يعتقد الكثير أن اليمن لم تكن يوماً شبيهه بدولة مثل سويسرا.. حالياً والتي تضرب فيها معظم العملات النقدية العالمية غير أن التاريخ يوضح لنا حقيقة ماشهدته عدد من مدن اليمن في فترات تاريخية متفاوتة وبالذات في صدر الإسلام من حركة دائبة في سك النقود من الذهب والفضة والنحاس لتسهيل التبادل التجاري وأبرز هذه المدن صنعاء. ولنستبين ذلك علينا الإطلاع على دراسة علمية صادرة عن المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية فتحت العنوان آنف الذكر يقول نيكولاس لويك: كانت صنعاء خلال فترات من التاريخ هي المركز الرئيس لضرب السكه في اليمن سواءً من الذهب أو الفضة أو النحاس وإذا كان العدد المتبقي من المسكوكات يدل على قلة إنتاجية مقارنة بدور الضرب في المدن الإسلامية الأخرى إلا أن دار الضرب بصنعاء أصدر نسبة هامة من كل الذهب المسكوك في أقاليم الخلافة واليمن غنية بالمعادن الثمينة كما هو واضح من كتابة الهمداني عن الذهب والفضة حيث سجل لجنوب الجزيرة ثمانية مناجم من ذهب وثلاثة مناجم للفضة منهم منجمان ذهب في جبل حضور أو «حجور» بالقرب من صنعاء ومنجم للفضة في جبل حراز ومع ذلك فإنه لم يوجد دار للسكه في اليمن قبل العصر العباسي. وكان العامل المالي هو الدافع وراء إنشاء دار للسكه في صنعاء إذ كانت أغلب الضرائب المجبية في اليمن سلع ولكن تألف الدخل الناتج الذي كان يرسل إلى الخليفة مرتين في السنة نقود من ذهب. أول نقود منسوبة لليمن وأول نقود يمكن نسبتها إلى صنعاء هي فلوس «نحاسية» بتاريخ 156158ه/ 772 774م عليها دار الضرب «اليمن» وهي على طراز العاصمة العباسية ومن المحتمل أن القوالب أعدت في بغداد أما النقود نفسها فقد ضربت في اليمن. وعلى الرغم من أن المصادر التاريخية تذكر أن أول من بنى دار الضرب في سوق التبانين هو محمد بن خالد البرمكي سنة 183ه/799م إلا أن هناك دراهم من الفضة من صنعاء مؤرخة سنة 171/787 أما نقود الذهب فلم تضرب إلا في سنة 122/538 واستمر الذهب المعدن الرئيس المسكوك في اليمن خلال ثلاثة قرون وحتى وصول الايوبيين وبالامكان تفسير انعدام نقود من الفضة والنحاس في تلك الفترة بأن الغرض من دار الضرب كان تزويد الضرائب بالنقود وليس لتسهيل المعاملات اليومية وتطابق النقود المبكرة في صنعاء الطراز العباسي المعروف حيث سجل عليها الشهادة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» مع التاريخ واسم الخليفة وذلك بانتظام منذ سنة 221/ 835 ومن حين إلى آخر سجلت أسماء الولاه. ضعف الخلافة وانعكاسه على العمل خلال النصف الثاني من القرن 3ه/9م فقد الولاة العباسيون نفوذهم أمام الدويلات المحلية مثل اليعفريين في صنعاء والزيديين في صعدة غير أن ذلك التحول لم ينعكس على مسكوكات صنعاء التي استمر ضربها باسم الخليفة وأحياناً أضيف اسم الوالي ويؤكد مؤلف سيرة الهادي أن الإمام أمر بضرب السكه والطراز باسمه بعد أن دخل صنعاء سنة 288ه/900م وحتى الآن يعتبر أن أول تاريخ لنقود غير عباسية هو دينار باسم الهادي من سنة 293/905 906 وهو التاريخ الذي انتزع فيه الهادي مدينة صنعاء من قبضة القرمطي بن الفضل وثيقة عملة مماثلة ضربت في صعدة سنة298/916 وهي السنة التي دخل فيها القرامطة صنعاء لفترة قصيرة، ومن المحتمل اكتشاف عملات ربما قام القرامطة بسكها في صنعاء خلال الفترتين. تكاثر دور الضرب كما أدى تدهورالدولة العباسية واستيلاء الأمراء المحليين على امتيازات الوالي العباسي إلى تكاثر دور الضرب خلال القرن 4/10 في مناطق أخرى مثل البيشة وذمار وسردد وعثار وعدنوزبيد ويظهر اسم اسحاق بن إبراهيم الزيادي على عملات زبيد بينما نجد اسم علي بن محمد القاسم على نقود من عدن ولكنه شخصية معروفة حتى الآن. وفي سنة 311/923 حدث تغيير في نقود صنعاء وهي الفترة التي توقفت فيها الولاية العباسية فأدخلت دنانير خفيفة جديدة حوالي«8.1 جرام» ذات طراز مختلف مع احتفاظها باسم الخليفة أما النماذج التي تلت العام 325 وحملت عبارة«أمر به الأمير» في المساحة المحيطة بال؟؟ وعن اطلاق اسم أمير يقول رمزي نجعزي إنها من اصدار أحد الحكام المحليين الذي أراد تأكيد وضعه المستقل. وقد ترك باب النقاش مفتوحاً أمام السؤال : إذا كان الحاكم هو الأمير اليعفري أسعد أم الزيادي أبو الجحش وبدون شك أن أسعد قام بضرب دنانير ولكنه غير محتمل أنه تلقب بالأمير وقد ذكر مؤلف «غاية الأماني في أخبار القطر اليماني» الدنانير الأسعدية في حوادث سنة 458/1065-1066 وهناك تفسير آخر مفاده أن هذه النقود استمرت شكلياً تحمل اسم الخليفة العباسي وربما كان الأمير هو الوالي العباسي حتى ولو لم يعد لديه سلطة حقيقية. آخر دينارين يقول نيكولاس لويك إن آخر دينارين صدرا عن دار الضرب بصنعاءلمدة حوالي قرن مؤرخان بسنة 343ه وسنة 344ه وليس هذا دليل على توقف دار الضرب طوال تلك الفترة إذ ذكر كتابه أئمة اليمن أن نقود باسم المهدي الحسين وهو منافس للزيديين الرسيين ضربت في صنعاء 302/1011 واستمر الرسيون واليعفريون والزياديون في التنازع للسيطرة على المدينة ومن الممكن أن نفترض أنهم قاموا بضرب السكة هناك لاعلان سلطتهم، أما النماذج التالية المعروفة فهي من اصدار يحيى بن أبي حاشد الخولاني الذي حكم بين 422/1030 و440/1048 وهذا الاصدار الذي تعرف عليه كزانوفا لم يعتبره نجعزي ضمن قائمته بسبب كونه نموذج فقير ولكنه من المؤكد أن الكتابة تحمل اسم يحيى بن أبي حاشد ودار الضرب بصنعاء ومن المحتمل أن صانع القالب كان أمياً ونقل الكتابة من نموذج أمامه. أما الصليحيون فلا نعرف لهم أي نقود ضربت في صنعاء حتى الآن ولكنهم قاموا مثل الزريعيين بضرب كميات كبيرة من الدنانير الملكية بعدن وقد انتهت سيطرة الصليحيين على صنعاء سنة 481/1088-1089عندما أصبحت المدينة تحت حكم الهمدانيين بني حاتم حتى دخول الأيوبيين سنة 569/1073-1074 ومرة أخرى لابد من الرجوع إلى المصادر التاريخية لاستمداد المعلومات عن السكة وذكر أن دنانير حاتمية ربما ضربت في صنعاء كانت توازي أربعة دنانير سبئية ومن المحتمل أن الدينار السبئي هو الدينار من النوع الملكي الذي ضربه السلطان الصليحي سبأ بن أحمد 484ه -492ه ويتراوح وزن الدنانير الملكية المعروفة حول 38.2جرام وبهذا فإن الدينار الحاتمي وصل ضعف هذا الدينار في عصره.