع طويل في التأويلية ك «هيجل وماركس وروسو وبرتزاند راسل ولوك» فهؤلاء كانت لهم تأويلاتهم الخاصة بهم من قضايا الإنسان والحياة كالوجوديين أمثال «سارتر وجارودي».. أما الفلسفة العربية ففيها «الإشراقية والصوفية» اللتان لهما رؤيتاهما التأويليتين للنص الديني كما في الفلسفة الغربية «المشائية والرواقية» كرؤيتين تأويليتين في فكر الغرب الفلسفي. إن القديس «توما الأكويني» هو الذي عقلن المسيحية في الفكر الغربي و«بطرس الأكبر» كان رشدياً نسبة لابن رشد في وقت حرمت أوروبا الفلسفة الرشدية، على أنها ذات مضمون إلحادي، خصوصاً في عهود سلطة الكنيسة، في موقفها المضاد من العلم، وللفارابي وأبن خلدون فلسفتاهما الخاصة، أما محيي الدين بن عربي في كتابه «وحدة الوجود» فله بهذا المجال تأويلاته الخاصة، وفلسفة أوجستين وثوما الأكويني ارتبطتا بأسماء أشخاص لذلك فهي فلسفات تأويلية غربية تنسب إلى الأشخاص لاحقاً إن فلسفة الغرب الجديدة طورت نفسها وحيَّدتْ المسيحية كديانة ومنها انبثقت الأفكار العلمانية الداعية لفصل الدين عن الدولة. أما الفلسفة الإسلامية فهي نهج فكري نشأ ببيئة خاصة، ولها مميزاتها المختلفة عن الفلسفة الغربية.. يقول المفكر والباحث البحريني كامل الهاشمي: (إن النص له ظهور ذاتي وموضوعي، والتأويل فيما يعنيه يأتي حسب الشعور الشخصي)، أما اليقينية في العلم والبرهانية فهي تتغير حسب الظروف، حسب رأي المفكر السوري البروفيسور جورج جبور، أما رأي الأستاذ أكرم النعماني من التأويلية هو: أن التأويلية الإسلامية تمتد إلى زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقام بتنمية هذا التوجه العلماء بعد ذلك، ولهذا فللتأويلية الإسلامية أسسها ومناهجها وتأثيرها وتأريخها، وهي بذلك لا تلتقي تماماً وبالتماثل مع التأويلية الغربية، أما «كانط»، «أو كانت» فقد قوض دور العقل في كتابه «نقد العقل المحض» وبهذا يتضح أن التأويلية الغربية لا تعتمد البرهانية، أما في الإسلام فالبرهانية واضحة في الفقه الإسلامي على ضوء الاستنباط، وكذلك الاجتهاد، والتأويلية الإسلامية لا تغيب النص ولا المؤلف فيما تفعل عكس هذا التأويلية الغربية والأسلوبية التي منها ما يغيب النص والمؤلف كالتأويلية والأسلوبية التي تحضر النص وتغيب المؤلف معتبرة أن النص هو محور النقد والتأويل والنقاش والحوار، وعلى ذلك تتعدد التأويلات، ومن خلال ذلك يتم انصهار الآفاق التأويلية، أي أن النص الأصيل يغيب وتنوب عنه الرؤية التأويلية والنقدية، وهي بذلك تضع النقد والتأويل بديلاً عن النص ومؤلفه، وهذا هو وجه التماثل بين التأويلية والأسلوبية في رأينا، وغاية فعلهما إما الغاء النص والمؤلف أو إلغاء المؤلف وإحضار النص كما في الأسلوبية، وفي التالية نناقش هذا التوجه الأدبي والفكري والفلسفي للتأويلية في فكر العرب والغرب.