على الرغم من قصر عمرها تبقى تجربة مهرجان الخليج السينمائي جديرة بالتوقف أمامها وقراءة ما حققته في دوراتها الثلاث الماضية انطلاقاً من خصوصية التجربة التي تقدم مهرجاناً سينمائياً في منطقة لا عهد لها بصناعة السينما...فبعد ثلاث سنوات كان قبلها الحديث مضحكاً عن أفلام خليجية أصبحت الأفلام الخليجية اليوم تتحدث بلغات كثيرة وتشتغل على تقنيات وأساليب عديدة وترتفع مؤشراتها مسجلة في كل دورة مفاجآت محسوبة للمخرجين الشباب والشابات الذين وفر لهم هذا المهرجان منصة هامة لعرض أعمالهم وبيئة لتحفيز قدراتهم وبلورة مشاريعهم.. وعلى الرغم من تلك المفاجآت التي في مقدمتها فيلم افتتاح مهرجان هذا العام "دار الحي" إلا أن المفاجأة الأهم تبقى في الرؤية التي يتبلور وينضج من خلالها ... هذا المهرجان. في هذا الحوار يقول مدير المهرجان مسعود أمر الله آل علي أن ما يهمه ليس الأفلام وإنما اكتشاف المواهب مؤكداً أن ما يعمل عليه منذ مسابقة أفلام الإمارات وصولاً إلى مهرجان الخليج السينمائي هو توريط الشباب بالسينما...وقال إن مشكلة السينما في الخليج والوطن العربي هي الكسل وعندما نصحو لا نصحو بهدوء وإنما بغرور؛ فننكسر تحت لافتات عدم وجود إمكانيات...وقال في حديث الى وكالة الانباء اليمنية (سبأ) مخاطبا الفنان الشاب في اليمن :بمجرد أن تأخذ كاميرتك وتضع قدمك على أول السلم اصعد ولا تتوقف لأنك ستصل وتحقق مشروعك... فيما يلي نص الحوار: على ما حققه المهرجان في دورة هذا العام من تميز وتطور في عدد ونوعية الأفلام ومستوى مشاركات بلدان المنطقة ؛إلا أننا لاحظنا تراجعا في مشاركة الافلام اليمنية حد الغياب...انتم كإدارة للمهرجان كيف تقرأون ضعف وتراجع هذه المشاركة ؟ - لا اعرف الكثير عن الوضع السينمائي في اليمن ،فما أعرفه أن هناك محاولات فردية أكثر مما هي محاولات مدعومة من قبل مؤسسات أو من قبل جهات حكومية … منذ بداية مهرجان الخليج السينمائي و المشاركات اليمنية قليلة،و ربما بعدد الأصابع ،ففي الدورات الثلاث الماضية عُرض في المهرجان فيلم يمني واحد وكان في الدورة الماضية وهو فيلم "الرهان الخاسر "،لكن في العام الماضي – أيضا- تلقينا مشاركات طلابية ؛إلا أنه وللأسف لم يتم اختيارها ،لكنهم أرسلوا إلى المهرجان بعض الأفلام،وخاصة من طلاب كلية الفنون الجميلة في جامعة الحديدة،لكن في هذه السنة لم يصلنا أي فيلم من الكلية باستثناء فيلم روائي واحد فقط لم يتم اختياره . هناك بجانب كلية الفنون الجميلة أقسام تلفزيونية في عدد من الجامعات،بالإضافة إلى خريجي معاهد الفنون والسينما الدارسين في الخارج،فلدى معظمهم أفلام تسجيلية وأخرى قصيرة...لا أعرف لماذا لم يهتم هؤلاء بالمشاركة بأعمالهم في المهرجان ...هل يعود الأمر إلى أن صوت المهرجان لم يصل إليهم؟ - لا .. إعلاميا أعتقد أن المهرجان وصل تقريباً بشكل أو بأخر إلى كل الدول التي يحق لها أن تشارك في المسابقة ،لكن أظل أقول إنه يبقى هناك دور لوسائل الإعلام في كل بلد في أن يسخروا ويهيئوا لمشاركة بلدانهم في المهرجان ؛لأنه أيضا يظل صوتنا قاصرا مهما نفعل؛كما أن الإعلام المحلي يظل أقرب إلى جمهوره منا نحن. بالاضافة الى أن باب استقبال المشاركات في المهرجان مفتوح منذ انتهاء مهرجان هذا العام إلى قبيل مهرجان العام القادم،فالمسألة مفتوحة،وعلى موقع المهرجان ستجد دعوة المشاركة مفتوحة إلى تاريخ معين..فأمام المشاركين فترة ثمانية شهور لتقديم الأفلام،وهذا مفتوح بمجرد انتهاء الدورة تفتح الدورة التي بعدها بشكل اتوماتيكي للدورة التالية..كما أن الإعلام كان موجود بما فيه الإعلام اليمني،لكن يفترض انه عندما يقترب موعد انتهاء فترة المشاركة يكون هناك تكثيف إعلامي محلي... المؤسسة العامة للمسرح والسينما دعتكم لزيارة اليمن... ربما ان هذه الزيارة ولقائكم بالسينمائيين اليمنيين قد تسهم في تعزيز المشاركة اليمنية في المهرجان ..؟ - زيارة اليمن شرف لي وأنا أقول دائما إن اليمن من المهم أن يطلع صوتها سينمائياً ..وعلى الرغم من ذلك فان اليمن موجودة في المهرجان،وإن كان لم يكن لها وجود في الأفلام ،ففي مهرجان هذا العام غابت الأفلام من اليمن لكن اليمن موجودة ولقاءكم خلال خديجة السلامي في لجان التحكيم واثنين من الإعلاميين هو أنت وحميد عقبي ... وأعتقد أن الوجود مهم فهناك لليمن وجود في النهاية بالمهرجان .. وأزيد على ذلك مؤكداً أن هدفنا واحد ،ولدينا قواسم مشتركة،وإذا كان لليمن مشاكل في إنتاج وصناعة ووصول الفيلم ففي الإمارات يواجهوا نفس المشكلة ،باختلاف انه صار هناك مساحات بدأت تُعطى للسينما في الإمارات بينما في اليمن هذه المساحات غير موجودة... وماذا عن مشاركة الطلبة ؟ - الأعمال الطلابية سواء كانت في اليمن أو في الإمارات هي لطلبة لا يدرسوا السينما ،وإنما لطلبة يدرسون الإعلام ،ولذلك هناك مشكلة في فهم السينما. لكن ربما قد تشكل لهم المشاركة في المهرجان حافزا لتطوير تجاربهم السينمائية ...؟ - جميل،لكن في النهاية لا نريد أن نُحبط الطلبة عندما يكون الفيلم غير سينمائي أي عندما يكون الفيلم تلفزيونياً أو ريبورتاج وأُخرج على أنه وثائقي؛فنرجع نقول لهم لم يتم اختيار أفلامكم فيحبطوا ... ربما الخوف من الرفض هو وراء عدم مشاركة الكثير،وبالذات من اليمن …؟ - لا..اعتقد أن الفرص مفتوحة للكل،لكن بالنفسْ السينمائي..من خلال تجربتنا في السنوات الماضية فأنت إذا دربت الطالب على الخطأ قد ينشأ على الخطأ ،لكن عندما تقول له أنت لم تصنع فيلما سينمائيا أنت صنعت ريبورتاجاً وهناك فرق كبير بين الريبورتاج والفيلم الوثائقي فأنت تسهم في تطويره...ولهذا دراسة الطلبة تعتمد لدينا على ماذا نريد أن يكون الطالب في المستقبل؟ أكيد سينظم إلى التلفزيون،فلذلك نحن نهيئه من اليوم ليجد وظيفة،وبالتأكيد هذا مفهوم خاطئ للسينما ولفهم الصورة أو لتشكيل وعي الطالب ... ومثلما يحصل في اليمن يحصل في الإمارات فالطالب مهيأ لكي يجد وظيفة وليس لكي يصير مبدعاً.. توسيع المشاركة ننتقل إلى محور آخر ... ما الذي استهدفه المهرجان من توسيع مساحة المشاركة للأفلام لتشمل الأفلام من بلدان المنطقة والأفلام التي تتناول الخليج كموضوع ... - في النهاية أولا لدول الخليج مفهوم القرب منه و أيضا إتاحة الفرصة....هناك العديد عاشوا في دول الخليج وأصبحوا جزءا من الشريحة ،وكأنهم ينتموا للبلد بشكل أو بآخر ،ولو خرجوا من هذا البلد ربما يضيعون؛ لأنهم أصبحوا جزءاً من البلد ... ومن غير الإنصاف انه يشعر أنه ينتمي للبلد وأنت تقول له أنت لا تنتمي إليه في شروطك .. هو صار جزءاً من نسيج البلد وبالتالي هو يصنع فيلماً وهو يعرف تماما خفايا البلد عكس واحد يأتي بعين غريبة ويصنع فيلماً وهو لا يعرف عن البلد شيئاً .. لذلك حقهم علينا أن نفتح لهم هذه المساحة؛لكي يشعروا أن لهم مهرجان ينتمون إليه مثلما يشعرون أنهم ينتمون للبلد .. في مهرجان الخليج لهذا العام .. في تقديرك ما هي أهم النتائج التي تشعر إدارة المهرجان أن الدورة الثالثة حققتها أو تجاوزت من خلالها نقاط القصور التي رافقت مهرجان العام الماضي؟ - في النهاية نحن في إدارة المهرجان يبقى جهدنا تنظيمي،وما يأتي إلينا هو انعكاس لما يحدث في كل سنة..فمثلاً هناك سنة يكون لليمن فيها نشاطات ويكون لها عشرة أفلام ،و تأتي سنة لا يكون لها فيها أفلام... فهذه ليست مشكلة إدارة المهرجان وإنما مشكلة الإنتاج ..فنحن - ربما- نعكس ما يحدث في الخليج سينمائياً في سنة كاملة .. وما الذي يميزكم إذا عن بقية المهرجانات،خصوصاً وأن المهرجان مرتبط بمنطقة تعثرت فيها صناعة السينما؛مما يضاعف من مهامكم فتتجاوز التنظيم باتجاه التحفيز على توسيع وتطوير الإنتاج السينمائي في المنطقة..وهو الدور الذي لمسناه بالفعل في تطور مستوى الأفلام المشاركة في كل دورة من دورات المهرجان ؟ - صحيح ...أتفق معك تماماً.. لذا أنا ركزت في كلمة الافتتاح على أنه صار هذا المهرجان هو البيت الذي يجمع سينمائيي الخليج...ومهم جداً أن نفتح أبوابنا ونوافذنا في المهرجان وأن يأتوا إلينا وأن يعرضوا أعمالهم ونروّج لها الآن ولاحقاً؛لأنه من الخدمات التي يقدمها المهرجان- مثلاً- بعد الانتهاء من المهرجان أن ننظم أسابيع سينمائية سواءً في دول الخليج أو خارج دول الخليج ،وكذا المشاركة في مهرجانات،فنبعث الأفلام ونرسلها على حسابنا،حتى أننا نملأ استمارات الاشتراك في المهرجانات...وربما شاركنا في الدورتين السابقتين في أكثر من أربعين مهرجاناً تم إرسال أفلام إليهم من قبل مهرجان الخليج . وكم عدد الأفلام التي شاركتم بها في تلك المهرجانات؟ - شاركنا في الدورتين السابقتين بنحو خمسين فيلما تقريباً..أي أن دورنا لا ينتهي بانتهاء الدورة...فمثلاً في ديسمبر من العام الماضي كان لدينا نشاط كبير من خلال أسبوع للأفلام الخليجية في غزة التي كانت واقعة تحت الحصار،لكنا اخترقنا الحصار وتم تسريب الأفلام إلى أن أقيمت العروض في غزه...وبينما كانوا يشاهدونا من خلال تلك الأفلام في غزه كان مهرجان دبي السينمائي يعرض أفلاماً فلسطينية... فكانوا يرونا ونحن نراهم في نفس الأيام..... هذا عمل من الأعمال التي يقوم بها المهرجان ...أخر أعمالنا كانت في جنيف حيث انتهينا قبل أسبوعين من برنامج خليجي أقمناه معهم ..... وهل في خططكم إقامة أسبوع سينمائي خليجي في اليمن ؟ - لِمَ لا ..فنحن نريد أن ننظمه وأيضا يشاهدونا في اليمن ونشاهدهم؛لأن الأفلام تُعرض مرة واحدة في المهرجان وتموت،ونحن ضد هذه الفكرة ؛لذا نعمل على أن تعيش هذه الأفلام لسنة وسنتين ،وأن تُشاهد من قبل جماهير ومؤسسات،وربما تخلق نوعاً من الحافز.. فمثلاً عندما تُعرض أفلام خليجية في اليمن ستخلق حافزاً للمهتم اليمني والراغب في أن ينتج أفلام ؛لأنه لايشاهد ما يقدمه الشباب في بقية بلدان المنطقة،ولا يعرف مستوى أعمالهم...أي أن هذه التظاهرات والأسابيع هي التي ستجعل الوهج لا ينطفئ؛فتحافظ على الوهج من سنة إلى أخرى..خمسون فيلماً في أكثر من خمسين مهرجاناً حول العالم قدمنا فيها نخبة من الأفلام المشاركة بالمهرجان،ولعل هذا ما يميز مهرجان الخليج،وهو أننا لا نعمل فقط في السبعة الأيام الخاصة بالمهرجان وبعدها ننام سنة...هذه جزء من الخدمات التي يقدمها المهرجان،ولا يقدمها مهرجان آخر...مثل هذه الأشياء هي التي تتيح اكتشاف السينما الخليجية ونبدأ من خلالها قطف الثمار...ولهذا فالمخرجون الشباب المشاركون بالمهرجان سعداء بالمشاركة؛لأنه بمجرد أن تشارك أفلامهم في المهرجان تنتقل بعده إلى مهرجانات أخرى .. صرامة الشروط ثمة ملاحظة ترددت كثيراً في الدورة السابقة حتى من لجنة التحكيم وهي حول عدم وجود صرامة في الشروط التي تُقبل من خلالها الأفلام المشاركة في المسابقة...وهناك من قال إن أفلاماً كثيرة لم تكن جديرة بالمشاركة والعرض؛لماذا كل تلك المرونة أهي تدريجية من اجل تحفيز الشباب لتجويد أفلامهم لاحقا..؟ - المقاييس في الخليج صعبة جداً ..حيث لا يمكن أن نقارن فيلم مصنوع في دولة تمتلك كل شيء مع فيلم مصنوع في دولة لا تمتلك أي شيء،فلذلك فعندما تأتون وتجدون المستويات متفاوتة في الأعمال،وحتى لجان التحكيم تأتي فتقول مثل هذه الملاحظات وهو لماذا فيه مرونة فهناك فيلم فيه مشاكل لماذا تقبله؟!.. بما أني أفهم ومتابع لما تشهده منطقة الخليج منذ أكثر من 15 سنة ،ربما لم يفتني فيها فيلم خليجي لم أشاهده سواء كان طلابي أو غيره ؛لذا فأنا عارف بالضبط أين نحن ؟!..وأين هي تجربة أي مخرج؟ ... بينما أنت شاهدت في مهرجان هذا العام 112 فيلماً من الخليج تجدني أنا شاهدت 600 فيلم ..فكم كبير من الأفلام التي شاهدتها لم يشاهدها شخص آخر ... فعقلي يتابع على ماذا يشتغل هذا المخرج وما التطور الحاصل في تجربته ؟!.. وأحيانا عندي أسباب ربما أنت لا تعرفها فمثلاً هناك مخرج كان يحاول وإمكانياته بسيطة وعمل المستحيل لكي يشارك في المهرجان ولسبب أو لآخر ولأني فاهم انه واقع في ظروف معينة فقد قبلت الفيلم ،لكن المشاهد غير مستوعب هذا ؛فيأتي يقول لي .. لماذا المرونة والليونة في قبول الأفلام؟! ... أنا أقول لأن المرونة مطلوبة ومطلوبة كثيرا للمخرجين الجدد والطلبة ،أما من هو متمكن فلن اسمح له أن يشارك ولن أكون متسامحاً كثيراً إذا كانت تجربته هذه السنة متواضعة عن العام الماضي ؛لأنه وصل إلى منطقة يفهم فيها طبيعة عمله وما يتوجب عليه فعله . توريط الشباب بالسينما أفهم أن الصرامة تدريجية ..؟ - بالتأكيد الصرامة تدريجية ..ولكن أعود وأؤكد أن المرونة تكون أكثر مع الطلبة ؛لأنه من غير المعقول أن أقسو عليه وهو مازال طالباً فقد اصدمه بالقسوة وبالذات في البداية .. يعني في سنوات تنظيم مسابقة أفلام الإمارات قسى عليَّ الكثير وقالوا لي:أنت متسامح ...أنت تأتي بنا من بلداننا لكي نشاهد أفلام لا تصلح للمشاهدة...لكني قلت لهم أنا أشاهدها بمنظور آخر... كان ومازال كل همي أن أورط الشخص بالسينما .. ليس همي الآن أشاهد أفلام ....بدأنا مسابقة أفلام الإمارات في 2001م وقبل المسابقة سألني صحفي من جريدة الحياة :كم فيلم تتوقع ؟..فقلت له :صفر ..أنا لا أتوقع أفلاماً أنا أتوقع اكتشف مواهب .. أنا إلى الآن لم أعرف ما هو المكان أصلا لا الإمارات ولا بقية دول الخليج.. أن تنتج فيلماً في بلد لا عهد له بصناعة السينما فمشاكلك ستكون اكبر من المعقول ... فمابالك عندما تفكر بتنظيم مهرجان سينمائي...كيف تجاوزت تجربتك كل معوقات الجدب السينمائي بدءاً من إنتاج الأفلام، إلى تنظيم مسابقة أفلام الإمارات،وحتى الانطلاق بمهرجان الخليج السينمائي ؟ - عدتُ إلى بلادي في التسعينات،بعد أن درست في أمريكا،وجئت أصنع أفلامي في 1991م فأمضيت ثلاث سنوات حتى خرجت بفيلم قصير في 1994م،وبعد ذلك عندما بدأ الفيلم يحقق نجاحات ويفوز بجوائز اعتقدت أنني سألقى دعماً،لكن النتائج كانت صادمة ؛لأني أحبطت تماما بعد هذه التجربة ... في ذلك الوقت كنت أفكر – فقط - مع من أحكي سينما ، ليس مع من أصنع سينما .. أي لم يكن لدي صديق يتكلم سينما وبالتالي إذا كنت إلى هذه الدرجة من اليباس كيف يتوقع اليوم أن يكون عندي أفلام ؟!.. أنا أريد أشخاصاً يحبون السينما لا غير ...أفلامهم مهما كان مستواها ... لا يعنيني .. يعنيني ألقى أناساً يحبون السينما،بعد ذلك نؤسس و نفرز و نعرف منْ يحب ومنْ يريد يكون في هذا المجال ومن لا يريد .. بعد ذلك نفرز ونشتغل عليهم .. هذا الأهم في الأشياء وليس الأهم أن نصنع أفلاماً..أنا لا أتكلم عن صناعة أفلام.. عملت مهرجاناً وأنا لا أعرف ما هي هذه المغامرة ؟!..حتى مشروع مسابقة أفلام الإمارات بقي مرفوضاً من قبل جهات ومؤسسات عديدة؛فالجميع يقولون لك: كيف تضع العربة أمام الحصان ..فعندما يكون عندك إنتاج سينمائي فكر حينها بمهرجان سينمائي. وهذا ما تردد أيضا حتى بعد ان أطلقتم مهرجان الخليج ومازال يطرحه البعض بين حين وآخر وهو كيف تنظمون مهرجانا سينمائياً وانتم لا تنتجوا أفلاما ..؟ - أنا عامل العكس... أنا ليس لدي أي فيلم وعامل مهرجان،لكن ليس مهرجاناً دولياً حيث اجلب أفلاماً من الخارج لعرضها في الداخل ... لا .. بدأت بمسابقة أفلام الإمارات في وقت لم تكن هناك أفلام إماراتية، لكن مع مرور الزمن وعندما أعلنا ومع بداية أول دورة كنت أنا المونتير وكاتب السيناريو وكنت أنا الذي أرشد وصرت كل شيء .. و ليل نهار وانا أتنقل من إمارة إلى إمارة اشتغل مع الشباب بنفسي إلى ان انتهينا بمهرجان دورة أولى فيه تسعين فيلماً إماراتياً.. كيف استطعت إقناعهم بقبول فكرة المهرجان ... متجاوزا كل تلك المصاعب؟ - المصاعب موجودة حتى اليوم ... فيه إرادة ما فهي التي ستخلق الأفلام وليس الأجهزة ..ولهذا فالمخرج الفرنسي فرانسوا فوجيل الذي عرضنا له في مهرجان هذا العام تجده يتنقل وبيده كاميرا فوتوغرافية ولمبة ويصنع أفلاماً وليست كاميرا فيديو بل كاميرا فوتوغرافية .. فالذي يريد يصنع فيلماً يصنعه فمادام هناك إرادة ما فستجعله يصنعه ...مشكلتنا في الخليج هي الكسل .. هذه ملاحظتي في العشر السنوات الأخيرة ...انه أنا ليس لدي كاميرات ليس لدي أحد يعلمني ولا أحد يأخذ بيدي و الحكومة لا تعطيني ... و هو محبط جالس .. لكن لو هو اشتغل فسيصنع فيلمه مهما كانت الظروف.. لماذا لا نقول أنهم بحاجة إلى من يشجعهم...بدليل ما يحققه المهرجان..ففي كل دورة نجد الشباب يقدمون أفلاماً أفضل من السابق ..؟ - صحيح ... من 2001 كان الواقع يباس .. بعدها تغير الأمر .. حققت مسابقة أفلام الإمارات نقلة تلتها النقلة التي أحدثها المهرجان،ولهذا أنا اقسِّم المسألة إلى مرحلتين فالمسابقة التي استمرت محصورة في الإمارات لثلاث سنوات ومن ثم كان فيه مسابقتان إماراتية وخليجية .. تلك المسابقة مثلت مرحلة وهذا المهرجان يمثل مرحلة أخرى،ولهذا في هذه المرحلة نجد نضج قليلاً...وعندما جئت أفكر بمهرجان.. قررت انه لابد ابدأ من حيث انتهيت في المسابقة وليس من البداية ؛ولذلك صارت المقاييس أعلى والإنتاج أكثر صرامة ؛لأنه صار فيه نوع من الفهم بعد السبع والثماني سنوات ... لكن قبل ذلك كنت أقبل بأي فيلم ،وحتى لو لم أعرف ما هو هذا الفيلم؟..أي صورة متحركة كانت بالنسبة لي فرحة ؛ لأني في النهاية كنت أعرف أنه لن أخلق سينما اليوم ،ولست مراهن سينمائياً على اليوم ... نفس الحكاية في مهرجان الخليج ...أنا لست مراهناً على مهرجان خليج هذه الدورة انأ مراهن على الخليج القادم .. فيلم "دار الحي" اليوم في الدورة الثالثة للمهرجان ما الذي فاجأك ولم تكن تتوقعه ولم تحسب حسابه ؟ - لا شيء .. فيلم حفل الافتتاح"درا الحي" وهو فيلم إماراتي روائي للمخرج علي مصطفى مثل مفاجأة لم نتوقعها من السينما الخليجية حديثة العهد...هل سيتواصل الإنتاج الروائي إماراتياً لاحقا بمستوى هذا الفيلم ؟ - لا أعرف...أنا أقول أن مخرجي الأفلام القصيرة الذين بدأوا بهذه الأفلام من مسابقة أفلام الإمارات وحتى الآن هم سيتجهون بشكل طبيعي للأفلام الطويلة اليوم ، ولأنهم نضجوا هم متجهون للأفلام الطويلة لهذا سنشاهد في الدورات القادمة أفلاماً روائية طويلة من شباب تعرفنا عليهم في هذه الدورات من خلال الأفلام القصيرة ... في ظل اعتماد أفلام الشباب على التمويل الذاتي كيف بالإمكان الانتقال بمستوى أعمالهم إلى مستوى فيلم "دار الحي" و هو فيلم تم تمويله بدعم حكومي ؟ - الفيلم الذي شاهدناه في الافتتاح هو فيلم مدعوم من الحكومة ،لكن مخرج الفيلم علي مصطفى بدأ معنا في مسابقة أفلام الإمارات وهناك أربعة إلى خمسة أفلام يتم الاشتغال عليها حالياً بدأوا في مسابقة أفلام الإمارات،وعندما كنا نشاهد أفلامهم حينها كنا نضحك.. وماذا عن دور المهرجان في استقطاب المنتجين ..؟ - نرجع ونقول أين هم المنتجين لدينا.. لم لا نبحث عن منتجين من خارج دول الخليج؟ - ولماذا يأتي منتج من خارج المنطقة ويدفع مال في منطقة الخليج .. هذه مسالة غاية في الحساسية مثلاً آتي بمنتج فرنسي ينتج فيلماً في الخليج فحينئذ إذا كان الخليج يتحدث عن مشكلته ويشتم بلده فسيكون عميلا لهذه الدولة مثلما هو حاصل في اتهام السينما المغربية بأنها فرنسية...أما المخرجون العرب فالأولى أن ينتجوا أفلامهم فكل الدول العربية تعاني... هل أفهم أن الحل يبقى في السينما المستقلة خصوصا في هذه البلدان؟ - لا يوجد إلا أنك تعيش على السينما المستقلة و بالذات في دول الخليج ... لأنك حتى لو صنعت فيلماً تجارياً فلن يحقق عائداته؛لأنه لا يوجد جمهور.. فالنسبة الأكبر من هذا الجمهور يوجد في المملكة لكن السينما محظورة فيها ... والعراق صعب تعرض فيها واليمن عدد الصالات قليل وفي النهاية :أين الجمهور ؟! إذا قسنا على ثلاث أو أربع دول في الخليج سكانها لا يصل إلى ثلاثة أو أربعة ملايين... ومن ثم تعال فتش معي بين هؤلاء عن الجمهور السينمائي فستجد بين عوائلهم من يقول السينما حرام،والذي هم كبار في السن والصغار لا يذهبوا للسينما. فأنت عندما تصنع الفيلم بعشرة ملايين و لا تحقق عائدات أكثر من مئة ألف .. فلا يوجد حل أمامك إلا السينما المستقلة ...أو تعتمد على السينما التجارية التي لن تحقق لك أرباحاً إلا إذا أنت تنتج أفلاماً قليلة الكلفة وتجارية بحتة لكي تستقطب جمهوراً وعائداً سريعاً وتنتهي .. هل ثمة برامج جديدة تعدون لها في الدورات القادمة للمهرجان؟ - نظمنا في هذه الدورة ورشة الإنتاج ومعرض تجاري لشركات إنتاج ومدارس لمن يرغب في الدراسة والتعرف على الشركات والتقنيات..وعندنا ورشة السيناريو للفيلم الطويل .. بالاتفاق مع تورينوفيلم تولاب في الخليج .. يقدموا خبراء لاستلام السيناريوهات ويطوروها لمدة سنة حتى تكون صالحة ويبحثوا عن منتجين محتملين لإنتاج هذه الأفلام .. الوضع لدينا قاتم والتعامل معه ينبغي أن يكون قائماً على الإرادة وليس الكسل ...فالوضع في الخليج والوطن العربي كله مبني على الكسل واللامبالاة وإذا صحا فهو يصحو بغرور وليس بهدوء ..ولذلك أما تشاهده مغروراً أو كسلان . الأمور تمشي بين طرفي هذه المعادلة وبالتالي أما أن تنكسر أو تتحدى ؛فقلنا هل نستطيع نعمل شيئا في بلدان ليس لديها أي شيء..إذا وصلنا وبنينا اللبنة الأولى فنحن بحاجة إلى جهات أخرى تبني اللبنة الأخرى وليس علينا نحن أن نظل نبني لوحدنا... يتكرر الحديث هنا عن القطاع الخاص واستقطابه ليبني اللبنة الأخرى ؟ - يمكن الحديث عن دور القطاع الخاص مع تزايد الوعي بقيمة السينما وأهميتها وقيمتها وأنها قادرة على ان تسترجع أموالها..السينما عالم آخر لابد له من وعي بمتطلباتها فالفيلم المستقل يحقق أرباحاً لكن على سنوات طويلة في حين الفيلم المصنوع للربح السريع يحقق أرباحاً في أول أسبوعين من العرض... ما الذي تريد أن تقوله للسينمائيين اليمنيين في ختام هذه المقابلة؟ - أقول له لا تحبط من البداية ،لا تفكر بأن فيلمك لن يُقبل وانه فيلم لن يُصنع ... أنا أقول انه بمجرد أن تأخذ كاميراتك وتذهب إلى مادتك التي تريد تصويرها فأنت وضعت رجلك على أول السلم فلا ترجع عن أول السلم أصعد وستصل إلى فوق في النهاية ...أنا أقول ذلك وهناك نماذج من اليمن صنعوا أعمالاً جعلت منهم أسماء تحتفي بها المهرجانات وإن كانت أسماء قليلة مثل بدر الحرسي وخديجة السلامي ..ليس بالضرورة أن تعيش خارج اليمن حتى تصنع فلمك فبالنسبة لي فالفيلم يخرج من الداخل وليس من الخارج ...و اعتقد أن المهرجان مفتوح ويريد أن تكون موجود فيه..أتمنى فقط أن يكون الشباب قارئين مشاهدين جيدين وصانعي أفلام ..