رأينا في الحلقات السابقة أن الهندسة النفسية هي فن وعلم الوصول بالإنسان إلى درجة الامتياز البشري والتي يستطيع الإنسان بها تحقيق أهدافه.. وتهدف الهندسة النفسية إلى إعادة صياغة وبرمجة العقل البشري بطريقة ايجابية وتخليصه من البرمجة السلبية السابقة مما يجعل الإنسان قادرا على تحقيق أهدافه بفاعلية.. كما رأينا أن الهندسة النفسية( أو ما يسمى بالبرمجة اللغوية العصبية NLP) كنتاج بشري لها مالها وعليها ما عليها ففيها الكثير من الايجابيات كما لا تخلو من بعض السلبيات كما وضحنا في حلقة سابقة وما علينا سوى الاستفادة من الجوانب الايجابية فيها من باب أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها. وفي هذه الحلقة نواصل الحديث عن التفكير الايجابي والاعتقاد الايجابي عن الذات . ما تفكر فيه تحصل عليه..فما أنت إلا من صنع أفكارك. قل لي ماذا تعتقد عن نفسك ...أقل لك من أنت مقولات دائما نسمعها ولكن هل هي على قد ر من الصحة والتأثير؟ نعم هي مقولات صحيحة و تأثيرها قد يقلب حياتك!! فكر في موضوع ما تريد أن تحصل عليه، فكر في مرتبة علمية أو مستوى اجتماعي ترغب أن تكون فيه..... المهم أن يستحوذ ذلك على كل تفكيرك... فتنتبه له... تركز عليه جميع حواسك وأحاسيسك... يخالط شعورك ومشاعرك... يصبح لديك اعتقاد جازم بأن ستكونه في يوم قريب يظهر على سلوكياتك... يؤثر في حياتك وتعيشه قبل أن يكون... تتخذ الإجراء اللازم لوصوله تستغل كل مواردك وإمكاناتك المتاحة... تطور من ذاتك لتكون الأجدر لنيله... فتكون أنت الشخص المناسب له... تتآمر معك الظروف وتسخر لك بشكل لا يستوعبه العقل.. - قال جورج برنارد شو: «التخيل هو بداية الابتكار».. وقال أيضا: »يرى بعض الناس الأشياء كما هي ويتساءلون لماذا؟ أ ما أنا فأتخيل الأشياء التي لم تحد ث وأقول لم لا ». - وقال ألبرت أينشتاين:« التخيل أهم من المعرفة». - وقال فرانسيس بيكون: «التخيل يشكل العالم». - وقال والت ديزني:« ما تستطيع أن تحلم به تستطيع تحقيقه». تأكد أن ما تفكر فيه ستحصل عليه .... سواء بالسالب او بالإيجاب .. كيف ؟؟ ركز على ديونك فسوف تزداد ديونك لذا فكر ان تكون غنياً . ركز على مشاكلك فسوف تزداد لذا ركز على الحل. ركز على تخلصك من الخوف سيزداد خوفك لذا ركز على الشجاعة.. فمن يفكر بمشاكله سيجني مشاكل جديدة . إذاً ما الحل؟؟ الحل هو التركيز على الحل .. لا التركيز على المشكلة ، الحل هو التركيز على ما تريد لا على ما لا تريد . والموضوع له علاقة بالبرمجة الايجابية منذ الصغر وغرس الاعتقاد الايجابي عن الذات في كتابه “الاعتقاد” قال الكاتب الأمريكي روبرت ديلنز: “ يمثل الاعتقاد أكبر إطار للسلوك, وعندما يكون الاعتقاد قوياً ستكون تصرفاتنا متماشية مع هذا الاعتقاد...، وقال د. ريتشارد باندلر أحد مؤسسي البرمجة اللغوية العصبية:”إن للاعتقادات قوة كبيرة, فإذا استطعت أن تغير اعتقادات أي شخص فإنك من الممكن أن تجعله يفعل أي شيء”.. وفي كتابه “عشر قوانين طبيعية للوقت المثمر وتنظيم الحياة” قال هيرام سميث: “لكل اعتقاد مجموعة قوانين مبرمجة قي مستوى عميق في العقل الباطن, وعلى أساس هذه القوانين يتصرف الإنسان” ويعمل نظام الاعتقاد بأكمله وكل أشكاله مع بعضه البعض وإذا قمت بتغيير أي اعتقاد فسيمكنك تغيير باقي الاعتقادات وتصبح أكثر سعادة وأحسن صحة وقد كتب د. جيمس ماكونيل في كتابه “فهم السلوك الإنساني” :” الاعتقادات التي تقبلناها تدخل باستمرار مع تجاربنا وتكون النتيجة إما الصحة أو المرض”. تأصيل إن الاعتقاد الايجابي عن الذات وتقديرها والتفاؤل بالمستقبل والهمة العالية والتوقعات المرتفعة كلها مفاهيم إسلامية فالله عز وجل يدعو المسلم إلى ان يحسن الظن بربه ولا يضع حداً لتوقعه ومطالبه من ربه وان يفكر بايجابية (أنا عند ظن عبدي بي فليظن عبدي بي مايشاء) ، وقد احتوت التوجيهات النبوية بالكثير منها فالنبي (ص) يقول( لا يكون أحدكم إمعة) ويوجه لطلب الدرجات العالية فيقول (إذا سأل أحدكم الله الجنة فليسأله الفردوس الأعلى)...ويقول عليه الصلاة والسلام( تفاءلوا بالخير تجدوه).وهناك الكثير من التوجيهات النبوية التي تدعو للتفكير الايجابي والاعتقاد الايجابي عن الذات. صفحات ناصعة كثير من العظماء والناجحين نقل لنا التاريخ عنهم بأنهم كانوا يفكرون بايجابية ويضعون لأنفسهم تقديرا و مكانة عالية منذ نعومة أظافرهم وكانوا ينظرون إلى مستقبلهم بتفاؤل بل ويتوقعون هذا المستقبل المشرق ويعملون بكل همة من اجل تحقيقه .. فهذا الربعي ابن عامر رضي الله عنه من الجيل الذي رباه النبي صلى الله عليه وسلم يقف بكل اعتزاز ويقول كلمات هزت رستم كبير الفرس حينما قال( نحن قوم إبتعثنا الله لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد)...وبهذه الروح الايجابية المتفائلة ساد المسلمون الدنيا بأسرها في زمانهم. وهذا الإمام احمد بن حنبل رحمه الله يقول إن أمه كانت أعظم من علمه وأثر فيه ..حيث كانت تلبسه العمامة وهو صغير وتقول له تعال يا شيخ احمد, واذهب يا شيخ احمد.فنشأ معتقدا عن نفسه الى هذه المكانة وفكر فيها حتى أصبح من أئمة الإسلام الأربعة.. وفي عصرنا الحاضر يقول الدكتور احمد زويل الفائز بجائزة نوبل في العلوم أن أمه كانت تكتب على باب غرفته وهو صغير (غرفة الدكتور أحمد زويل). وهذا المحاضر والمدرب العالمي إبراهيم الفقي كان يعمل غاسلا للصحون في احد فنادق مونتريال بكندا ولكنه كان يفكر بايجابية ويحمل اعتقادا ايجابيا عن ذاته حتى انه دخل ذات يوم على مدير الفندق وقال له انأ سأكون في مكانك يوما ما..وبالفعل أصبح مديرا لأكبر سلسلة فنادق في كندا قبل أن يصبح المدرب العالمي المشهور.. إشراقة يقول الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز رحمه الله : إن لي نفساً تواقة، وما حققت شيئاً إلا تاقت لما هو أعلى منه، تاقت نفسي إلى الزواج من ابنة عمي فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها، ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فوليتها، وتاقت نفسي إلى الخلافة فنلتها، والآن تاقت نفسي إلى الجنة فأرجو أن أكون من أهلها. خبير تدريب واستشاري اداري وأسري [email protected]