ليس لدى المرء أدنى مبررات الخوض في جدال بيزنطي عقيم حول أهمية الكتاب في حياة الأفراد والمجتمعات، وبناء الحضارات، كون ذلك مؤكد الشواهد وموفور الدلائل عبر التاريخ الإنساني، والتي يأتي في مقدمتها البداية الأعظم لمسيرة الوحي الإلهي لنبي الإنسانية حين جلب عليه جبريل الأمين موجة من الخوف حين أمره بالقراءة، وفي تلك دلالة عظيمة لم يفطن لمعناها كثير من المسلمين حتى اللحظة، وهو ما يفسر التخلف الذي ترزح تحت نيره البلاد المسلمة، وفي بلادنا شهدت السنوات الأخيرة خصوصاً في أعقاب الفجر الثوري وإعادة وحدة التراب الوطني، نشاطاً ملحوظاً في الاهتمام بالكتاب، والذي بلغ أوج معالمه الرسمية بإنشاء الهيئة العامة للكتاب بالجمهورية اليمنية، والتي أنيط بها مهام العناية بالكتاب تأليفاً وطبعاً وانتشاراً. وتبعاً لذلك فقد تأسس فرع الهيئة العامة للكتاب بمحافظة إب في العام 2000، وبقرار من محافظ المحافظة آنذاك منح الفرع والمكتبة العامة غرفة واحدة ضمن مبنى نادي الاتحاد الرياضي بمدينة إب، ورغم مرور العقد الثاني على بدأ النشاط فإن واقع الحال في الفرع يسير نحو الأسوأ، حيث تمارس مختلف المهام الإدارية والثقافية والمكتبية في تلك الغرفة السباعية الأمتار، والتي تكتظ بالمئات من رواد المكتبات بصورة يومية، لدرجة تثير الرثاء، والغريب أن الإعلان عن مشاريع المكتبة العامة يتردد على المسامع منذ سنوات غير أن الواقع يدفع المرء إلى زجر سمعه عن تصديق الأمر حتى اللحظة، والأدهى أن تشهد المحافظة تطويراً ملموساً في جوانب عديدة في الشأن الثقافي كإنشاء ورعاية بيت الفن التشكيلي، ورصد الموارد المالية لمئات الفعاليات الثقافية في المركز الثقافي بالمحافظة، وتقديم الدعم للكثير من المنتديات والجمعيات الثقافية، غير أن فرع الهيئة العامة للكتاب، أو بالأصح المكتبة العامة لهذا الفرع ظلت خارج نطاق الخارطة العامة للمحافظة، ومثلت تبعيتها مبرراً لضرب مشاريعها في العمق، وهي اليوم تواجه خطر الازدحام الشديد، بل والإغلاق التام. ردمان فارع الأديب مدير عام فرع الهيئة العامة للكتاب بمحافظة إب يكشف للجمهورية تفاصيل المعاناة وواقع الفرع على النحو التالي: بناء الثقافة الوطنية في بداية اللقاء تحدث ردمان فارع الأديب مدير عام فرع الهيئة العامة للكتاب بمحافظة إب عن أهمية الدور الذي يقوم به الفرع حيث قال: فرع الهيئة العامة للكتاب وما يتبعه من المكتبات العامة في محافظة إب بدأ نشاطه وخدماته الثقافية والأدبية من صالة صغيرة لا تتجاوز مساحتها سبعة أمتار ضمن مبنى نادي الاتحاد الرياضي، واستطاع هذا الفرع منذ تأسيسه في العام 2000، أن يسهم بفاعلية في تحريك النشاط الأدبي والثقافي من خلال عدد من الأنشطة التي خلقت التنافس الشريف بين الشباب من أجل تطوير الوعي المعرفي والعلمي والثقافي والديني والوطني في نفوسهم، بغية الوصول إلى ثقافة وطنية ودينية واحدة ومتوحدة بعيدة عن ثقافة التطرف والولاءات الضيقة والتعصبات المذهبية . ازدحام رواد المكتبات أما المهام التي أنجزها فرع الهيئة العامة للكتاب بمحافظة إب فيوجزها الأديب بقوله: وفقاً لإمكانياتنا المحدودة والتزاماً بالمهام الملقاة على عاتقنا فقد قمنا بتنفيذ العديد من الأنشطة ولعل أهمها الإشراف على المكتبات العامة التابعة لفرع الهيئة العامة للكتاب في كل من مدينة إب، جبلة، يريم، دمت، ومتابعة سير وانتظام العمل فيها، وصرف المخصصات الشهرية المتمثلة في النفقات التشغيلية لتلك المكتبات، متابعة أعمال، إعداد وتجهيز مبنى المكتبة العامة بمدينة جبلة بهدف رفده بكافة المستلزمات والأجهزة الحديثة، وهو المشروع المنفذ من قبل صندوق التنمية الاجتماعية تمهيداً لافتتاح تلك المكتبة رسمياً، متابعة الهيئة العامة للكتاب بهدف تزويد جميع المكتبات العامة بمحافظة إب وبعض المديريات بالإصدارات والكتب الحديثة أولاً بأول، بصورة تلبي الطلب المرتفع والمتزايد من قبل القراء ورواد المكتبات في المحافظة التي تسجل أعلى نسبة من الشباب، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبة الإقبال على المكتبات العامة بصورة يومية حيث إن عدد القراء يصل إلى أكثر من [200] قارئ وقارئة يومياً، وهو العدد الذي يرتفع معدله بالتزامن مع أوقات إعداد الطلبة للأبحاث العلمية في الجامعة وغيرها من المؤسسات التعليمية والعلمية، متابعة إنشاء وتأسيس المكتبات العامة في كل من مديريات الشعر، السبرة، السياني، القفر، متابعة صندوق التنمية الاجتماعي بهدف إعادة تأهيل وتأثيث المكتبة العامة الحالية الواقعة ضمن مبنى نادي الاتحاد، وهذا المشروع قيد التنفيذ بعد موافقة النادي. مشاركات ثقافية وفيما يختص بمشاركات فرع الهيئة العامة للكتاب بإب في الأنشطة العامة يقول مدير عام الفرع: المشاركات التي تمكن فرع الهيئة العامة للكتاب في محافظة إب من تسجيلها خلال العام الماضي كثيرة، ويأتي في مقدمتها؛ حضور الدورة التدريبية التي استهدفت تبيين دورة القيادة في إدارة التغيير، والمنعقدة في المعهد الوطني للعلوم الإدارية بمحافظة إب، وكذلك المشاركة في ورشة التخطيط الاستراتيجي لمشروع تمكين الشباب بمحافظة إب، حضور المؤتمر الفرعي الموسع للسلطة المحلية المنعقدة بالمحافظة، المشاركة بفعاليات الأسبوع الثقافي الجامعي من خلال إقامة معرض للكتاب بكلية الآداب في جامعة إب. متاهة المركزية والمحلية في رده على سؤالنا بشأن مصير مبنى الفرع والمكتبات العامة يقول الأديب: برغم الجهود التي تبذل منذ تأسيس فرع الهيئة العامة للكتاب بمحافظة إب في العام 2000، إلا أنه للأسف الشديد لم يتحقق لفرع الهيئة أي مشروع، وبرغم ما يقدمه فرع الهيئة والمكتبات العامة التابعة للفرع في مديريات [جبلة، يريم، إب] من خدمات ثقافية وأدبية لمختلف شرائح المجتمع سواء كانوا أدباء ومثقفين أم طلاباً وطالبات أو مهتمين وباحثين، إلا أننا وحتى الآن لم نلمس أدنى استجابة من أجل تطوير وتحسين وضع فرع الهيئة والمكتبات العامة، فحتى اليوم لا زالت المكتبات العامة مقامة في صالات مستعارة من أندية رياضية أو معاهد بصورة مؤقتة منذ العام 2000، وذلك نتيجة لعدم حصولنا على أي مساحة من أراضي الدولة لتنفيذ مشروع بناء المكتبات العامة، والأدهى أن لا تجد أدنى تجاوب أو اهتمام على الصعيدين الرسمي والشعبي، وتعد المشاريع الثقافية هي الأقل تنفيذاً وخصوصاً ما يتعلق منها بالكتاب والمكتبات العامة فحينما نتابع القيادة المركزية في صنعاء بهدف تطوير أداء هذا المرفق الخدمي وتنفيذ المشاريع الخاصة بالبنية التحتية يتم الرد علينا بأن السلطة المحلية معنية بذلك، والعكس كذلك عندما نتابع السلطة المحلية التي يكون ردها بأننا نتبع السلطة المركزية، وبالتالي فإن واجبنا يقتضي أن نتابع قياداتنا في الهيئة بصنعاء، وهكذا تمر السنين دون أن ننفذ مثل هذه المشاريع الخدمة الهامة، والتي سيكون لها الأثر العظيم في تنمية وتطوير الثقافة الوطنية وغرسها في نفوس الشباب من أبناء الوطن اليمني الموحد وينمي قدراتهم وإبداعاتهم، وبالتالي فالحاجة ملحة إلى الرعاية والاهتمام بثقافتهم لتنمية وعيهم وتوجيههم نحو الثقافة الوطنية التي تمثل ثقافة المحبة والتسامح وثقافة البناء، ولن يتحقق ذلك إلا بتوفير مثل هذه المشاريع الثقافية والمتمثلة بالمكتبات الوطنية العامة والتي من السهل تنفيذها في عموم محافظات الوطن. المكتبة القديمة وعن ما تردد بشأن مبنى المكتبة العامة القديم والذي تشغله كلية التربية بجامعة إب يقول: نظراً لأننا نعاني حتى اللحظة من ضيق مبنى فرع الهيئة العامة للكتاب ومكتبته في إب، والتي ليست أكثر من صالة واحدة لا تزيد مساحتها عن سبعة أمتار تمت استعارتها من نادي الاتحاد الرياضي، فإننا كنا نأمل في استعادة المبنى القديم للمكتبة، ولذلك فقد تمت متابعة قيادة المحافظة ورئاسة جامعة إب بهدف إعادة تسليم مبنى كلية التربية لفرع الهيئة العامة للكتاب بناء على مذكرة رئيس الهيئة العامة للكتاب الدكتور فارس السقاف، وقد اعتذرت رئاسة جامعة إب عن إعادة المبنى نتيجة لعجز المبنى الجديد لكلية التربية عن استيعاب طلبة الكلية كون المبنى الجديد صغيراً، ولا يمكن الجامعة من استيعاب كافة طلاب الكلية التي تشغل مبنى المكتبة منذ إنشائه، وبالتالي فإن إنشاء مبنى المكتبة العامة الجديد في محافظة إب يمثل البديل الأفضل والخيار الأنسب لأنه لا يمكن إخلاء المبنى السابق فنحن نقدر الدور الذي تنهض به جامعة إب في العملية التعليمية، ودورنا يأتي في إطار التناسق والتكامل بين التعليم والبحث العلمي الذي تعد مكتباتنا من مصادره الأساسية لطلبة الجامعة. أمل قائم ويستطرد مدير فرع الهيئة العامة للكتاب بمحافظة إب قائلاً: بالرغم من ذلك فما زلنا حتى اللحظة نتمسك بالأمل في أن ينال مشروع بناء المكتبة العامة بمدينة إب اهتمام ورعاية خاصة من القاضي أحمد عبدالله الحجري محافظ المحافظة، حيث وقد تأخر هذا المشروع كثيراً بسبب عدم وجود أرضية لتنفيذ هذا المشروع، وثقتنا وجميع أبناء هذه المحافظة وخصوصاً الأدباء والمثقفين والمهتمين بأنه سيعمل على تحقيق آمالهم وتطلعاتهم الثقافية بإخراج هذا المشروع إلى النور لأهميته. مكتبات مهددة بالإغلاق وفي رده على سؤالنا بشأن الصعوبات التي تعيق عمل فرع هيئة الكتاب يقول الأديب: إذا أردنا الحديث عن أهم الصعوبات التي يعاني منها فرع الهيئة ومكتباته العامة في المديريات والمدن الثانوية فهي كثيرة، غير أن أهمها على الإطلاق؛ غياب الاهتمام بالكتاب والمكتبات العامة، واستبعاد الكتاب من قائمة الضروريات عند تنفيذ المشاريع الخاصة بالثقافة والأدب، بالرغم من أن الكتاب يعد من أهم المشاريع التنموية حيث لا تتحقق التنمية الشاملة إلا من خلال الاهتمام بالتنمية الفكرية والمعرفية والثقافية، علماً بأن نسبة الإقبال على المكتبات العامة يرتفع من يوم إلى يوم ومن عام إلى عام آخر، أما الصعوبة الثانية فتتمثل بتأسيس مكتبات عامة دون توفير مقرات خاصة وثابتة بالمكتبات، وقد أصبحت هذه المكتبات مهددة بالإغلاق من قبل مالكي هذه المقرات سواء كانوا مؤسسات أو أفراد، وتتمثل الصعوبة الثالثة التي تواجهنا بعدم توفر اعتماد النفقات التشغيلية لهذه المكتبات لمواجهة تكاليف أجور المباني وتسديد فواتير الكهرباء والمياه وغيرها من الالتزامات الضرورية، وكذلك عدم رصد أي درجة وظيفية للعاملين في المكتبات، والذين ما زالوا حتى اليوم يتمسكون بأمل توظيفهم رسمياً، بالإضافة إلى عدم وجود اعتماد أجور تعاقدية لهم، وتأتي الصعوبة الأخرى والمتمثلة باستبعاد فرع الهيئة عند القيام بعملية رصد الميزانية السنوية للمكاتب الحكومية، فلا يتم استدعاؤنا كبقية المكاتب لمناقشة ورصد الميزانية السنوية، وهذا يعد نوعاً من أنواع التهميش، ووضع الفرع في قائمة القضايا غير الضرورية، وربما الزائدة عن الحاجة أو الترفيهية، وهو ما يتم تبريره بأننا مكاتب تابعة للسلطة المركزية. مقترحات الحل وفي رده على سؤالنا بشأن المعالجات أو المقترحات التي يعتقد إمكانية إسهامها في حلحلة مشاكل فرع الهيئة العامة للكتاب بإب يقول الأديب: بالتأكيد لدينا بعض المقترحات التي نعتقد بأهمية الأخذ بها، لأن كل من يواجه مشكلة معينة لابد أن تدفعه المعاناة من أضرارها إلى التفكير بالحلول الممكنة والمتناسبة مع واقع الحال في المحافظة، ومن تلك المقترحات؛ توفير قطعة أرض وتسليمها لصندوق التنمية الاجتماعي لتنفيذ مشروع مباني المكتبة العامة بالمحافظة، كما حدث ذلك في محافظات أخرى من الوطن اليمني، توظيف جميع المتعاقدين في جميع المكتبات العامة الموجودة والتي سيتم افتتاحها، مخاطبة مكتبي الخدمة المدنية والمالية بهدف مناقشة وضع ميزانية لفرع الهيئة تؤهله لتنفيذ أنشطته بفاعلية قصوى وتمكنه من مواجهة صعوبات الفرع والمكتبات العامة في المديريات واعتماد نفقات تشغيلية وإيجارات وكل ما من شأنه العمل على تطوير الخدمات المكتبية والثقافية، اعتماد إقامة وتنظيم دورة سنوية للمعرض الدولي للكتاب في إب بالتزامن مع موعد المهرجان السياحي السنوي بالمحافظة، ورصد ميزانية سنوية لهذا المعرض الذي نعتقد أنه سيمثل جديداً مناسباً يسهم في إنجاح فعاليات المهرجانات السياحية من خلال ربطها بمعرض سنوي للكتاب، وبالتالي يصبح الجمهور منتظراً لذلك المعرض في كل عام، وهو ما يخدم الجميع، القارئ، والكتاب، والسياحة، وبالتالي التنمية برمتها، ويمكن الاطلاع على تجارب الآخرين في هذا السياق لتجنب الأخطاء والاستفادة من الثمار الجيدة. الغاية الوطنية وبنظرة من لا يفقد الأمل مطلقاً يتوجه مدير عام فرع الهيئة العامة للكتاب بمحافظة إب بحديثه إلى محافظ المحافظة بالقول: لابد من أن أشدد في هذه المناسبة على أن أملنا كبير في رعاية القاضي أحمد عبدالله الحجري واهتمامه بفرع الهيئة العامة للكتاب بالمحافظة من خلال إنجاز مشروع بناء مكتبة وطنية نموذجية في هذه المحافظة تلبي تطلعات وآمال جميع أبناء المحافظة وتحقق غايتها الوطنية النبيلة في خلق جيل متسلح بالعلم والمعرفة .