تأييد تحديد سن الزواج لا يمثل مجابهة مع ما يقضي به الدين الحنيف وليس إنكاراً لما علم منه بمشاركة عدد كبير من الشخصيات السياسية والعلمية والدينية والاجتماعية عقدت أمس بصنعاء فعاليات ندوة الأدلة الشرعية والصحية والاجتماعية على جواز تحديد سن الزواج والتي ينظمها قطاع الفكر والثقافة والإعلام بالمؤتمر الشعبي العام ممثلة بصحيفة الميثاق لسان حال المؤتمر الشعبي العام .. وفي الندوة ألقى عبدالعزيز عبدالغني – رئيس مجلس الشورى - كلمة أكد خلالها أن انعقاد الندوة بهذه المشاركة الواسعة تؤكد اهتمام المؤتمر الشعبي العام بقضايا الأسرة باعتبارها النواة الأساسية في المجتمع وهو ما يمثل انعكاساً للتوجيهات والمضامين التي استند عليها البرنامج الانتخابي لفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح - رئيس الجمهورية - فيما يخص قضايا المجتمع وتنميته وتطوره. ولفت رئيس مجلس الشورى إلى الأهمية الاستشارية لهذه الندوة التي تنعقد على مسافة قصيرة من إقرار مجلس النواب المرتقب لقانون يهدف إلى تحديد سن الزواج . مؤكداً مسؤولية الجميع تجاه قضية الزواج للقاصرات باعتباره ظلماً للفتاة والمستقبل والأجيال قائلاً : إن الفتاة القاصر ضحية الزواج لا تتوفر فيه مقومات الكفاءة والمقدرة على الإنجاب وتحمل مسئولية بناء الأسرة. مشيراً إلى المسئولية التي يتحملها بالضرورة ولي الفتاة القاصر الذي ينبغي عليه أن يتحرى مصلحتها كشرط لصحة ولايته عليها وإلا سقطت ولايته كما يرى الفقهاء. منوهاً إلى أن مجتمعنا اليمني اليوم يتأسس على قواعد حياة لها متطلبات تختلف عن تلك التي كانت سائدة في الماضي البعيد وحتى القريب، مدللاً في هذا الصدد بقانون التعليم القاضي بإلزامية التعليم الأساسي الذي ينتهي ببلوغ الفتى أو الفتاة سن ال15 ، ما يعني أن زواج القاصرات عامل أساسي لحرمانهن من حقهن القانوني في التعليم. مشدداً على أن عدم تحديد سن معين للزواج ليس من مصلحة الفتاة القاصر ولا المجتمع ولا حتى الوطن الذي يحتاج إلى أمة تتمتع بالصحة والعافية والرشد لتنهض بأعبائه لا لتضيف أعباء عليه. مشيداً بالأهداف التي تسعى الندوة إلى تحقيقها من خلال فتح باب الآراء والمناقشات الجادة للوصول إلى مرحلة الإسهام الجاد والمسئول الهادف لتأكيد مشروعية التوجه نحو تحديد سن الزواج لخدمة قضية المرأة وقضية سلامة المجتمع من كل ما يهدده من سلوكيات خاطئة وإقامة أسس العدل الاجتماعي والحفاظ على المصالح العامة. وأضاف بأن تأييد المشاركين لهذه الندوة لتحديد سن الزواج لا يمثل مجابهة مع ما يقضي به الدين الحنيف، وليس انعكاساً لما علم منه بالضرورة وإن الذين أخذوا جانباً حاداً من هذه القضية واستنفروا كل قواعدهم لمواجهتها لا يجب أن يذهب بهم الحماس حد الاعتقاد بأنهم يتأثرون بالحقيقة الشرعية المطلقة، معتبراً أن الجميع هنا يبحث ويدلي بآرائه ويعبر عن مسئولياته كلاً من موقعه في قضية يقع البحث فيها ضمن الفسحة التي أتاحها ويتيحها الدين الحنيف والشريعة الإسلامية السمحة على قاعدة إن المصالح وتقديرها يختلفان باختلاف الزمان والمكان. كما أشار الأخ رئيس مجلس الشورى في كلمته إلى أننا نعيش في بلد إسلامي أكد دستوره على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع وأن اليمن تميز بمنهج تقنين أحكام الشريعة الإسلامية وأتاح ذلك وجود قوانين تتفق مع أحكام الدين الحنيف وتأخذ بالأصح من اجتهادات أئمة المذاهب. مؤكداً أن توجه كل النواب نحو تعديل قانوني يسمح بتحديد سن الزواج لن يخرج عن هذا النهج مادام يرمي إلى تأكيد مقصد شرعي معتبر يتمثل في ضرورة بلوغ الفتاة أو الفتى سن الرشد أي سن التكليف كشرط قانوني للزواج. كما ألقى الدكتور أحمد عبيد بن دغر – الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام - كلمة أشار من خلالها إلى قضية تحديد سن الزواج وما أثير حول هذه القضية من لغط كبير. مؤكداً أن الاختلاف على هذه المسألة هو على الفروع وليس الأصول، وضرورة الاستماع إلى مختلف الآراء من قبل المختصين، متسائلاً بقوله ألا يحق لنا اليوم أن نتناقش في قضايا لا يحكمها نص واضح أو سنة متفق عليها بعد 14 قرناً؟! وهل من الضروري أن يبقى باب الاجتهاد مغلقاً، مؤكداً بقوله: إن الإسلام يوجب درء المفاسد على جلب المصالح، مستشهداً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: أنتم أعلم بأمور دينكم، مشيراً إلى أن انعقاد الندوة يتيح فرصة للبحث في هذا الموضوع الهام المطروح على مجلس النواب الذي عليه مسئولية أن يتخذ موقفاً في هذه المسألة التي تمثل صراعاً نفسياً وصراعاً أيديولوجياً وثقافياً مع بقايا التخلف. قائلاً: لابد أن نجد تعاطفاً وموقفاً واضحاً في مجلس النواب مع قضية المرأة ومع هذه القضية على وجه التحديد. وكانت قد ألقيت كلمات من قبل الإخوة الشيخ حسن عبدالله الشيخ – وكيل وزارة الأوقاف والإرشاد، والأستاذ قاسم سلام – الأمين العام لحزب البعث العربي.. استعرض الشيخ حسن عبدالله الشيخ في كلمته مجموعة من النصوص والقواعد التي تحدد الإطار العام للتعامل مع أية مسألة شرعية أو حدث طارىء يخص حياة الأمة. مؤكداً بأن الاجتماع هو القاعدة في مسألة عدم الإضرار بالمرأة وسلامتها وصحتها النفسية والجسمانية والأسرية مدللاً بعدد من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد ضرورة تزويج الفتاة عند بلوغها سن قادرة على تحمل مسئولية الزواج والإنجاب وتربية الأسرة، أما الأستاذ قاسم سلام فقد أشار في كلمته إلى تحديد سن الزواج للفتاة ويعتبر ضرورة ملحة من أجل التغيير والإصلاح الاجتماعي، وبإقرار هذا القانون سيمثل المفتاح أمام المرأة للعمل في كل المجالات وإزاحة المعوقات والقيود المتخلفة التي تشكل نقطة مهمة في محور البداية الصحيحة لتنشئة جيل مؤهل جديد يتحمل أعباء التقدم الاجتماعي وترسيخ أسس مجتمع جديد بكل أبعاده ومرتكزاته الحديثة ذات الصلة بالأصالة والمعاصرة، منطلقاً من الاهتمام المتواصل بتعليم المرأة ورعايتها وحمايتها وتنمية قدراتها وتمكينها من المساهمة الفعالة في عملية صنع القرار في مختلف المجالات. بعيداً عن ضجيج المزايدات والإيحاءات الموجهة، مؤكداً أن الإسلام أعاد للمرأة حريتها وكرامتها، وبالتالي احترم آدميتها وحقها في الحياة الكريمة، بعيداً عن الاستغلال والقهر والتحكم الأعمى بمصيرها. حضر فعاليات الندوة الدكتورة أمة الرزاق علي حمد - وزيرة الشئون الاجتماعية والعمل، والأستاذ أحمد الكحلاني- وزير الدولة لشئون مجلسي النواب والشورى، وعدد من أعضاء مجلسي النواب والشورى والشخصيات السياسية والاجتماعية. هذا وقد خرج المشاركون في الندوة بجملة من التوصيات والتي أكدت جواز تحديد سن الزواج شرعاً وثبوت ذلك بأدلة كثيرة أهمها قول الله تعالى «وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم» صدق الله العظيم، حيث ذهب المفسرون إلى أن المقصود ببلوغ النكاح هو صلاحية طرفي العلاقة الزوجية للزواج ، كما أن المفسرين الثقاة جميعهم قد ذهبوا إلى أن البلوغ يكون بالسن ، ويكون بالعلامات، وهذا ثابت في كافة التفاسير المتقدمة والمتأخرة، وتبعاً لذلك يجوز تحديد سن الزواج. وأكد المشاركون في الندوة أن تحديد سن الزواج مسألة خلافية بين الفقهاء المتقدمين والمتأخرين، ولم يحرمه أو يمنعه الله سبحانه وتعالى، والأصل في الأشياء الإباحة كما هو ثابت شرعاً، ولذلك يجوز تحديد سن الزواج .. موضحين أنه لا خلاف بين الفقهاء المتقدمين والمتأخرين في جواز تقييد المباح لمصلحة، فمن الثابت أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ومن أتى بعدهم حتى اليوم قد قاموا بتقييد المباح كإجراءات السفر وحمل السلاح ومنع موظفي الدولة من القيام ببعض الأعمال ومنع الأشخاص من المرور في بعض الأماكن وكذا منع المركبات وغير ذلك كثير، وتبعاً لذلك يجوز تحديد سن الزواج من هذا الباب أيضاً.. وبينوا أن الحكم يدور مع المصلحة العامة وجوداً وعدماً كقاسم مشترك أقره علماء الشريعة, كما أن الإسلام يقدم الاهتمام بصحة الأبدان قبل الاهتمام بإقامة الأديان. وأجمع المشاركون في التوصيات أن الله تعالى جعل المرأة سكناً للرجل، ولا تكون كذلك إلا إذا بلغت السن الذي يؤهلها لذلك. ولفتوا إلى أن النص المقترح لتحديد سن الزواج لا يمنع زواج الصغير إن كان له مصلحة في ذلك وبعد التأكد من وجود هذه المصلحة وبشروط تحد من الإضرار به. وأوضحوا أن الأطباء الثقاة العدول كشفوا أنه يترتب على زواج الصغيرات أضراراً تؤدي غالباً إلى هلاك الأم أو وليدها أو حدوث عاهات وتشوهات مستديمة أو تلف بعض أعضاء الأم أو وليدها أو إذهاب منفعة هذه الأعضاء، ورفع الضرر ومنعه قاعدة فقهية من أهم قواعد الفقه الإسلامي، وسندها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» ولذلك يجوز تحديد سن الزواج منعاً لتلك الأضرار. وبينوا أن الخبراء العدول في مجال علم الاجتماع والتربية يذهبون إلى أن الأم الصغيرة القاصر تحتاج إلى من يقوم بتربيتها لقلة خبرتها وعدم اكتمال نموها العقلي والنفسي، ولذلك فالأم القاصر تكون عاجزة عن القيام بتربية طفلها أو أطفالها مما يجعلهم فريسة للجنوح والانحراف، وأمراض اجتماعية مدمرة للمجتمعات، والشريعة الإسلامية قررت وجوب رفع الضرر ومنعه وبناءً عليه فتحديد سن الزواج منعٌ للضرر. وأفادوا أن الدول الإسلامية كافة باستثناء اليمن قد أدرجت في تشريعاتها نصوصاً قانونية تنص على تحديد سن الزواج، ومن ذلك السعودية والإمارات العربية المتحدة وعمان وقطر والكويت والبحرين ومصر، بعد أن شهدت هذه الدول نقاشاً واسعاً ومتشعباً بين الفقهاء والعلماء، وفي أثناء ذلك ذهب غالبية هؤلاء الفقهاء إلى جواز تحديد سن الزواج، حيث تم النص في قوانين الدول الإسلامية كافة على تحديد سن الزواج..مذكرين في ذات الوقت أن تحديد سن الزواج كان متبعاً في اليمن منذ أن كانت ولاية من ولايات الخلافة العثمانية التي نصت في قانون حقوق العائلة العثمانية على تحديد سن الزواج وكذا الاختيارات التي كان يتم القضاء بها في المحاكم، كما أن تحديد سن الزواج قد نص عليه قانون الأحوال الشخصية عام 1992م الذي ظل سارياً حتى تعديلات 1998م . ودعا المشاركون في الندوة نواب الشعب بإقرار النص القانوني المتضمن تحديد سن الزواج، وتحديد عقوبة مغلَّظة لمن يخالفه لثبوت جواز تحديد سن الزواج وفقاً للأدلة السالف ذكرها. وناشد المشاركون في توصيات الندوة الجهات المختصة «المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، ووزارة العدل، ووزارة شئون مجلسي النواب والشورى، واللجنة الوطنية للمرأة» وكذا منظمات المجتمع المدني للتفاعل والاهتمام مع هذا الموضوع ومتابعة إجراءات مبدأ تحديد سن الزواج والمصادقة عليه، داعيين وسائل الإعلام المختلفة للاسهام في نشر الوعي بالموقف الشرعي من مبدأ تحديد سن الزواج ومخاطر وأضرار زواج القُصَّر.